برنسيس إيكاروس

Friday, December 28, 2012

كم " محمد شريف عندنا " ؟







كم " محمد شريف عندنا " ؟

كتبت منى الشافعي


      وصلتني هذه الحكاية الإنسانية الرائعة التي حدثت في ماليزيا قبل عامين، من أكثر من شخص، يطلبون مني أن أوجهها إلى الجامعات والمعاهد الكويتية... ومنّا إليهم:

تقول الحكاية: «اشترط أستاذ مادة علم الاجتماع في إحدى الجامعات الماليزية على طلابه إسعاد إنسان واحد طوال الفصل الدراسي، للحصول على الدرجة الكاملة في مادته، على أن يكون هذا الإنسان خارج محيط أسرته، وأن يقدم الطالب عرضاً مرئياً على ما قام به في نهاية الفصل أمام زملائه"

في نهاية الفصل، كانت هناك عشر مبادرات حصل طلابها على هدية مادية مجزية لتميزها، ومن أفضلها كانت مبادرة الطالب الماليزي الذي قام بوضع هدية صغيرة، يومياً، أمام باب شقة زميله في السكن الجامعي، وهو طالب هندي أرسله والده ليدرس الطب في ماليزيا، اختار الطالب الماليزي زميله الهندي لأنه شعر بأنه وحيد من دون أصدقاء أو حتى ابتسامة طوال مجاورته له لنحو عام، فقد كان الطالب الهندي في عزلة تامة، ويبدو تعيساً وحزيناً دائماً، مما جعل زميله الماليزي يرى أنه الشخص المناسب للعمل على إسعاده.

     أول هدية كانت رسالة صغيرة وضعها الماليزي تحت باب شقة الطالب الهندي من دون توقيع: «كنت أتطلع في طفولتي إلى أن أصبح طبيباً مثلك، ولكنني ضعيف في المواد العلمية، إن الله رزقك ذكاء ستسهم عبره في إسعاد البشرية»، وفي اليوم التالي اشترى الطالب الماليزي قبعة تقليدية ماليزية، ووضعها أمام الباب ومعها رسالة: «أتمنى أن تنال قبولك هذه القبعة»، في المساء شاهد الماليزي زميله الهندي يلبس القبعة، ويتزين بابتسامة لم يرها على وجهه من قبل هذا المساء، والأجمل أن الماليزي شاهد في حساب زميله الهندي في الفيسبوك صورة للرسالة وللقبعة، وقرأ تعليق والد الهندي: «حتى زملاؤك في الجامعة يرونك طبيباً ماهراً، لا تخذلهم، استمر يا ولدي"

    دفع هذا التعليق الطالب الماليزي إلى الاستمرار في كتابة الرسائل وتقديم الهدايا البسيطة يومياً إلى زميله، وهكذا حتى ازدادت رقعة ابتسامة الطالب الهندي يوماً بعد آخر، وامتلأت صفحتاه في الفيسبوك وتويتر بالأصدقاء، وبالأسئلة لمعرفة الهدايا التالية.

تغيرت حياة الطالب الهندي من انطوائي حزين إلى اجتماعي مبتسم، بفضل زميله الماليزي الذي لم يكشف له عن هويته، حتى أصبح الهندي حديث الجامعة التي طلبت منه بعد أكثر من شهرين أن يروي هذه التجربة أمام زملائه، المفاجأة أنه أخبرهم بأن الرسالة الأولى جعلته يعدل عن قراره بتغيير تخصصه، كما جعلته يتجاوز الصعوبات والتحديات الأكاديمية والاجتماعية التي كانت تقلقه.

    لعب الطالب الماليزي محمد شريف دوراً محورياً في حياة هذا الطالب الهندي، بفضل عمل صغير قام به، ولا يزال الطالب الماليزي حتى اليوم مرتبطاً بإسعاد شخص في كل فصل دراسي، بعد أن لمس الأثر الجميل الذي تركته تجربته النبيلة.

***

    هل نأمل بأن تقوم جامعاتنا ومعاهدنا يوماً باستثمار هذه التجربة لمصلحة مجتمعنا، أو حتى بتجارب أخرى تسعد الآخرين!؟  

نتساءل الآن، كم محمد شريف عندنا؟ وكم دكتور مثل دكتور مادة الاجتماع الماليزي عندنا؟

     القبس 28 ديسمبر 2012

0 Comments:

Post a Comment

<< Home