برنسيس إيكاروس

Friday, March 25, 2011

الجابرية والطابق الثاني

الجابرية والطابق الثاني!

كتبت منى الشافعي

حين أتاخر عن حضور أنشطة وفعاليات المنتديات والملتقيات الثقافية، لا بد وأن يوجه أحد الزملاء اللوم إلي على هذا التأخير، وبعد ان أخبره أنني من سكان منطقة الجابرية، وخرجت قبل الموعد بأكثر من نصف ساعة، والمسافة بين النقطتين لا تحتمل أكثر عشر دقائق، ينظر إلي معتذرا، ثم يردد: « الله يعينكم سكان الجابرية على الجية والروحة».
نعم لست وحدي التي تعاني، فسكان الجابرية كلهم يعانون من الازدحام والاختناقات المرورية، وعدم كفاية المداخل والمخارج في المنطقة، خاصة في ساعات الذروة.. فتلك المنطقة السكنية الجميلة الجاذبة، غادرها جمالها فأصبحت طاردة، ذلك لوجود كثير من المرافق والمؤسسات، والمكاتب، والشركات التجارية، والمستشفيات، والمراكز الصحية، والعيادات، والصيدليات.. والمدارس، والكليات، والمعاهد الخاصة، والسفارات، والملحقيات، والمطاعم، والمقاهي، والعمارات السكنية، وغيرها، التي تسبب الازدحام والاختناقات المرورية، والفوضى في الشوارع والطرقات، لكثرة اعداد المرتادين وأنواع المركبات.

***
قبل سبع سنوات تقريبا، كتبت مقالة تحمل عنوان هذه المقالة نفسه، سأقتطف منها القليل:( تشرفت، تكلفت، ثم تضررت منطقة الجابرية بوجود هذا الكم الكبير من المباني والمرافق الحكومية والخاصة - المدارس، والكليات الجامعية، والحضانات الخاصة (جاكليت)، المحال التجارية بأنواعها وأشكالها (سوق الجمعة).. طالبت المسؤولين بوضع الحلول السريعة الناجحة، ولكن يبدو ان الجابرية منسية، وليست في الاجندة في ذلك الوقت.
***
هذا ما كانت عليه الجابرية تقريبا قبل عقد، فكيف هي اليوم، وقد تضاعفت المباني وازدادت عرضا وطولا، والانكى انها لاتزال فاتحة ذراعيها لاستقبال كل قادم جديد، حتى اصبحت المنطقة بلا ملمح ولا هوية.. فهي سكنية، تجارية، استثمارية، مزدحمة، ملوثة، مختنقة.. لتشكل هذه الحالة اللاطبيعية، نوعا من القلق اليومي لسكانها.
في مقالتي الاولى اقترحت على البلدية السماح ببناء طابق ثان، دور ثان.. لم تكن مزحة او نكتة، فليس بالضرورة ان يكون البناء فوق الارض، انما تحت الأرض، بمعنى أن المنطقة تحتاج الى انفاق واسعة وممتدة لتستوعب على الاقل حركة المركبات بأنواعها، التي تزداد كثافة يوما بعد آخر، ويا حبذا لو صاحب هذا المشروع بناء عدد من الجسور المعلقة لفك التشابك المروري، والقضاء على الاختناقات المرورية المزعجة.. لتصبح الجابرية بعد نجاح المشروع منطقة متفردة الملمح والهوية في الكويت.

