برنسيس إيكاروس

Monday, August 13, 2007

** نبضات أنثى **


(منى الشافعي .. في كتاب ( نبضات أنثى
ثنائية السرد .. وحكايات أزمنة الدهشة ..

الكاتب نعيم عبد مهلهل
دمشق 3 آب / أغسطس / 2007

****************

(( تفاجئني تلك النبضة بارتجافها هامسة في أذني :
ــ يبدو أنه .. لم يتوقف يوماً عن حبك ..!))
قصة / أرتحل ولكن / ص 102
تروي القصة .. حكاية ما ..
تروي العين رؤية المشهد المنظور في انعكاس صوري يحوله الهاجس الإبداعي كلمات تعبر عن وعي المشاهدة وتحليلها ..
يروي القلب روح نبضاته في تكوين إحساس إنساني يسير في عروقنا سير الدم في الأوردة ..
وأخيراً أصابعنا من تنفذ رغبة تلك الهواجس التي تصنع الحكاية ..
تاريخياً ينتمي القص إلى شفهية تعبير الإنسان الأول عن الرؤى التي ملئت حياته بدءا من المؤثر الطبيعي وانتهاء بالأحلام ، وبين المؤثر والحلم صنع الإنسان حياته وعبر عنها بشتى الممارسات المعرفية من الإشارة إلى النطق وانتهاء باختراع الحرف الكتابي ليصير التدوين واسطة للتعبير عن هذه الحكايات من خلال الطقس الديني أو الاسطرة أو الملحمة أو حتى النظم الشعري الأول كانت رؤاه تعتمد على الحكاية كما في الملاحم السومرية والبابلية وغيرها من ملاحم الشعوب..
من أبدع في هذا المجال السردي ..الرجل أو المرأة .؟
.القارئة التاريخية تعطي للرجل مساحة أوسع ..رغم إن مجمل الأعمال الأدبية عبر التأريخ مصنوعة بهاجس المرأة كما في ملحمة حرب طروادة أو أسطورة أوديب أو سمير اميس أو غيرها
غير إن العصور المتأخرة وأهمها القرن العشرين الميلادي أرانا جهدا أنثوياً متميزا في هذا المجال وخاصة في الإبداع الروائي كما عند روزا لكسمبورغ ومارغريت ميتشل وأميلي برونتي وفرجينيا وولف ونادين غوردميه ..
فيما نمى هذا الجانب في الثقافة الأنثوية العربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، ولكن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أرت العالم رموزا أدبية مبدعة وجادة أمثال غادة السمان وأحلام مستغانمي وليلى العثمان وعالية ممدوح وغيرهن
غير إن ثمانينيات القرن الماضي والألفية الثالثة أظهرت لنا أجيالاً غزيرة ومميزة في هذا المجال ، وتوالت أصدارتهن القصصية والروائية تملئ المكتبات ودور النشر ، وهذا دليل على إن السرد أخذ من الشعر الكثير من فتنته عندما اظهر لنا هذا الكم الكبير من مبدعات القص العربي .. وقراءة واحدة لقصص الكاتبة الكويتية ( منى الشافعي ) والموسومة ( نبضات أنثى ) والصادرة في طبعتها الأولى عن دار الوطن في الكويت 2007 . يرينا جهد الكتابة وتميز إبداعها في صنع الحكاية القصصية ذات الأبعاد النصية المتماسكة في المعنى والقصد وقوة اللغة وشيئا من شعريتها المرهفة الواعدة ..
في كتاب " نبضات أنثى " تتعدى مستويات السرد إلى محطات كثيرة تشتغل على هاجس واحد ، هو الذاكرة عبر زمن معاش وليس مفترض ، من الطفولة حتى الأزمنة الآتية من العمر ، وتكاد تكون كل نبضات قلب الكتاب هي إحساس واحد تتنوع فيه العوالم والبيئات والمشاعر وتتغير بتغير أمكنة القاصة وثقافتها لتجعل من حاسة خزن المواقف والذكريات حاسة لإنتاج نص يتميز بالكثير من الرهافة والإنسانية وجمالية تصوير المشهد لحظة تذكره أو قراءته في الآن الذي حدث فيه ، وفي أغلبها بيئات محلية لبلدها حيث تجاهد كثيرا في درج كل ما تتذكره من موجودات ذلك العالم ومكوناته البسيطة قبل أن يجعل النفط بلادها متحضرة بثياب القرن العشرين ، هناك حيث تشد ذاكرة القاصة عوالم الدهشة المنسوجة بحنان البحر تحت أجفان الأُم وهي تجاهد أن تبقي تلك العادات الجميلة لمجتمع ٍكان في بساطته يخلق هوسا هائلا من سعادة الطفولة والصبا وعاطفته المفرطة كما يظهر لقارئ الكتاب في

قصة ( جيشان الماضي) .. هذه القصة التي تأخذ من الطفولة مادتها ، تتمازج مع هاجس إرث يتوارث من قيم الدين ولكنه في القصة يختلط بعاطفة حزن أن تذبح كائنا حيوانيا لتفديه فيما وبغريزة ما تشدك إليه عاطفة حب جارف كالتي تحصل في مبادئ الرفق بالحيوان للتخيل لحظة فقدانك له حين ينحر ويتحول لحما مطبوخا في البطون قصة لم تتحمل ميكانيكية الفناء لهذا ( الخروف عنتر ) فظل يحمل كما في القصة هاجس القاصة بتخليصه من لحظة الموت وإطلاق سراحه.
