برنسيس إيكاروس

Thursday, February 19, 2009

يحدث.. قيل موعد السفر


*****************

بقلم و ريشة منى الشافعي
****************

يمر الشهر بطيئاً متثاقلاً روتينياً.. تكاد تكون كل أيامه متشابهة، طبيعية وعادية، لا تنبض بفرحة ولا تُعلن عن حالة حزن واحدة.. رتابته مملّة وسكونه موجع.. وقبل أن يعلن عن رحيل آخر أيامه .. فجأة! تنبثق من بين هذا الركود العميق رحلة عمل لمدة خمسة أيام .. وهكذا دبت الحياة في آخر أيامه، ليبدأ الاستعداد والتحضير السريع لهذه السفرة الرسمية المفاجئة التي من المفروض أن تبدأ أعمالها بعد خمسة أيام من هذا اليوم!.. أول عمل كان التوجه إلى أقرب مكتب لشركة الخطوط الجوية الكويتية، لحجز تذكرة السفر إلى تلك العاصمة العربية.. والعمل الثاني التأكيد على حجز المقعد على الطائرة قرب النافذة.. فما أجمل أن تصافح عيناك تلك الغيوم المتناثرة في السماء،المحملة بقطرات الماء العذب، والتي تتشكل بلولبيات غريبة وعجيبة، ورسومات ضخمة أسطورية توحي لمن يتابعها بأجمل القصص والحكايات.
بهذا العمل ينكسر الروتين اليومي الذي كان يلازمني طيلة الشهر ليتفتت إلى نشاط وحركة تدب في كل لحظة من لحظات اليوم.. فبعد الحصول على التذكرة والمقعد- من غير واسطة- أتذكر فجأة! جواز السفر وكرت التأمين الصحي للمسافر.. يفاجئني الجواز بأن مدة صلاحيته قد انتهت منذ شهرين.. مع أنني كثيرة السفر والترحال.. يا لسرعة جريان الوقت؟ ! وكيف لم أنتبه قبل اللحظة؟!.. الحمد لله أن مشكلة الجواز ستنتهي بعد يومين-من غير واسطة- لأصطدم بأن كرت التأمين الصحي للمسافر قد انتهت مدته أيضاً.. الحمد لله إجراءاته بسيطة وسهلة.. لحسن حظي هناك ثلاثة أيام أخرى قبل موعد السفر كافية للحصول على جواز السفر الجديد والكرت الصحي ومتطلبات السفر الأخرى وأهمها تحضير ورقة العمل المطلوبة مني والاطلاع على جدول الأعمال ووضع الملاحظات.
* * *
صباح هذا اليوم، بينما جواز السفر يأخذ إجراءات تجديده الرسمية.. أكون قد بدأت بترتيب أولوياتي.. قررت أن أبدأ بشراء بعض الاحتياجات الأنثوية الضرورية والكمالية.. لا أدري لماذا خزانات السيدات دائماً لا تفي باحتياجات السفر؟!.. على كل حال، قبل أن أستعد للذهاب إلى السوق، وكعادتي الصباحية وبعجالة تصفحت جريدة القبس، وإذ بعينيَّ تصطدم بنعي الفاضلة والدة إحدى الصديقات المقربات.. يا لتعاستي وحزني!!.. وهنا، تتغير الظروف وبالتالي تتبدل الأولويات.. ألبس عباءتي، أزيل المكياج عن وجهي.. أذهب لتأدية واجب العزاء ولأنها صديقة حميمة ومقربة، أقضي معظم صباح هذا اليوم معها للمواساة.. هكذا يضيع نصف نهاري، لأتنازل عن عملية شراء بعض الاحتياجات من الكماليات التي تصدرت الورقة المندسة في حقيبة يدي.. فهناك أولويات أخرى أكثر أهمية!!
* * *