m_alshafei@hotmail.com

Monday, March 21, 2011

لعيد الأم سحره الخاص

كتبت منى الشافعي
****
كل عام والأمهات يزددن روعة وجمالاً وشموخاً في عيدهن.. وكل عام والأمهات الرائعات بمليون خير.
***
يحزنني أن أسمع من بعض الأمهات حكايات مؤلمة، ومواقف لا يتقبلها الحس الإنساني، وخلافات قد لا نستوعبها، أو حتى نتصور حدوثها، عن عقوق الأبناء.. وما يؤلمني أكثر ويستوقفني ليدفعني للكتابة أن العقوق يأتي من البنات!
كيف تستطيع الابنة، تلك الأنثى الرقيقة التي أصبحت أو ستصبح أما، امتداداً للطبيعة الانسانية.. أقول كيف تستطيع أن تمارس تصرفاً غير لائق، وسلوكاً مرفوضاً دينياً واجتماعياً بحق أمها، يشوه العلاقات الأسرية، ويبتعد عن الصورة الانسانية الراقية؟!
ألا تعي، تلك الابنة العاقة أن الإسلام كرّم الأُم وأمرنا باحترامها، والب.رّ بها.. وأن الله سبحانه وتعالى حرّم عقوقها، وأمرنا بمعاملتها بالحسنى ردا لجميلها علينا، وعرفاناً باحتوائها لنا في كل لحظات حياتنا؟! ألا تدرك تلك الابنة أن نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالأم خيراً؟.. ألم تقرأ قول الله تعالى: «..حملته أمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين..»؟ أما الإمام الشافعي - يرحمه الله - فيقول: «واخضع لأمك وارضها، فعقوقها إحدى الك.بَر».
***
إن الأمومة نعمة كبيرة متفردة، وخصوصية مقدسة، خصّ الله تعالى بها المرأة وميزها عن الرجل.. وبالتالي هل يعقل أن احدنا ينسى أمه، أو يحقد عليها، أو يعاديها نتيجة لأمور حياتية زائلة؟!.. أليست الأم هي نبع الحنان والحب والرحمة والتضحية والعطاء اللامتناهي؟! هل ينسى أحدنا ما قدمته له أمه وهو صغير حين كان يحتمي بحضنها في لحظات خوفه وفزعه، فيشعر بالطمأنينة ويحس بالأمان؟.. صدق سقراط حين قال: «لم أطمئن قط إلا وأنا في حجر أمي».
أيها الأبناء - خاصة البنات - ترفقوا بأمهاتكم، فهنّ أحنّ عليكم حتى من أنفسكم.. فمن يفقد أمه - لا سمح الله - فكأنما فقد كل شيء، كما يقول محمود درويش: «لن أسميك امرأة، سأسميك كل شيء».. أما المتنبي فيقول: «أح.ن إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا».
***
نعم.. البشر خطاؤون، لكن، في مثل هذا اليوم المميز (يوم عيد الأم).. على كل من أخطأ بحق أمه، أن يُحرّك ضميره ويحاسب نفسه، ويتصالح معها، ويبحث عن أخطائه وعثراته وعقوقه ويحمل بيده وردة، ويذهب نادماً، معتذراً، يُقبّل اليد الحنونة التي احتضنته وربته واحتوته صغيرا / كبيرا.. غير متناس أن قلوب الأمهات، ستقبل الاعتذار مهما كان الابن عاقا.. يقول شكسبير: «لا توجد في الدنيا وسادة أنعم من حضن الأم، ولا وردة أجمل من ثغرها».
وبالتالي أيها الأبناء الرائعون، لا نريد أن نشوه هذا اليوم الجميل، فالمجتمع الكويتي كان ولا يزال يُقدّس شيئاً اسمه الأم.

منى الشافعي
m_alshafei@hotmail.com

Friday, March 11, 2011

الى متى الشعب الليبي ينزف ؟

كتبت منى الشافعي

يبدو واضحا، ان العالم العربي قد تجاوز الأرقام القياسية للثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية الشبابية، التي بدأها الشعب التونسي بثورة الياسمين في 18 ديسمبر من العام المنصرم، ثم انفرطت المسبحة العربية، فتبعه الشعب المصري والليبي واليمني والبحريني والعُماني.. والحبل على الجرار.. ولهذا احتل العالم العربي مركزا مميزا في كتاب «غينيس» للأرقام القياسية العالمية، وطبعا هذا حقه الأدبي، لأنه تفوق على أقرانه من الأمم والشعوب الأخرى بتتالي ثوراته الجماعية.. لا يسعنا هنا إلا أن نبارك له هذا النصر العالمي!

