برنسيس إيكاروس

Thursday, June 26, 2008

* قراءة في رواية ليلة الجنون *

____________________________________
____________________________________________

غلاف الرواية

******

كتب هشام صلاح الدين في جريدة الوطن
في روايتها ليلة الجنون
**************
تقول الكاتبة : من قال أن الأسئلة المستحيلة .. ستظل بلا إجابات إلى الأبد ****************************************************
:العنوان.. عتبة الدخول إلى النص.. وهنا نطالع »ليلة الجنون« كعنوان.. بالقراءة ندرك انه عنوان افتراضي لليلة لم تحدث في الواقع، انما جاءت في الخيال!وإذا كان هناك من اعتقد.. في تجارية هكذا عنوان، فان الروائية.. تفاجئ هذا المتلقي في نهاية العمل بسؤال يجيء في ص282: »هل انتهت رواية سارة أم بدأت؟ سؤال مستحيل.. لكن من قال إن الاسئلة المستحيلة، ستظل بلا إجابات إلى الأبد؟«.الآن.. لكل مبدع حينما يشرع في فعل كتابة ما.. فكرة / ايديولوجية، ويبقى لنا ان نقبل هذه الفكرة.. او لا نقبلها، من خلال التناول / الطرح، الذي يحصل الكاتب ـ بمقتضاه ـ على مساحة واسعة من الحرية، تلك التي تنغلق عليه في نهاية العمل
*******!
هذا التساؤل الذي جاءنا من منى الشافعي.. إنما يحيل بنا إلى المرأة الكويتية ـ هكذا وبكل بساطة، فسارة هي ابنة طائفة ـ عجز حبها الاول عن الاكتمال، بسبب عصبية والدة الحبيب »خالد«، وتمسكها بتقاليد وعادات بعينها.. لنذهب مع المتن الروائي هنا وهناك، اسقاطات على حالات ومشكلات مجتمعية، حتى وان غادرنا المكان / الكويت.. إلى أمريكا أو غيرها من البلدان.. فأينما نسافر يسافر معنا الوطن.. بكل ما اودعه فينا من ثقافة، قليل من يستطيع تجاوزها.. وكثير هم الذين لا يستطيعون الفكاك!بداية الرواية ـ سارة طالبة في الجامعة.. تحب استاذها د.خالد.. تتجاوز عن حب زميلها يوسف، ولما يدرك الأخير ميلها إلى الأستاذ يكيد لها، لكن أيمن الزميل المثالي.. يكشف المكيدة، ونتواصل مع عجز د. خالد عن تحقيق رغبته في الزواج من سارة.بداية عادية جداً، يشترك المتلقي فيها مع الكاتبة في توقع الكثير من سرديات الآتي، ولأن الكاتبة توزعها الهم المجتمعي، نرى ليلى صديقتها، تهجر حبيبها »أيمن« لتتزوج بالدكتور سعد، هذا الذي تحول إلى سلفي بين ليلة وضحاها!بدءا من ص38 ونحن نشعر بالإسقاط على كل ما هو مجتمعي/واقعي، لنقرأ: »تعرفين أن الحسد في ديرتنا الحبيبة، يغطي الصين ويفيض على الهند«.. وفي ص41 ما يؤكد على حياة الرفاهية التي تعيشها سارة لنقرأ: »بعد هذا الشريط السينمائي اليومي المثقل بالهوم والمشاكل، تحركت من مكاني، أرخيت جسدي المرهق على فراشي الوثير، أغمضت عيني أغازل النعاس واسترضيه«.إذن نحن أمام إنسانة مرفهة/ مثقفة كذلك، وإذا كانت السينما قد استفادت من الفن الروائي فهنا نحن أمام استفادة الرواية من الفن المسرحي أو السينمائي إذ نقرأ ص46: »يوسف بصوت جهوري واثق لا يخلو من غصة وارتجاف: يا جماعة، أعتذر بشدة لأختي الغالية سارة، ولأستاذي الفاضل الدكتور خالد، لأنني في لحظة غضب لئيمة أسأت إليهما، أعتذر وأطلب الصفح ومستعد للعقب«.رؤية.. وأشياء أخرىحينما ننظر إلى: »صوت جهوري واثق« نرى تناقضا عند استكمال الوصف: »لا يخلو من غصة وارتجاف!« فصفة الثقة تؤكد القدرة على القول والاسترسال بوضوح.. أيضا: »في لحظة غضب لئيمة« كان يكفينا أن نقرأ: »لحظة غضب« دون إحالة إلى نوع هذا الغضب، هذا الاعتذار يجيء منسجما مع رؤية الكاتبة للعالم الذي أرادت بناءه على الورق، والذي اتسم بنزعة التطهر إنسانياً.. ليصبح الواقع الذي يحتمل السلب والإيجاب، هو المكان الذي يشهد الأحداث/ الكويت.مالت منى الشافعي إلى استخدام محسنات لغوية كثيرة.. وإلى الإسهاب في الوصف، وتكرار استخدام كلمة »جرس« بمعنى صوت ولو أمضينا في هذا التكرار لوجدناه تجاوز مائة مرة على الأقل:(ولأن لمشاكل المجتمعية التي أرادت الكاتبة معالجتها ـ روائياـ كثيرة.. فقد أخذت الكثير من جماليات الفن الروائي.. فنحن أمام هم طائفي.. غيرة وحسد.. حب وعذاب وثنائيات كثيرة، استدعت من الروائية خلق شخصيات كثيرة، تجيئ كلها لتعرية الواقع.. ولتتكئ عليها »سارة« بطلة العمل في البوح