في طريقي ظهراً إلى المنزل.. يرن الموبايل، ليست من عادتي أن أرد على الموبايل وأنا أقود سيارتي خاصة إذا كنت في عجالة من أمري.. يظل يرن ويرن بدون توقف.. أزعجني وأخافني مما اضطرني للرد بحذر وعينايَّ مسمَّرة على الطريق.. ليخبرني الصوت أن أحد الأقرباء الأعزاء يرقد في المستشفى وستجرى له عملية جراحية عاجلة.. أدير مقود السيارة إلى حيث اتجاه مستشفى مبارك الكبير في ضاحية الجابرية حيث يرقد المريض .. بعد أن أمضيت قرابة الساعتين مع الأهل، وبعد أن اطمأن قلبي على نجاح العملية، استأذنت من الحضور وخرجت، وقد تبخر كل ما في رأسي من خطط وأولويات.وهكذا عدت لأمسك من جديد بورقة المشتروات وأشطب باقي الكماليات وجزءاً كبيراً من الضروريات.. منها بعض الإكسسوارات وأنواع المكياج.. لكم أن تتخيلوا تلك التضحية الأنثوية الكبيرة!
* * *
عصر اليوم بدأت بترتيب حقيبة السفر، فلم يبق غير يومين.. ويرن الموبايل .. الحمد لله يخبرني الصوت أن غداً الساعة العاشرة صباحاً يرجو حضوري لاستلام جواز السفر.. بقيت طيلة باقي ساعات النهار متنقلة بين ترتيب حقيبة السفر وكتابة ورقة العمل التي يجب أن أعد ملخصاً عنها لتقديمه في الاجتماع لإجازته.. وهكذا أكتب وأشطب وأغير وأبدل وأعيد الكتابة بحماسة قوية ثم يعتريني فتور حين أقرأ جدول الأعمال الذي لم أستوعب بعض بنوده المبهمة لأضع عليه ملاحظاتي واستفساراتي حتى أستطيع أن أناقش الزملاء والزميلات بقناعة وحجة.. إلى أن فاجأتني الساعة الثالثة صباح اليوم التالي .. فتوقفت عن التفكير المباح وفي رأسي تدور أولويات الغد.. أقصد اليوم لأن تباشير فجره قد بدأت تدنو من نافذتي!!
* * *
اليوم هو الثالث وغداً يوم السفر.. توجهت قبل العاشرة صباحاً بوجه مبتسم متفائل لاستلام جواز السفر الذي أسعدني عندما أمسكته بيدي.. ثم عرجت إلى البنك لاستلام الكرت الصحي للمسافر.. وبعد أن أنهيت المعاملة.. تنفست أول الصعداء وأنا متجهة إلى حيث سيارتي.. يرن جرس الموبايل – ياله من موبايل- إحدى القريبات، تتمنى عليَّ أن أمر على بيتها لتبعث معي علبة دواء مهمة إلى ابنتها التي تدرس هناك مع بعض الملابس الشتوية الجميلة، لأن الشتاء على الأبواب، مادمت أنا الآن قريبة من محل سكنها.. فهي مشغولة حد الإرهاق للتحضير والإعداد لحفلة عيد ميلاد ابنتها الصغيرة رشا.. وتؤكد عليّ أن لا أنسى موعد الحفلة وأن أحضر قبل الضيوف.. وتنبهني بأن رشا تنتظر هذا العام هدية حلوة ومميزة كعادتي كل عام لاسيما وهي تشبهني وتحبني.. هذا ما حصل، اضطرني أن أغير خطتي وأذهب إلى أقرب مجمع تجاري لشراء هدية مميزة إلى الغالية رشا.. ولكن هل سيبقى عندي متسع من الوقت لحضور الحفلة؟ إن حقيبة السفر لا تزال مفتوحة تنتظر الفرج.. أما أوراقي فمبعثرة ومتناثرة على المكتب في حاجة إلى تجميع وترتيب .. و .. و.. ومع هذا احتفظت بابتسامتي على وجهي وتفاءلت وهونت الأمور على نفسي.. وتشجعت فأخذت أدور كاللولب من هنا وهناك أقضي بعض الأمور حتى الرابعة مساء.. عدت إلى المنزل لأخذ قسطاً من الراحة!
