برنسيس إيكاروس

Saturday, August 13, 2022

إطلالة على حركة النقد الأدبي في الكويت 1992-2012

بسم الله الرحمن الرحيم

إطلالة على حركة النقد الأدبي في الكويت 1992-2012

-------------------------------


       الكلمة قدستها الأديان السماوية جميعاً ، ففي القرآن الكريم " إقرأ " وفي الإنجيل " كانت في البدء كلمة ". إذن .. فالكلمة رسالة مقدسة ، ومسئولية إنسانية نبيلة ، فكل مَنْ يكتب كلمة ذات قيمة وفائدة ، بأمانة وصدق ، إنسان غير عادي ، يحق لنا شكره وتقديره ، والانحناء إلى كلمته المؤثرة .. وفي المقابل كل مَن يقرأ تلك الكلمة ويقدرها ، يحترم حروفها ، يستمتع بمعانيها ، يستوعب أبعادها ، فهو إنسان حضاري راقٍ ، مثقف ، يحق لنا أيضاً شكره واحترامه .

***

    موضوع النقد الجاد الموضوعي شائك ومعقد ، وبما أنني لست بأكاديمية ولا ناقدة ، لذا سأتحدث عن النقد ، أو أنظر إليه من منطلق كوني مبدعة .. وبالتالي اسمحولي أن أعبّر عن رأيي الخاص ووجهة نظري أولاً ثم أنتقل إلى أمور أخرى تحيط بعملية النقد عندنا .. بصراحة ما دفعني لاختيار هذا الموضوع الذي وصفته بالشائك والمعقد ، هو ذلك السؤال الموجع الذي حرك عندي الاهتمام بهذا الموضوع وإن كان من الجانب الشخصي ، والذي طرحه عليَّ أحد المهتمين بالنقد الجاد .. سألني : " هل ترين أن النقد مارس دوراً إيجابياً في تجربتك الإبداعية على مدى العقدين الأخيرين ؟! " .

   وكانت إجابتي كالتالي ولاتزال لم تتغير : " أعتقد أن النقد لم يواكب حركتي الإبداعية ، وبالتالي كان دوره سلبياً في تجربتي التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود بقليل .. وهذا لم يبطل حماسي وعشقي ، وولعي بالكتابة ، لأن برأيي أن الكتابة الإبداعية الحقيقية تفرض وجودها في ذائقة القارئ والمتلقي والمهتم .. والحمد لله أن كتاباتي أعلنت عن وجودها في عالم الإبداع ، فهناك الكثير من المقدرين والمهتمين بأعمالي الإبداعية ، وهذا ما كنت ولازلت أطمح إليه ، وهو تعلق القارئ ومحبته لأفكاري، واسلوبي وأدواتي في الكتابة التي تميزني .

       الناقد الذي تخطاني ، أعتقد لن يضيف إليَّ شيئاً ، فقد تجاوزت هذه المرحلة .. فها أنا أطور نفسي ذاتياً من عملية الاحتكاك بالزملاء النقاد على قلتهم عندنا ، ومع الزملاء من الأدباء الكبار والمبدعين، والمثقفين والكتاب ، الذين يحيطونني بكل الحب والصداقة والشفافية.. ولن أغفل بعض الأسماء التي تركت بصمة شفافة مندسة بين أعمالي الإبداعية ، وساعدتني ، وساندتني حين احتجتّ إلى التوجيه والإرشاد ، ولاتزال ، مثل الأخ والصديق د. سليمان الشطي ، والأخ الناقد د. مرسل العجمي ، والأخ الأديب سليمان الخليفي، والأخت الصديقة د. سهام الفريح ، والصديقة الشاعرة سعدية مفرح ، ولن أنسى هنا دور زوجي الأستاذ جواد النجار الذي مارس عليَّ دور القارئ والناقد في الوقت نفسه .. ولقد تعلمت الكثير من أسفاري واحتكاكي بثقافات جديدة متنوعة، وبما أنني أعشق القراءة والإطلاع ، فقد ساعدني ذلك على تخطي سلبية النقد . أما كثرة أسئلتي فحدث ولا حرج ، فأنا لا أخجل ولا أتعب من سؤال الآخرين ، عما لا أعرفه أو لا أفهمه .. فهذه العوامل مجتمعة ، وتواجدي الدائم متنقلة بين هذه الأجواء الأدبية ، الثقافية ، يكسبني دائما ثقافة جديدة ومعرفة متطورة ، وينمي شخصيتي ، ويضيف إليها ، ويربي بالضرورة ملكة الإبداع عندي .. وهكذا تجاوزت دور النقد في تجربتي الإبداعية ، وجعلت أحلامي الملونة أكثر إشراقة وبهجة ، عبر كتاباتي المتنوعة والمختلفة – قصة – رواية – مقالة – أدب رحلات – رسم تشكيلي .

