برنسيس إيكاروس

Sunday, November 11, 2012

منى الشافعي في رقصة كاملة !



نشرت هذه القراءة في مجلة البيان التي تصدر عن رابطة الأدباء الكويتيين عدد نوفمبر 2012

منى الشافعي في رقصة كاملة

تماهي الضحية والجلاد
******


الغربي عمران روائي وناقد يمني .

ملاحظة
****

سأتعامل مع الرواية كما لو كان عنوانها (يطالبني ...بالقبلة كاملة).. والسبب أنني في الرواية لم أجد أي رقصة.. مقابل الكم الكبير من القبل المتناثرة على صفحاتها الجميلة.

عتبة الدخول :

قبل الولوج في قارورة عطر الحكاية ..أحب أن أتذكر بأني التقيت بالمبدعة الكويتية منى الشافعي في الشارقة .. باقة من أدباء الجزيرة العربية - أفضل هذا التسمية بدل الخليج...- والعراق في (ملتقى الإمارات للإبداع) ديسمبر2011 .. وكانت الأستاذة أسماء الزرعوني القاصة والمبدعة الإماراتية غيمة من ياسمين تظلل الجميع طيلة أيام الملتقى .


ما لفت نظري وبقية المشاركين شخصية الروائي والإعلامي السعودي محمد المزيني والمبدعة الكويتية منى الشافعي .. فما أن يحلا أو يحل أحدهما في قاعة أو على مركبة تنقلاتنا من الفندق إلى قاعات الفعاليات حتى تزداد وتيرة الحركة ويعم الصخب والابتسامات.. لتتغير ملامح الحضور وتتقنع بالمرح التلقائي .. فحضور الشافعي والمزيني يحيل المحيط إلى ربيع ضاحك وجو عابق بالألفة .

وبالطبع يتركان أثرا قويا لا ينمحي في نفوس من التقى بهما وإن على عجالة .. أو هكذا أحمل في نفسي من مشاعر ..

يطالبني


******

وفي هذه الوريقات أحاول اكتشاف الشافعي الفنانة ، بعيدا عن خفة الروح ودماثة الأخلاق وعفوية التعامل.. هنا بين يدي شخصية أخرى لمنى المتمثلة برواية (يطالبني بالقبلة كاملة) ويطالبني هو الإصدار العاشر المتمثل بروايتين وسبع مجاميع قصصية وإصدار جمعت فيه بعض مقالاتها الصحفية .

الرواية في 224 صفحة توزعت إلى ثلاثة فصول .. وزعت الكاتبة تلك الفصول على شخصياتها الرئيسة: فوزية.. يوسف.. نورة .

الرواية

******

تبدأ الرواية بحديث بين نوف ابنة نورة المستلقية على سرير المرض في غيبوبة دامت خمسة عشر سنة وفوزية الزوجة الثانية للأب وصديقة الأم .

الفصل الأول ..أو فصل فوزية التي تدخل القارئ إلى عالم أسرة يتصارع أفرادها عاطفيا.. بعد أن تحول ذلك المنزل إلى منزل أشباح والسبب أن يوسف تزوج بفوزية صديقة زوجته... في البدء التبس الأمر ولم أستطع تمييز الصلات والعلاقة بين أفراد ذلك المنزل.. لكن فوزية وبعد تناولها سرد ذكرياتها طرحت القارئ على الطريق الصحيح لفهم تلك العلاقات .

الكاتبة استخدمت أكثر من راوي .. فبالإضافة إلى الراوي العليم أشركت شخصيات الرواية في رواية ذكرياتهم مع بعض.. بل أننا نكتشف أن الراوي العليم قد اقتصر دوره كما لو كان مذيع ربط إذاعي أو تلفزيوني بين فقرات البرامج والمنوعات.. أو كعريف الحفلة..وهذا الأسلوب يحسب للكاتبة إذ أنها جعلتنا نتصورها وهي تنسج حكايتها بشكل فني بديع موزعة أدوار الحكي بين الراوي العليم وشخصياتها الثلاث..تظفر هنا وتدخل خيطا جديدا هناك وتعقد ثالث بعد قصة.. بل أنها قدمت لنا عملا فيما يشبه الجدارية التشكيلية مستخدمة ألوان الفرشة تارة ، وضربات السكين تارة أخرى لتنجز لوحة مبهرة متناغمة الألوان .. متجانسة الإيقاع .

