برنسيس إيكاروس

Sunday, February 14, 2010

مقالة الأستاذ عدنان الدوسري المنشورة في القبس





..وهكذا ضاع {ثوب} الرفاعي في {ليلة جنون} الشافعي
كتب د. عدنان الدوسري

***************
بعد أن قرأت رواية ليلة الجنون للأديبة منى الشافعي الصادرة والمنشورة عام 2008، ورواية الثوب للأديب طالب الرفاعي الصادرة والمنشورة عام 2009، بكل متعة وشغف ، وقد كانت كل رواية تحمل بين طيا تها اسلوباً معينا بمبدعها، حزَ في نفسي ما آل إليه الأديب طالب الرفاعي بروايته الثوب، وكأنها كولاج أدبي قصها ولصقها بعناية، من رواية ليلة الجنون السباقة في النشر.
مصطلح التناص
أتساءل كقارىء، كاتب، كناقد، هل مايحدث هو التناص؟ ذلك المصطلح الذي عــّرفه أصحاب اللغة بأنه الاستيحاء، والاستحضار، والتوارد، والتأثر، وكل مايربط فكرة ما، أو صورة ما بنص آخر.
وهناك أيضا من عرّف مصطلح التناص بأنه يعتبر أن النص الأدبي عموما، مكون من نصوص أخرى بقصد، أو بغير قصد، وهو إما أن يكون كليا من خلال استخدام حكاية بتفاصيلها، و شخصياتها، أو جزئيا من خلال استخدام فكرة أو صورة أو صفة ما.
وهذا ما دفعني لليقين بأن طالب الرفاعي كانت مهمته سهلة، فالفكرة والأحداث المتخيلة ، والتقنية، والأماكن والحقائق، والأسماء، مادة جاهزة ومتوافرة في رواية ليلة الجنون، وماكان من طالب إلا أن أعاد كتابتها بأسلوبه الخاص، مغيرا بطله ليلة الجنون الأنثى سارة، إلى بطل الثوب الذكر طالب الرفاعي، ولكن أنه نسي تغيير أسماء الأبطال ، وعاد ليستعيرها من منى الشافعي وهي، خالد، خليفة، وحتى اسم منى الذي ورد في رواية ليلة الجنون استعاره ليدخل ضمن قائمة أسماء شخصيات رواية الثوب، وكأن الأسماء ضاعت في فضاءات العالم ولم يبق إلا هذه الأسماء التي اختارتها الشافعي لروايتها، وبهذه الطريقة أوجد لنا الرفاعي نصين متطابقين ، ومتشابهين ومتماثلين، من ناحية وهج الفكرة، و الثيمة ، والتقنية و الموضوع الرئيسي.
لحظة الولادة والنسيان
يظهر التطابق القوي، والتشابه اللامعقول واضحا في صفحة(213) عند الشافعي، عندما تخبر الأم ابنتها البطلة سارة عن لحظة ولادتها الغريبة، وكيف أن ذلك الشعاع اخترق جسدها الصغير.. ومن ثم نسيت الأم هذه الحادثة، وفي صفحة (62) عند الرفاعي، أيضا الأم تخبر ابنها البطل طالب الرفاعي، عن لحظة ولادته وكيف أن توأما اخترق جسده الصغير، ثم نسيت الأم الحكاية.
لم أستطع أن أستوعب السر في هذا التطابق السحري خاصة في هذ الجزء من الرواية، التي أعتبرها هي شعلة رواية ليلة الجنون و ثيمتها، وشرارتها المحركة للعمل كله.
محاكاة النفس
يأتي التطابق الثاني المتمثل بتقنية محاكاة النفس التي كانت قائمة بشكل واضح في رواية ليلة الجنون على شكل القرين/ الصوت الداخلي/ الشخص الآخر، الذي تحمله البطلة سارة، والتي انفردت به الأديبة منى الشافعي حيث امتاز هذا القرين/ الصوت، بخاصية الإرشاد والنصح من بداية الرواية وحتى آخر صفحاتها ملازما، ومكملا لشخصية البطلة، ومتواجدا معها في كل حالاتها، وتقلباتها النفسية، والعمرية، ومعها في كل تنقلاتها، و أماكنها البعيدة والقريبة.. ونلاحظ هنا أن التطابق كان واضحا، والتشابه سافرا مع شخصية بطل رواية الثوب طالب الرفاعي، وقرينه الذي جسّده الكاتب وأعطاه اسم عليّان ـ مع أن الوهم لايجسد ـ على كل حال، يبدو أن المتابع للروايتين منذ الصفحة الأولى، يجد أن القرين/ الصوت الأخرالداخلي، يشكل عنصرا أساسيا في تكوين شخصية العمل بكل متغيراتها، وسلوكياتها في كلا الروايتين.
البعد الاجتماعي
التطابق الثالث و هو البعد الاجتماعي، الذي تركز على محورين اجتماعيين متشابهين من ناحية مجريات الرؤية للعملين، حيث ركزت الشافعي على محور، (الاختلاف المذهبي)، الذي قضى على علاقة الحب الأول للبطلة سارة ، وفي رواية الرفاعي فقد كان محور (الاختلاف الطبقي)، هو الذي دمّر علاقة الحب، ومؤسسة الزواج عند أبطال رواية الرفاعي، كما أن سمة الطلاق وحالاته متشابهة في الروايتين، فحالات الطلاق في مجتمع سارة بطلة رواية ليلة الجنون، كانت تشكل إحدى معطيات الحياة بواقع ملموس مسترسلا بين شخصيات الرواية، والأحداث ، وقد عالجتها الشافعي بشكل خيالي لكونها مسألة حياة بالنسبة إلى البطلة سارة، كما لازمت سمة الطلاق بطل رواية الثوب طالب الرفاعي منذ بداية الرواية إلى نهايتها، إن كانت ليست حجر زاوية الرواية.. كما اعتمد طالب الرفاعي ليكون هو البطل في روايته ليبتعد قليلا عن هذا التطابق لكنه وقع في التشابه الواضح الذي لايخفى على القارئ .
التنبؤ
المحور الرابع المحيّر أيضا في هذا التشابه والتماثل يظهر مع سارة بطله ليلة الجنون، عندما تنبأت بما سيحدث خلال الأمسية الشعرية التي أقيمت في رابطة الأدباء.. كما تخبرنا رواية الثوب أن البطل طالب الرفاعي أيضا، تنبأ بالأمسية الشعرية التي أقيمت في رابطة الأدباء بكل تفاصيل أحداثها .. يا للدهشة والعجب من هذا التشابه!
ثمة أمور أخرى صغيرة تتشابه في الأحداث، والأمكنة منها، أحداث أزمة المناخ، الجمعيات الطلابية في جامعة الكويت، رابطة الأدباء وتلك أمور عامة، ربما لا خلاف عليها.
خلاصة
لا أجد أي عذر لطالب الرفاعي، ولا أعرف كيف تفاعل إلى هذا الحد الواضح، والقدر السافر، مع رواية ليلة الجنون، واستطاع أن يسلب من الأديبة منى الشافعي، جهدها وفكرة روايتها وثيمتها، وخيالها وتقنيتها.
والمحيّر، لماذا هذا التطابق / التشابه، الذي أحدث لنا إشكالية من التوائم التي تذكرنا بما يحدث في السينما العربية؟.
للعلم فقط.. منذ فترة طويلة ، قرأت قصة مترجمة للغة العربية للكاتب المبدع الانكليزي ديلان توماس(Dylan Thoma) والمفارقة أنها كانت تحمل نفس عنوان رواية الرفاعي الثوب

0 Comments:

Post a Comment

<< Home