       هكذا ، وفي لحظة تفكير ، رأيت أن النقد ليس وصيا شرعياً ، ولا حارساً قضائياً على أعمالي الإبداعية ، فأنا أمارس ما أكتب من خلال مساحة معقولة من الحرية ، وأختار موضوعاتي حسب رؤاي وأفكاري التي تميزني ، وبالتالي تجاوزت عقدة سلبية النقد .

       ولكن مع كل ما قلته ، لا يمنع أن يكون هناك بعض التوجيه والإرشاد والقراءة النقدية البسيطة من ناقد أكاديمي موضوعي ، لأنه – الناقد المحترف – برأيي مرآة مكبرة ، ذات أبعاد صافية واضحة ، ترى ما لا يراه الآخرون ، بنظرة شمولية واسعة ، تدرك بحرفنة جمال العمل الإبداعي وتسبر غور أسراره التي يختفي خلفها ، وتفسر هذا الجمال ، أو ذاك التأثير ، أو تلك القوة ، أو ذاك الضعف ، أو ربما نقطة غموض غير مفتعلة في النص الإبداعي ، أو غيرها من العناصر النقدية ، بطريقة موضوعية محايدة ، تعتمد على الحقائق الواضحة ، الثابتة ، المكشوفة للقارئ والمهتم بالشأن الأدبي والنقدي .

       وبالتالي ، أحترم كل من كتب عن أعمالي الأدبية ، نقداً موضوعياً جاداً أو حتى انطباعياً ، وأقدره ، شاكرة وممتنة لنبض قلمه الذي أفادني ولو قليلاً في تطوير إبداعي .

*** 

علاقة جدلية  بين النقد و الإبداع

*************

       لست هنا في هذه الورقة البسيطة ، أستعرض النقد الأدبي .. ولكن بصراحة كلمة نقد مست جرحاً لا يزال لم يلتئم في جسد الأدب الكويتي .

       بين النقد والإبداع علاقة جدلية يتم لكليهما التأثير في الآخر والتأثر به ، وأعتقد أن هناك ظاهرة لافتة للنظر الآن عندنا ، وهي غياب النقد المحلي الجاد عن متابعة هذا الزخم من الإبداع الأدبي المحلي ، فالمبدع عندنا يشكو من غياب النقد الأكاديمي البناء الذي يصاحب العملية الإبداعية ويخدمها وينميها حتى تتطور ، فيبدو أن النقد مستتر عن الساحة الأدبية ، المستمرة بفورانها ، بغض النظر عن الإبداع السلبي منها أو الإيجابي / الغث أو السمين .. وبالتالي فالنقد المحلي لا يأتي بحجم التوقعات والطموح للمبدع ، فهو يعاني فتوراً ويعيش أزمة حادة شاملة ، مع أن الحركة النقدية هي توأم الحركة الإبداعية ، ولكنها خاملة ، في مقابل الإبداع الذي هو التوأم النشط .

