برنسيس إيكاروس

Sunday, August 16, 2015

.. وبالتالي لن تثير الدهشة عندنا!



كتبت منى الشافعي

.. وبالتالي لن تثير الدهشة عندنا!

***

  قبل أكثر من عقد، كنا نتردد على العيادات الطبية لتلقي العلاج، وحين نجلس في غرفة الانتظار لوقت قد يطول لأكثر من ساعة زمن، وبما أن الإنسان اجتماعي بطبعه، يبدأ التعارف بين المراجعين بصورة عفوية، خصوصاً بين السيدات، بحيث يندمجن بالحديث عن معاناتهن وأوجاعهن المرضية، ليتشعب الحديث بعد ذلك إلى أمور حياتية أخرى أبعد من الحالة المرضية، ومن الطبيب وشطارته وغيرها. وللأمانة، حصلت الكثير من الصداقات في هذه الجلسات، وامتدت لتدوم. يحدث هذا، طبعاً، قبل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
***
ما ذكرني اليوم بهذه الحالة الإنسانية الجميلة هو زيارتي الأخيرة لإحدى العيادات الطبية التخصصية، وحين دخلت غرفة الانتظار المزدحمة بالمراجعين، ألقيت التحية بصوت ودي وابتسامة فرح على وجهي «السلام عليكم»، تريثت قليلاً قبل أن أجلس على أحد المقاعد الخالية، تلفت حولي، يبدو أن لا أحد من الموجودين شعر بوجودي - حسافة الابتسامة - أو سمع صوتي، كي يرد على تحيتي. لم أندهش، السبب بسيط! الجميع.. من دون استثناء، كانت عيونهم تبرق على موبايلاتهم/ هواتفهم الذكية بشدة.
***
نعم، إنها آفة وسائل التواصل الاجتماعي التي أثّرت في وسائل الحياة الطبيعية عامة، وخاصة في التواصل الشفاهي بين الناس، وذلك في كل مكان يلتقون به صدفة أو يوجدون به برغبتهم، والأمّر والأنكى حتى في البيت الواحد مع الأسرة الواحدة، ولن نستثني هنا أنفسنا أو غيرنا، فالاهتمام الأول والأخير دائماً لهذه اللعبة التكنولوجية الساحرة.
يجب ألا ننكر أنها التصقت بيومنا بقوة، وجعلتنا مدمنين متعلقين بها حد الهلع من فقدانها، بحيث لا نستطيع الاستغناء عنها، ولا حتى موعد زيارة الطبيب، لطلب العلاج. أصبحت من ذكائها تستعبدنا ونطيع، وها هي بغفلة من وعينا تدير حياتنا اليومية.
يجب أن نذكر هنا أن البعض استخدمها استخداماً إيجابياً مطلوباً ومعقولاً، والآخر استخدمها استخداماً سلبياً مرفوضاً، لا فرق. فقد أجبرتنا جميعاً على التخلي عن مشاعرنا الإنسانية وأحاسيسنا العفوية، خصوصاً المطلوبة في مثل هذه الحالة وغيرها - الوجود لساعات مع الغير في مكان واحد - وأبعدتنا عن حميمية اللحظة.
من المؤسف، فقد أصبحت هذه الأمور عادية تصادفنا يومياً في كل مجالات الحياة، وبالتالي لن تثير الدهشة عندنا!

نشر في : 06/08/2015
m_alshafei@hotmail .com

alshafei_m@

0 Comments:

Post a Comment

<< Home