برنسيس إيكاروس

Saturday, August 11, 2012

للظلم لون آخر


القبس 9 أغسطس 2012

للظلم لون آخر
كتبت منى الشافعي

*********
الظلم مرفوض دينياً واجتماعياً، ويعتبر رفضه قيمة أخلاقية جميلة عالية، وهي من أهم عناصر الأخلاق الطيبة الراقية عند العرب ما قبل الإسلام، ذكرها الشعراء في قصائدهم والأدباء في سردهم، ثم جاء الإسلام ليعزز هذه القيمة، ففي الحديث القدسي «يا بني آدم، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالمو"

ولكن ما هو الظلم؟

الظلم نقيض الحق، والابتعاد عن العدل، وللظلم صور عدة، منها الاعتداء على الآخر، سواء بالضرب أو السب والشتم أو الاستيلاء على ماله من غير وجه حق، أو الاعتداء على عرضه وشرفه، أو المماطلة في إعطائه حقه، أو منع أجره إن كان عاملاً أجيراً، ومن أشكال الظلم، أيضاً، حلف الزور، وأكل مال اليتيم، وظلم ذوي القربى، والتطاول على الضعفاء والمساكين من الناس. وأخذت تعلو على الساحة الثقافية السرقات الأدبية بكل وضوح، كما برزت للظلم عندنا في الآونة الأخيرة صور جديدة، أخذت تتفشى في المجتمع في كل خيلاء، وتزداد نمواً يوماً بعد آخر، وهي التجني على الآخر المظلوم. لقد أصبحنا نقرأ ما يكتب يومياً على صفحات الجرايد، مقالة أو خبراً غير محقق، يتقافز الظلم من بين كلماته النارية، كما نفاجأ يومياً بما يكتب، زوراً وبهتاناً، من أقاويل مدانة ومرفوضة على صفحات التواصل الاجتماعي التكنولوجية مثل التويتر والفيسبوك والواتس آب وغيرها. كما أخذنا نسمع مقولة من لسان أحدهم في مكان ما، ثم يرددها الآخرون كالببغاوات، لتنتشر بعد ذلك من لسان إلى آخر، وبالنهاية يصدقها الناس، ويقتات من فتاتها الظالم، وبالتالي علينا أن نعي خطورة هذه الأمور، ونمتنع عن ترديد مثل هذه الأكاذيب والمقولات قبل التحقق من مصدرها، حتى لا نقع في مستنقع الظلم.

وللظلم لون آخر، فعندما نقرأ ونسمع أو نكتب عبارات جديدة، دخيلة، تخدش الروح من الداخل قبل الأذن يعتبر هذا ظلماً من نوع آخر، يمارس على الإنسان السوي، العاقل، الواعي، الذي توجعه مثل هذه الممارسات الشاذة حد القهر. وهنا مَنْ يحمي هذا الفرد من تأثير هذه الكلمات، والعبارات والممارسات غير الأخلاقية؟
***
وهكذا وبغفلة مِنَّا، تطور الظلم عندنا ليطاول جسد الوظائف العامة والخاصة، وأصبح الموظف كـ«حطبة الدامة» يحركونه كما يريدون، من منصب الى آخر، ومن مكان الى آخر، وهكذا.. مستندين إلى «الرجل المناسب في المكان غير المناسب»، بظهر ،بسند قوي إما من الواسطة، فيتامين واو، أو الشللية والمصالح الشخصية.

والأنكى، إرغام بعض الموظفين الأكفاء على التقاعد أو الاستقالة، لأسباب ينضح الظلم من بين ثناياها، تعددت الأسباب والظلم واحد.

***

ولكن إلى متى نظل نمارس الظلم على بعضنا البعض متناسين قول الله تعالى «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، (آل عمران 75 و140)، و «وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا» (الفرقان 19)؟

إذا كان الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، ونهى عباده عنه، فكيف نحن العباد يظلم أحدنا الآخر؟ قال تعالى «وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ» فصلت 46.
***

يا جماعة الخير، لنبتعد لساناً وقلماً، همزاً ولمزاً، عن قول الظلم وتعزيزه، لكي ننقي الأجواء المحتقنة بين أغلب أطياف مجتمعنا الصغير الجميل، ونعوّد أنفسنا على قول الحق لا غيره، وممارسة العدل في تعاملنا مع الآخرين، من واقع نعيشه ونحترمه ونخشى عليه وعلى أنعامه وأفضاله علينا، كي نحلم بتحقيق مستقبل نتمناه مشرقاً، نظيفاً، نقياً، لا تشوبه شائبة لكل الأجيال القادمة، إن شاء الله
m_alshafei@hotmail.com










0 Comments:

Post a Comment

<< Home