لم تكن الجملة في (يطالبني ...) جملة مطاطة أو مملة بل أنها قلقة الإيقاع ..مقتضبة وقصيرة مما أعطى القارئ جوا عاما حول ما تعيشه تلك الأسرة من خلافات وصراع .

الحوارات سريعة ومكثفة بين شخصيات الرواية .. وقد استخدمت الكاتبة الحديث إلى النفس بين شخصياتها.. وذلك هو جوهر (يطالبني...) .. فقد أجادت الكاتبة في استخدام الذاكرة والعودة إلى الماضي طوال عملها بفنية ووعي .. مما جعلت القارئ يغوص في عوالم الشخصيات ويتلمس همومها.. حتى لكأنها أرادت أن تشركه في هموم شخصياتها وأوجاعها.. بل وأن يتمثل القارئ تلك الشخصيات.. ليخرج في نهاية صفحات الرواية في حيرة يسأل نفسه من على حق ؟.. ومن هو الظالم ومن هو المظلوم ؟ ليجد الجميع ضحايا دون استثناء .. نتيجة للفهم خاطئ للدين .. حين نقر بمفهوم حق الرجل في الولاية .. وحقه في أكثر من واحدة .. وحقه ..... ولم نعمل في النصوص الدينية بالتحليل والتأويل لنعدل من ذلك الظلم. بل اكتفينا بظاهر المعني ، وابتعدنا عن مقاصد شريعتنا الغراء .. وأسلمنا رقابنا لنفر من الجهلة يتفيقهون بنا وبديننا كما يحلوا لهم وكأننا في غيبوبة كما هي نورة في غيبوبتها .

( يطالبني...) تعالج مسألة الزواج بأكثر من واحدة في مجتمعاتنا الإسلامية.. وقد وضعت لنا الكاتبة مبررات الصداقة والمحبة والتربية والآمال المشتركة بين المرأتين.. إلى الحد أنهما تعاهدا أو تمنيا ألا يفترقا.. ولذلك حلما برجل واحد.. وفي النهاية يكتشف القارئ أننا نتمسك بثقافة التبرير.. لتقبل كل ما هو قبيح وأعوج .. فها هي نورة رغم تذكرها بما كان بينها وبين صديقتها فوزية تنكر على نفسها تقبل الشراكة في رجل واحد.. وسبقتها فوزيه برفضها لكلمة شريكتك ، حين سمعتها من صديقة أخرى .. لقد تفوقت منى بشكل ملفت في معالجة هذه القضية التي يرفضها الذوق والأخلاق رغم كل المبررات .. ولم نشعر بأن أرائها كأنثى كانت ظاهرة بل أننا تعاطفنا مع ضحايا هذه القضية الشائكة حتى أخر كلمة في الرواية .

فوزية كانت أكثر الشخصيات فاعلية وصدق العاطفة.. وتكاد تستحوذ على تعاطف القارئ.. ثم نورة تأتي بعدها رغم الغدر بغيبوبتها.. لكنه يوسف كان مدان ونصف جلاد.. وإن كان ضحية التشريع .

سيطرت على أجواء الرواية الأنثى المتعددة .. وبهت دور الرجل على قلته في الرواية .. إلا أن فوز ونور أعطت يوسف أكثر مما يستحق .. فالاثنتين تقدمانه كرجل مثال"ي سوبر مان " ومع ذلك تنتهي الرواية لينتصر القارئ للأنثى كضحية رقم واحد (1)..أو هذا ما خطط له مكر الروائية

وأنا اسأل الروائية .. ماذا أردت من اختيارك لهذه القضية التي تمس كل كائن مسلم .. وبالذات المرأة..؟ لقد تميزت في اختيارك لهذا الموضوع وأحسنت في معالجته.. وفي حثنا على تغيير واقعنا

وقد تميز الوصف في هذه الرواية بقدرة فائقة في نقل القارئ إلى داخل ذلك البيت من غرف النوم ، الى غرفة المكتب ، إلى حديقة المنزل ، حيث طاولة الشاي والقهوة .. وتناول الإفطار ، إلى الصالة والدرج ، والشرفات المطلة على الليل .. هكذا وكأن الشافعي تحمل كامرة سينمائية تنقلنا بشكل حي إلى حياة أشخاص متباعدين نفسيا متصارعين وجدانيا .. بيت بأدواره لا يزال بوصف الكاتبة أراه أمامي .

