برنسيس إيكاروس

Saturday, March 29, 2025

 

 

المقطوعة الثالثة البحر

***

البحر .. نوعاً من الحلم

***

     .. البحر

         إن في البحر اسراراً أغرب من البحر نفسه ، فمساءاتي الجميلة التي كنت أعشقها وأنا أفترش شطآنه الرطبة ، كان يبتلعها لتتلاشى في غموضه ، وأنا غافلة ، أتأمل أمواجه وهي تضرب الرمال ، فترطّب يباسها . وحين يجذبني قرص الشمس الأحمر الأرجواني كعادتي ، سرعان ما يلتهم احمراره الجميل ، فيسقط غائبا في أعماقه  بلمحة بصر .

 

..    البحر

        علمني أولى أبجديات الكتابة ، فعشت مع البحر نوعاً من الحلم اللذيذ ، ينقلني بنغمات أمواجه إلى عوالم  مشتهاة ، وحيوات متخيلة . ألهمني كتابة أولى رسائل حبي . وهكذا رعاني وتعهدني ، منذ تلك اللحظة التي عشت لذتها مع القلم  والورقة ، والفرشاة والألوان ، وخربشات المراهقة ، ولا يزال متناسيا أنني كبرت، وأن عالمي كبر معي . ياااه ما أحنّه عليّ !

 

         ذات مساء بلوري الطلة ، أجبرني سحره وصفاءه ، أن افترش رماله الرطبة . فقد كنت ممتلئة بالحب والفرح ، مفعمة  بالبهجة والسرور ، غارقة في تأمل زرقة مياهه ، وهدوء أمواجه ، وتلاطمها الحالم على الشاطيء .

     فجأة .. كأنني اكتشفت أحد أسراره ، وبغفلة مني ، تفجذرت بداخلي الكلمة ، لتتدفق بسهولة غريبة ، على بياض تلك الورقة الصغيرة الملقاة  قربي ، فكتبت أولى أعمالي القصصية ، ويدي اليسرى تعبث برماله الذهبية الناعمة.

         وهكذا ازدادت علا قتي مع البحر ، وكبر تعلقي في غموضه ، وسحره وسره ، فصرت كلما أقف أمامه متأملة غارقة بديمومته ، يشعرني أنه بكل عظمته وجبروته ، ورقته  وتميزه ، ملكي أنا وحدي . فأعيش معه متعة اللحظة ، وأحس أنه يحتضن تأملاتي بكل الحب ، ويبتسم لخيالاتي الغريبة ، وتسعده أفكاري غير المألوفة !

     وقبل أن تسكنني فرحة محبته ، أفيق من ذهول اللحظة ، أجدني أتدفق بأحاسيس مختلطة ، ومشاعر تثقلني ابهارا ، فأمتلىء بأبجديات جديدة ، وانطلاقة غريبة ، تزاملني حريتي ، فأتدفق نثراً ، شعراً ، وكومة ألوان .

 ( منى الشافعي )

0 Comments:

Post a Comment

<< Home