    ومن ناحية أخرى، فالنقد والإبداع ظواهر مرتبطة بعصرنا الحالي ، في الانحدار والتقدم ، أي بالثقافة العامة عندنا ، كما قال الناقد الانكليزي " ماثيو أرنولد ": " لا يوجد فن عظيم دون عصر عظيم ".

       ولكن ماذا يقال عن النقد الأدبي عامة ؟! يقال عن النقد الأدبي: أنه الشعور بالعمل ، أو النص الأدبي ، وبالتالي ، القدرة على تقييمه والحكم عليه ، وقراءة ما بين سطوره وتفسيره للآخرين. وبعبارة أخرى، هو إدراك فكري للنص الأدبي ، وهذا بدوره صوت الكاتب الذي يريد أن ينقله للقارئ .. والنقد أيضاَ كشف لأنواع الجمال السرية والحقائق المستترة التي ينطوي عليها النص ، حتى يفهمه القارئ الذي هو أقل قدرة على الإدراك .

       هناك ، من يتساءل ، هل النقد أدب أم مظهر أدبي ، هل هو تفسير وشرح للعمل الأدبي ، أم تشريح له .. هل هو تحليل للعناصر الجوهرية في العمل الأدبي ، أم تفسير لها ؟

       وهناك مَنْ يجيب بأن النقد نشاط إبداعي مثلة مثل الأدب ، والأدب تركيبي أما النقد فهو إبداع تحليلي .

       وهناك من يوضح فيقول : حين يتحدث النقد عن العمل الأدبي لا يعني الحديث عن سلبيات العمل وإيجابياته ؛ أي محاسنه ومساوئه من خلال حكم مسبق تأثري دون منهج وقواعد نقدية . فالنقد له منهجية واضحة ومعروفة ، مدروسة ، لها أدواتها . لقد تطورت حركة النقد الأدبي ودخلت مراحل متعددة غير تقليدية ناجحة ومؤثرة وذلك استجابة لمتغيرات عصرنا . ولأن الإبداع الأدبي من قصة وشعر ورواية ومسرح ، سبق النقد ودخل مراحل التطور ومحاولات التجديد ، ولا يزال ، بالتالي أخذ النقد أكثر من إتجاه وأكثر من مذهب وأكثر من مدرسة ، وهنا يستخدم الناقد الذكي المثقف الأكاديمي أدواته الخاصة به مدفوعاً بذائقته الأدبية حسب منهجية وأسس علمية يراها مناسبة ، لمكانه وزمانه ، ليحقق بالتالي الهدف المطلوب من مشروعه النقدي . ولكل ناقد نظرته الفنية والتقديرية ، لذلك أحيانا تتعدد الآراء النقدية أو التأويلات في النص الواحد حسب رؤية الناقد وذائقته الأدبية والنفسية وربما حتى علاقته بالمكان . والأهم على الناقد أن يبيّن ليس كيف كُتِبَ هذا النص الأدبي ، ولكن ماذا يريد أن يقول هذا النص للقارئ والمتلقي .

       يقول جورج واتسون : " ... النقد ليس حبائل شك ، ولا هو مصدر للوهم ، بل هو أدب خلاق . يستوحى مضمونه من التجربة الأدبية ذاتها ، الشعرية والنثرية ".

       أما الفرنسيون بالذات فقد صوروا النقد بأنه الكلام الأكثر ثرثرة حول نص أدبي ما ، لأنهم افترضوا أن هناك معنى صامتاً يرقد في ذلك النص الأدبي ، وأن النقد سوف يعطيه كلاما ليعبّر عما بين سطوره من صمت .

       أما النقد الحديث فقد تأثر بأكثر التيارات الفكرية الحديثة ، والتي منها، الوجودية ، البنيوية ، التحليلية الاجتماعية والنفسية ، وغيرها من الطرق الحديثة المتباينة ، ليوازي حركة الأدب الحديث ؛ حيث تطور كثيرا وخاصة في القرن الماضي ، حتى أطلق على القرن العشرين قرن النقد .

