## الدهشات الثلاث ##


استضافتها ديوانية العبدالمغني في حديث عن تجربتها مع الكتابة
منى الشافعي: ثلاث دهشات رسمت ملامح مسيرتي الأدبية
############################
استضافت ديوانية الباحث الزميل عادل العبدالمغني الاديبة منى الشافعي في حديث موسع عن تجربتها الادبية وسط حضور نخبة من رواد الديوانية من الكتاب والمثقفين وغيرهم.وقد بدأت الشافعي حديثها وسط دهشة الحضور غير المعتادين على وجود وجه نسائي في ديوانية رجالية، لكنها استطاعت بعفويتها وحيويتها كسر الحاجز الذكوري منذ البداية، حيث حاولت ان ترسم ملامح خطواتها الاولى على الورق عبر توطئة قالت فيها ان هناك اشياء وامورا مجهولة في عالم الإنسان ذلك المخلوق المعقد والبسيط في الوقت نفسه، ومن هذه الاشياء والامور هاجس الكتابة، فلم يتطرق ابدا الى ذهني سؤال لماذا الكتابة؟ او لماذا اكتب؟ ولم اضطر يوما لمساءلة نفسي هذا السؤال، فكأنني اسأل لماذا أتنفس؟ او لماذا احب؟ او لماذا آكل؟ او لماذا اشرب؟موهبتي ازدادت بالظهور والتشكل في ايام مراهقتي فدوافع المراهقة كثيرة ومتطلباتها متعددة آنذاك، عبرت خلالها عن رغباتي وطموحاتي وهمومي بالكتابة البسيطة التي جاءت على شكل خواطر ونصوص حرة شفافة، وعندما عرفت الحب في ايام المراهقة كان الشرارة الاولى التي الهبت ما بداخلي من مخزون، فانطلقت ازين بهذه الاحاسيس والمشاعر والهواجس والرغبات الفائرة والخيالات الواسعة كل انواع دفاتري المدرسية.مرحلة النضج ##في مرحلة عمرية اكثر نضجا واكبر خبرة اتجهت الى الكتابة الجادة فلم تعد تلك الخربشات الطفولية، حيث شعرت بأن الكتابة شيء محسوس او جزء مني تجري مكوناته في عروقي مع قطرات دمي. وكل ما فعلته يومها انني نقلت هذا الجزء الكامن في جسدي وافرغته من شراييني على بياض الورق بعد ان دفعني احساس غامض إلى هذا العمل بقوة وجرأة كبيرتين فجاد علي شكل كتابة بمفردات لغوية بسيطة عرفت بالقصة القصيرة، كجنس من اجناس الادب، وبذلك اصبحت القصة القصيرة عندي واقعا حين خرجت إلى الوجود، لم اخطط لها ولم اسعى وراءها، التقيتها صدفة كما التقي الحبيب، فشعرت بلذة غريبة وانا اكتبها وامارس طقوسها واغوص في عوالمها الخيالية والحقيقية، وهكذا بغفلة عني احسست بقربها مني والتصاقها بحياتي اليومية، فأحببتها وعشقتها وتقاربنا.الدهشات الثلاث...بعدها كشفت الشافعي - ولأول مرة - ما اسمته بـ «ثلاث دهشات» أثرت على مسيرتها الابداعية ككل فقالت: ثلاث دهشات في حياتي حددت مسيرتي الابداعية، الدهشة الاولى لزوجي جواد النجار حين قرأ اول قصة كتبتها وكان اول قرائي فارتسمت الدهشة على وجهه وبالتالي دفعتني هذه الدهشة إلى الكتابة.. لأنني اعرف كم هو مثقف ومطلع وفنان ومتذوق للأدب، الدهشة الثانية حينما قرأ لي الاخ الصديق د. احمد الربعي بعض كتاباتي القصصية، فارتسمت دهشة على وجهه، فكانت الدهشة الثانية ثم فاجأني بنشر احدى القصص (النخلة وهو) في الصفحة الثقافية في جريدة الوطن وبالتالي فضح سري واجبرني على الظهور، فشجعتني هذه الحركة الصديقة لدخول عالم الإبداع.