وخلال تلك المنازعات السيكولوجية بين العادة السنوية في نحر كبش العيد وبين طغيان إنسانية الطفولة من أجل الكبش تدرج الكاتبة بشعرية بعد موجودات ذلك العالم الأسري وتتذكر مكونات عالمه وجمالية الأفكار وبساطتها في حين لاتنسى أن تقف عند أشياء ذلك البيت الطيني الذي كانت تسوره أمنيات طفولة وخيالات قراءة قصص ألف ليلة وليلة ونسمات الصباح والبراءة .
ما أثرت تماما على علاقة بطلة قصة ( جيشان الماضي ) بالخروف الذي عد هذا العام ليكون نذرا لدورة جديدة من عيد الأضحى الذي ظلت العائلة متمسكة بتقاليده الروحية والنذرية منذ أجيال :
(( في نفس العام بلغت الثانية عشر من عمري .. كنت مولعة بقراءة القصص ، وسير الأبطال ..وقصص ألف ليلة وليلة .. فأطلقت أسم عنترة على خروف العيد لسواد لونه وقوة بدنه )) .
القصة .. ص 16.
في قصة جيشان الماضي تسيطر الكاتبة على الماضي من خلال عاطفة الصبا المبكر ، وربما الثقافة المبكرة لهذا تسري واقعية لذيذة في أوردة القصة لترينا حجم الحلم الذي تمكنه لنا الخيالات المستعادة وهي أي القصة بارتباطها مع العاطفة الإنسانية مع كائن سيفقد وجوده حتى لو لم يكن عاقلا فهي تقترب تماما مع أطروحة بياجيه القائلة : في أزمنة غابرة من أعمارنا تكون الصداقات المتخيلة مع من هم ليسوا بشرا من أجمل الصداقات .
ولأن القاصة في اكتمال نضوج الكتابة كانت تمتلك نوعا من هذه الصداقات جاءت الصياغة القصصية هي بمثابة المعادل النفسي للرغبة الدفينة عند البشر في العودة إلى الوراء حيث الذي ذهب لن يعود ، لهذا يصير هذا الحيوان الساذج بعض تلك الأزمنة التي لو تجئ الآن لملأتنا حبورا ومسرة :
(( يلتهب رأسي بخيالات تطوف حول عيني أشكال خرافية .. وأطياف أسطورية تشكلها العتمة المغرقة في المكان ..أرتجف خوفا ، أشعل النور في الغرفة .. ثم .. نظرت حولي أستكشف الآخرين بخفة الطفولة وعفويتها ، تسللت من فراشي والخوف مازال يرتعش بداخلي .. تحت العريش رأيته .. في عينيه دمعتان حزينتان .. جلست قربه .. احتضنته .. اختلطت أنفاسنا ..)) القصة / ص 18 ..
ذات العاطفة الموسومة بحس ٍطاغ ٍمن خيالات الأمس تظل لصيقة بروح الكتاب .
