برنسيس إيكاروس

Thursday, January 24, 2013

الجار قبل الدار


 
كتبت منى الشافعي
 
الجار قبل الدار
****
 
كلمات الأخ الزميل صالح المسباح الباحث في التراث، التي نشرت في الصحافة أخيراً، أوجعتني وأثارت بعض الشجون. يقول المسباح: «كان الجيران في الماضي يتعاونون حتى في تقديم أراضيهم لمصلحة «الفريج» والأصحاب، والآن يتعاركون من أجل شبر أرض أو موقف سيارة».
***
نعم.. أوجعتني، فجار اليوم، ليس هو جار الأمس. في الماضي، كان الجار يتفقد جاره في كل اللحظات، كان الجار يقاسم جاره الفرح، وتدمع عيناه لحزنه. أما الآن، فقد أصبح عدم الاكتراث هو العنصر الإيجابي في محيط الجيرة، سواء للفرح أو الحزن، لا فرق، متناسياً الجار وصية جبريل، عليه السلام، لرسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الرسول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
في الزمن الجميل، كان هناك عرف يقول: «الجار له حق على جاره في كل الأمور الحياتية اليومية، وهي كثيرة ومتعددة الصور»، وكما نعرف، أحياناً، إن لم يكن دائماً، أن العرف أقوى من القانون.
مع الأسف، تبخّر هذا العرف الجميل كغيره من قيم ومفاهيم وأخلاقيات الزمن الجميل. يبدو أن أهل العرف قد ودعونا إلى الأبد، لأن الناس هذه الأيام لا يحترمون القانون نفسه، ويسعون جاهدين إلى عدم تطبيقه، فكيف إذاً يحترمون الأعراف ويطبقون العقد الاجتماعي؟!
***
الأمثال السلبية بين الجيران كثيرة، أبسطها لو أوقفت سيارتك مضطراً أمام بيت جارك، يأتيك من يدق الباب بعد ثوان ليصعقك «شيل سيارتك من جدام بيتنا». من توافه الأمور حين اضطر أحد الجيران إلى أن يمدد أنبوباً صغيراً للماء على السور المشترك الفاصل بين بيته وجاره، اعترضت الزوجة الجارة، بحجة أن هذا الأنبوب سيغزو عشرة سنتيمترات من سورهم... هذه هي جارة اليوم! والأمثال كثيرة ومؤلمة.
نتألم حين تصل الأمور بين الجيران إلى المخافر بشكاوى تجدها من أتفه الأمور وأبسطها، بحيث لا تستدعي شكوى، ويجب ألا يعيرها الإنسان السوي ذرة اهتمام. وهكذا أصبح جار اليوم يؤذي جاره ويزعجه بشتى الطرق.
الأنكى، تلك الأمور التي استجدت وأخذت تكبر وتنمو وتتمدد، وهي أن الطائفية والقبلية، المذهبية، والدينية، دخلت بقوة في الجيرة، حتى أن بعض الجيران أصبحوا كالإخوة الأعداء! ألهذه الدرجة انحدرت قيمنا ومفاهيمنا وأخلاقياتنا؟!
***
نعتقد بأن هذا الانحدار في القيم والمفاهيم والأعراف لا يأتي من فراغ، فثمة أمور حياتية استجدت ساعدت على تغيير النفوس، وبالتالي انعكست سلباً على ممارساتنا الإنسانية، وعلاقاتنا الاجتماعية اليومية مع بعضنا البعض.
نتمنى ألا يمر هذا الموضوع فقط على ورق الجريدة، أو على صفحة القبس الإلكترونية. فهذا الأمر/ الظاهرة، يراد له بحث اجتماعي مستفيض يبحث عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى هذا الأسلوب الحياتي الجديد، ومن ثم يضع الحلول المناسبة، وطرق علاج تلك النفوس المريضة أخلاقياً. وجامعة الكويت، بأقسامها، لن تقصر، إذا رغبت في تبني هذه الفكرة، لنعود إلى مفاهيم وقيم الزمن الجميل وأخلاقياته الأجمل!
منى الشافعي

Tuesday, January 15, 2013

ثقافة الترقيع.. لا تزال مستمرة !



