مقتطفات من طفولتي للطفولة بريق جذاب ( 1)
*****************************
أمام باب المخبز !
*********
كتبت منى الشافعي
**********
تأتيني رائحة الخبز الخمير - خبز التنور الدّبل - المزين بحبات السمسم ، بعد أن يعدالخباز للخمسة يناولني أقراص الخبز الساخنة ، أتحرك عائدة إلى البيت الذي لا يبعد حتى عشر خطوات عن المخبز . أرفع الأقراص بيديّ الصغيرتين ، المطبقتين بقوة على حافة الأقراص ، أقربها من أنفي ، أتلذذ بشم رائحتها الطيبة ، التي تنفذ إلى معدتي قبل أنفاسي. يا لها من رائحة تستعبدني ، لأبدأ بالتهام الفقاعات المحمشة ، التي تعلو وجه القرص الأول - هذا ما سمحت به المسافة - والتي دائماً تغريني فأقضمها بأسناني بقوة ، وأتلذذ بأكلها وكأنني ألتهم صحناً من الآيس كريم - البرّد - في وقتنا الحاضر .
ها هي والدتي تنتظرني أمام باب البيت كالعادة ، تراقب حركاتي ، تتناول الخبز من يديَّ الصغيرتين ، وقبلة الشكر تسبقها إلى خدي ، تبحث عن القرص الذي نتفت كل فقاعاته اللذيذة ، ثم حشرته بذكاء طفولي بين إخوته الأربعة ، حتى لا أحد يكتشف فعلتي وبالتالي يعاقبني . ولكن أمي تجد ذلك القرص المندس بين أقرانه ، تلتقطه بخفة، وقبل أن يدخلني الخوف وترتجف أوصالي ، تفاجئني ابتسامتها الحانية ، ثم ضحكتها العالية ، التي تريحني وتخفف توتري . تتركني وتذهب إلى المطبخ ، أتنفس الصعداء ، فقد نجوت هذه المرة .
يا لتلك الذكريات الملتهبة بالحنين ، الموسومة بالشوق ، المغلفة باللهفة ، المزدانة بالحب والألفة ، المتدثرة بكل أنواع البساطة والعفوية ، والشفافية وفطرة الماضي .
لنوجه اليوم هذا السؤال إلى أبنائنا وأحفادنا – نحن أطفال الخمسينات والستينات -
( هل لطفولتهم نفس هذا الوهج الوضاء ، وذاك البريق الأخاذ ، وتلك الجاذبية القوية ، التي تشكل ملامح طفولتنا ؟)
0 Comments:
Post a Comment
<< Home