برنسيس إيكاروس

Monday, February 08, 2016

عقارب ساعاتهن!



عقارب ساعاتهن!

***

   جمعنا اللقاء الأسبوعي، وبتلك الظروف الصعبة، بدأنا نتحدث عن همومنا العامة التي باتت تؤرقنا. إحدى الاخوات طلبت مني ان امسك ورقة وقلما وأدون احاديثهن.. فاجأني الطلب لأنني خشيت أن تضطرب كلماتهن فوق الورق. اعرف جيدا ان همومهن ثقيلة لا تحملها الجبال. اضافت الاخت: لتتمنَّ كل واحدة منا ان تعود عقارب ساعتها الى زمن تشتهيه، فترة تتوق اليها. بصراحة اعجبني الموضوع.. هادئة بدأت أكتب.
***
    إحدانا: أتمنى أن تعود عقارب ساعتي الى ما قبل مرحلة الفساد الإداري والمالي، وتبعتها عقارب ساعات الاخوات الاخريات. وأخذت أدون المراحل التي تشتهيها كل منهنّ.. الى ما قبل مرحلة ظاهرة الواسطة اللئيمة.. هدر المال العام.. المدارس الخصوصية والمدرسين الخصوصيين.. كثرة الفتاوى التي تحلل وتحرّم على كيف كيفها.. روتين الرقابة على الكتب والمطبوعات والمنع المزاجي.. الى ما قبل مرحلة محاولات زرع بذور الفتنة الطائفية والقبلية.. عدم تطبيق اللوائح والقوانين.. تلوث البيئة.. عدم تطوير التعليم وتسييسه.. ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة.. أزمة الرياضة.. أزمة الإسكان.. ام الظواهر «البدون».
   ما زلت ألتقط همومهن وحسراتهن بالهدوء نفسه. قالت إحدانا: أتمنى أن تعود عقارب ساعتي الى ما قبل وجود التاكسي الجوال والسماح باستخدام حارة الأمان. وتبعتها أخرى.. كثرة الخدم في بيوتنا.. العمالة الهامشية السائبة وتنوع جرائمهم.. العنف والسلوك العدواني وطعنات وجرائم «ليش تخزني».
يبدو هناك المزيد من المراحل المزعجة في الديرة وما حولها، وهناك ايضاً الفترات والأزمنة الجميلة في حياة كلٍ منّا. فقالت إحدانا: الى ما قبل سعير الحروب العدمية.. الربيع العربي الاسود.. ولادة القاعدة.. موضة التفجيرات الارهابية الدموية هنا وهناك.. الغزو العراقي الصدامي الغاشم على ديرتنا الآمنة المسالمة.. الحرب العراقية الايرانية.. الثورات العسكرية على الملوك والحكام.. اغتصاب فلسطين وزرع اسرائيل شوكة في قلب الأمة العربية.
    إحدانا: أشتهي ان تعود عقارب ساعتي الى ما قبل ظهور الفضائيات اللامسؤولة، وكل انواع التكنولوجيا الحديثة وتوابعها، والهواتف الذكية وأخواتها التي ضرتنا أكثر مما أفادتنا. ثم بنفس واحد قلنّ: «الى ما قبل وجود داعش».
***
    هنا قلت «نشف/ خلّص الحبر». وسمحت لنفسي ان اضيف على الورقة نفسها، بغير علمهن: «يبدو ان الاخوات يفضلن حياتنا البسيطة، الآمنة الهادئة، التي عشناها في ديرة ما قبل النفط».
    اما انا، وبعد ان حملت كل هذه الهموم والمنغصات على عاتقي ومسؤوليتي، وورقتي وقلمي الرصاص، تمنيت لمحة بسيطة من لمحات الزمن الجميل، تكفيني ان اتنفس في هذا الجو الخانق، المعبأ بكل هموم ومنغصات الواقع القاسي.


منى الشافعي

نشر في : 04/02/2016 القبس

alshafei_m@

0 Comments:

Post a Comment

<< Home