تحاول القاصة ( منى الشافعي ) إشعار قارئها في هذا الكتاب بأن الزمن كله مرهون بنبضة القلب حيث التذكر والتمني والارتباط المسكون بهاجس ما . ويكاد يكون هاجس البيت بكل موجوداته هو العالم المتخيل في شكل وطن تسرد فيه هذه الأنثى حكايتها وتعكسها عبر لحظة كبرت فيها لكن الحاجة إلى ذلك المكان وذلك النبض يتلون في أكثر من موقف حيث تأتي قصة ( ياحضنها / ص 20 ) لتؤكد على بقاء تلك العاطفة مشدودة إلى تلك الأيام الدافئة حيث يكون حضن الأم ملاذا آمناً من كل خيالات الوهم والفزع والخوف من سطوة الخرافات وأقدار الزمن التي لا تحسب بل تأتي فجأةً لتكون تلك الأحضان وطنا للرحمة والدفء والأمان .. وتصور قصة ( ياحضنها ) بعض تلك الأحاسيس في مشهد صاخب من تيه الطريق وزحمة العواصف والأمطار وتخيل ذلك الخريف البارد الذي يقسو بزمجرة الريح حتى على جدار البيت الطيني :

(( أذهلتني الطبيعة الغاضبة بأمطارها المنهمرة كالسيل الجارف ، وبأصوات تلك العاصفة المزمجرة ، سكنني صمت غريب وأنا اتامل ذلك المطر المخيف .. فجأة ! مزقته ذكريات طفولية انبعثت حية في عقلي ، سحبتني إلى الماضي ، تصحبني تلك النبضة الغارقة في عتق السنين ..)) ..القصة ص / 20 ..
jهر هذه القصة ، مستويات الذهن وهو يحتاج لحظة مفقودة يرسم الخوف والفزع متغيرات حياة بطلة القصة غير إن ذلك الكائن الجميل ( الأم ) يعيد إلينا يقظة اللحظة ، ويخلصنا من كل حالات القلق والخوف حيث يكون حضن الأم ( وطن ) ندثر في ثنايا أزمنته وحنانه كل أمنيات القادم من الأيام :
(( فجأة ..! أظلمت السماء ،زمجرة الريح .وعاودت الأمطار هطولها .. خارت قواي ،مازلت أصرخ ..احتضنني وجه أمي الملتاعة من بعيد .. قفزت نحوها ، تكومت في حضنها ، لفتني بعباءتها المبللة الغارقة في الوحل والطين ، شعرت بالدفء يغزو جسدي المرتعش .. امتزجت دموعنا ، واختلطت خفقات قلبينا .)) القصة ص / 23 ..
تتكرر ذات الإرهاصات في الكثير من قصص الكتاب للتحدث عن نزعة التشوق إلى أمكنة الزمان الذي مضى ، وتحاول ( الشافعي ) أن تجعل من تلك الأمكنة ملاذا آمنا لراحة شخوصها وأن تجعل المكان الاجتماعي موطنا لتلك الراحة كما في دفء أحضان الأم ، وعريش البيت وظل السدرة ، وحنان الأب ، وكافيتريات البحر ، حيث براءة اللقاءات وتأمل الفضاء ، والألعاب الطائشة في زحمة الموج والحياة البعيدة .
هناك قصص أخرى في ( نبضات أنثى ) لها مستويات ذهنية من سرد آخر ، هي تلك التي اشتغلت في غربة الأمكنة لتحاول ربط الحنين والمشاعر مع من نهواهم من خلال المكنكة الجديدة في وسائل الاتصال ، وتمثل قصة ( موبايل ) ص / 83 .
قصة عن لحظة شوق في لحظة غرام ..غرام التذكر ومودة سماع صوت من نهوى .ليأتي الهاتف شجن الاتصال الذي بنت عليه الحكاية قصديتها . حيث نفاجئ بانهيار ذلك الجمال الذي يمكن أن يصنعه ( الموبايل ) عندما نشعر إنه مشترك لعاطفة أخرى غير عاطفة بطلة القصة فنصاب بأسى الخيبة والخذلان فلا شيء تفعله سوى إشعار حبيبها بأنها عرفت المتصل الآخر . لتعود تلك المرأة إلى خليقتها المدثرة بصمت ، ومحاولة البحث عن نافذة أمل تبعد هذا الضيق الهائل في صدورنا جراء ما حدث :
(( تتحطم كل صور الأمس الجميلة المعلقة بأهداب نبضتي الحبيبة .. وأبقى أنا تحت جلدي ينبض قلبي فارغا ، امرأة مطعونة بلا رفيف ..
كانت أحزاني تنزف ، ونبضتي تنطفئ رويداً رويدا ، أراها تغادرني فتفقد تاجها ، وبصوت متحشرج يأتيني من داخلي كالموت ، تنبس تلك النبضة :
- الملائكة فقط في السماء ، والرجال يمشون على الأرض )) .. تنجح( منى الشافعي ) في هذه القصة في إبعاد العنوان عن مضمون القصة لتر ينا فقط هاجس إنسان امتلك الخيبة حين اكتشف أن المحادثة ليس له وحده ، فراح يصنع من نبضته الحزينة قصة لحدس كان قد ولد من مشاعر بريئة لم تكافئ بما تستحق.