***
أكدت لنا تلك الظاهرة الايجابية للثورات المتلاحقة، أن هناك عددا لا بأس به من رواد مدارس الدكتاتورية، يمارسون اللاإنسانية بشغف، ضد شعوبهم المقهورة، الجائعة، الفقيرة، المظلومة، الذليلة.. التي كانت صامتة لعقود طويلة، قبل أن تنهض وتنتفض.
أقرب مثال، ما يحدث اليوم على مرأى من عيوننا، في الشقيقة ليبيا الدولة الغنية، النفطية، الجميلة، المختطفة من السلطة الدكتاتورية التي لا تزال تمارس عليها العنف والسطوة، وتشن الغارات الجوية المتلاحقة، على الشعب البريء، المسالم الأعزل، وتنال من أمنه وأمانه، وتقيد حريته، وتمنع عنه لقمة عيشه البسيطة، في الوقت الذي تغتال فيه ثروات بلاده ومقدراتها، حتى تلوث هواء ليبيا بـ«فيروس» الظلم والقمع والقهر والقتل، لينتشر في كل أرجاء المدن الليبية، لتنتفض وتحتج وتثور على الدكتاتورية المستديمة، الملتصقة بكرسي السلطة غير العادي.. ولكن ل.تَع. تلك السلطة أن الشعوب خرجت عن السيطرة، ولن تتوقف حتى تنتصر لتتحرر.

***
يا جماعة الخير، هل بقي شيء من الإنسانية في فوضى عالم اليوم؟ عالم الدكتاتوريات العابثة بالإنسانية التي تتلاعب بشعوبها المغلوبة على أمرها؟ بصراحة.. إنه عالم مقلوب، تحيط حدوده السطوة والقسوة وقوة السلاح.. اين حقوق الإنسان، أين العدل والإخاء والمساواة، أين حقوق الشعب الليبي أيها العالم؟

***
إحساسي جدا عميق، بحجم معاناة الشعب الليبي الشقيق، لأننا ــ ككويتيين ــ عانينا المر والأمرّ منه، واكتوينا بنار ملك الدكتاتورية المقبور صدام حسين، في فترة الغزو والاحتلال الصدامي لكويتنا الحبيبة، التي دامت بسطوتها فوق رؤوسنا سبعة أشهر عجاف بين الصمود والشتات.. لذا، لماذا لا يتحرك العالم بسرعة لإنقاذ هذا الشعب المغدور، المختطف في أرضه وسمائه؟.. ما جدوى الاجتماعات، التأجيل، القرارات، والشعب الليبي ينزف كل يوم عشرات القتلى والجرحى.. والعالم الحر يمارس دور المتفرج ويمتطي ظهر السلحفاة؟.. ترى متى يستعيد الإنسان العربي إنسانيته المفقودة؟

Wednesday, March 09, 2011

للطفولة التي تسكننا



كتبت منى الشافعي



منذ سنوات طويلة وأنا أتابع بشغف أحد المسلسلات الأمريكية الذي تعلقت بأحداثه اليومية المتنوعة والمثيرة أحياناً.



لقد أعجبتني وشدتني إحدى حلقاته التي شاهدتها مؤخراً، تركز على فصل جديد من حياة ابنة عائلة لوغن صغرى البنات والأولاد، واحتفالية زفافها.



تربت "كايتي" مع إخوتها في أسرة متوسطة الحال، بين أم كادحة تعمل بتجهيز الطعام للحفلات والأفراح، وأب غائب عن البيت يطارد رزقه في أكثر من مكان. أما كايتي فحتى الدمية البسيطة كانت تتلقفها يداها الصغيرتان بعد أن تكون قد مرت تلك الدمية على الأخت الكبرى أولاً ثم الأصغر إلى أن تصل إليها بالنهاية نصف ممزقة.. ومع هذا كانت ترسم فرحة كبيرة على وجهها الطري حين تُقبّل تلك الدمية الممزقة الثياب والمخلوعة الكتف، بشغف وامتنان.



