برنسيس إيكاروس

Saturday, June 25, 2016

لماذا أهملنا الجانب التراثي لمدينتنا العتيقة ؟!


لماذا أهملنا الجانب التراثي لمدينتنا العتيقة ؟!

***

     كل أمة تعتز بتراثها الحضاري وتاريخها القديم. وبالتالي فإن الاحتفاظ بالمدن العتيقة هو الذي يشكّل شخصية الأمة ويمنحها هويتها، ويعترف بوجودها التاريخي والحضاري امام العالم.
    احرص دائما عندما اسافر الى اي بلد في العالم، ان ازور مدنها العتيقة، التي تستقبلني بإرثها الحضاري المتنوع، وتاريخها الممتد عبر العصور. تشعرني لحظتها بالمتعة وتدعوني الى التأمل، والانجذاب الى عبق التاريخ القديم الذي اعشقه، ورائحة حضارته الانسانية الممتدة. كم استمتع وانا اتحسس عراقة تلك المدن من بين شقوق جدرانها العتيقة، وشموخ وجودها التاريخي.
***
      في زيارتي الاخيرة الى المملكة المغربية، كم استمتعت حين قابلتني تلك الاسوار الشاهقة الصامدة، التي تحتضن اجمل المدن العتيقة الزاخرة بعراقة تاريخها الممتد، وثقافتها الشعبية الجميلة، وصناعاتها التقليدية. تشعرني تلك المدن العتيقة، وانا اتجول بين ازقتها ودروبها الضيقة، بأنها لوحة فنان تشكيلي متمكن من صنعته، او بأنني اتجول في متاحف مفتوحة مسكونة بسحر الماضي وجمال الحاضر، تنبض بالحياة، تحكي لي عن تاريخ المغرب وعظمة حضارته الموغلة في عمق التاريخ الانساني. فمن مدينة فاس ومكناس الى الدار البيضاء ومراكش، مرورا بالرباط والجديدة وغيرها، كلها مدن عريقة تحتفظ بالإرث التراثي والحضاري المغربي المبهر خلف اسوارها، وتتجمل بالمدنية الراقية، والحضارة الحديثة خارج اسوارها.
***
     في عودتي الى ديرتي موسومة بعبق المدن العتيقة، محملّة بعشق التاريخ القديم وحضاراته المتنوعة.. تعلوني كآبة وتسكنني حسرة، ويتكوم امامي اكثر من سؤال؟ أين اختفت مدينة الكويت العتيقة ذات الاسوار الثلاثة؟ اين المعالم العمرانية الجميلة،اين البيوت، الدكاكين، الاسواق، المساجد، البراحات، الفرضة، اين حي شرق وجبلة والمرقاب والوسط .. و.. و؟ ويقفز أهم سؤال من المسؤول؟!
      مدينة الكويت العتيقة، داخل السور، تشبه كل المدن العتيقة، لها حضور تاريخي يزيد على القرون الثلاثة، يعانقها البحر ملتفاً حول أكثر أجزائها بكل فرحة وشموخ. فلماذا أهملنا هذا الموروث العمراني الجميل ببساطته، والأجمل بروعة أشكاله وتنوعها؟ حتى اصبحنا اليوم حين نتلفّت حولنا، تصطدم اعيننا بكل ما هو جديد وحديث من المباني الاسمنتية وناطحات السحاب الزجاجية، وكم متنوع من المشاريع الحديثة الطراز .
       نعم.. يبدو ان الاهتمام بالجانب الاقتصادي قد ساهم في إهمال الجانب التراثي – الذي هو بصمتنا وهويتنا العريقة – واختفاء نسيج معالم مدينة الكويت العتيقة، خصوصاً الموروث العمراني البسيط، الجميل، الذي كان من الممكن أن يصبح ايضا استثمارا سياحيا، كما في كل بلدان العالم.

منى الشافعي
جريدة القبس 6 يونيو 2016
m_alshafei@hotmail.com

alshafei_m@

0 Comments:

Post a Comment

<< Home