برنسيس إيكاروس

Thursday, January 14, 2010

ليلة جنون الشافعي وثوب الرفاعي

هل وقع «القلم على القلم» في روايتي «ليلة الجنون» و«الثوب»؟
******************************************
بقلم الكاتب
عدنان فرزات
***********

ثمة أفكار تلتصق ببعضها، مثل التوائم السيامية، وبالمقابل ثمة أفكار تقترب من بعضها مجرد اقتراب،فتصبح مثل التوائم الكاذبة، اي تلك التي تشترك في توقيت الولادة والرحم الواحد، لكنها لا تتشابه في الشكل..ولكنها مع ذلك توائم..

أي من الوصفين السابقين ينطبق على التشابه او توارد الافكار او وقوع القلم على القلم بين رواية منى الشافعي «ليلة الجنون» عام 2008،
ورواية طالب الرفاعي «الثوب» الصادرة عام 2009؟
استرسال وتكثيف
***********
بعيدا عن الأسلوب بين الكاتبين، الذي كان مسترسلا عند منى الشافعي ومكثفا عند طالب الرفاعي، فإن ثمة فكرة وجدت في كلتا الروايتين بوضوح كامل،بل أحيانا بتفاصيل دقيقة، وتتمثل هذه الفكرة في أن كلا من البطلين في الروايتين يحمل في داخله شخصا آخر.
لنبدأ برواية الشافعي كونها الأقدم بالصدور، فالفكرة التي تضمنتها رواية «ليلة الجنون» هي أن البطلة لها شخصية أخرى تسللت إلى جسدها، وتظهر لها هذه الشخصية في أوقات مفاجئة، فتتحدث مع البطلة وتنتقدها أحيانا، وأحيانا ترشدها إلى حلول معينة، وكذلك فهي تتنبأ لها بأحداث لم ترها البطلة، وأن والدة هذه البطلة هي التي أخبرتها بدخول هذه الشخصية إلى جسدها.
ووفق رواية طالب الرفاعي «الثوب»، فالفكرة هي أن البطل له شخصية أخرى تسللت إلى جسده، وتظهر له هذه الشخصية في أوقات مفاجئة، فتتحدث مع البطل وتنتقده أحيانا، وأحيانا ترشده إلى حلول معينة، وقد تنقذه من مواقف صعبة، كذلك فهي تتنبأ له بوقائع لم يرها البطل، وأن والدة هذا البطل هي التي أخبرته بدخول هذه الشخصية إلى جسده
إذاً فالفكرتان «سياميتان»، ولا تفترقان إلا في جنس البطل، فلدى الشافعي بطل العمل أنثى، وفي رواية الرفاعي ذكر
الولادة المتشابهة
ومن التطابق الآخر فانه في رواية الشافعي الوالدة هي التي تخبر ابنتها بما حدث لها لحظة ولادتها : «سارة حبيبتي، عندما كنت في غرفة الولادة في المستشفى وبدأت علامات الولادة تزداد وتظهر على جسدي،حقنني طبيب الولادة بحقنة تخدير خفيفة،حتى تخفف آلام الطلق الحادة(..) وعند طلقتي الأخيرة خيّل إلي أنني رأيت شعاعا من نور متعدد الألوان اخترق زجاج النافذة بقوة غريبة واتجه نحوك لحظة خروجك من رحمي..».(ص 213
والمشهد يتكرر بمضونه في رواية طالب الرفاعي «الثوب» حيث تخبره والدته : «بعد خروجك جاءتني طلقة اخرى قوية، فلفظت طفلا ثانيا يشبهك تماما(..) رأيت الطفل الآخر يتحرك بك حتى ليختفي» (ص 62). وفي رواية الشافعي تنسى الأم مع الأيام هذه الحادثة، وكذلك في رواية الرفاعي أيضا فإن أم البطل تنسى مع الأيام الحادثة التي روتها لابنها.وعلى هذا الأساس يقع «القلم على القلم» على مدى أحداث الروايتين في هذه الجزئية بالذات التي تأخذ حيزا واسعا في العملين.
الفرق الوحيد –تقريبا- بين الروايتين في هذه الفكرة، هو أن الشخصية الداخلية في «ليلة جنون»،التي تسكن في جسد البطلة،لا اسم لها، بينما يسمي الرفاعي شخصيته باسم عليان.
طرح رومانسي
وبعيدا عن هذه «السيامية» في الفكرتين، تأخذ كل من الروايتين اتجاها مختلفا في أحداثها وأسلوبها، فالكاتبة منى الشافعي تنحو في روايتها المنحى الرومانسي، حسب وصف الناقدة سمر روحي الفيصل، بينما تأخذ رواية الرفاعي المنهج الواقعي المدعم بالخيال المحير بين الواقعية والمتخيل الذاتي. وقد تناولت ذلك بالتفصيل في قراءة سابقة لرواية الكاتب طالب الرفاعي «الثوب».
وترسم الشافعي بطلتها سارة بمزيد من الأناقة والتأني، وتحشد كل ما أتيح لها من لغة شفيفة لمؤازرة طرحها الرومانسي، ومن ذلك تضمينها في الرواية مقاطع شعرية.
مسرح واحد
الرواية على اتساع أحداثها تدور بين الكويت والولايات المتحة الأميركية،فالكاتبة منى الشافعي استطاعت «لملمة» الأحداث في مسرح واحد هو مخيلة وذاكرة البطلة سارة. ومقدرة هذه الشخصية على التاثير الايجابي في من حولها خصوصا من الرجال الذين التقتهم خلال حياتها الدراسية او المهنية، الذين انشدوا إليها بشغف..
بين «ليلة الجنون» و «الثوب» خيط ليس رفيعا ولا متواريا، ينسج تفاصيله هنا وهناك وكأن الفكرة..انشطرت!

**********
هذه القضية الأدبية نشرت في القبس يوم الاربعاء 13 يناير في الصفحة الثقافية . وهي تهمني بالقدر الذي تهم المثقفين والأدباء والكتاب

0 Comments:

Post a Comment

<< Home