* * *



كبرت كايتي، تنقلت بين المراحل التعليمية، تفوقت، حصلت على الشهادات التي تؤهلها للعمل المحترم، اجتهدت كثيراً حتى ترقت إلى مديرة علاقات عامة في إحدى دور الأزياء الشهيرة في مدينتها لوس انجلوس.



تشاء الصدف الجميلة أن يُعجب بها شكلاً وخلقاً وروحاً، المالك الجديد لهذه الدار، والذي يمتلك الكثير من المؤسسات الأخرى المرتبطة بعالم الموضة والأزياء.. و الأجمل لم تمضِ أشهر قليلة حتى عرض عليها ذلك المليونير العازب رغبته بالزواج منها.. لكنها حين وافقت اشترطت عليه أن يقام حفل ومراسيم الزواج في المتنزه الصغير البسيط الذي يطل عليه بيت أسرتها القديم وبيوت جيرانهم في ذلك الحي المتواضع الذي نشأت وتربت بين أزقته وبساطة سكانه.. أما ضيوف الحفل فستكتفي بأفراد الأسرتين المقربتين جداً، وأطفال الحي الصغار المتواجدين بالضرورة للهو واللعب في المتنزه يوم الأحد، مع أمهاتهم بملابسهم البسيطة المتسخة من اللعب على الحشيش الرطّب.. ومع أن الزوج المليونير الذي يمتلك أضخم وأشهر دار للأزياء، إلا أنها اختارت فستاناً بسيطاً جداً، بلون زهر الياسمين، تحلي شعرها وردة بيضاء صغيرة تزيد لونه الداكن بريقاً، وتظهر طبيعته المنسدل على كتفيها بخيلاء.. والأهم اختارت سيارة والدتها الحمراء القديمة جداً، لتزف بها.



أما الزوج/ العريس، بداية كان قد عرض عليها أن تختار مكاناً مميزاً لإقامة حفل زواجهما الذي سيحضره طبعاً علية القوم، وطلب منها إقامة الحفل في يخته الفاره الفريد من نوعه مع ضيوف النخبة.. أو أن تختار بين أضخم فنادق باريس وأجملها.. أو إحدى ساحات روما العريقة، أو أشهر فنادق لندن، أو أرقى وأضخم وأكبر فنادق العالم في لاس فيجاس، أو في بفرلي هيلز أو هوليوود.. كل هذه الخيارات الخيالية الثرية لم تفتح شهية حرمانها الطفولي، وآثرت طلبها إقامة ذلك الحفل البسيط بكل مقاييسه في متنزه الحي المتواضع وذلك عن قناعة ورغبة صادقة، اعترافاً بجميل ذلك المكان الذي كان لها ملاذاً آمناً في طفولتها الفقيرة، تلعب و تمرح فوق عشبه الطري، وتتسلق بعض أشجاره القصيرة، وتختبئ خلف شجيراته المنتفخة، مع إخوتها وأقرانهم من أبناء الجيران.



* * *



حين تحدث والدها في الحفل وذكر بكل فخر واعتزاز دميتها العتيقة البسيطة، التي كانت تسعدها وتؤنس طفولتها، لم تتحرج، بل أشرق وجهها بابتسامة رائقة، أما نظراتها فقد تعلقت بنافذة غرفتها الصغيرة المطلة على المتنزه، مع دمعة بللت خديها الورديين.



ظلّ الزوج/ العريس المليونير، مبهوراً مأخوذاً بما يحدث، لم يكن يعتقد أو يتصور، أن حفلاً بسيطاً في ذلك المتنزه الصغير في حي متواضع، له كل هذا السحر، وذاك التألق الذي سكنه.. ولكن يبدو أن السحر كان نابعاً من الروح الجميلة العذبة التي كانت تتحلى بها العروس، الشابة كايتي، التي جعلت جميع الحضور يتسامون بروحانية ابتعدت عن الغلو في الماديات، والتباهي بالثروات، والتفاخر بمظاهر الغنى.



