برنسيس إيكاروس

Saturday, September 29, 2012

.. وبعضا من حياة !





وعشنا لنقل بعض حياة ! 

قراءةٌ في مجموعة (وبعضاً من حياة) للكاتبة الكويتية منى الشافعي
جريدة أخبار الخليج البحرينية . 

 تاريخ النشر : السبت ٢٩ سبتمبر  ٢٠١٢

 بقلم: الأستاذ  فهد حسين

*************************

ما أجمل ذلك الاستدراك الذي يعود بك من حيث تريد أن تقول، ويأخذك إلى المزيد من الفرح والحلم لما في هذا الفرح من نبضات العطاء ونفحات التفاني! ويكثر هذا الفرح حينما يأتي في صيغة الغائب، ها هو الإهداء الذي استهلت به الكاتبة منى الشافعي بقولها: »إليه بعضًا من حياتي.. بل كل حياتي.. حسام«، هي الكاتبة متعددة المواهب والمجالات والأشكال الفنية والجمالية والقولية، هي فنانة تشكيلية ترسم بأناملها ما يهندسه فكرها ويمحوره متخيلها، وتحرص على وجودها وإحساسها الفني والإبداعي في أعمالها.. ومنى الشافعي قاصة أصدرت عددا من المجموعات القصصية، وروايتين، وهي كاتبة عمود في جريدة القبس الكويتية تتناول فيه قضايا الإنسان والشأن العام لإيمانها بما ينبغي على المثقف أن يقوم به تجاه قضايا المجتمع والحياة والإنسان.


 والملفت قدرتها على الفصل بين الأساليب الكتابية فهي في الصحافة صحفية وفي السرد كاتبة، لذلك من يقرأ كتابات منى الشافعي يلحظ الفارق بين الأسلوبين من حيث توظيف المفردات اللغوية، وطرح الفكرة، وكيفية معالجتها، في الوقت الذي نرى التشابه الكبير عند عدد ليس بقليل من الكاتبات والكتاب في كتاباتهم الصحفية والإبداعية، إذ تجد الصياغة الإبداعية والأدبية طاغية في الأسلوب الصحفي.


 وبعيدًا عن الكاتبة والولوج إلى عملها الإبداعي الذي نحن بصدده، وهو تلك المجموعة التي صدرت بعنوان (وبعضًا من حياة) عن دار الفراشة للنشر والتوزيع بالتعاون مع دار الفاربي في طبعتها الأولى بالعام ٢٠١٠، هذه المجموعة التي تثير بعض الأسئلة لدى المتلقي منذ اختيار العنوان، فأي بعض هذا الذي ترمي إليه الكاتبة، أهو بعض الحلم، أهو بعض الحزن، أهو بعض الحياة التي لم ولن تستمر إلا بقطع طريقها الذي هو سنة الحياة، أهو التمني الذي كانت تتمناه الكاتبة لتقدم فيه أكثر مما قدمت، كما أن استخدام مفردة حياة من دون التعريف يعطينا ملمحًا آخر حول طبيعة ما تفكر فيه الكاتبة، فهل تعني ما قدمته من حياة لحسام مثلاً الذي كانت تحلم أن تقدم له أكثر مما أعطت؟ أو أنها تريد القول إن الإنسان مهما قدم وأعطى فهذا العطاء لن يكون عطاء الحياة كلها على اعتبار أن حياة الإنسان نفسه قصيرة وغير مكتملة، أو حاولت التواري في العنوان الذي قد يتقاسم بين ما نسجته في القصة التي أخذت العنوان نفسه وطرف ثالث لم يظهر في المجموعة وظل مختفيًا في ذاكرة الكاتبة. ويبقى العنوان حاملا الدلالات والتأويلات التي قد تصل بها إلى مبتغى الكاتبة وقد لا تصل.


 تناولت الكاتبة في المجموعة عدة قضايا ذات ارتباط حيوي وآني بالإنسان اليوم، وبعض التطورات التكنولوجية والميديا، فقد طرحت ذلك التواصل الفضائي عبر شبكة الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي، ذلك التواصل الذي وظف في كثير من الأحيان لاستغلال الذوات البشرية والاستحواذ على العواطف والأشجان والتوهات العاطفية، وبالأخص من فقدها أو ينتظرها، كما جاء ذلك في قصة (وبعضًا من حياة) التي كشفت الجوع الحسي والعاطفي لدى المرأة المتزوجة حين تفقد العاطفة أو تضطرب لأي سبب من الأسباب، الأمر الذي قد يسهم في كشف ما هو مستور بين المتحدثين عبر هذا التواصل، وها هي دانة التي باتت منزعجة من رتابة العلاقة الزوجية، ومن زوجها فيصل، وانحدارها »ولكني أخذت أشكو له متاعبي، ومعاناتي اليومية من الفراغ والصمت والسكوت التي تشكل حياتي.. ١٦«. ولكن كم من مشكلة وقت وترجمة كتابة ودراما تكشف خلل هذا التواصل، وسلبيات البوح والاتفاق على اللقاءات التي قد تنتهي بلقاء المتحاورين الذين لا يعرفان بعضهما ولكن يكتشفان أنهما يعيشان في بيت واحد.


