برنسيس إيكاروس

Monday, October 01, 2012

قراءة في رواية " ... يطالبني بالرقصة كاملة "



قراءة في رواية " ... يطالبني بالرقصة كاملة "

للروائية منى الشافعي
         منى الشافعي تبوح بالصراع النفسي النسائي على حب آدم

رؤية سهام سالم
********

أصدرت أخيرا الكاتبة الروائية منى الشافعي الطبعة الأولى أحدث رواياتها، بعنوان «يطالبني بالرقصة كاملة» عن «دار الوطن»، والرواية من ثلاثة فصول، الأول بعنوان «بينما كانت غافية» والثاني «اشتهي دفء الشمس»، والثالث «مازلت أتعلم الخطوات»، وتدور أحداثها بين ثلاثة شخوص، في مثلث الدرامي، حيث الصراع النفسي، والحوار الداخلي.

ترسم الشافعي في الفصل الأول احدى شخصياتها، وهي فوزية التي تستعرض من خلال شريط ذكرياتها ملامح العلاقة بينها كاحد أضلع مثلث الصراع المبطن، وبين يوسف زوج نورة صديقتها الوحيدة، الذي أصبح زوجها، بعد دخول نورة صديقتها الوحيدة في غيبوبتها الطويلة، وقد كانت تربطهما علاقة محبة عميقة، على الرغم من اختلاف صفاتهما الواضح شكلا، وموضوعا..فوزية شقراء، وعيونها ملونة، ونورة سمراء..فوزية تبتعد عن الرجال، تتجنب نظرات الاعجاب، في حين نورة تتدفق بالحيوية، متوقدة، متحمسة، لاتنقصها الشجاعة ولا الجرأة، تستجيب الى كل تلميح من معجب، أونظرة من رجل وسيم، ثم تسرد لنا فوزية كيف التقت هي وصديقتها نورة، يوسف، ثم هروبها من النظرة والتلميح، الذي قابلته جرأة وشجاعة من نورة، ليخطب يوسف نورة، ويتزوجها في أقل من شهرين!

شريط الذكريات

ومن خلال الذكريات تطلعنا فوزية على الأسباب الجوهرية التي جعلتها ترتبط بيوسف سريعا فتقول: «كنت وصديقتي الأغلى نورة مختلفتين شكلا وفكرا، لكننا بهذا الاختلاف المتوازي استطعنا ان نؤسس صداقة جميلة رائعة، ومع هذا لا يخلو الاختلاف من بعض الصفات المشتركة وان كانت قليلة، ولكن يبدو أنها قوية جدا، فهذا القليل المشترك هو الذي دفعني للاعجاب بيوسف، ثم التعلق به» وبعد افاقة نورة من الغيبوبة، وفي لجة الصمت الذي خيم على ثلاثتهم، تحاصر فوزية الاسئلة، فتسأل نفسها: «هل أخطأت حين أحببت يوسف وتزوجته أم كان حبي له امتدادا لحبها......لا ادري؟»!! تعاني فوزية من الصمت المفروض عليها، فلا تملك الا الحوار الداخلي المتولد من الصراع النفسي الذي تعانيه، فتقول: «يبدو ان الصمت أصبح ثوبا جميلا مزركشا، نستحلي لباسه كل صباح، وحين تقترب العتمة، ونغلق الباب على وحدتنا المميتة، نخلعه، لنتحدث مع أنفسنا اللاهثة القلقة».

البوح النسائي

تقترب الكاتبة من البوح النسائي والمشاعر الخاصة والحميمة، عندما تطلعنا على لسان فوزية تقول: «خمسة عشر عاما كان لي، وكنت له قلبا وجسدا، كأنني بدأت أفقد حياتي حين استفاقت صديقة طفولتي وصباي من غفوتها، وغيبوبتها، كانت أحلامنا متقاربة ومتداخلة، لا أدري لماذا اليوم أشعر بأن أحلامي قد غادر تني؟!!، ياااه..ما هذا الاحساس الجديد الذي بدأ يغزو تفكيري؟!! آووه»..

ومن خلال استدعاء الذاكرة نعرف ان فوزية كشخصية منفردة كانت تحب عبد الحليم، وتحفظ أغانيه، ولكنها تذوب في شخصية يوسف، وعشقه أغاني فيروز، وهي قارئة، فتذكر أنها تقرأ لكتاب عالميين أمثال باولو كويللو، والكتاب المحليين مثل رواية «صمت يتمدد» للدكتور سليمان الشطي

وفي نهاية حوار طويل مع النفس، مع وضع كل الاحتمالات: ترك البيت، أوالسكوت واهدار الكرامة، أو الرفض، ولكن لا مفر من المواجهة، فهل تملك فوزية الجرأة للتعبير عن رأيها؟! حيث تقول:" ما أحسه، وأشعر به يجب ألا يكون ثلاثة في مؤسسة الزواج، لان بالشراكة الثلاثية حتما سيشعر أحدهم بأنه مهمل"