       وقد اهتمت تلك المدارس الحديثة بإبراز كل ما يمكن أن يعبّر عنه النص من تحليل اللاشعور، والتحليل الاجتماعي الإنساني ، وقد اتسعت آفاق النقاد وتغيرت مناهجهم ودخلت الفلسفة ، والميتافيزيقا ، والأنثروبولوجيا ، في الدراسات النقدية للنص الأدبي هدفها استخلاص الحقائق من ذلك النص ، وليس فقط التركيز على قيمته الأدبية من حيث الرفض أو القبول ، وبذلك اختلفت في نظرتها للنقد عن المدارس الكلاسيكية القديمة .

       فعلى النقد أن يشكل وجهاً جديداً من وجوه علاقة ربط التجربة الأدبية بأبعادها المرئية وغير المرئية برموزها المكشوفة المباشرة والمختفية ، وذلك بتحليل علمي موضوعي أكاديمي ، كما يبيّن قوة تفاعلها مع أحداث عصرها ثقافيا وحضارياً ، لأن المبدع دائما يعيش مع كتاباته جو الحلم .. أما الناقد فدائماَ يجب أن يكون واعياً متحفزاً لما يكتب .. وبرأيي يظل ما يكتبه المبدع ناقصاً بانتظار الناقد حتى يكشف  في النص ما لا يمكن أن يراه حتى الكاتب / المبدع نفسه في كتاباته .

       إنني رغم قلة خبرتي ، أعتبر النقد هو الغوص في أعماق النص المكتوب واستخلاص ما خفى منه – البعد الثاني – بغض النظر إن كان هذا ما يقصده الكاتب أم لا ، فإنها مهمة الناقد الموهوب أن يوضح حتى ولو الحد الأدنى مما يطمح الكاتب لوصوله إلى القارئ والمتلقي والمهتم . فالأدب لا يتطور إلا بوجود نقد جاد موضوعي يضاهيه إبداعياً . وبالتالي ففي غياب النقد الجاد تكون الصورة للعمل الأدبي ناقصة أو مهزوزة أو مهمشة إن جازت التعابير .

       أما الناقد فعليه أن يظهر رغبة صادقة ومحايدة عند إعداد دراسته النقدية للنصوص الأدبية وأن يتبع معايير النقد الصحيح الجادة / العلمية / متجرداً من تأثير علاقاته الشخصية ، والعاطفية ، والذاتية ، لأن النقد من أكثر فعاليات الأدب نبلاً وسمواً .

آراء متباينة

****

       وبما أنه لا توجد حدود في الحياة ، بالتالي أعتقد ، لا توجد حدود في النقد الأدبي ، لأن النقد ذائقة جميلة راقية متطورة مع تطور الحياة ، كما ويعتبر بحد ذاته عملية إبداعية أيضاً .

       وإزاء هذه الظاهرة وهي، أن النقد عندنا يعاني فتوراً ، ويعيش أزمة حادة .. تساءلت ما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة .. هل هي في انحسار الساحة أمام النقاد ؟ أم في غياب الإبداع الجاد ؟ أم في عدم وجود نقاد متخصصين منصرفين للنقد فقط ؟!

       وحول هذا الموضوع ، حاولت البحث والسؤال فكانت هذه بعض الآراء المتباينة التي استخلصتها من مجمل حواري مع بعض المبدعين الزملاء في أوقات مختلفة سابقة .

       تقول الأديبة ليلى محمد صالح : رغم التوسع والغزارة في الانتاج الإبداعي في الشعر والقصة والرواية على مستوى الكويت والوطن العربي ، نلاحظ قلة وندرة الدراسات النقدية الجادة .. وبعض النقاد المتميزين يستخدمون لغة مقعرة ومصطلحات تحول الكتابة إلى شكل معقد من التعبير يشكل لنا نحن المتلقين نوعا من الإرباك ويجعل حاجزا عميقا بين القارىء العادي والنقد العربي الحديث .

