برنسيس إيكاروس

Saturday, November 03, 2018

همسات على الدرب

 

همسات على الدرب !

***
     في لحظة تأمل، كنت أراقب الغيوم في السماء، أبتسم للأشجار أنصت للريح، كانت تعصف في المكان. شجرة عالية أوراقها خضراء تتمايل أغصانها بخفة، مبتهجة، مشرقة، شجرة صغيرة تجاورها، ملونة أوراقها، حمراء، صفراء، برتقالي، تتمايل مع الريح، فتتساقط تلك الأوراق الملونة واحدة بعد الأخرى، حتى بدت لي نصف عارية، بأغصان يابسة، اقتربت منهما، وكأنني أسمع من بين حفيف الأوراق همساتهما، أجبرني فضولي على الإنصات، اقتربت أكثر قالت الشجرة نصف العارية لجارتها: لماذا أنا التي تتلون أوراقي، ثم تتيبس، لتتساقط من هزة ريح خفيفة، وأفقد جمالي واخضراري في هذه الفترة، وها أنت جارتي، نرتوي من قطرات المطر نفسها، وجذورنا في التربة نفسها تمتد لتتشابك، ولا تزالين تحملين أوراقك واخضرارها والتماعها وطراوتها، أليس هذا غريباً يدعو للتساؤل؟ أجابتها الشجرة الباسقة: هذه هي الحياة يا جارتي وصديقتي وأختي، لكل كائن في الحياة وظيفته التي خلق من أجلها وقدره، وهذا ما يحصل لنا فأنا خلقت دائمة الاخضرار (ever green) وهذا قدري، ولربما وظيفتي في الحياة تتطلب ذلك، كي أزيد باخضراري نسبة الأكسجين في الجو لراحة الإنسان وباقي الكائنات، وايضاً لأظل شامخة أصد الرياح وأنشر الظل في المكان، لسعادة الآخرين، وأنت يا عزيزتي خلقت أيضاً لتزيدي المكان جمالاً في فصل الخريف، فحين تتلون أوراقك تبدو جميلة للناظرين وهذه متعة البشر الذين نعيش معهم، وظيفتنا أيضا أن نسعدهم ونبهجهم في كل حالاتنا وفي كل أوقاتنا وفي كل فترات حياتنا، وحتى لو تساقطت أوراقك فحتى عريك يبدو جميلاً في أعينهم، هل نسيت بأن البشري كائن ملول، يسعى للتغيير والتبديل والتجديد في كل شيء في حياته، والكثيرون من البشر يعشقون فصل الخريف لأنه يلون أوراق الأشجار، والبشر يعشقون الألوان، ألم تلاحظي ألوان ملابسهم وأشكالها، وألوان سياراتهم وغيرها، ألم تلاحظي كم شخص وقف يتأملك أنت ليلتقط صوراً لجمال ألوان اوراقك وحتى حين سكنك العري هناك من أخذ لك أكثر من لقطة، ألا يشعرك كل هذا بالسعادة؟ فجأة! هدأ عصف الريح، وتوقف تساقط أوراق هذه الشجرة الحزينة لكنها رددت شكراً لك صديقتي العزيزة على هذه الكلمات، فعلاً سأرضى بقدري، هذه هي الحياة كما قلت وسأحب حتى حزني وأتعايش معه بكل محبة. أجابتها صديقتها: سعيدة لأنك اقتنعت بقدرك وعرفت وظيفتك في الحياة، ليت البشر يقتنعون بأقدارهم وأرزاقهم. والأجمل يا عزيزتي، حين يرحل الخريف ويأتي الشتاء فما أجملك حين تدثر عريك الثلوجُ، وتتحولين الى ملاك أبيض اللون يغري بجماله وبياضه الناظرين، فحتماً سيتهافتون عليك ليلتقطوا لك أكثر من صورة. أما أنا فلن أكون بمثل بياضك وجمالك، لأن اللون الأخضر سيتخلل الثلوج التي تغطيني وهذا قدري وسأرضى به. وقبل أن أغادر المكان، سمعتهما يتهامسان مرة أخرى. قالت الشجرة الخضراء: عزيزتي نسيت أن أخبرك بأن الحياة ستستمر، وحين يأتي الربيع تسبقه تباشيره، وتغريد بلابله، وطيوره، ستعودين كما كنت وربما أحلى لأنك ستكبرين عاماً وستبدين أطول وأنضر وستكتسين الاخضرار، وتمتلئ أغصانك بأوراق خضراء مشرقة. ولا تغفلي روعة أزهارك الجميلة ورائحتها العطرة التي ستعبق في المكان والتي يعشقها البشر. هل نسيت أنني أفتقد الأزهار على أغصاني. ومع هذا راضية ودائماً فرحة ومستبشرة، لأنني أعرف جيداً أن الاختلاف في كل حالاته جميل ورائع ومطلوب، ليت البشر يتفكرون؟!
منى الشافعي  / جريدة القبس  /7  يونيو، 2018
 

0 Comments:

Post a Comment

<< Home