برنسيس إيكاروس

Monday, March 31, 2025

 

منى الشافعي..القصيدة السردية

بقلم: عدنان فرزات

مرت الرواية الكويتية حتى الآن بأربعة منعطفات محورية يمكن أن نرسم نقاطها بوضوح كالآتي::

مرحلة التأسيس الأولى، ومرحلة التأسيس الثانية ثم مرحلة ما بعد التسعينيات، وأخيراً المرحلة الحديثة وتمتد حتى تاريخ نشر هذا الكتاب في عام 2022م.

أما مرحلة التأسيس الأولى، فقد اختلف النقاد والمؤرخون فيها، فهل ظهرت الرواية على يد الكاتب فرحان راشد الفرحان في عام 1948م من خلال عمله السردي "آلام صديق" أم من خلال رواية "مدرسة من المرقاب" التي كتبها الأديب عبدالله خلف؟. وكان وجه الخلاف فنياً يتعلق بتصنيف عمل فرحان راشد الفرحان في ما إذا كان قصة طويلة أم رواية. بكل الأحوال استمرت هذه المرحلة بطيئة لا تحمل مشروعاً روائياً متكاملاً لأحد. إلى أن جاءت مرحلة التأسيس الثانية في السبعينيات من القرن الماضي، وفي تلك المرحلة يذكر معظم النقاد أن للأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل الدور الأمثل في انطلاق رواية جديدة ذات صبغة فنية متكاملة. وظهرت في تلك الفترة عدة أسماء مهمة عززت موقع الرواية الكويتية ومنحتها زخماً كبيراً.

 ثم بعد ذلك جاءت مرحلة ما بعد عام 1990م، والتي شهدت حراكاً روائياً عظيماً، ودخل في هذه المرحلة أسماء جديدة تحمل أساليب ومضامين متجددة، لتمهد هذه المرحلة لظهور الرواية الشبابية الغزيرة التي نشهدها اليوم.

وفي هذه الخريطة الروائية، أو لنقل السردية، يمكن أن نشير بوضوح إلى موقع الأديبة منى الشافعي التي ظهرت أعمالها في المرحلة الثالثة، ولكن موقعها يحتاج إلى شيء من التفصيل. فهي فعلياً كانت منخرطة بالجو الأدبي والثقافي بشكل عام، وشغوفة جداً بالإبداع من خلال مشاركاتها العديدة في هذا المجال، وهذا يتجاوز التوثيق العلمي لظهورها الرسمي المتمثل في أول مجموعة قصصية لها صدرت عن دار الدكتورة سعاد الصباح "النخلة ورائحة الهيل" في عام 1992م. هذه المجوعة التي أمسكت بعيون النقاد ووسائل الإعلام وأدارت هذه العيون بقوة واقتدار إلى ظهور كاتبة سردية لها ملامحها الخاصة في الكتابة. وتمكنت أعمال الأديبة منى الشافعي من وضع مسارها الجغرافي فوق خريطة السرد الكويتي عندما أثبتت أن لديها إمكانية لنقل قلمها إلى فضاء سردي أوسع من القصة، فجاءت أول رواياتها بعنوان "ليلة جنون" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام 2008م. ومثلما فعلت مجموعتها القصصية الأولى، كذلك فعلت روايتها الأولى، وأصبحت ثمة علامة فارقة فوق صفحات سجل التوثيق السردي في الكويت اسمها "منى الشافعي".

