برنسيس إيكاروس

Thursday, July 26, 2012

الانسانية المفتقدة

                       
الانسانية المفتقدة
*****


لو نظرنا هذه الأيام الى ما يحدث بيننا وحولنا من أمور غريبة، لأصابنا العجب وسكننا الإحباط، فهناك ظلم سافر تقترفه الدول الدكتاتورية ضد شعوبها البريئة المسالمة، المقهورة الصامتة، أمام أعين الآخرين، مدّعية حججاً وذرائع أوهى من بيت العنكبوت، لا يحكمها منطق ولا قانون، بعيدة كل البعد عن الإنسانية.
وعلى مستوى المجتمعات الكبيرة والصغيرة، انتشرت ظواهر عديدة جديدة، مرفوضة دينياً وإنسانياً، يحكمها الظلم والقسوة، كعداء فئة معينة لأخرى، أو فئة متطرفة لفئة وسطية/ معتدلة، أو فئة إرهابية أخرى مسالمة.. وهكذا، حتى أصبح الهواء الذي يستنشقه الأسوياء/ الأغلبية الصامتة، ملوثاً بغبار اللاأمان، حاملاً «فيروس» القهر والظلم والتعدي.
والمؤلم ان العالم أصبح كمن يعيش في غابة، القوي منّا يفترس أخاه الضعيف، لذا تجد هناك من يفترسك بلسانه الحاد السليط، وآخر يكشّر عن أنيابه من خلال قلمه «السكاكيني».. وهكذا حتى أخذ كل فرد يتصدى لمحاربة الآخر والنيل منه، بقوة أدواته الخاصة، لا لسبب مقنع، فقط لأنه إما يخالفه في الرأي، أو من فئة غير فئته، أو من طيف غير طيفه، أو من لون غير لونه، أو من مذهب غير مذهبه، أو من دين غير دينه، بينما جميع الأديان السماوية الثلاثة وغيرها تنادي بالتسامح والإخاء، وتكرّس المحبة والمودة، وتدعو إلى السلام، وتحث على العدل والمساواة.
وفي هذا الإطار المغلق، أصبح الإنسان الوسطي يعيش في عالم يعاديه ويقسو عليه، عالم يقوقعه ولا يرحم إنسانيته، ذلك لأن عالم اليوم قد تغيّر بمفاهيمه وقيمه وأخلاقياته إلى الأسوأ، وأصبح عالماً مقلوباً تحيط حدوده ثقافة الكراهية، والأنانية والنرجسية.. وهنا يلح السؤال: «من ساعد على هذا التغيير الكوني اللاإنساني.. من خرّب صورة الحياة البسيطة الجميلة، وبدّل مفاهيمها الرائعة، وقَلَبَ قيمها الراقية؟ أين ذهب الخير الذي يرادفه الجمال، ولماذا تلطخت الحياة بالشر الذي يرادفه القبح؟».
أما السؤال الأكثر إلحاحاً: «إلى من يلجأ هذا الإنسان المعتدل، الحضاري، الراقي الذي لم تتبدل مفاهيمه، ولم تتغير قيمه الإنسانية؟ من سيشعر بمعاناته، وقلقه في فوضى عالم اليوم (الفوضى الخلاقة) الغابة المتناحرة، المتصارعة، التي يزيدها في عالمنا العربي، بما يسمى الربيع العربي، ظلاماً وعتمة؟»، وبالتالي أصبح هذا الإنسان التائه، لا يعرف ما هو مفهوم الإنسانية الحالي الجديد، ولا كيف يميزه، ولا كيف يقيمه على أرض هذا الواقع المقلوب حوله.
> > >
لا يسعنا هنا، إلا القول: لماذا لا يلتف العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، بعباءة واحدة مزينة بخيوط الحب والمودة، ومنقوشة بزهور الإخاء والرحمة؟ لماذا لا تعود الى الإنسان أينما كان إنسانيته المفتقدة؟ لاسيما اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وليس في القرون الحجرية، ولكن يبدو أن الشاعر الراحل السوري رياض الصالح الحسين، كان محقاً حين قال:
ماذا تفعل
إذا كان ثمة أعياد للقتل
وعيد واحد للقُبلة
منى الشافعي

0 Comments:

Post a Comment

<< Home