      فقد عبّر الروائي طالب الرفاعي عن رأيه حول النقد في الساحة المحلية بقوله : " إن النقد المتخصص الجاد متأخر عن حركة الإبداع ، علما بأن هناك أسماء كويتية فرضت وجودها كنقاد على الساحة المحلية والعربية مثل د. سليمان الشطي ود. مرسل العجمي .

       أما الأديب حمد الحمد فاعترف بأن أعماله لم تحظ بالنقد الذي يتوقعه المبدع ، ولكن هناك جهود فردية قامت بدراسة بعض أعماله .. منهم د. سليمان الشطي والذي يقول عنه أنه من رواد النقد في منطقة الخليج بل في العالم العربي/ كما يذكر الزميل حمد أن د. نزار العاني قدم دراسة شاملة لأعماله ، كذلك أ. نذير جعفر .. ويضيف بقوله .. يسعد المبدع أن يجد نقداً أكاديمياً لأعماله لأنه سيكتشف مكامن القوة والضعف في أعماله .. والناقد الواعي كالطبيب يجب أن يتعامل مع المبدع بصدق وإخلاص حتى يستطيع أن يرتقي بأعماله القادمة .

       يقول د. سليمان الشطي في إحدى مقابلاته الصحفية : " لست ناقداً ، ودائماً ألح على هذه النقطة . فالناقد له رؤية وتصور جمالي بينما أنا دارس أحاول أن أسد ثغرة بحكم وجودي بالجامعة كأستاذ بها " ويضيف : " ومن خلال الواجب الملقى على عاتقي تقدمت باحثاً .. وظفت حسي الجمالي ، وثقافتي المحدودة لفهم النصوص وقراءتها ، لذلك أعتبر نفسي قارئاً للنصوص الأدبية ، ولست ناقداً متفلسفاً يطبق نظريات نقدية ، وليس كل أديب ناقد .. فالناقد يشترط أن يكون عالماً أو على دراية بالمناهج النقدية المختلفة والفن الذي يتناوله ، وذو خبرة وصاحب ذوق جمالي ومنهجية عقلية ، ومعرفة تساعده على استحضار وفك مغاليق النصوص الأدبية " .

       برأيي أن د. سليمان الشطي بحكم خبرته الإبداعية المتميزة ، والأكاديمية والعلمية ، يعتبر ناقدا موضوعياً جاداً حتى وإن نفى هذه الصفة عنه ، لأنني شخصياً استفدت كثيراً من توجيهاته الأدبية ، وإن كانت عبارة واحدة أو حتى كلمة يتيمة ، في تطوير إبداعي .. وهذا يفسر أن للنقد الجاد وظيفة تطوير الأدب عند المبدع .

       أما الناقد د. مرسل العجمي فله رأي صريح حول موضوع النقد ، فقط لاحظ حسب قوله أن كثيرا من النقد الأكاديمي ينطلق من موقف استعلائي للناقد ينظر من خلاله إلى الإبداع الكويتي بصورة مسبقة على أنه إبداع غير ناضج ويجعل هذا الناقد من نفسه أستاذا يوجه النصائح والتعليمات إلى المبدع . أما عن كتابته الشخصية في النقد فقد صرح بأنه متحفظ في الكتابة عن الإبداع الكويتي المعاصر – الذي يكتب الآن .. مؤكداَ أن سبب خشيته من أن " تزعّل " كتاباته النقدية بعض المبدعين أو أن تفسر على أنها نوع من المجاملة لبعض المبدعين . ويضيف : حتى يخرج الناقد من هذا المأزق يجب عليه أن يقدم قراءة شخصية معلومة بطبيعة الحال بمناهج نقدية وذائقة قرائية متميزة .. وهذه القراءة تتعامل مع النص فقط ولا يهمها من الأمور التي تقع خارج النص أي شيء على الأطلاق.

       للعلم  فالدكتور مرسل العجمي حاصل على جائزة المبدعين في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، الرياض 2012 في مجال الدراسات الأدبية والنقدية .. كما حصل هذا العام 2013 على جائزة الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية عن عمله " السرديات" مقدمة نظرية ومقتربات تطبيقية .