* * *



بعد انتهاء مراسيم الزواج، وبعد تلقي العروسان التهنئة من الحضور، تقدمت كايتي جلست خلف مقود سيارة والدتها القديمة، التي تحكي أيضاً جزءاً من طفولتها، ليقفز الزوج فرحاً، مبتسماً محتلاً المقعد الأمامي قرب زوجته الرائعة.. أدارت كايتي المقود بيد، ولوحت بالشكر والامتنان للحي وأهله وناسها باليد الأخرى.



* * *



أعتقد أن حفل الزفاف كان رائعاً، عاطفياً أكثر منه محملاً بالمظاهر الآنية التي تضيع من الذاكرة بعد فترة أما الأحاسيس والمشاعر هي التي ستبقى ولن تغادر الذاكرة.



كما أعتقد أن كايتي شابة من نوع آخر.. أنموذجاً ملائكياً، قلَّ ما تجد له مثيلاً في هذا الزمن الذي تحكمه الماديات، وتلتصق به المظاهر والبهرجة بأنواعها وأشكالها وألوانها.. ولكن يبدو أن هناك مَنْ لا يزال يحمل إحساساً رقيقاً عذباً صادقاً للطفولة التي تسكنه!.



















للطفولة التي تسكننا

كتبت منى الشافعي

منذ سنوات طويلة وأنا أتابع بشغف أحد المسلسلات الأمريكية الذي تعلقت بأحداثه اليومية المتنوعة والمثيرة أحياناً.

لقد أعجبتني وشدتني إحدى حلقاته التي شاهدتها مؤخراً، تركز على فصل جديد من حياة ابنة عائلة لوغن صغرى البنات والأولاد، واحتفالية زفافها.

تربت "كايتي" مع إخوتها في أسرة متوسطة الحال، بين أم كادحة تعمل بتجهيز الطعام للحفلات والأفراح، وأب غائب عن البيت يطارد رزقه في أكثر من مكان. أما كايتي فحتى الدمية البسيطة كانت تتلقفها يداها الصغيرتان بعد أن تكون قد مرت تلك الدمية على الأخت الكبرى أولاً ثم الأصغر إلى أن تصل إليها بالنهاية نصف ممزقة.. ومع هذا كانت ترسم فرحة كبيرة على وجهها الطري حين تُقبّل تلك الدمية الممزقة الثياب والمخلوعة الكتف، بشغف وامتنان.

* * *

كبرت كايتي، تنقلت بين المراحل التعليمية، تفوقت، حصلت على الشهادات التي تؤهلها للعمل المحترم، اجتهدت كثيراً حتى ترقت إلى مديرة علاقات عامة في إحدى دور الأزياء الشهيرة في مدينتها لوس انجلوس.

تشاء الصدف الجميلة أن يُعجب بها شكلاً وخلقاً وروحاً، المالك الجديد لهذه الدار، والذي يمتلك الكثير من المؤسسات الأخرى المرتبطة بعالم الموضة والأزياء.. و الأجمل لم تمضِ أشهر قليلة حتى عرض عليها ذلك المليونير العازب رغبته بالزواج منها.. لكنها حين وافقت اشترطت عليه أن يقام حفل ومراسيم الزواج في المتنزه الصغير البسيط الذي يطل عليه بيت أسرتها القديم وبيوت جيرانهم في ذلك الحي المتواضع الذي نشأت وتربت بين أزقته وبساطة سكانه.. أما ضيوف الحفل فستكتفي بأفراد الأسرتين المقربتين جداً، وأطفال الحي الصغار المتواجدين بالضرورة للهو واللعب في المتنزه يوم الأحد، مع أمهاتهم بملابسهم البسيطة المتسخة من اللعب على الحشيش الرطّب.. ومع أن الزوج المليونير الذي يمتلك أضخم وأشهر دار للأزياء، إلا أنها اختارت فستاناً بسيطاً جداً، بلون زهر الياسمين، تحلي شعرها وردة بيضاء صغيرة تزيد لونه الداكن بريقاً، وتظهر طبيعته المنسدل على كتفيها بخيلاء.. والأهم اختارت سيارة والدتها الحمراء القديمة جداً، لتزف بها.