اما الدهشة الثالثة فقد ارتسمت على وجه د. سليمان الشطي الاخ والصديق حين استشرته بنشر اعمالي الابداعية في مجموعة قصصية، فكانت دهشته ونصيحته لي بالطباعة هي التي اعطتني الثقة بنفسي وبما اكتب، فشكرا للدهشات الثلاث.وتابعت الشافعي حديثها قائلة: كون الحياة مليئة بأشياء متعددة ومتنوعة.. وهكذا بدأ عالم المرأة يستفزني ويؤرقني ويفرض نفسه على اجوائى القصصية، وبالتالي اصبح عالمي الخاص الذي اعتز به وانتمي اليه، فقد عبرت عنه بقدر موهبتي وطاقتي وامكاناتي، عبرت عن احاسيس ومشاعر وطموحات واحتياجات تلك المرأة الانثى، عن تطلعاتها وتمنياتها، عن احلامها وآمالها، عن آلامها واوجاعها، عن همومها وانفعالاتها وحتى عن جنونها ومكرها وصدقها، وعن كل ما يحيط بعالمها الظاهر والغامض.القضايا الإنسانية والقضايا العامةقالت الكاتبة اخيرا: انصب اهتمامي على القضايا الانسانية التي تفاجئنا من وقت لآخر، تبرز بقوة وعنف في مجتمعاتنا الانسانية، حيث لعبت تجاربي الحياتية وعلاقاتي بمن حولي دورا كبيرا في كتابة القصة القصيرة عندي، فأخذت هواجس اخرى تلاحقني وقضايا عامة تثيرني فتسيطر على قلمي وبالتالي تتخلق في خيالي شخصيات جديدة، مثل شخصية الرجل العجوز في قصة «العجوز ولحظة العبور» وشخصية المربية العجوز في «المطاف» وشخصية الطفلة وجدها العجوز في قصة «زمن الوجع» وشخصية وهمية خلقتها بطلة القصة في قصة «اشياء غريبة، تحدث» وغيرها من الشخصيات التي تصادفنا في الحياة الواسعة الممتدة، فالحياة بحد ذاتها هي قصة جميلة بكل همومها وارهاصاتها وغموضها وسرها وسحرها.اما القضايا العامة التي اثارتني ولاتزال، فأفضل مثال على ذلك هو عصارة تجربتي مع الغزو والاحتلال العراقي على بلدي الكويت، حيث دفعتني معاناته الى تجسيدها في عمل ادبي هو مجموعتي القصصية التي تحمل عنوان «دراما الحواس» فقد جاءت جميع مضامينها مستمدة من الاحتلال وابعاده وآثاره النفسية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة، فقصصي في المجموعة بعضها يتناول المعاناة والآلام التي عشناها خلال تلك المرحلة بكل صورها الانسانية من خوف وجوع ومرض ونهب وسلب وغيرها، وبعضها يعالج موضوع الاسرى يتخيلهم في السجون ويتمنى من الخالق سبحانه وتعالى عودتهم سالمين، القصص ايضا تؤرخ للفترة، تصور الفعل وردة الفعل، ولقد كانت قصة «جوع» من قصص المجموعة هي الاقرب الى قلبي والى حالتي وحالة كل الصامدين، مجرد عنوانها فهو يعبر عن الحالة التي عشناها خلال فترة الاحتلال، فالجوع كان الهاجس الاول والاكبر للصامدين وخاصة الخبز وغذاء الاطفال، الحليب... فمقومات المعيشة كانت شحيحة وغير متوافرة، وهاجسا الخوف والجوع يحاصران الصامدين من كل صوب.