في السادسة مساء.. ذهبت لوداع صديقتي الحميمة صاحبة العزاء معتذرة لها عن تقصيري نظراً لظروف السفر وتوابعه.. تخيلوا من حالة العزاء والحزن والألم.. عدت لابتسامتي التي لا تفارقني متجهة إلى منزل قريبتي للمشاركة في فرحة الصغيرة رشا في عيد ميلادها.. هذه هي الحياة، الفرح والحزن من عناصرها، ولنا كبشر أن نتعامل مع هذه الظروف بإيمان وشفافية وتقبل.. حمدت الله أن الهدية التي اشتريتها بسرعة أعجبت ابنة العاشرة.. وبعد قضاء أكثر من ساعتين مع الفرح والأحباب.. استأذنت .. (السفر باجر يا جماعة).. خرجت مسرعة وكأنني أسابق الوقت – ليتني أستطيع- ما إن تحركت السيارة متجهة إلى البيت.. حتى عادت الأولويات لتلتمع في رأسي من جديد أو بالأحرى ما تبقى منها.. فغداً يوم السفر.. لدي معاملة بنكية ضرورية يجب أن أنجزها في الصباح.. على كل حال، هناك متسع من الوقت فإن رحلتي تبدأ في الرابعة مساء.. ولو استدعى الأمر سأظل متيقظة ساهرة هذه الليلة حتى صباح الغد لأنهي كتابة ورقة العمل التي بدأت تملّ من وضعها المبعثر بين الأوراق الأخرى المهمة وغير المهمة.. ولأغلق حقيبة السفر التي لا تزال مفتوحة تطلب المزيد من الترتيب والنظام .. هذا ما دار في مخيلتي في الطريق.. فجأة والمقود في يدي تصطدم عينايَّ بالإشارة الضوئية الحمراء، تنبهني أن أخفف سرعتي وأقلل من اندفاعي استعداداً للتوقف أمام احمرارها الفاقع حسب لوائح وقوانين المرور المحلية والعالمية والمنطقية.. ما إن استراحت عجلات سيارتي الأربعة على الأسفلت الجديد حتى اهتزت سيارتي هزة بسيطة لكنها أفزعتني وأزعجتني.. عندها انتبهت، ترجلت من سيارتي لأتفقد ما حدث.. كان الشاب الصغير الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره يرتجف وترتعش الكلمات على اصفرار شفتيه.. ينظر إليَّ تارة بخوف وتوسل وينظر إلى مقدمة سيارة والدته "الكشخة حيل" بنظرة ندم، التي تحطمت هيئتها الأمامية وتكومت على الأرض بعض قطعها المعدنية والزجاجية.. حمدت الله أن سيارتي كانت من القوة والمتانة والارتفاع بحيث لم يتضرر منها غير المصباح الزجاجي من الجانب الأيسر وجزء من "الدعامية" نتيجة الاصطدام السريع المفاجئ.. بعد أن خف توتري وقبل أن يتجمع النشامي من الذكور من حولي لتأدية الواجب في مثل هذه الحالة.. كنت قد سامحت الشاب وحركت سيارتي عائدة إلى دفء البيت بعد أن أنهكني تعب اليوم وتعدد تحركاته.
* * *
في البيت.. حيث الراحة والدفء.. وبعد أن ارتحت قليلاً.. عدت لابتسامتي التي تشجعني دائماً على التحمل وبدأت بترتيب حاجاتي المتناثرة حتى جاءني صوت رنين الموبايل.. يا لهذا الرنين الذي أصبح يقلقني.. ماذا بعد؟! صوت أخي الكبير يخبرني بأن هناك ورقة رسمية مشتركة بيننا تستدعي مني التوقيع.. سيمر عليّ غداً في الصباح الباكر لعمل اللازم.. لأن غداً آخر يوم لموعد تسليمها إلى الجهة الرسمية.. يا إلهي ولماذا تأخرنا بها ولم نهتم لأمرها إلاّ في اللحظة الأخيرة.. لا أدري؟!