كتبت منى الشافعي
ثقافة الترقيع.. لا تزال مستمرة

ارتبطت كلمة ترقيع بفئة الفقراء من البشر، فالفقير يرقّع ثيابه إذا تقطّعت، لأنه لا يملك المال الكافي لشراء غيرها.
أما الغني من البشر، فبكل بساطة لا يحمل هموم ترقيع ثيابه، لأنه يملك الكثير من المال، وبالتالي تجد حياته سهلة سلسة خالية من التعقيد
* * *
هذه المقدمة البسيطة تنطبق على الدول، فهناك دول فقيرة معذورة حين تنتهج سياسة الترقيع في كل أمر من أمورها الحياتية، بدءاً بالبنية التحتية، وانتهاء بأهم معالمها، مروراً بكل منشآتها الحكومية الخدمية وغيرها. لأن حالتها المادية/ الاقتصادية لا تتحمل ثقل الحياة العصرية ومتطلباتها الكثيرة، ومتغيراتها المتسارعة. أما الدول الغنية، فإن قصًَّرت في شيء من متطلبات الحياة اليومية الضرورية، الكريمة لشعوبها، فهل نعذرها؟
* * *
ديرتنا النفطية، الجميلة، كويتنا الرائدة في المجالات الحياتية العصرية، عروس الخليج، تحولت في غفلة منّا، إلى نهج سياسة الترقيع في أغلب مناحي الحياة، لأكثر من عقدين، وها هي الشوارع والطرقات التي تعتبر من أهم الواجهات الحضارية للبلد، تبدو لك كالثوب المرقّع بأكثر من رقعة لا تشبهه، ذلك لأن بعض المقاولين المدللين وبعد أن «يُبح» صوت المواطن من مئات الصرخات، وبعد أن تتلف آخر سيارة يمتلكها، يعطف عليه المقاول (مقاول المشروع)، ويبدأ بترقيع الحفر والكسور المتناثرة هنا وهناك في أغلب شوارعنا وطرقاتنا بحفنة من الأسمنت، متناسياً هذا المثل «حلاة الثوب رقعته منّه وفيه»، مع أننا دولة نفطية والأسفلت متوافر بكثرة.
بصراحة، العتب ليس على مقاول هذه المشاريع، لأن دور المراقب الحكومي غائب، والإهمال وعدم اكتراث المسؤول يعززان هذا الدور للمقاول المتراخي، «اللي نايم بالعسل» على حساب راحة المواطن، وهكذا لا تزال شوارعنا وطرقاتنا تئن من الحفر والكسر، ممزقة الأوصال، تحت رحمة الترقيع التعيس

* * *
هناك الكثير ممن يشكو من سياسة الترقيع في الديرة، فمثلاً المباني الحكومية، وهي، أيضاً، واجهة من واجهات البلد الحضارية، الكثير منها يعاني القِدم، وبعضها وصل إلى درجة «غير صالح»، وحتى محاولات الترقيع لن تنفع معها. من الأمثلة الحية، مباني جامعة الكويت المتناثرة في المناطق السكنية لا تزال تنتهج ثقافة/سياسة الترقيع غير المجدية. المسارح تشكو من العتق والإهمال. بعض المستشفيات، ومع الترقيع الدوري، لا تفي بغرضها الصحي لأهل الديرة وملايين الوافدين. بعض مباني جمعيات النفع العام التي غزاها الترقيع لا تزال متهالكة. ها هو مبنى رابطة الأدباء المرقَّع بأكثر من رقعة يئن من عتقه الخمسيني/ الستيني، فلم يعد المسكين يلبي احتياجات الأدباء والكتَّاب، والمهتمين وضيوف الكويت، وهناك الكثير من الأمثلة... مدارس.. معاهد.. و.. و.. و!
* * *
رجاء حار من أهل الكويت إلى حكومتنا الجديدة، أن تنسوا كلمة ترقيع وتشطبوها من قاموسكم الحكومي، فإن التطور والتنمية لا يلتقيان أبداً مع سياسة الترقيع وتوابعها من «قص ولزق»، فالترقيع يبدد المال، ويشوه كل جميل في الحياة!... نتمنى
 القبس 14 يناير 2013 .