وهنا قرأت الشافعي بعض النماذج القصصية التي تحدثت عنها.طريقة الكتابةتابعت الكاتبة قائلة: لنتحدث قليلا عن طريقتي في الكتابة من واقع تجربتي.. انني اختزن احداثا كثيرة مرت علي منذ طفولتي وصباي وحتى الآن، واتذكر تصرفات الكثير من الاشخاص على اختلاف فئاتهم العمرية وثقافاتهم ومواقعهم واختلاف شخصياتهم الذين عرفتهم او تعاملت معهم او عشت قريبة منهم، وبالتالي عندما ابدأ بكتابة احد اعمالي القصصية فجأة! اتذكر بكل وضوح هذا المخزون المحتشد في الذاكرة والمختفي في داخلي من تلك الشخصيات والاحداث والمواقف، فانتقي منه ما احتاج من شخصيات او احداث معينة واركبها بطريقتي الخاصة واسلسلها في عملي الادبي حتى تتناسب مع الجو العام لفكرة القصة واحداثها.وحتى تنجح اعمالي دائما امزج بين ما اتخيله واتمناه في عالمي الخاص، وبين ما هو موجود في العالم الواقعي الحقيقي الذي اتقاسمه واحياه مع الآخرين.. فرؤية الكاتب وفكره هما الخيال الذي يضيفه الى القصة او العمل الادبي.اما عن القصة نفسها، فلكل قصة عندي خصوصيتها فهي تبدأ هكذا وتنتهي هكذا، انا لا احددها هي التي تحدد نفسها وتقرر مصيرها.في قصصي مساحة لا بأس بها لاشراك القارئ وتحريك عقله ليكتشف المعاني المختفية بين السطور او ان جاز التعبير البعد الثاني، وبالتالي سيستمتع القارئ خاصة المهتم بفكرة العمل او مادته او طريقة طرحه او جمالياته وسيشعر انه قد ساهم ولو قليلا بانجازه او حل رموزه او بعض غموضه، وتحريك تفكير القارئ، يعني رفع مستواه واثراءه فكريا وادبيا. اما عن الغموض الذي تلوح نتف منه في بعض اعمالي، صراحة انا لا افتعله هو الذي يندس بفنية لا اشعر بها.النهاياتولا يوجد أصعب من النهايات في كل شيء، فكيف هي القصص والروايات؟!النهايات، ففي اكثر اعمالي افضلها مفتوحة لانني عندما اكتب اعاني، واحب ان اشرك القارئ في معاناتي، فأمده بالعمل وعليه ان يشاركني ويضع النهاية حسب رؤياه الشخصية وعمق تجربته في الحياة، تبعا لواقعه وتصوره، وبذلك اساعده على فتح ذهنه وهو يقرأ اعمالي القصصية فاحرك اعماقه واستثير ما في داخله من تمنيات وتطلعات ورغبات واحتياجات علاوة على المتعة التي ينشدها.خاصيةلكل كاتب او مبدع ما يميزه عن الاخر ولكل نكهته الخاصة به وخصوصيته المستقلة الواضحة من خلال ما يكتب من اعمال ادبية، واعتقد انني اكتب بادواتي الخاصة واساليبي التي تميزني، واطرح افكاري ورؤاي من خلال ما اراه مناسبا، وهذا افضل للتنوع والتعدد لاثراء الساحة الادبية الواسعة الممتدة من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي، والاهم ان اي كاتب مبدع مهما كانت مكانته الادبية ومنزلته فلن تلغي غيره ابدا.حرية.. صدقاحب الحرية في الكتابة بمساحة معقولة، فلا كاتب الا اذا ملك حريته بشرط ان تكون هناك رقابة ذاتية تنبع من داخله تحاسبه قبل ان يحاسبه الاخرون.