الذاتي، وكشف دواخلها
*********
.وجاءت الشافعي بحيلة نثني عليها، اذ جعلت لسارة صوتين، ربما دلالة على العقل والقلب.. الواقعي والخيالي الصوتان يلتقيان احياناً
يختلفان في أحيان اخرى، إلى أن ينتصر صوت سارة الداخلي.. صوتها هي عند النهاية.ليس هذا فحسب، بل ان هناك ثمة صورة/مشهد يتكرر لفتاة تراها.. لنقرأ ص 263: »بعفوية التفت صوب النافذة، وإذا بوجه فتاة ابيض، جميل، باستدارة القمر، متألق أما العينان الواسعتان، فكانتا تشعان بريقا غريب الألوان، بهرني غاب الوجه وأنا لم أكمل التفاتتي«.فنتازياإنه نداء ما يأخذ بسارة إلى عوالم ميتافيزيقية، تستدعيها إلى الخوض في تفاصيل ميلاد أسطوري هو ميلادها، لنقرأ في ص213 في حوار بين سارة ووالدتها: »سارة حبيبتي، عندما كنت في غرفة الولادة في المستشفى، وبدأت علامات الولادة تزداد وتظهر على جسدي، حقنني طبيب الولادة بحقنة تخدير خفيفة، حتى تخفف آلام الطلق الحادة، فكنت أطلق وكأنني بين الصحو والنعاس.. وعند طلقتي الأخيرة، خيل إلي أنني رأيت شعاعاً من نور، متعدد الألوان« اخترق زجاج النافذة بقوة غريبة، واتجه نحوك لحظة خروجك من رحمي، أعتقد أن ذلك الشعاع هو الذي جعلك تصرخين صرختك الأولى، لاستقبال هواء الحياة بقوة غير متوقعة، أذهلت الطبيب، وأرعبت من حوله من المساعدين«.هذا المشهد/ البوح.. يدعو إلى قبول/ استثناء ما لسارة، صاحبة الميلاد »الفنتازي«.. الحياة الاستثنائية التي عاشتها وحتى بلغت الأربعين من عمرها.. بتجربتي حب، الأولى مع د.خالد والثانية مع الشاعر فيصل خليفة.. والتنازع النفسي داخلها.. أيهما تحب.. ومن الذي يسكن قلبها؟!ليلة الجنونتجئ »ليلة الجنون« العنوان/ الحالة، انسجاماً مع الفنتازي.. خروجاً من كل ما هو واقعي/مرفوض لدى سارة، لنقرأ بظهر الغلاف ما جاء بـ ص270: »رحت أقتات صمتي الذي طال.. ما أطولها من ليلة! فجأة بدأت أحدث نفسي: »لماذا يريدونني أن أكون مثل كل الناس.. أحب.. أتزوج.. أنجب.. أكبر.. أشيخ.. ثم.. وتنتهي الحكاية؟ هذا ما يريدونه حتى هو، فيصل، يريد أن يتزوجني كي يسجنني في قفص حبه إلى الأبد! ماذا لو أردت غير ذلك، شيئاً آخر غير مألوف؟! أريد الحب فقط«.وتختتم الكاتبة أمنيات سارة بالقول: »ماذا لو أريد أن أحب، ولا أريد أن أعترف بهذا الحب إلا وقتما أشاء وأرغب؟!«.كل هذه التساؤلات.. تجيء كمحاولة للتصدي في وجه أعراف مجتمعية، لا تعطي المرأة قبولاً ما بإعلانها الحب.. إنما عليها انتظار مجيء الإعلان، أيضا هذا الرفض الواضح بألا تكون مثلها مثل كل الناس، فسارة أكاديمية وشاعرة مرموقة، ما أتاح للكاتبة تضفير الكثير من المعلوماتية، سواء عن الشعراء والفلاسفة.. البلاد والفنون وغيرها داخل المتن الروائي.هموم مجتمعيةيبقى أن الرواية تنازعها الهم المجتمعي في أكثر من جزئية ما أدى إلى تشظي سارة هنا وهناك، وأربك فنيات العمل، خاصة عند المباشرة بالمشكلات المجتمعية.. مثال ذلك الذي نقرأه ص 265.. في خلفية صورة العرس المتخيل بين سارة والشاعر فيصل خليفة.. ولكثرة المشكلات التي أرادت فإن حصر تلك المشكلات وإبرازها استغرق أيضا ص266.. ولعل المقالة. وهي أحد فنون الكتابة يمكنها استيعاب ذلك أكثر من العمل الروائي.. وذلك تجنباً للشتات، كذلك لأن الفن الروائي ليس مطالبا بتقديم الحلول، لهذه المشكلات بتنظير ما!
نحيي الكاتبة منى الشافعي على روايتها »ليلة الجنون« التي جاءت في 282 صفحة من القطع المتوسط عن المؤسسة العربية للدراسات
والنشرـ بيروت .. طبعة أولى 2008

0 Comments:

Post a Comment

<< Home