برنسيس إيكاروس

Sunday, May 03, 2009

يوم ونصف .. من المتعة و الدهشة

الدكتور سليمان الشطي
******






كتبت منى الشافعي

************
:قال نيتشه: «إن ما يمكن تخيله، لا بد أن يكون من القصص». الأدب، هو كل ما يثير في النفوس من انفعالات عاطفية مختلفة وأحاسيس جمالية تدهش القارئ وتسحره.. ومن المتعارف عليه أن أهم عناصر الأدب تتركز في الخيال، العاطفة، المعنى، الاسلوب، اللغة.. تلك هي أدوات الكاتب الذي يبدع بها أو حتى بأحدها.. كما يعتبر الأدب أيضا انعكاسا بين فكر المبدع والواقع الإنساني، والأفكار ملك للناس جميعا.. لكن تفريغ الفكرة بطريقة تدهش القارئ وتثبتها في ذهنه من خلال عمل أدبي فني متكامل، هو الإبداع والقيمة الحقيقية المبتغاة من العمل الأدبي

كلمة ليلى العثمان

**********
كما، لو كنت طالبة مجتهدة تستعد لدخول امتحان آخر العام الدراسي.. ذلك حين أمسكت يدي اليمنى برواية «صمت يتمدد» رائعة د.سليمان الشطي.. لحظات وتسمرت عيناي على طراوة تلك الكلمات المطرزة، كما قالت الروائية الرائدة ليلى العثمان، وصدقت: «هذه الرواية لم تكتب بالقلم، بل طرزت تطريزا كاملا بكل جمالياته وأناقته..».هكذا، تمددت اللحظات إلى ساعات، وأنا مستمتعة ومسحورة مع صمت يتمدد، ودهشة تتقافز من صفحة إلى أخرى، ومن حدث إلى آخر.. فلم أستطع أن انفصل عن هذه المتعة الحقيقية، وتلك الدهشة التي سكنتني حتى غازلني النعاس، وأوقعني النوم في لذة حضوره

في صباح اليوم التالي، كنت أستعجل وقت الإفطار ولولا قرص الدواء الصباحي المفروض عليََّ، لتركت تلك الوجبة، وتبعت لهفتي.بعد الإفطار، عدتُ أحمل تلك النجمة التي التمعت في أحلامي، ثم بدأت من حيث توقفت عيناي ليلة البارحة.. فسحبني سحرها من متعة إلى دهشة.. من حزن إلى فرح.. من ماضٍ إلى حاضر.. ولم أجد نفسي إلا وأنا أقلب الصفحة رقم 235، التي نبهتني إلى النهاية.. يا إلهي، لماذا تنتهي تلك الرواية الجذابة.. وهل الصمت حين يتمدد ينتهي؟

احداث ليست عادية


***********
التقط د.الشطي، عدة أحداث ليست عادية من ماضي الكويت، وعددًا من الشخصيات المتباينة في الطباع والعادات والاخلاق والتربية والنشأة.. وبأدواته الخاصة التي تميز بها كمبدع، خلق منها شيئا متكاملا بحبكة روائية رائعة، لملمت خيوط كل الأجزاء الحقيقية والمتخيلة، بتناغم وانسجام، ليُنسج منها عملا أدبيا متميزا.. بعد أن كانت أحداثا متناثرة في الماضي والحاضر، وأشخاصا لا ارتباط بينهم، أحدهم هنا والآخر هناك، تفصل بينهم مساحات وفضاءات جغرافية مختلفة.. استطاع بذكاء وحرفنة أن يخلق ذلك التآلف والتواصل بينهم ويجمعهم معا، على صفحات .. صمت يتمدد
***
يُقال.. إن الجمال هو الصفة التي نجدها في أي موضوع، والتي تُولّد في عقولنا نوعا خاصا من الإثارة، وشعورا لذيذا للاكتشاف.. وهذا ما فعلته الجميلة «صمت يتمدد»، التي ولّدت في داخلي نوعا من الإثارة، وكثيرا من الدهشة، لانني اكتشفت بها أشياء جميلة جديدة متفردة من لغة مطرزة، عاطفة راقية، خيال منتعش، اسلوب مشوق.. فقد نقلت عيناي تلك الكلمات العذبة، والمعاني الدقيقة، والدلالات الواضحة، إلى نفسي ألوانا من صور الماضي البعيد نَحّنُ إليها نحْن أجيال الخمسينات والأربعينات.. وأشكالا عديدة لحركات وملامح أشخاص، تخيلت أنني أعرفهم من تصرفاتهم وأمزجتهم.. فأحسست كأنني إحدى شخصيات الرواية أدور في محاورها وانتقل مع أبطالها من فريج إلى سكة، ومن زقاق إلى حي، من «شرق» إلى «المرقاب» مرورا بــ«جبلة».. وكأنني لا أزال تلك الطفلة الصغيرة التي تلهو أمام باب بيتها الطيني، تلعب «الخبصة» مع أقرانها البنات، وتُضيّع خاتمها في التراب.. حزينة تلك الرواية ومع هذا.. عبارات الحب، ولحظات الفرح القليلة التي حظي بها صالح بطل الرواية، أدخلت على روحي بهجة وسعادة.. ملأتني بالرضا والارتياح وكأنني اكتشفت شيئا.. وتلك هي الحقيقة

