برنسيس إيكاروس

Saturday, November 03, 2018

رائحة المدن العتيقة !



  رائحة المدن العتيقة !
***
   صديقتي الأميركية وهي تتصفح ألبوم صوري الحديثة، تطرح سؤالها الذي أثار في داخلي شجوناً وأسئلة متراكمة، بلا جواب، تقول: «مدينتكم عصرية، جميلة، تشبه كل المدن الحديثة في العالم، ناطحات سحاب نيويوركية ــ نسبة الى مدينة نيويورك ــ مولات حديثة، شوارع واسعة، جسور متعانقة، ولكن أين صورك في مدينتكم العتيقة؟!».
     بماذا أجيبها؟! هل أخبرها بأن ديرتنا الجميلة، قد تعرضت إلى طوفان العمارة الأجنبية الحديثة، خصوصاً العاصمة التي سكنتها حركة تغريب منذ أكثر من عقدين، فقد غزتها المباني الشاهقة/ ناطحات السحاب الزجاجية التي تبدو في صوري! حتى أصبحت بلا ملمح يميزها، لأن مبانيها العتيقة التي تربينا بين جدرانها الطينية البسيطة، غابت أغلبيتها واندثرت معالمها التراثية المميزة تحت معاول الهدم اللئيمة، وهكذا اختفت مدينتنا العتيقة، وضاعت معها ذكريات طفولتنا وأحلام مراهقتنا، وبقيت الحسرة؟!
     نعم.. كانت ديرتنا العتيقة، تشبه كل المدن القديمة في العالم، لها حضور تاريخي ممتد يزيد على الثلاثة قرون، يعانقها البحر، ملتفاً حول أكثر أجزائها، بكل جمال وشموخ.
     يبدو أننا نسينا أو تناسينا، لا فرق، أن الاحتفاظ بالمدن العتيقة، هو الذي يشكّل شخصية الأمة، ويمنحها هويتها التي تميزها، ويعترف بوجودها التاريخي والحضاري أمام العالم.. كما نسينا أيضاً، أن معالم ديرتنا العتيقة، البسيطة، التي كانت تزين فرجانها وأحياءها القديمة في شرق وجبلة والمرقاب وحي الوسط، من الممكن أن تصبح استثماراً سياحياً، كما في كل بلدان العالم التي نزورها، ونحرص دائماً على أن نزور مدنها العتيقة، التي تستقبل زائريها بإرث حضاري متنوع، يظهر تاريخها الممتد عبر العصور، شامخة بوجودها، معبأة بأسرار الماضي وسحره، الذي يجذب الزائرين للاكتشاف والتأمل والتخيل الجميل، أكثر من انجذابهم إلى الحداثة المتشابهة، التي أصبحوا يرونها في كل مكان من هذا العالم المترامي، الذي أصبح قرية صغيرة.
     أين نحن من كل هذا؟ وأين ذهبت ديرتنا الجميلة ورائحتها العتيقة؟ ولماذا أهملنا الجانب التراثي الذي يميزنا؟ والأهم، يقفز السؤال: من المسؤول؟!
منى الشافعي / جريدة القبس / 26 أبريل، 2018  

0 Comments:

Post a Comment

<< Home