أما الزوج/ العريس، بداية كان قد عرض عليها أن تختار مكاناً مميزاً لإقامة حفل زواجهما الذي سيحضره طبعاً علية القوم، وطلب منها إقامة الحفل في يخته الفاره الفريد من نوعه مع ضيوف النخبة.. أو أن تختار بين أضخم فنادق باريس وأجملها.. أو إحدى ساحات روما العريقة، أو أشهر فنادق لندن، أو أرقى وأضخم وأكبر فنادق العالم في لاس فيجاس، أو في بفرلي هيلز أو هوليوود.. كل هذه الخيارات الخيالية الثرية لم تفتح شهية حرمانها الطفولي، وآثرت طلبها إقامة ذلك الحفل البسيط بكل مقاييسه في متنزه الحي المتواضع وذلك عن قناعة ورغبة صادقة، اعترافاً بجميل ذلك المكان الذي كان لها ملاذاً آمناً في طفولتها الفقيرة، تلعب و تمرح فوق عشبه الطري، وتتسلق بعض أشجاره القصيرة، وتختبئ خلف شجيراته المنتفخة، مع إخوتها وأقرانهم من أبناء الجيران.

* * *

حين تحدث والدها في الحفل وذكر بكل فخر واعتزاز دميتها العتيقة البسيطة، التي كانت تسعدها وتؤنس طفولتها، لم تتحرج، بل أشرق وجهها بابتسامة رائقة، أما نظراتها فقد تعلقت بنافذة غرفتها الصغيرة المطلة على المتنزه، مع دمعة بللت خديها الورديين.

ظلّ الزوج/ العريس المليونير، مبهوراً مأخوذاً بما يحدث، لم يكن يعتقد أو يتصور، أن حفلاً بسيطاً في ذلك المتنزه الصغير في حي متواضع، له كل هذا السحر، وذاك التألق الذي سكنه.. ولكن يبدو أن السحر كان نابعاً من الروح الجميلة العذبة التي كانت تتحلى بها العروس، الشابة كايتي، التي جعلت جميع الحضور يتسامون بروحانية ابتعدت عن الغلو في الماديات، والتباهي بالثروات، والتفاخر بمظاهر الغنى.

* * *

بعد انتهاء مراسيم الزواج، وبعد تلقي العروسان التهنئة من الحضور، تقدمت كايتي جلست خلف مقود سيارة والدتها القديمة، التي تحكي أيضاً جزءاً من طفولتها، ليقفز الزوج فرحاً، مبتسماً محتلاً المقعد الأمامي قرب زوجته الرائعة.. أدارت كايتي المقود بيد، ولوحت بالشكر والامتنان للحي وأهله وناسها باليد الأخرى.

* * *

أعتقد أن حفل الزفاف كان رائعاً، عاطفياً أكثر منه محملاً بالمظاهر الآنية التي تضيع من الذاكرة بعد فترة أما الأحاسيس والمشاعر هي التي ستبقى ولن تغادر الذاكرة.

كما أعتقد أن كايتي شابة من نوع آخر.. أنموذجاً ملائكياً، قلَّ ما تجد له مثيلاً في هذا الزمن الذي تحكمه الماديات، وتلتصق به المظاهر والبهرجة بأنواعها وأشكالها وألوانها.. ولكن يبدو أن هناك مَنْ لا يزال يحمل إحساساً رقيقاً عذباً صادقاً للطفولة التي تسكنه!.