ومن بين زخم قصصي وروائي، أكملت الأديبة منى الشافعي مسارها بخطوات ثابتة ومدروسة، فكانت في كل مرة تطل على القارئ بفكرة جديدة تتواكب مع مستجدات العصر الحديث من أحداث اجتماعية وعاطفية وبعض ملامح سياسية غير مباشرة. ويحسب للأديبة منى الشافعي أنها خرجت بطرحها الجديد عن جغرافية المكان في الرواية، فأصبحت بعض احداث رواياتها تدور في الغرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية. حيث ظلت الرواية الكويتية في معظمها حبيسة الرقعة الجغرافية المحلية إلا من بعض الأعمال التي تخطت الحدود إلى الواقع العربي أو الإقليمي. لكن الأديبة منى الشافعي تتبعت المستجدات التي حصلت للمجتمع الكويتي والأسفار التي أصبحت سمة من سمات مجتمع الرفاهية في مرحلة ما بعد النفط، وبالتالي كان لا بد من أن تقع بعض الأحداث الروائية في تلك الأمكنة البعيدة.

يمكن للناقد أو القارئ أن يدرك بصمة منى الشافعي على الكتاب الذي تؤلفه حتى لو أغفلنا الاسم على الغلاف، وهنا يستدرجنا الزمن إلى المزيج الثقافي الذي عاشته الأديبة إما راصدة أو مندمجة أو متفاعلة مع المراحل التي ذكرناها في بداية هذه السطور. فشكلت منى الشافعي أسلوبها المتفرد والذي يستند أولاً-حسب التصنيف الأكاديمي-إلى الواقعية، ولكنها واقعية من حيث الشكل، أي أن هذه المدرسة ما هي إلا بوابة عبور استخدمتها الأديبة أو ربما سخرتها بذكاء لتشكيل أسلوب هو مزيج ما بين شاعرية ووجدانية وإنسانية، ألبستها ثوب الواقعية. لذلك، فهي تتناول أشد الحالات الاجتماعية قسوة ولكن بحروف من حرير ناعم لا يجرح عين القارئ ولا يسيء إلى حالة اجتماعية عامة أو يزدريها. فكلماتها أنيقة يمكن أن أسميها بـ"القصيدة السردية".

من هنا فقد حققت الأديبة منى الشافعي رصيداً كبيراً من الكتابات التي سطرها نقاد أعلام متميزون عن كتاباتها. وقد لفت انتباهي هذا الكم من الدراسات والمقالات والشهادات التي قيلت حولها، والتي نشرت في المجلات الأدبية والصحف. فوجتدت أن فيها فائدة كبيرة يمكن تقديمها للطلبة والباحثين والدارسين والقراء، فقمت بجمع شتات هذه الأعمال التي كُتبت عن الأديبة منى الشافعي كي تكون في مكان واحد، وللتنويه فما يتضمنه هذا الكتاب هو ليس كل ما كتب عنها، فهناك كتب أخرى عن الأديبة منى الشافعي. ولكن ما يحتويه هذا الكتاب هو ما دلتني إليه بوصلة بحثي عنها.

في الدراسات والمقالات التي وردت في هذا الكتاب، اكشتافات نقدية بالغة الأهمية، وميزة هذه الأعمال أن كل ناقد كان يتمركز في موقع مختلف عن الآخر فينظر من زاويته ويكتب شيئاً مختلفاً عن الآخر، رغم أن العمل واحد وإن تعدد النقاد حوله. وهذا يعني أن أعمال منى الشافعي تحتمل التأويلات والاحتمالات وكتاباتها لا تسلم نفسها بسهولة للناقد، وهو دليل على زخم أفكارها وتنوعها وتعدد دلالاتها. الأمر الذي أعطى هذه الدراسات

زخماً كبيراً ومساحات شاسعة بإمكان الباحث عن أدب منى الشافعي أن يجد خيارات لا حصر لها في انتقاء ما يغني بحثه.

متأملاً من هذا الكتاب أن يكون مرجعاً أميناً عن أديبة مجتهدة نحتت بقلمها كما رسمت بريشتها سطراً واضحاً في صفحات السرد الكويتي بل والعربي استحقت عليه جوائز عديدة في مسيرتها الحافلة، وسيذكر التاريخ الأدبي في الكويت أن ثمة مكان لائق في صدر مجلسه مكتوب عليه اسم "منى الشافعي " .".

 

0 Comments:

Post a Comment

<< Home