وما زاد الرواية قربا من قارئها تلك اللهجات والكلمات المكسرة بين اللهجة الكويتية والمصرية للمصففة ميرفت ، وكلمات السائق كومار وغيرهما .

إن رواية ( يطالبني... ) حلم وذكريات وآمال يجسد مقولة "من لا يحلم لا يعيش حياة ممتعة ".. والحياة سلسلة من الأحلام .. وهي دعوة لأن نتعاطى الأحلام في حياتنا..رواية تفيض بالصدق الوجداني والفني . من خلال أسلوب نسجها لهذه الحكاية كما ينسج النساج سجادة عجمي أو كلوحة أجاد فيها الفنان استخدام الخطوط والألوان.. بل أن الكاتبة أرادت أن تقربنا من شخصيات الرواية حين جعلتها تعج بأسما فنانين ، وكتاب وعناوين كتب ، وأسماء صحف ، ومقاطع من أغاني نشدو بها دوما

وسؤال ثاني للكاتبة : أي قدرة تلك التي تمتلكينها في ضفر كل تلك الخيوط المتشعبة.. ونسج كل تلك الضفائر في نسيج بديع مدهش ؟!

تذكرني نورة وغيبوتها ببولا في رواية لإيزابلا اللندي .. وتذكرني شخصيات رواية (يطالبني...) بشخصيات ماركيز حبيباتي الحزينات ،إلا أن فكرة رواية الشافعي من الأهمية بحيث تعلق كل تفاصيلها في ذاكرة القارئ لأهميتها ، وللأسلوب الذي استخدمته الكاتبة .

الرواية في مجملها رسالة حب طويلة تمس القارئ بعذوبة مشاعر شخصياتها .. فلا يوجد كيد .. ولا يوجد إجرام .. رسالة حب وعتب للمجتمع و للفقهاء . ا

فقط هو الرجل ذلك الضحية الجلاد.. وهي المرأة نهر العطاء المتجدد .. المرأة التي تفوح أريج رائحة قلبها حتى من تحت رحى المعاناة.. أو هكذا أرادت الكاتبة أن تصل إلى القارئ لتنتصر لعين وتدين عين في وجه واحد.

في النهاية يدرك القارئ بعد إكمال قراءة (يطالبني...) أن عاطفته تميل لفوز .. تلك الحالمة الفاقدة للحنان حتى مع عدم وجود ذرية ..وتظل هي شمس تمثل الكائن الكامل بحبه .. وتظل نور هي المجروحة المغدورة .. لكن تأتي عاطفتي كقارئ باهتة تجاهها .. ربما لأن منى قدمت فوز أكثر سمو.. ويظل يوسف رغم رمزية اسمه ذلك الكائن الأناني .. وإن ظهر بموقف سلبي ومحايد بين المرأتين .. ولن يبرر لدي عودته للخمر ، والسيجارة ، بل حتى لو انتحر.. فسيظل الجلاد المقيت.. وأن حاولت منى إضفاء رتوش خادع ..أو بشكل أكثر مثالية.. لكنه يظل الجاني .. كونه الرجل الفقيه وحارس الفضيلة.. ومبرر كل أعوجاج ، وفي الوقت نفسه هو ضحية لغيره من الرجال.

عتبة الخروج

*******

أعترف بأني لم أستطع التفريق بين منى ذلك الكائن بخفته وروعة روحه .. وبين الرواية أثناء قراءتها .. وكذلك بين أسطري وبينها .. وأعترف بأني وبحكم تجربتي السردية المتواضعة.. لا أفرق بين الكاتب وعمله ، بين الكاتب وشخوصه .. وشخصيات أعماله تأخذ منه الشيء ولو قليل.. وأن من ينكر ذلك هروبا لا يستطيع أن يمحو الحقيقة ..فأعمالنا هي من أرواحنا .. ولذلك رأيت أن فوز تحمل روح منى ..
وأن يوسف يحمل الكثير منها .. وكذا نور.. وفرح ونوف.. حتى كومار .. وبقية الشخصيات .

هي تحية لكاتبة مبدعة متألقة بأعمالها..وأهمس في أذنها " ننتظر المزيد من جديدك ."

0 Comments:

Post a Comment

<< Home