اما الصدق في الكتابة فهو واجب، فاذا كان مستوى الصدق عاليا او معقولا فانه سيبقى ويؤثر فيمن يقرأه.رسالةوعندما احسست ان الكتابة اصبحت عالمي الرحب الواسع وانها قدري، وبعد ان تحقق هذا الحلم من خلال كتاباتي ادركت ان للادب رسالة كما هي لكل الفنون الاخرى، فغير المتعة التي يتمناها الكاتب وينشدها القارئ، هناك حقائق احاول ان اعبر عنها وان اوضحها وابرزها بتفاعلي مع الاحداث الكبيرة والصغيرة، ومن هنا افلسف كتاباتي لتعبر عن روح العصر، واصعب شيء كيف نستطيع ككتاب او كمبدعين ان نخاطب القارئ؟ لانه لا توجد معايير مدروسة ومكتوبة فالكاتب المبدع وحده يصنع عالمه واحداثه وادواته.هكذا تبقى الكتابة لغزا لا يستطيع اي كاتب ان يحله وسرا من اسراره، اجمل شيء لا نعرف لماذا نكتب او لماذا الكتابة؟وبعيدا عن تجربتها الخاصة تحدثت الشافعي بايجاز عن تاريخ القصة في الكويت مقسمة اياه الى ثلاث مراحل، قبل ان ينتهي الحديث ليبدأ حوارا تفاعليا بينها وبين رواد الديوانية.البحر الذي في خاطري!من قراءتها في الديوانية:ليس عبثا ان احببته.. فقد وعيت على الدنيا ورأسي مليء بالبحر وعشق البحر. محظوظة اذ جاورني البحر، بيتنا الصغير في حي «الشرق» لم يكن يبعد عن شاطئ البحر سوى بضع خطوات.. بالبحر ارتبطت حياتي وحياة اهل الديرة الصغيرة التي تحتضن بذراعيها القويتين ذلك البحر.حذرة، كنت في طفولتي، عندما اقترب منه.. فجأة! اتراجع الى الخلف بحركة لا ارادية، دائما كنت اخشى ان اختفي بين امواجه، قد كانت حكايات الجدات تخيفني، كم ابتلع هذا البحر الجميل من شباب اهل الديرة ايام الغوص والسفر؟الغالية امي، دائما تحذرني، تتوسل الي ان ابتعد عنه، وهكذا، ارتضيت في طفولتي ان اجلس على شطآنه محدقة في بعده، متأملة عظمته وروعته.. كثيرا ما كنت افترش بلل رماله، استمع بشغف الى موسيقى امواجه وايقاع هديرها.. وغالبا ما كان عالمه الخفي يهجم على احاسيسي البريئة فيدفعني بشيء من السحر والقوة لالتقط احدى الودعات المدببة، واشكل بعض افكاري الغريبة على مساحة صغيرة من رماله الرطبة الناعمة.. كان يحتفظ بتلك الخربشات الطفولية في اعماقه عندما تأتي موجة تائهة فتمسح بجناحيها اشكالي الخرافية بغفلة عني.. تعتريني نوبة ضحك معجونة بالمرح والاصرار، فأعود إلى الرسم والخربشة.. بهذه الحركات.وهذا التواصل كان يفرض حبه على طفولتنا البريئة الساذجة فنعشقه اكثر ونتعلق به.دائما كان يتركني اتأمل سكونه وصمته وهيجانه وقوته لتتصارعني رغبتان متناقضتان.. حبه والخوف منه!في مراهقتي المبكرة، طالما افترشت رماله وتسمرت عيناي على زرقة مياهه، لتأتيني سلسلة من الصور الحالمة المتخيلة.. فتحرك مشاعري لاكتب اولى رسائل الحب.. ابياتا من الشعر «المراهق"»:
موجةٌحنونةٌ، تهدهدني آنامُ على صدرهاأغفويباغتني وجهك..
أبتسمُ ...على وجهي تلطمني موجةٌ تائهةٌْ...استفيق... يغيب وجهك..
0 Comments:
Post a Comment
<< Home