برنسيس إيكاروس

Monday, August 03, 2009

التكنلوجيا الأجنبية





***************



كتبت منى الشافعي



*************







اليوم، وبعد ان أمرتني الكتابة، قررت ان أكتب موضوعا خفيفاً، بعيداً عن لهيب السياسة و«عوار الراس».. الاقتصاد والبورصة وخطوطها الحمراء البراقة.. العملية التربوية ومدخلاتها ومخرجاتها.. الرعاية الصحية ومشاكلها.. مجلس الامة وزحمة الاستجوابات.. خطة الحكومة العشرينية والخمسينية.. الاسكان ومدن الحرير والصوف.. وغيرها من الامور الاكثر تعقيداً، التي ترهق تفكير المواطن وتزيده تعاسة وتأزيماً فوق قروضه البنكية، التي لا ولن تنتهي.

خطر اليوم على بالي، ان ارفض كل انواع التكنولوجيا الاجنبية، الغربية، النصرانية، البوذية.. وبالتالي بدأت بعدم استخدام اللاب توب والنت لامور الطباعة والبحث، وسحبت ورقة بيضاء وقلمَ رصاصٍ وبدأت اكتب.. فجأة، احتجت الى معلومة.. نظرت الى مكتبتي، تصفحت اكثر من خمسة كتب، بعد ساعة حصلت على سطرين، حمدت الله عليهما وتابعت الكتابة.. لحظتها تذكرت لو انني استعنت بالنت، لأعطاني خلال دقيقة عشرات الاسطر عن تلك المعلومة أختار منها ما أريد.. ولكن، ما العمل؟ فقراري اليوم عدم استخدام كل انواع التكنولوجيا الدخيلة على مجتمعنا، التي لا تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا الاصيلة.
بعد ما يقارب قضاء ساعتين من الكتابة المتواصلة شعرت بالتعب.. اشتهيت ان أدلل نفسي بكوب شاي اخضر وقطعة شيزكيك.. تراجعت حين تذكرت ان الشاي واعداده والكيك يدخل في عداد التكنولوجيا الاجنبية.. شربت جرعة ماء -غير باردة- وعدت إلى الكتابة.. بعد ساعة اخرى، بعفوية حاولت يدي ان تضغط على ازرار الريموت لتفتح جهاز التلفزيون، لأستمتع ببعض برامجه.. او حتى افتح جهاز الستريو لأستمع الى بعض الموسيقى الهادئة التي تنعش الروح وتزيل عني تعب الكتابة والتفكير.. لكنني تراجعت حين تذكرت ان كل هذه الامور تدار بالتكنولوجيا الاجنبية.. وحتى أسلي نفسي أخذت أدندن اغنية للعندليب الاسمر عبدالحليم الحافظ.. الغريب انني اديتها من دون اخطاء، مع انني لا استطيع اليوم ان أردد مقطعا واحدا من اي اغنية حديثة.
على كل حال، مرت تلك الساعات بسلام في غياب التكنولوجيا.. بعد تعب الكتابة، هجمت عليّ هواية الرسم والتلوين، احضرت العدة، وعندما فتحت كراسة الرسم لم تصافحني ولا ورقة بيضاء، اذاً انا محتاجة الى كراسة جديدة.. بتلقائية تحركت..خطفت مفتاح سيارتي.. كنت في الدور الثالث.. صافحني المصعد.. توقفت، اذا كان المصعد صناعة اجنبية، فكيف هي السيارة؟.. عدت الى الداخل، وهنا أخذني تفكيري.. ماذا كامرأة واحتجت الى جهاز السشوار لتجفيف شعري؟ كيف سأتابع ذلك المسلسل الاميركي الذي سحرني منذ عشرين عاماً؟ موبايلي مغلق، ماذا لو طلبني احدهم لامر ضروري، هل سأخذله؟ تذكرت ايضا ان اليوم هو الاربعاء، فكيف سأصل الى مقر رابطة الادباء لحضور الامسية الثقافية، هل مشيا على الاقدام؟ كيف سأتناول اليوم وجبة الغداء، المحضرة والمعدة والمطبوخة بكل انواع التكنولوجيا الحديثة؟ هل سأصوم مثلا.. والى متى؟ ماذا لو احتجت الذهاب الى المستشفى لاجراء بعض الفحوصات الطبية التي تتطلب تحاليل مختبرية وجهاز السونار والاشعة.. هل سأرفض لان المعدات والاجهزة والوسائل الاخرى، مصنوعة بأيدٍٍ اجنبية.. اما الطبيب فهو خريج اميركا او لندن او الهند؟!

المشكلة الكبرى، ام المشاكل، التي واجهتني نتيجة هذه الفكرة المجنونة، ورفضي لنعمة التكنولوجيا، هي كيف سأحتمل التواجد في مكان تغيب عنه وسائل التبريد الحديثة، بعد ان تنازلت عن نعمة التكييف المركزي لاكثر من ثلاث ساعات، حاولت خلالها فتح النوافذ طمعاً في بعض الهواء اللطيف، لكنني فوجئت بضباب لندني -آسفة- اقصد غبار محلي كثيف، ارغمني بشدة على ان ابتعد عن فكرة فتح النوافد.. لا سيما ان درجة الحرارة في الخارج تقترب من الـ48 درجة.. فهل هناك مَنْ يتصور هذه الحالة في الكويت، ويحتمل ان يعيش هكذا من غير وسائل تبريد؟ بصراحة هذه الحالة معقدة.

بعد هذه التجربة المجنونة التي عشتها لاكثر من ثلاث ساعات، اتضح ان غياب التكنولوجيا الاجنبية يؤدي الى حالة شلل كاملة في جسم الحياة اليومية لانسان القرن الحادي والعشرين، لانها أصبحت تستعبده، ولكن بكامل ارادته وعن طيب خاطر، لتدخل وتتجذر في كل جزيئيات حياته اليومية وتفاصيلها الدقيقة، ولتنعكس ايجاباً عليه في كل خطواته اليومية.. وبالتالي لا ولن يستطيع ان يستغني عن هذه الساحرة الاجنبية الرائعة.. ومَنْ يقل عكس ذلك، فليذهب الى جزيرة نائية، ويستحضر العصر الحجري، ويستدرج معاناته ويعيش في ظله.. ويدع الآخرين يتنفسون نعمة التكنولوجيا الاجنبية.


m_alshafei@hotmail.com

2 Comments:

At 05 August, 2009, Blogger اقصوصه said...

اول تعلق

اكيد مدام بعيد عن السياسه

يعني شي جميل

لان مالي بالسياسه مول!

 
At 06 August, 2009, Blogger برنسيس إيكاروس said...

اقصوصة الحلوة
شكرا حبيبتي
والابتعاد عن السياسةشيء جميل
مودتي
منى

 

Post a Comment

<< Home