Saturday, March 05, 2011

أبا قتيبة .. ذكراك تجبرني على الكتابة




كتبت منى الشافعي




*****


يمر يوم الخامس من مارس من كل عام حزيناً دامعاً، فالوجع يسكنني والحزن يلفني يا أبا قتيبة.. فها هي ذكراك الثالثة العطرة تطل علينا، تجبرنا على تقديرها حتى ولو بتلك الكلمات البسيطة.
* * *
هناك قلائل من الناس حين تتعرف عليهم في حياتك لا يمكن ان تنساهم، أو تسلاهم ابداً، وتظلّ ذاكرتك تحمل تفردهم الانساني والفكري والادبي والعلمي والثقافي والحميمي، وانت منهم يا اخي الغالي د. احمد الربعي، فلاتزال تسكن في قلوبنا وتتجذر في وجداننا، فلا يخلو ملتقى حميمي او عام من ذكرك او الاستشهاد بكنوز كتاباتك الثرية المغرقة في المعرفة والثقافة وسحر الادب الذي كنت تعشقه.. فأنت شخصية انسانية متفردة، لك نكهة خاصة لا يمكن ان تتكرر، والاجمل حبك المتميز للكويت، الذي يعرفه كل من زاملك وتابعك، واقترب من فكرك، دائما كنت تردد: «الكويت جميلة» حتى أصبحت هذه المقولة الرائعة ايقونة نرددها جميعا في كل المناسبات، وستظل جميلة كما كنت تحلم بها وتتمناها، بطيبة كل اطيافها وعدّل حكامها وسواعد ابنائها.
لم تبخل بفكرك وعلمك على كل المحيطين بك، فقد كنت حقا مجموعة انسان، بداخلك شيء رائع، وكومة من اسرار الحياة العظيمة، التي يكفيني فخرا انها مستني في مسيرتي الادبية، فكلما اكتب حرفاً أتذكر انك اول من وجهني ووثق بحرفي ودفعني لخوض تجربة الكتابة بكل ثقة وشجاعة، ستظل ذكراك بين صفحات دفاتري العتيقة وساكنة في احباري الملونة تمدني بقوة نحو احلام جديدة، طالما كنت تقول لنا «احلموا وحققوا احلامكم، وكلما تحقق حلم احلموا بغيره».
* * *
نشتاقك يا أبا قتيبة، نشتاق الى «الاربعائيات» تلك الاستراحة الوجدانية التي بقدر ما تلهبنا مشاعر واحاسيس انسانية متنوعة، بقدر ما تمتعنا في آخر الاسبوع، فضلا عن عمودك الثري المغرق بعمق الرؤية والفكر الراقي المؤثر ذي الفلسفة الخاصة «بالمقلوب» الذي يزين جريدة القبس.
نشتاقك يا أخي الغالي، نشتاق الى جلساتك الحميمية، حين كنا نتحلق حولك، نصغي مستمتعين وانت تغرد بقصائد غيرك من الشعراء الذين كنت تعشق ابداعهم، كم نحن بحاجتك يا أبا قتيبة هذه الايام، التي تمر على عالمنا العربي، صعبة، معقدة، ومتأزمة، نحتاج رأيك وفكرك!
نشتاقك يا د. احمد الربعي، نشتاق الى قصائدك الرائعة التي كنت تكتبها من دون ان تنشرها.. تلك احداها:
«عندما تغيبين،
يلف هذا الكون سواد وحزن،
ووحشة!».
صدقت يا أبا قتيبة، فعندما غبت عنا ورحلت باكراً، رأينا الكون ملفوفاً بالحزن متلفعاً بالسواد.. بصراحة، نستشعر فقدك، ولك وحشة احلك من ليالي الهم والوجع.
* * *
عذراً..
عاجزة هي الابجديات التي تعبر بامتياز عن شخص غير عادي مثلك يا ابا قتيبة.. ليرحمك الله ويرحمنا جميعاً.. لك جنات النعيم، ولنا الصبر والسلوان.