المقطوعة
الثالثة البحر
***
البحر
.. نوعاً من الحلم
***
..
البحر
إن في البحر اسراراً
أغرب من البحر نفسه ، فمساءاتي الجميلة التي كنت أعشقها وأنا أفترش شطآنه الرطبة ،
كان يبتلعها لتتلاشى في غموضه ، وأنا غافلة ، أتأمل أمواجه وهي تضرب الرمال ، فترطّب
يباسها . وحين يجذبني قرص الشمس الأحمر الأرجواني كعادتي ، سرعان ما يلتهم احمراره
الجميل ، فيسقط غائبا في أعماقه بلمحة بصر
.
.. البحر
علمني أولى أبجديات
الكتابة ، فعشت مع البحر نوعاً من الحلم اللذيذ ، ينقلني بنغمات أمواجه إلى عوالم مشتهاة ، وحيوات متخيلة . ألهمني كتابة أولى رسائل
حبي . وهكذا رعاني وتعهدني ، منذ تلك اللحظة التي عشت لذتها مع القلم والورقة ، والفرشاة والألوان ، وخربشات المراهقة
، ولا يزال متناسيا أنني كبرت، وأن عالمي كبر معي . ياااه ما أحنّه عليّ !
ذات مساء بلوري
الطلة ، أجبرني سحره وصفاءه ، أن افترش رماله الرطبة . فقد كنت ممتلئة بالحب والفرح
، مفعمة بالبهجة والسرور ، غارقة في تأمل زرقة
مياهه ، وهدوء أمواجه ، وتلاطمها الحالم على الشاطيء .
فجأة .. كأنني
اكتشفت أحد أسراره ، وبغفلة مني ، تفجذرت بداخلي الكلمة ، لتتدفق بسهولة غريبة ، على
بياض تلك الورقة الصغيرة الملقاة قربي ، فكتبت
أولى أعمالي القصصية ، ويدي اليسرى تعبث برماله الذهبية الناعمة.
وهكذا ازدادت علا
قتي مع البحر ، وكبر تعلقي في غموضه ، وسحره وسره ، فصرت كلما أقف أمامه متأملة غارقة
بديمومته ، يشعرني أنه بكل عظمته وجبروته ، ورقته
وتميزه ، ملكي أنا وحدي . فأعيش معه متعة اللحظة ، وأحس أنه يحتضن تأملاتي بكل
الحب ، ويبتسم لخيالاتي الغريبة ، وتسعده أفكاري غير المألوفة !
وقبل أن تسكنني
فرحة محبته ، أفيق من ذهول اللحظة ، أجدني أتدفق بأحاسيس مختلطة ، ومشاعر تثقلني ابهارا
، فأمتلىء بأبجديات جديدة ، وانطلاقة غريبة ، تزاملني حريتي ، فأتدفق نثراً ، شعراً
، وكومة ألوان .
(
منى الشافعي )
0 Comments:
Post a Comment
<< Home