برنسيس إيكاروس

Thursday, July 16, 2009

للازدحام نكهة أخرى



كتبت منى الشافعي


**************
قبل حلول اذان الظهر بحوالي ساعة، خرجت من ضاحية الجابرية وأنا أقود سيارتي الصغيرة، تحاشيا للازدحام المروري الذي يصادفني يوميا، وتحسبا لعدم توافر مواقف كفاية في أغلب الاماكن العامة التي نقصدها.. بعد لحظات فاجأتني الشوارع والطرقات بخلوها من حالة الازدحامات والاختناقات المرورية .. الشوارع شبه خالية.. لا وجود للمارة ولا للباعة المتجولين.. ومع ازدياد لهيب درجة الحرارة، ازدادت دهشتي اشتعالا.. ماذا يحدث؟ حتى عندما أجبرتني الاشارة الضوئية على التوقف، تلفت حولي، فوجدت ثلاث سيارات فقط تزاملني الوقوف.. لا وجود لسيارات الشباب ذات النوافذ المفتوحة التي تتصاعد منها اصوات الاغاني الشبابية العالية والموسيقى الصاخبة.. ليس هناك من يزعجك بالابواق المتتالية بغير سبب.. حتى الباصات وعوادمها اختفت.. ماذا يحصل في الديرة؟


******


كانت وجهتي الى ضاحية العديلية، وكان من الضرورة والمنطق ان تسعدني تلك الحالة بهدوئها وخلو الشوارع من الازدحام.. لكن، لا أدري لماذا انتابني شعور غريب.. وسكنني نوع من الخوف، واعتراني ضيق لئيم، وفارقتني ابتسامتي، كلما تلفت حولي وحاصرني امتداد الشوارع الخالية.. ومع هذا لا بد أن أكمل طريقي.. وهذا ما حصل، وبعد 15 دقيقة أنهيت بعض الامور.. وخلال عودتي ازداد توتري من هذه الحالة غير الطبيعية.. فقد كان الهدوء يلاحقني بنظراته المخيفة حيثما تحركت سيارتي في تلك الشوارع التي اخذت عيونها الخالية من السيارات والمارة تستدرج ضيقي وخوفي لزيادة سرعتي والهروب من جوها الذي أزعجني وقبض صدري.. لا أدري من أين أتتني جرأة اللحظة، فقررت أن أستكشف مناطق أخرى قريبة مني قبل أن أعود إلى البيت.. هكذا حولت المقود الى منطقة الروضة ثم الفيحاء، مرورا بالنزهة وضاحية عبدالله السالم.. ثم مررت على الشامية، واتجهت محاذية جامعة الكويت ليصدمني الدائري الرابع بخلوه من الاختناقات المرورية.. يا للعجب!لاتزال حالة الانقباض القسرية تسيطر عليَّ.. لماذا يا ترى منظر الشوارع شبه الخالية وحالة الحركة اليومية المشلولة توترني، وتكاد تؤلمني لدرجة الاختناق؟


*****


رويدا.. رويدا.. أخذت الصور تتشكل أمامي.. فجأة تذكرت أن اليوم هو يوم الجمعة.. أذان الظهر لم يحن بعد.. اليوم بداية العطل المدرسية المختلفة.. كما لمعت بعض الحقائق «الصيفية» في ذهني.. فنصف سكان الكويت من مواطنين ومقيمين قد هجروها لقضاء فترة الصيف في ربوع العوالم الممتدة شرقا وغربا غير مهتمين لانفلونزا الخنازير والطيور ولا لغيرها.. وبعض شباب الديرة لايزال يغط بنوم العافية بعد انتهاء فترة الامتحانات المرهقة نفسيا وجسديا.. أما رجال الديرة فأغلبهم يقضي هذا اليوم/الجمعة، في الشاليهات الذكورية بين لعب «كوت بوستة» و(هنْدْ).. أو صيد السمك «الزوري»، والتنزه بالطراريد واليخوت.. أما سيدات الديرة، فهناك من تتجهز لاستقبال الصديقات لدعوة غداء.. أما الندرة من السيدات فتحضر الغداء للتجمع العائلي الاسبوعي.. الباقيات لا يزلن نائمات يحلمن بالسفر السنوي بعد كم يوم.. ربما