أما في قصة (رحلة بلا خرائط) فتناقش علاقة الكاتب بالسلطات المجتمعية إن كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية أو عرقية أو غيرها التي تقرض مساحة من الحرية في الكتابة والبوح، وتلك المعاناة التي يعانيها الكاتب لو خرج عن محيط ودائرة هذه المساحة، هكذا وظفت الكاتبة هذه الفكرة عبر كاتب روائي يريد أن يضع نهاية إلى روايته على أن تكون نهاية مفتوحة، وهذه النهاية هي قدر كل كاتب وحلمه بالمزيد من الحرية في الكتابة والطرح والمناقشة، وهي طبعية المجتمعات وأنظمتها وسلطاتها المتعددة التي فضاء العوم والسباحة في المساحة المحددة من الحرية، ولكن في الوقت الذي يطلب الكاتب المزيد من الحرية نجد البعض الآخر يستغل هذه الحرية في خرق المبادئ الإنسانية والكونية ليدخل في محطات آخرى يشتم ويلعن ويقذف بالمفردات التي لا تليق بالكتابة أيضًا، وهناك من يضع على نفسه رقيبًا يقيد حريته مما يفقد الكثير من جغرافية الحرية المعطى له أو تلك التي يمكنه التحرك فيها.


 وإذا كانت الكاتبة قد ركزت في جل قصص المجموعة حال الإبداع والكتابة أو ما يتعلق بهما، فإنها في قصة (صفقة) تكشف بين طبيعة الإبداع والكتابة والحرية بوصفها ذات علاقات حسية، وبين كل هذا والتناقض الذي كان متكرسًا في ثقافة الشاعر، وفي تداعياته المغلفة بالحالة الحسية تجاه المرأة جسدًا لذلك أوقع نفسه هذا الشاعر في دهشة رد المرأة حين طلب منها قبلة شعرت أنها لم تكن إلا من باب الحسيات والرغبات الجنسية، لذا قالت له: »أن تعطيني هذه السجادة وهذا المصحف الصغير الجميل.. لأنك بعد أن تقبلني قبلتك على ثغري وتنال مناك.. أعتقد لن تحتاجهما بعد ذلك.. أما أنا فسأحتاجهما ما بقي من العمر لحظة ص٥٨ «. وتدخل قراءة الروايات التي كانت الفتاة تستعيرها من صديقاتها في قصة (وجه آخر في الحشد) مناقشة العلاقات العائلية والاجتماعية التي أفرزت زواج هذه الفتاة من رجل ستيني، في الوقت الذي تذهب بك القصة إلى مآسي الإنسان والكوارث الطبيعية التي تحل به كما حدث إلى قرية بام الإيرانية بعد الزلزال وما دمره من طبيعة وبشر في عام ٢٠٠٣، مؤكدة أن هذا الزلزال ابقى على سيدة كبيرة في السن انتشلت من الانقاض لتخرج حية سليمة تموت بعد مدة موتًا طبيعيًا، كما حضرت القراءة في قصة (ليست - مستحيلة) التي توضح أن القراءة والثقافة في كثير من الأحيان تحمي صاحبها من الانجراف نحو العواطف الوقتية أو السريعة، وهو الشيء الذي حدث لتلك المرأة المتخرجة في الجامعات الأمريكية لتكون في وظيفة أسهمت في بناء علاقة عاطفية مع المدير إلا أنها ترفض في نهاية الأمر أن تبني علاقتها وسعادتها على حساب هدم أسرة وإن كانت هذه الأسرة غير مستقرة عاطفيًا.

 

 وكما حضرت القراءة لشخصيات القصص فإن الشعر برز في قصة (خارج الوقت.. داخل الوطن)، تلك القصة التي تناولت حكايات الكتاب والمثقفين والشعراء الذين يشعرون بأنهم مراقبون من قبل السلطات في المجتمع وتحديدًا السياسية، وبالأخص في أثناء الغزو الغاشم على دولة الكويت من قبل النظام الصدامي ليأتي حضور الشاعر الكويتي فائق عبدالجليل والشاعر العراقي فالح حسون الدراجي كاشفة معاناة ليس الشاعرين، بل المعني في الأمر المثقف صاحب الرأي والموقف، وهو الموقف الذي حدث للشعب الكويتي وانقسام العرب في محنة الكويت وهي قصة أعتقد عامود هذه المجموعة من حيث تميز الكاتبة في توظيف الرمز واللغة ونسج الحكاية. إضافة إلى تناول الكاتبة بعض القضايا ذات الارتباط الوثيق بالمجتمع والإنسان وحالاته النفسية كما في شخصية خليل المصاب بالاضطراب والارتباك في قصة (في الصمت والعتمة)، أو حالة نورة الرافضة الزواج من شاب أقصر منها.


 وفي كل هذه القصص نجد إتقانًا في توظيف مكونات البناء القصصي، وفي توظيف اللغة التي عادة لم تخرج من محيط لغة المثقفين والكتاب لما لها من علاقة وثيقة بين متن المجموعة نفسها، والشخصيات التي بنتها الكاتبة، وجعلت من الثقافة بعدًا من أبعاد تركيب الشخصية، كما أعطت المساحة لكل من الرجل والمرأة من دون الإخلال بدور كليهما في البناء، أو جعل دور أحدهما طاغيًا على الآخر أو مهمشًا من الآخر، وهو أمر يظهر في بعض أعمال كتاب أو كاتبات بحيث يهمش عنصرًا ويعلو بآخر، كأن الكاتبة تحاول أبراز قضايا المرأة والكاتب يبرز قضايا الرجل، إلا أن منى الشافعي في هذه المجموعة اهتمت بما هو جندر وما هو ثقافي وما هو اجتماعي ومجتمعي.

 

 

0 Comments:

Post a Comment

<< Home