تكنيك وتداخل


*********
أعجبني وشدني كثيرا، ذلك التكنيك الفني الجميل، وطريقة التداخل بين الصور العديدة لحاضر صالح الدبلوماسي وماضيه الرمادي.. خاصة صور كهولته الممزوجة بصور أخرى لاندفاعات الشباب، وطيش المراهقة المعجونة بنكهة عذبة ندية للطفولة البريئة التي عاشها صالح، وتلك القبلة المشتهاة الوحيدة التي سرقها من محبوبته الصغيرة الجميلة دلال بتلك الأمسية البلورية.في الرواية ألوان براقة من الحياة الجميلة، التي تحكي ماضي الكويت وحاضرها، تثير البهجة والسرور.. والوان أخرى داكنة كئيبة، تثير الشجن والحزن في النفوس، فقد كان د.الشطي يستحضر صمت الماضي ليتمدد في صمت الحاضر، وبذلك تتسع الرؤيا وتتوزع على صفحات الرواية، وهكذا تتمدد الرواية لتنمو وتتراكم صفحاتها من الامتدادات الثرية المتنوعة في حياة صالح.. من أحاسيسه المختلطة إلى طفولته المختطفة.. من واقع حلوه مُرٌّ.. مرورا بذكرياته المكتومة في صمته الذي فرضه على نفسه وعززته ظروف حياته.. من علاقاته الخاصة المختصرة وصداقاته الجميلة.. وهكذا يمتد الزمن الروائي تقريبا بين عاميّ 1948 و1986، من القرن الماضي، في نقلات فنية محبوكة بمهارة، تمثل مراحل حياة صالح وتطورها العمري وتحولها ونموها الحضاري.. كما تمثل تنقلاته وتحركاته بين المدن العربية والأجنبية بحكم دراسته وعمله الدبلوماسي.. وبالتالي ارتبطت حياته المتنامية مع تنامي مدينته القديمة - الكويت - التي تبدّلت وتطورت وازدهرت، وطرأ عليها تغيير سريع في كل مناحي الحياة، وخاصة الحياة الاجتماعية بكل أبعادها وتحولاتها، والتي انعكست أيضا على حياة صالح وأسرته، وباقي شخوص الرواية في مدينة الكويت الحديثة


مهارة وإبهار

********
تجلت مهارة د. الشطي الفنية والأدبية في تلك الرواية النجمة إلى حد الابهار.. فأيقظ مشاعري وهيّج أحاسيس الماضي البعيد، فاهتزت صور الرواية، وتحركت بحرية أمامي لتنسج خيوطا ملونة من اللذة والمتعة.. لتجمّل اليوم والنصف الذي قضيته محتضنة رائعة الصمت الذي تمدد أيضا في داخلي وأخذ يزدحم بالأسئلة وتستعصي عليه الأجوبة.ما هذا الخيال الجميل الذي أخذ يتمدد بصمته ليرهف الوجدان، ويستميل المشاعر، ويحفّز العواطف، ويحرك الأحاسيس فتستحيل المتعة إلى دهشة، والدهشة إلى دموع!الرواية تستحق أن تُقرأ بشغف ورغبة، حتى يستوعب القارئ جمالها وروعتها، ولتسكنه الدهشة، كما سكنتني قبله.. ولن تغادرني


********
ملاحظة
******
تباع الرواية في مكتبة فيرجن
/ مارينا مول السالمية / الكويت


2 Comments:

At 03 May, 2009, Blogger Nikon 8 said...

مشكورة اللي نبهتينا للرواية
راح أشتري نسخة منها
:)

 
At 04 May, 2009, Blogger برنسيس إيكاروس said...

هلا وغلا حبيبتي
Nikon 8
شكرا للمتابعة
أتمنى تعجبك
مودتي
منى

 

Post a Comment

<< Home