******



الحمدلله.. هنا بدأت اشعر ببعض الراحة.. فهذه اسباب مقنعة ومنطقية للحالة اللامعقولة التي تمر بها شوارعنا.. ولكن مع كل هذه المبررات التي تبدو كافية، فان حالة الانقباض لا تزال تجثم على صدري.. لماذا؟!بعد لحظة تفكير اخرى.. تذكرت ان هذا الاحساس اللئيم كان يلازمني في فترة الغزو والاحتلال الصدامي للديرة.. فقد كانت شوارعنا الجميلة شبه مهجورة، تخلو من السيارات والمارة الا فيما ندر.. هكذا عشنا - كصامدين - مع هذا الاحساس بالخوف والرعب، والتوتر، والالم الذي ظل يلازمنا حين نمر بشوارعنا الخريفية الباهتة، ذلك حين يضطر احدنا لقيادة سيارته لقضاء حاجة ملحة.. وها قد مرَّ علينا اليوم عقدان من الزمن، ولكن هذا الاحساس ظهر فجأة عليَّ وأقلق راحتي فقط لانني مررت بشوارع شبه خالية.. يا له من احساس متجذر في دمي.بعد ان طردت هذا الاحساس من ذهني واخرجته من كياني بابتسامة مشرقة.. وفي طريق عودتي الى البيت.. كم تمنيت ان تزدحم شوارع الديرة بأنواع السيارات واشكال المركبات، والمارة والباعة المتجولين.. كم تمنيت وجود الشباب الحلوين بسياراتهم الفارهة / المؤجرة، الذين يوزعون ابتساماتهم السخية على كل سيدة تقود سيارة.. كم تمنيت شباب السياكل / الدراجات النارية وهي تزمجر كالاسود حولنا.. كم تمنيت ان تزعجني ابواق السيارات، وتمنعني من الاستمتاع بمحطة «مارينا "FM


بصراحة تمنيت كل ظواهر الازدحام، والاختناقات المرورية في تلك اللحظة الغريبة.. حتى اشعر بالطمأنينة والامان واتحرر من الخوف والرعب، ويذهب عني ضيقي وتوتري وانزعاجي، وتعود ابتسامتي لتزين وجه الديرة.أتدرون.. في تلك اللحظة المزعجة، حتماً سيكون للازدحام نكهة اخرى غير النكهات.الى متى ستظل ذكريات الغزو الموجعة ومعاناته المؤلمة، وآثاره النفسية وابعاده الاجتماعية
! عالقة في اذهاننا؟ متى ستهجرنا وترحل؟ ..... نتمنى
***********


4 Comments:

At 16 July, 2009, Blogger عثماني said...

"الى متى ستظل ذكريات الغزو الموجعة ومعاناته المؤلمة، وآثاره النفسية وابعاده الاجتماعية! عالقة في اذهاننا؟ متى ستهجرنا وترحل؟"

لا أظنها سترحل اخيتي

:(

دمت بود

 
At 17 July, 2009, Blogger Nikon 8 said...

تصدقين إن محطة المارينا الإذاعية وبرنامجهم خفيف الظل الديوانية ساعدت كثيرا على تخفيف حدة توتر الإزدحام المروري وخاصة عندما يقترن بالحر
!!!
واللي يقلب الجبد برنامج الأف أم اللي يذاع بنفس الوقت
ما أدري ليش مليقين
؟؟؟

 
At 17 July, 2009, Blogger برنسيس إيكاروس said...

هلا وغلا والله بأهل جبلة
أخي العزيز كلامك صح
لن ترحل
لذا يجب علينا أن نحاول على الاقل نتناسى ما حصل لنا من أوجاع وخسائر ووووووو... ونتعايش مع الألم حتى نقدر نعيش بسلام داخلي مع انفسنا الحزينة
مودتي
منى

 
At 17 July, 2009, Blogger برنسيس إيكاروس said...

الحبوبةNikon
هلا والله بهالطلة الحلوة
نعم من أجمل البرامج برنامجهم الديوانية
أما عدم التنسيق بين المحطات
فعلا يبط الجبد
لكن شنسوي ما باليد حيلة
تحملي ياابنتي
مودتي
منى

 

Post a Comment

<< Home