       د. حصة الرفاعي لها رأي آخر حول النقد والإبداع فقد أشارت بقولها : إن المساحة المتاحة أمام الناقد محدودة ، لأن الناقد في عالمنا الثالث لا يستطيع التعبير بحرية كاملة عن رأيه في الإبداع لأسباب ربما تكون سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية ، كما أن الإبداع الجاد شبه غائب عن الساحة للأسباب المذكور آنفاً ، إذ أن حرية التعبير بمعناها المفهوم لدى الثقافات الأخرى ، شبه معدومة ، لأن حرية التعبير ترتبط بالتكوين النفسي للمبدع وتشكل علاقة بين المتلقي الذي لا يختلف عنه كثيراً في ثقافته النفسية ومحيطه الاجتماعي وواقعه الذي يفرض عليه التزامات قسرية تجاه الحياة من حوله ، أما عملية غياب الناقد المتخصص فهي ظاهرة متواجدة في الساحة الثقافية التي تفتقر إلى من يرتقي بقدراته النقدية بالمستوى الإبداعي المطلوب للارتقاء بالفن والأدب من خلال رؤى نقدية صادقة وجادة ومحايدة ترتكز على التذوق المعياري للفن والموضوعية في التعامل مع النصوص المطروحة في الساحة الأدبية .

       د. نسيمة الغيث ، أكدت على أن غياب الناقد المتخصص وغياب الإبداع الجاد من أسباب ظاهرة غياب النقد الموضوعي الأكاديمي ، وأضافت بقولها : ليس في كل مرة يكون الإبداع جاداً وليس في كل مرة أيضاً يكون الناقد متخصصاً.

       د. عباس الحداد في إحدى مقابلاته الصحافية يقول: أن النشاط النقدي يتم بأشكال وأنماط مختلفة وليس محصورا في الكتابة الورقية ، واعتبر أن ما يقدم في الندوات والأمسيات والنقاشات التي تجري في الملتقيات الثقافية حراكاً نقدياً مهماً إلى جانب ما ينشر في مجلتي البيان والعربي من قراءات نقدية لبعض الأعمال الكويتية .. ويضيف : ندرة الأعمال النقدية مرتبطة بمفهوم النقد تاريخياً ، فالنقد هو المشروعية التي تفضي إلى الحقيقة ، وصار الناقد منبوذاً لأنه يكشف عورة وأعوار النصوص بما لا يطيق المبدع ، فنشأت علاقة متوترة ما بين الناقد والمبدع عبر الزمن أفضت مع الوقت إلى تخفيف وطأة الناقد ليصبح نقده قراءة ، ونصه إبداعا متخففاً ومختفياً وراءهما عن إطلاق الحكم بالتقويم أو بالتقييم . هذا فضلاً عن غياب النظرية النقدية العربية التي تنبع من البيئة العربية وطبيعة نصوصها وخصائصها اللغوية ، مما جعل الحركة النقدية لدينا تلهث وراء الحركة النقدية الأوروبية ، وصارت الرطانة النقدية هي الفجوة القائمة بين المبدع والناقد .. وأحسب أن النفور القائم بين المبدع والناقد هو من أهم السلبيات التي تكتنف الحراك النقدي في الكويت اليوم . وذلك وعياً من الأجيال الشبابية بضرورة قتل الأدب دون الوعي بالكيفية التي يتم فيها قتله وتجاوزه أدبياً وإبداعياً. 