حيرة وأمل

وفي الفصل الثاني، تسرد لنا الكاتبة مايواجهه يوسف من حيرة، مابين نظرات العتب في عيني نورة زوجته التي أفاقت من الغيبوبة، لتجده متزوجا بغيرها، وما بين شوق فوزية، ورغبته الملحة فيها، فيبتعد عنهما روحا، وجسدا، وينام وحيدا في غرفة مكتبه، ما بين الأغاني والكتب التي يحاول ان يقرأها، ولكنه لا يفهم منها شيئا، فيحاول ان يجد في الموسيقى الكلاسيكية لبيتهوفن ما يهدئ روعه، ويستعيد توازنه النفسي، ولكنه يتململ، ويطفئ الجهاز..الصمت يحاصره، فيعجز عن المواجهة، ويقع فريسة للصراع الداخلي، فنجده يحادث نفسه، ويقول: «انها أمنيات ان نلتقي معا نحن الثلاثة على بوابة ذلك السور، وندلف منه معا، وسيغلق ماضينا كل أبوابه، وسنفتح نوافذ جديدة، تشكل لنا سيمفونية حب رائعة لم يؤلفها بيتهوفن، ولم يعزفها موزارت، لكن لماذا تكون الحياة على شكل أيام وسنوات؟ ولماذا لايكون لنا نحن الثلاثة عالم جديد، وبذرة حب مشتركة نزرعها لعمر قادم؟"

انني احترق

*******

أما في الفصل الثالث، فتصور الشافعي كيف أفاقت نورة من غيبوبتها الطويلة، فوجدت زوجها يوسف متزوجا من صديقتها الوحيدة، ورفيقة روحها، فوزية..فتسيطر عليها ذكرياتها معها، ومع يوسف، وتطبق الغيرة عليها من كل جانب، فتحدث نفسها: «زواج يوسف منها يطعنني بقوة لا احتملها، يعيدني الى أوجاع غيبوبتي، أشعر بثورة في داخلي، أتمنى ان أصرخ في وجه يوسف بكل ضعفي، ووهني، أوجع فوزية ضربا، وركلا حتى أمزق ملابسها، ولكن..هل أقدر على ان أمارس هذه الجرأة؟!"

الكر والفر من الذكريات، كانا موزعة مابين حبها الشديد لفوزية صديقة الطفولة، وشريكة الذكريات الحلوة، فهي لا تنسى وقفتها الأخوية لها، ورعايتها عقب خروجها من مستشفى الولادة، فتقول: «بعد وفاة أمي الغالية نسيمة، الله يرحمها، أصبحت فوزية كل أهلي "

كانت تتمنى هي وفوزية ان يتزوجا في نفس اليوم، ونفس الرجل، حتى لايفترقا، ولا يوم..«أليست هذه أمنية طفولتنا ومراهقتنا، وأعتقد أنها لا تزال؟!"

تقرر نورة شق الصمت، وتعلن عن رفضها لهذا الوضع، قائلة: «غدا صباحا سينكشف الجواب، سأكون الأشجع، وسأتحدث بجرأة حتى قبل صباح الخير، وصباح النور، متى تأتي أيها الصباح الأنيق، انني احترق..انني انتظر؟!!"


الوجه الآخر


تتخذ الرواية بعدا دراميا من خلال الصراع النفسي، والوجودي لدى الشخصيات الثلاث، بينما يستتر الصراع الفكري وراء الحدث الأكبر مابين الغيبوبة، والافاقة، في زمن لا يستهان به، اذ تواجه كل شخصية عوامل التغير والتطور فيها.

الكاتبة أوصلت القارئ - ولو بطريق غير مباشر- الى ان نورة هي الوجه الآخر لفوزية، من خلال هذا التناقض بين الهروب، والشجاعة..الخجل، والجرأة، ثم مع الارتباط بيوسف تذوب الشخصية الجريئة المتمثلة في نورة، لتصبح أكثر استسلاما في شخصية فوزية، ومع مرور الوقت، وربما بالقراءة، والثقافة، تصحو نورة من غيبوبتها، التي تمثلها فوزية الذائبة في حبها ليوسف.

وعلى هذا الأساس، يتضمن البناء الدرامي للرواية التحول الذي لايستطيع يوسف تقبله، ويقع الثلاثة في حب الصمت، وعشقه، غير ان الحيرة والقلق ينموان بينهما، وعلى هذا الأساس عندما تصحو أحلام فوزية، وتبدأ في البحث عن ذاتها المفقودة، تستفيق نورة الجريئة الرافضة لمحاولة محو ذاتها في أي قالب كان، حتى ولوكانت المسافة والزمن الذي قطعتهما في حب يوسف عمرهما خمسة عشر عاما فهي مازالت تتعلم خطواتها الأولى.

********

العناوين الجانبية :

الكاتبة أوصلت القارئ إن نورة الوجه الآخر لفوزية ومع الارتباط بيوسف تذوب جرأة الأولى لتصبح أكثر استسلاماً في شخصية صديقته.

هل سيشعر أحد في مؤسسة الزواج الثلاثية بأنه مهمل أم يعيش الرجل بين زوجتيه عالما جديداً وبذرة حب مشتركة لعمر قادم. 

 الرواية تتخذ بعداً درامياً بصراع الوجود بين الشخصيات الثلاث بينما يستتر الصراع الفكري وراء الحدث الأكبر مابين الغيبوبة والافاقة .


جريدة الوطن في يوم الأحد 30 سبتمبر 2012



 

0 Comments:

Post a Comment

<< Home