في قصة ( البصمة الوراثية ) ص / 120.. يطل علينا نبض جديد من امتداد اشتغال القصص وهاجسها الموحد مع الشعور الإنساني حيث لبست القصص أرديتها ولونت مساحة الكتاب بتنوعات هذه المشاعر عبر حياة وسنوات طويلة بدأت منذ لحظة طفولة سدرة البيت الوحيدة، وانتهت بلجة العمل الوظيفي ، والحياة الزوجية التي كان نبض الأنثى يحسها باقية وخالدة على شكل خاتم تم إهداءه لها في أول عام يمر على الاقتران .
هذه القصة ( البصمة الموراثية ) تختلف عن جميع قصص الكتاب لما فيها من تركيبة صعبة لهاجس بسيط ، اشتغلت عليه الكاتبة بذكاء وهي تنقل هاجس العلاقة بين أختين ، وطبيعة التعامل بينيهما داخل البيت إلى مختبر متطور ، ومن خلال جهاز كشف البصمة الوراثية .
تشكل القصة في سرديتها تكوين هذه الأنثى التي ظلت على الدوام تعقد المقارنات وإلى حين وصول التعامل مع هذا الجهاز الكاشف لجزء من وراثة التطبع الإنساني تضع أمامها الكثير من التساؤلات والانفعالات إزاء ماكان يحدث ، ولما كان الأب والأم يفعلان هكذا ، وهل هذا كان نتاج تباين التكوين الوراثي رغما إنها وغنيمة أختين .. وعليه فان القصة تصل بالتالي إلى النتاج العلمي المحسوم في قناعة البنت بخلفيات ، وأسباب تلك المشاعر التي كانت تنمو معها مشاعر الحزن والغضب والأسى والمشاكسة . لقد أعاد الجهاز بطبيعته ونتائجه الاستقرائية ماكان فرويد يكتشفه في المشاعر المختبئة عند البشر، وما تنتج عنه إسقاطات العلاقات الطفولية والممارسات الأسرية . وهكذا تنجح ( منى الشافعي ) في هذه القصة بصنع وحدة فكرية لمشاعر بطلة قصتها ، وترينا شكلا مركبا من البشر تعاملت معه في البناء القصصي بشكل مدهش ، وخلصت معه إلى حقيقة روحية وإنسانية وعلمية ، وبهذا نجحت القصة لتكون متميزة في بنائها وواقعيتها وحتى في شعرتيها :
(( استشعرت إصراري وعنادي فقد كان شاقا عليََّ أن أغير جلدي .. فجأة ! أحاطتني قوة جديدة لأتواصل مع رغبتي ..
وبدأت الأجهزة تعمل من جديد و .. جلست أمامها انتظر .
بلمسة أخيرة من أصابعي الماهرة سأجد ذاتي وتنتهي شكوكي البعيدة ، ويغادرني جنوني .. وسأبدأ من جديد بهوية جديدة ..)) القصة ص / 123..
تظل هكذا وقائع تشغل ذاكرة المبدع القصصي ، وهو يرسم بين قصة وقصة لوحة لذهن يعيش على استذكار ماجرى . حياة تتنوع بتنوع القدر والمسار المرسوم لها .
وهنا يسجل لعدسة ( منى الشافعي ) وهي ترصد هذا التنوع . روح الصدق ، وتلقائية الهاجس وكثير من الجمل الشعرية التي تلامس القلب وتحيله إلى تخيل سيناريو مدهش للعوالم تتعدد أشواقها وأحزانها والمسرات . حيث يجبر قارئ القصص في إيجاد ذاته مع واحدة من القصص ، وكأنها تكتب عنا جميعا بتلك المشهدية التي تكاد تكون في بعض قصصها سيرة ذاتية للقاصة نفسها ، ورغم هذا يجد القارئ إن القاصة تكاد تكتب سيرته الذاتية هو فيشد حبل مودته لذلك العالم الذي ملأته القاصة نبضات قلب عاشق وحنون.
عدد قصص الكتاب (45) قصة ..
في قراءتنا لأربع قصص من هذه القصص أعطينا صورة مجسمة لدراما الحواس التي أسست لها الشافعي في النبضات المتسارعة لقلب الأنثى وهي ترينا مجسات هذا الخفق عبر تراكم الصور التي تنقلها بعناية القلم الرشيق إلى ذاكرتنا فنحس معها بدفء أمومة ، وصداقة شرقية جميلة ، لهذا فأن مسك الكتاب في صفحته الأولى يعني بالحساب الزمني مسكه في صفحته الأخيرة . فالشافعي تذهب بك عبر فواصلها الزمنية إلى أكثر من حكاية لذات واحدة .هي ذات أنثى تروي برهافة حس كل ما مر فيها.