 

 

Saturday, January 05, 2013

العنف عند الشباب



كتبت منى الشافعي
العنف عند الشباب
******
في السنوات الأخيرة، غزت بعض الأمور والمتغيّرات السلبية المجتمع الكويتي بقوة، ومنها انتشار العنف اللفظي والجسدي في المدارس وتخريب الممتلكات العامة، مثل الحدائق والطرقات وغير ذلك. العراك والشجار بــ «العُجرات» والكراسي في المقاهي والمطاعم، ثم أخذنا نسمع بسرقة السيارات والبيوت والمحلات التجارية، تطور العنف ليشمل الاختطاف والاغتصاب تحت تهديد السلاح. نعرف جيداً أن عنف الشباب متفشٍّ في العالم، وشبابنا ليس بمعزل عن غيره، ولكن أن يصل العنف إلى حد القتل البشع بالسكين وإطلاق الرصاص من الـ «كلاشينكوف» بنية القتل، فهذا إذن يستدعي وقفة، بل «أم الوقفات»!
* * *
العنف عند الشباب كاد يصبح ظاهرة - لا سمح الله - ولكن ما هو العنف؟ «يعرّف بأنه إيذاء إنسان وإلحاق الضرر به، وهو سلوك يكتسب، وينشأ مع الطفل خطوة بخطوة، ليصل إلى ذروته في فترتي المراهقة والشباب، وهما فترتا التمرد والعنفوان». وبالتالي، يجبرنا العنف على دراسة الأسباب المؤدية إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات العنيفة، التي امتدت وتطورت لتصل إلى حد القتل وإزهاق الأرواح البريئة، «ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلابالحق» صدق الله العظيم
وبعد التعرّف على الأسباب، نستطيع وضع الحلول، لنعالج هذه الممارسات الطائشة، والقضاء عليها، أو حتى الحد من أعنفها، قبل فوات الأوان.
كلنا نعرف أن من الأسباب التي ساعدت على انتشار موجة العنف عند الشباب وتعدد صوره، هو الإفراط في الإدمان على الكحوليات وأنواع المخدرات - «التارسة الديرة» - وسهولة الحصول على أنواع الأسلحة الحادة، بحيث أصبح حمل هذا النوع من السلاح عند بعض الشباب نوعاً من التباهي والتفاخر! لن ننسى هنا أصدقاء السوء والفشل في المراحل الدراسية والبطالة والفروقات الاجتماعية الطبقية، وغياب الوازع الديني، وانتشار الثقافة الاستهلاكية بين الشباب
نتساءل: مَنِ الْمسؤول عن وجود هذه الأسباب، التي تقود إلى العنف؟ الجواب يأتي بسهولة وبكل صراحة: الأسرة هي المسؤول الأول عن سوء تربية الأطفال، المراهقين، الشباب، والابتعاد عن رعايتهم واحتضانهم ومتابعتهم ومراقبة سلوكهم اليومي، وبالتالي إهمالهم، لن نغفل دور المدرسة المؤثر في المجتمع. فأين دورها التربوي والتوعوي والتعليمي؟! لن نتناسى ثقافة الإعلام، خصوصاً المرئي، ودوره الفاعل في توجيه النشء، لأن الطفولة تتأثر بما تراه وتسمعه. هنا، أيضاً، يقفز إلى الذهن عدم تطبيق القوانين في الديرة، والتي لعبت الواسطة دورها المعروف والمشهور في التدخل الصريح والسافر في كيفية تطبيق القوانين، خصوصاً ضد جرائم الشباب، مما أدى إلى تمادي هذه الفئة في أعمالها البشعة العنيفة.
* * *
قبل أن نجلس لنضع الحلول بالقضاء على الأسباب لهذه «الظاهرة»، يجب علينا أولاً إيجاد صيغة جديدة، يومية، دورية، تسمى «سياسة الحوار مع الشباب»، لحل جميع قضاياهم، لأن قضاياهم تختلف، وبهذا نحد من العنف المتراكم في عقولهم وقلوبهم حتى نقضي عليه. ولكن لا ننس، ولنع جيداً أن هناك الشاب المواطن، والشاب غير محدد الجنسية (البدون)، والشاب الوافد، وبالتالي لكل منهم مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ولكل منهم تطلعاته واحتياجاته ورغباته، ولنستمع إلى الجميع، لأننا نعيش على أرض واحدة، رحيمة وطيبة!
كل عام أنتم بألف خير في بلد الأمن والأمان