همسات على الدرب!
***
في
لحظة تأمل ، كنت أراقب الغيوم في السماء ، أبتسم للاشجار أنصت للريح ، كانت تعصف في
المكان ، شجرة عالية أوراقها خضراء تتمايل أغصانها بخفة ، مبتهجة ، مشرقة ، شجرة صغيرة
تجاورها ، ملونة أوراقها ، حمراء ، صفراء ، برتقالي ، تتمايل مع الريح ، فتتساقط تلك
الأوراق الملونة واحدة بعد الأخرى ، حتى بدت لي نصف عارية ، بأغصان يابسة ، اقتربت
منهما ، وكأنني أسمع من بين حفيف الأوراق همساتهما ، أجبرني فضولي على الإنصات ، اقتربت
أكثر .. قالت الشجرة نصف العارية لجارتها
- لماذا أنا التي تتلون أوراقي ، ثم تتيبس
، لتتتساقط من هزة ريح خفيفة ، وأفقد جمالي واخضراري في هذه الفترة ، وها أنت جارتي
، نرتوي من قطرات المطر نفسها ، وجذورنا في التربة نفسها تمتد لتتشابك ، ولا تزالين
تحملين أوراقك واخضرارها والتماعها ، وطراوتها ؟! أليس هذا غريب يدعو للتساؤل ؟!
أجابتها الشجرة الباسقة :
- هذه هي الحياة يا جارتي وصديقتي وأختي ،
لكل كائن في الحياة وظيفته التي
خلق من أجلها ، وقدره ، وهذا ما يحصل لنا ، فأنا
خلقت دائمة الاخضرار وهذا قدري ، ولربما وظيفتي في الحياة تتطلب
ذلك ، كي أزيد باخضراري نسبة الأوكسجين في الجو لراحة الانسان وباقي الكائنات ، وايضاً
لأظل شامخة أصد الرياح وأنشر الظل في المكان ، لسعادة الآخرين ، وأنت يا عزيزتي خلقت
أيضاً لتزيدي المكان جمالاً في فصل الخريف ، فحين تتلون أوراقك تبدو جميلة للناظرين
، وهذه متعة البشر الذي نعيش معهم ، وظيفتنا أيضا أن نسعدهم ونبهجهم في كل حالاتنا
وفي كل أوقاتنا وفي كل فترات حياتنا ، وحتى لو تساقطت أوراقك فحتى عريك يبدو جميلاً
في أعينهم ، هل نسيت بأن البشر كائن ملول ، يسعى للتغيير والتبديل والتجديد في كل شيء
في حياته ، والكثيرين من البشر يعشق فصل الخريف لأنه يلون أوراق الأشجار ، والبشر يعشقون
الألوان ، ألم تلاحظي ألوان ملابسهم ، واشكالها ، وألوان سياراتهم ،وغيرها، ألم تلاحظي
كم شخص وقف يتأملك أنت ليلتقط صورا لجمال ألوان آوراقك ، وحتى حين سكنك العري ، هناك
من أخذ لك أكثر من لقطة ، ألا يشعرك كل هذا بالسعادة ؟
فجأة ، هدأ عصف الريح ، وتوقف تساقط أوراق
هذه الشجرة الحزينة ، لكنها رددت
- شكراً لك صديقتي العزيزة على هذه الكلمات ، فعلاً
سأرضى بقدري ، هذه هي الحياة ، كي تستمر هكذا كما قلت ، وسأحب حتى حزني ، وأتعايش معه
بكل محبة
أجابتها صديقتها
- :
سعيدة
لأنك اقتنعت بقدرك ، وعرفت وظيفتك في الحياة ، ليت البشر يقتنعون بأقدارهم وأرزاقهم .. والأجمل يا عزيزتي ، حين يرحل الخريف
عناّ ، ويأتي الشتاء ، فما أجملك حين يدثر عريك الثلج ، وتتحولين الى ملاك أبيض اللون
، يغري بجماله وبياضه الناظرين ، فحتماً سيتهافتون عليك ، ليلتقطوا لك أكثر من صورة
لأنك تشبهين ببياضك الناصع الملاك ، أما أنا فلن أكون بمثل بياضك وجمالك ، لأن اللون
الأخضر سيتخلل الثلوج التي تغطيني ، وهذا قدري وسأرضى به .
وقبل أن أغادر المكان ، سمعتهما يتهامسان
مرة أخرى
.
قالت الشجرة الخضراء :
- عزيزتي نسيت أن أخبرك ، بأن الحياة ستستمر
، وحين يأتي الربيع تسبقه تباشيره ، وتغريد بلابله ، وطيوره ، ستعودين كما كنت. وربما
أحلى لأنك ستكبرين عاماً وستبدين أطول وأنضر وستكتسين الاخضرار ، وتمتلىء أغصانك بأوراق
خضراء مشرقة ، ولا تغفلي روعة أزهارك الجميلة ورائحتها العطرة ، التي ستعبق في المكان
، والتي يعشقها البشر . . هل نسيت أنني أفتقد الأزهار على أغصاني ، ومع هذا راضية ودائماً
فرحة ومستبشرة ، لأنني أعرف جيداً أن الاختلاف في كل حالاته جميل ورائع ، ومطلوب !
ليت البشر يتفكرون ؟
(💜 منى الشافعي )
0 Comments:
Post a Comment
<< Home