.. تلك الابتسامة وحكايتي !
***************
كتبت منى الشافعي
***********
كنت أعتقد ان كل شيء في الحياة سيظّل كما هو ، يسير على روتينه اليومي ، بلحظاته البسيطة ، وتفاصيله الدقيقة. ولكن بعد أن سكنتني كثير من التجارب الحياتية المختلفة ، وامتدت سنوات العمر ، كهبة نسيم أمام غفلتي ، أدركت أن الحياة تتغير، فهي ليست تلك الحفلة التي نتوقعها دائماً ، ولا تلك المأساة التي نتخيلها أحياناً . لذا ، يجب علينا أن نحترم ما نملكه ، ونقدّر ما عندنا من نعم الله سبحانه وتعالى ، كلحظة فرح تسعدنا على بساطتها ، أو ساعة مرح تُحفزّنا للحياة ، لنصبح أنفسنا لا غيرنا . وبالتالي فطالما تتخذ الحياة بعض القرارات نيابة عنا ، وتغلق الباب خلف دهشتنا ، فما علينا إلا أن نتقبل قرارها ، وإن كان صعباً .
***
بعد ان أُغلق الباب خلفي ، وجدتني ممددة على جهاز طبي ضخم ، يتمتع بتكنولوجيا حديثة جداً لشد العمود الفقري وتخليصه من آثارالألم والخشونة التي تجرأت على بعض فقراته .
غرفة صغيرة دائرية الشكل ، جدرانها بيضاء ناصعة ، هدوء يكسره بين دقيقة وأخرى صوت الجهاز الذي يعمل بطريقة الشد والارتخاء ، خلال ساعة زمن قضيتها بصحبته .
بعض الألم يطفر من عينيّ ، يتعلق بتلك الفتحة الصغيرة الدائرية الشكل ، التي تسكن منتصف السقف ، تتزين بنور خافت مريح ، يبدو لي كأنه خيط نور من نسيج القمر، يتدلى منه بعض الأمل . شيء رائع، لا يشعر به الإنسان في لحظات يومه المشحون بأموره الحياتية الاخرى ، انها ساعة ألم لا تخلو من متعة التأمل والتخيل والتفكر.
***
في هذه الساعة ، في هذه الغرفة المغلقة ، فوق هذا الجهاز الطبي الغريب ، تذكرت كل أمور الحياة الصعبة والأكثر تعقيداً من هذا الجهاز ، فحمدت الله سبحانه وتعالى .
والأهم اعترفت لنفسي كم هي الحياة ضعيفة ، أو بعبارة أخرى ، كم هو الإنسان الحلقة الأشد ضعفاً ، ولحظتها انتبهت إلى قيمة الأسرة ، الأهل ، الأصدقاء ، الزملاء ، وحتى العابرين في حياتنا اليومية ، وكل الطيبين من البشر.
مع الألم ، أدركت مدى أهمية مد اليد ومساعدة الغير، إن كنا قادرين . فما أجمل أن تفاجئني ابتسامة الممرضة الشّابة ، التي تعدت تقاطيع وجهها قبل يدها التي امتدت لتساعدني على النزول من الجهاز.
شيء جميل أن نساعد الآخرين قدر استطاعتنا ، والأجمل ألا يتوقف هذا العطاء الإنساني في حياتنا اليومية ، حتى وأن كان تلك الابتسامة !
0 Comments:
Post a Comment
<< Home