هذا المرور قسم بين (45 ) محطة . استطاعت فيها القاصة أن تدرك حقائق وجود هذا الكائن ( الأنثى ) وترينا فيضا من الروح التي تتقلب بين خواطرها الإنسانية من البيت إلى كرسي الوظيفة ، وطوال هذه المحطات يتعدد الاشتغال الذهني للقصص فنراها ترتدي حالاتها بموازاة لحظة خلقها فتكون القاصة قد حفرت في غير التسلسل الزمني على تواريخ متفرقة لذات واحدة ولكنها مولودة في أكثر من مكان ، ونشعر فيها أنها موجودة دائما فينا ، وأمامنا فمن أول قصة الموسومة ( للماضي عطره ) وحتى أخر قصة ( أحلام بعيدة ) ص 161/ تمد( منى الشافعي) رؤاها باتزان ووضوح ، وعناية ففي أحلام بعيدة تختم( الشافعي ) سير محطاتها برؤية جميلة عن خفقات قلب مضت حين يريد فيها الإنسان تتويج مرحلة من مراحل حياته ، وينتقل إلى العالم الجديد ، وفي لحظة انتظار شجن أرقام المعدل الدراسي ، وهو يذهب بك إلى الحياة الجامعية تستعاد الصور نفسها لعالم قديم ـــ جديد ، وربما نفسها سدرة البيت تظهر في باحة الانتظار ليبدأ تحتها نبض جديد :
(( ألتفت إلى السدرة .. شدني منظرها .. عالية كثيرة الأغصان متداخلة الفروع .. وارفة الظلال .. جذبتني زقزقة العصافير الكبيرة ، وفراخها الصغيرة ، وقد اختلطت بصوت حفيف الأغصان .. تأملت أعشاشها المستقرة بشموخ فوق الأفنان .. أخذت أراقب حركاتها المنتظمة الدؤوب.. تحليقها في الفضاء وعودتها المسرعة محملة برزقها ورزق صغارها .
عدت إلى أحلامي الصغيرة .. تشاركني نبضة فرحة تتقافز بخفة وتخفق بلهفة .. ترف بداخلي كجناح عصفور صغير .. محلقة في فضاءات نفسي الواسعة .. ملتصقة بأحلامي التي توحدت بقوة وسرعة فتخيلت السنين وهي تنطوي تحت سقف الحرم الجامعي وتتراكم خلف أسواره العالية )).
في تلتقي القصة الأولى ( للماضي عطره ) ص / 9 ..مع ذات الهاجس في القصة الأخيرة .
من خلال الماضي وأحلامه المتكدسة في خانة الذاكرة ليفوح ذات العطر ولنرى منذ هذه القصة إن لكل همسة تذكر أشياؤها الخاصة .
تلك الأشياء المشبعة بالحميمية والشعر ودفء العاطفة والصورة التي تتشح بتراكيب لاتحصى من حياتنا وأعمارنا التي مهما تطول أو تقصر فهي عبارة عن قصة :
(( على الشفاه ترتسم الألوان قوس قزح .. ينبهر المكان .. يرقص ضوء الشموع على أمواج من موسيقى عذبة .. تثير في النفوس فرحة ..
تنطفئ أربعون شمعة .. تبارك الأصوات ..
تمتد الأيادي بالهدايا .. عقد لؤلؤ ثمين .. خاتم ألماس .. سوار جملته الجواهر .. ساعة زينتها أحجارها .. كل ما حولي ربيع مزدان بالحب والفرح ..
من بين الأصوات يأتيني صوته .. ومن بين الأيادي تمتد يده :
-(( يمه .. كل سنة و أنت طيبة.
*******
هذه هي قصص كتاب ( نبضات أنثى
استطاعت فيه الكاتبة أن ترينا عالما خصبا من المشاعر والصور التي صبغت بإنسانيتها شكل الحلم الذي سكن نبضة الأنثى ، وجعلها تتخيل برؤية القصة كل مجريات ماحدث لترينا سفرا طويلا من عشرات الأحاسيس ، والتعاملات والرؤى.
كانت القاصة الكويتية (منى الشافعي ) في هذا الكتاب تثير في القارئ أكثر من رغبة .وبروح البساطة والروي الجميل تصل معنا إلى لحظة معبرة وشعرية ومفيدة .وبهذا تكون القاصة قد نجحت تماما في خلق عالم متخيل بعناية ودهشة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home