       أما أنا فأرى أن الأدب الكويتي عامة عانى من عدم الالتفات إليه كثيراً من عملية النقد الموضوعي بمفهومه العلمي ، وهكذا أصبح النقد لا يواكب النمو الإبداعي المتزايد ، وكأنه غير موجود ، وهذا أيضاً لا يعني بعدميته ، فمجرد ذكره أو التفكير به ، هو شيء جيد ، بل هناك في الساحة الأدبية الكويتية ، وإن كانوا قلة ، رموز النقد الجادون اللذين يعود إليهم الفضل في إبراز أسماء لمبدعين متميزين .. وهؤلاء مسؤولياتهم كبيرة ومتشعبة لا تفي بما تفرزه الساحة الأدبية .. لذلك يبقى المبدع عندنا يعاني من ندرة النقد الجاد .

       وحتى يكون النقد فاعلاً ويسهم ويفي بالغرض يجب أن يوازي الحركة الإبداعية وذلك بخلق كم أكبر من النقاد العلميين ، الأكاديميين ، الموهوبين والمحايدين ، وهنا تكمن الصعوبة وتعقد التمنيات والآمال.

       كلمة حق نقولها ، أن هناك أقلاماً كويتية وعربية فرضت نفسها على الساحة الأدبية المحلية أذكر منها أ. د. سليمان الشطي ، ود. مرسل العحجمي ، الأستاذ فهد الهندال ، د. فايز الداية ، أ. نذير جعفر ، د. نزار العاني .. وغيرها .

 

نقادنا كتاب صحافيون

******

       لن نغفل هنا دور وسائل الإعلام المتنوعة عندنا وخاصة المقروءة/ الورقية أي النقد الصحفي الإنطباعي الذي تهتم به صفحات الجرائد الثقافية ، التي وإن سلطت بعض الضوء على أحد المؤلفات أو الإصدارات أو الأعمال الأدبية لأي مبدع كان ، فإما يكون ضوءاً خافتاً لا يُرى بالعين المجردة ، أو شبه مختفياً ، مستحياً من الظهور العلني . لأن أغلب تلك المؤسسات الإعلامية مثقلة بالمحسوبيات والواسطات وما شاكلها .. ناهيك من إهمال المجتمع عامة للقيمة الإبداعية ، فلا تقدير ولا قارئ ولا متابع ولا مهتم إلا من قلة قليلة لا تشبع جوع المبدع ولا تروي عطشه ، للشكر والتقدير .. وهكذا أصبح النقد الصحفي / الانطباعي هو الطاغي على النقد الأدبي الجاد.

       وفي المقابل ، وما يقلق ، أن المبدع الشاب يحتاج إلى النقد ليوجهه لاستمرارية مسيرته الإبداعية ، ولكنه ترك يتخبط في الساحة الأدبية ، حائراً .. وبالتالي كثر الإنتاج شبه الرديء ، حتى أن الأديبة ليلى العثمان حجبت هذا العام (2013) جائزتها لأنها لم تجد إبداعياً يوازي قيمة ( جائزة ليلى العثمان ) المعنوية .. فلو كان النقد حاضراً ، كما الإبداع لما تكوم هذا الكم من الغث في الساحة الأدبية .. وهذا شيء مقلق ومحزن ومؤلم .

       كنت أتمنى على رابطة الأدباء الكويتيين والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، أو أي مؤسسة ثقافية أخرى عامة أو خاصة ، تتولى الحركة النقدية وتشعلها إن جاز التعبير .. بمعنى تستكتب النقاد القادرين ، المتخصصين ، للتعريف بالإبداع الكويتي المتنوع ، وذلك حسب جدول زمني وآلية يتفق عليها . وهنا على المبدع أن يتقبل النقد بروح رياضية لأنه بالتالي يصب في مصلحته ومصلحة إبداعه ، حتى يستطيع أن يطوره . ما طرحته ليس الحل السحري ، لكنه أحد الحلول التي تبعث الروح في الحراك النقدي الغافي .!

عذراً .. يبدو أن النقد حقاً ،عنصرا شائكا  ومعقدا  فكيف هو نقد النقد ؟!

********

الأديبة منى الشافعي

رابطة الأدباء

 11  مارس 2013

الورقة المقدمة الى الندوة الأدبية/ جامعة الخليج / الكويت 

0 Comments:

Post a Comment

<< Home