وعدت للتذكر.. ما هي أولويات ومستجدات يوم غد، يوم السفر، ويدي تعبث بالأوراق والملفات ترتبها وتعدلها.. في الصباح الباكر.. سأنتظر قدوم أخي العزيز وأوقع الورقة الرسمية.. أما سيارتي الغالية سيأخذها أحدهم مصحوبة بالسلامة لتدخل الكراج لإجراء التصليحات اللازمة لها.. وطبعاً دفع الفاتورة المستحقة!! وبعد ذلك ستكون أولوياتي، الذهاب إلى البنك لإنهاء معاملتي البنكية الضرورية.. ثم سأتوجه مع السائق إلى المطار وتنتهي معاناة الأربعة أيام.. بصراحة بعد أن أخذني التعب الجسدي والفكري لا أدري متى ولا كيف وضعت رأسي على مخدتي الدافئة؟
* * *
في الصباح الباكر.. وما إن وضعت يدي على مفتاح مجفف الشعر حتى حدث ما لم يكن متوقعاً!! لقد انقطعت الكهرباء فجأة! وتوقف كل شيء.. لكم أن تتصوروا حالي.. شعري يقطر ماء.. وبدلة السفر يراد لها كوي.. وكل ما في الكون يعمل على الكهرباء.. انتظرت ساعة زمن ولم تلتمع الكهرباء في بيتنا.. المحول الكهربائي الذي يغذي المنطقة بكاملها أصابه خلل فني!! يا إلهي لماذا لم يصبه هذا الخلل قبل أو بعد اليوم؟! أيضاً لا أدري؟!.. ما العمل؟! بما أنني أجيد فن التخيل.. تخيلت العالم قبل رحمة الكهرباء.. أخذت أتقبل الوضع وأتعامل مع تلك المستجدات.. وبعد صعوبة تهيأت للسفر.. امرأة من غير تصفيف شعر ولا ماكياج.. وحتى ملابس السفر المعدة تغيرت إلى أخرى وقع اختياري عليها بعجالة.. يا لها من تضحية أنثوية أخرى ليس لها مسمى!!
بعد أن حضر أخي ووقَّعت الورقة المطلوبة وغادرني مسرعاً أيضاً لاستكمال باقي إجراءات تلك الورقة.. ذهبت إلى البنك.. الحمد لله أنني أنهيت المعاملة بأسرع مما كنت أتوقع.. وتنفست جزء آخر من الصعداء.. وتوجهت إلى المطار على أمل أن أتجول في السوق الحرّة لشراء بعض الهدايا للزميلات.. وكنت اتساءل لماذا يحدث كل هذا عادة قبل يومين أو ثلاثة من موعد السفر؟! أو على الأقل لماذا تحدث بعض هذه الأمور أو معظمها إذا ظنَّ البعض أنني أبالغ؟! وهل تحدث لكل الناس عادة أم لبعضهم؟ أو هذا ما يحدث معي فقط؟! الإجابة حقيقة صعبة
* * *
تلك الغيوم بأشكالها الجميلة الأسطورية، سحبتني مع الخيال قليلاً.. أبعدتني عن متاعب الأيام القليلة الماضية.. وما إن هبطت الطائرة أرض المطار بسلام.. حتى كان أحد الأخوة من أسرة العلاقات العامة في استقبالي.. كان مرحباً بشوشاً.. ولكنني لاحظت أن هناك شيئاً ما مرسوماً على تقاطيع وجهه.. قبل أن أستفسر ونحن في طريقنا إلى حيث الفندق المعد لإقامة الوفود فاجأني بقوله : (نأسف يا سيدتي لقد تأجل الاجتماع إلى أجل غير مسمى.. أعتقد أنك سمعت البارحة عن الانفجارات التي حصلت في الفنادق الكبيرة عندنا.. وتلك الانفجارات هي سبب التأجيل.. فالأماكن العامة والفنادق الكبيرة محاطة برجال الأمن والشرطة مما يعيق ترتيبات واستعدادات وعقد هذه الندوة في موعدها الحالي- غداً صباحاً-
لم أعلق غير بتلك الكلمات: حتى أنتم وصلتكم عمليات الإرهاب والتخريب والسيارات المفخخة والانتحاريون؟
ردّ عليَّ بصوت دامع: نحن عرب يا أختي ولسنا بمعزل عن الآخرين
***********************

0 Comments:

Post a Comment

<< Home