برنسيس إيكاروس

Tuesday, February 03, 2009

* غربة داخل الوطن *


*************


كتب منى الشافعي

**********
للغربة مدلولات أليمة، ومعان موجعة على الإنسان، أصعبها غربة الوطن، فما بالك بالمواطن الذي يعيش ازمة الغربة داخل وطنه، ويشعر بأنه محاصر ومقيد بسلاسل العيب والحرام من الآخرين، يحسب الف حساب لكل التفاتة يقوم بها، او حركة عفوية تفاجئه، او كلمة عذراء يتفوه بها، أو حرف رائع يكتبه

*****

نعتقد ان عذابات هذا الاغتراب الروحي قاتلة، ووجع هذا النوع بالغربة يكاد يصل الى النخاع، والاحساس بالغربة داخل الوطن هو اقسى انواع القهر الاجتماعي الذي يمارس على الانسان ـــ المواطن الحر.. حتى انه سيبدأ رويدا رويدا بفقدان ثقته بكل الكائنات والاشياء من حوله.. وبالتالي يعيش حالة ضياع مهزوزة متوترة، وكأنه بلا كيان ولا هوية.هذا ما نشعر به في هذه الديرة، وهذا الوطن.. فكيف نُـلغي هذه الغربة المفروضة، من دواخلنا واحاسيسنا، وكيف نسيطر عليها؟ لا سيما ان حدتها أخذت تتصاعد يوما بعد آخر وتتغلغل في اعماقنا بغفلة منا، لتصبح ظاهرة ملموسة، نظرا للمتغيرات الاجتماعية المحلية، والمستجدات اليومية المتلاحقة، التي اخذت تفرضها بعض فئات المجتمع الاخرى المتنفذة.. تلك الفئات التي لا تؤمن بالاختلاف ولا بالرأي الآخر، مع انهما من العناصر الصحية التي تحفظ للمجتمع توازنه وديموقراطيته، والانكى ان هذه الفئات اخذت تمارس الولاية على غيرها من البشر بكل جرأة وأنانية، ذلك لانها تعاني سطحية التفكير وقصر النظر، تحسب نفسها قوة تتصارع مع الآخر في حلبة مصارعة، لتلوي ذراعه بحجة الدين السمح الرائع، وهكذا تزداد الديرة ابتعادا عنا، ونزداد نحن حزنا وقهرا على ديرتنا التي نحبها ونعشق تراب ارضها.. وهكذا نشعر كأننا اقتلعنا من بيئتنا الحلوة الجميلة من غير حق، وأصبحنا نعيش في بيئة اخرى بعيدة كل البعد عن مفاهيمنا وقيمنا وعاداتنا التي نشأنا وتربينا عليها منذ عشرات السنين، وكأننا وُلدنا البارحة لا نفقه ولا نعرف عن امور حياتنا اليومية شيئا.. هذا هو احساسنا الذي اصبح يلازمنا في هذه السنين العجاف التي مرت ولا تزال تمر على ديرتنا.. يُـمارس علينا النفي والتهجير والاغتراب داخل وطننا.. اتدرون لماذا؟ لاننا فقط نختلف عنهم في فكرنا المعتدل، ووعينا الحضاري المتزن، ورؤانا الواضحة السليمة، وحبنا لهذا الوطن، وخوفنا عليه من التفكك والضياع.. كما اخذت هذه الفئات تُلغي وتحتقر وتهين افكارنا وقناعاتنا وتصرفاتنا بطرقها السافرة، وتصادر افراحنا وحرياتنا، وتئد مشاعرنا، وتحرمنا من الاحاسيس الانسانية اللذيذة، وتنتهك ابسط حقوقنا الانسانية، في اللبس والاكل والشرب، والضحك والابتسام، والرقص والغناء والفرح.. وتنهى وتأمر حسب قناعاتهاورؤاها الضيقة

*****

.يا خسارة.. لقد تغيرت تفاصيل الحياة الجميلة الممتعة التي كنا نمارسها بكل حرية حسب رغباتنا وتطلعاتنا الشخصية، كما كثرت التابوهات من حولنا، واصبحت هناك تفاصيل اخرى يومية قسرية يجب علينا ان نهتدي بها، وإلا فنحن لسنا من الجماعة، ولا من هذه الامة، ولا من هذه الديرة.. فهل نحن كائنات من كوكب آخر؟بصراحة.. انها غربة لا تُـحتمل، لها انعكاسات وتأثيرات سلبية على ارواحنا الحرة ونفوسنا الحائرة وتصرفاتنا الجميلة.. ألا تعتقدون معي انه شيء لا إنساني؟يا جماعة.. أين ضاعت كرامة الآخر ـــ المواطن.. ولماذا فقد احترامه؟ أين ذهبت حقوقه الانسانية؟ اين الشفافية والوسطية اللتين نتغنى بهما جميعا؟ اين العدل والمساواة والامان؟ أين كويت الماضي القريب والبعيد، كويت الديموقراطية، كويت العدل والتسامح، كويت المحبة والالفة، كويت الاسرة الواحدة؟.. متى يا ترى يتحقق الحلم ويتم الايمان والاعتراف بالآخر قبل ان تسحقه محنة الاغتراب اللئيمة وهو في وطنه؟أتدرون «الشق عُـود / واسع» وتلك اسئلة لا تبحث عن جواب بقدر ماتحتاج الى احزان اكبر وهموم اكثر واغتراب أوسع، اذا تكسر الحلم على صفحة هذه الجريدة الحرة .... القبس

إضاءة

****

«الإنسان العظيم هو الذي لم يفقد قلبه الطفولي»

m_alshafei@ hotmail.com

2 Comments:

At 03 February, 2009, Blogger Salah said...

استاذتي الفاضلة:

بعد كل هذا الكلام الجميل لا يستطيع أحد أن يضيف أي شيء، ولكن الى متى نبكي على الحرية ونحن نراها كل يوم تتقلص حتى صارت شيء لا يكاد له أثر في مجتمعنا. متى نستطيع أن ندافع عن حرياتنا بأسلحة أقوى من الدموع.

تحياتي لكِ وللأسرة الكريمة

صلاح

 
At 06 February, 2009, Blogger برنسيس إيكاروس said...

ابني الغالي صلاح
شكرا لمرورك اللطيف وشكرا للمداخلة
نستطيع أن ندافع عن حرياتنا المسلوبة
عندما يتحد المهمشون والصامتون
وكل واحد منهم يستخدم أدواته في التعبير عن هذا الظلم سواء بالكتابة
أو الرسم
أو التمثيل
ولكن أتدري أن أقوى سلاح
هو المال يا ابني
فقوة هذه الأيام تقاس بالمال
مودتي
منى

 

Post a Comment

<< Home