مقتطفات من طفولتي للطفولة بريق جذاب (2)
*****************************
ذاكرة المكان !
********
كتبت منى الشافعي
**********
عندما تنتابني بعض الهواجس ، والأفكار والرؤى المتداخلة ، و تتراكم متطلبات الحياة الخاصة والعامة فوق كتفي ، تتصارع في داخلي رغبات حياتية كثيرة وطموحات متناقضة ، تتعبني وتثقل رأسي وتزدحم في مخيلتي فتزيد من ثقله وتعبه ، فنحن نعيش في عالم صاخب متحرك ، يضج بالمتغيرات اليومية والتحولات السريعة لنبض الحياة اليومية .
أما الهدوء والسكينة، العزلة والوحدة ، التأني والتروي ، فليست من أبجديات هذا العصر المتسارع .
وبالتالي نتمنى دائماً تحقيق رغباتنا اليومية بسرعة جنونية ، فعندما تهاجمني تلك الرغبات المحمومة ، وقبل أن أختنق من تنوعها وفوضويتها ، أجدني وقد سيطرت عليّ رغبة ملحة بتذكر طفولتي وبساطتها ، واستعادة بعض أدق تفاصيلها ، فأنا مسكونة بطفولتي رغم سني وكثرة تجاربي الحياتية ، مازلت أحتفظ بداخلي ببقايا صورها الحلوة الجميلة.
وأعتقد أن تدليل أمي لا يزال يلفني بحنانها و دفئها ، أما لذة حليبها فلا يزال يرطب جفاف لساني ، فحبي لأمي تجاوز الحدود – يرحمها الله- .
*****
دائماً أتذكر حي الشرق ، مرتع الطفولة والصبا ببحره الأزرق الشفّاف وشواطئه الرملية المنبسطة ، وأحلامي الصغيرة التي نمت وكبرت بين "سكيكه وفرجانه" وتعرجات دروبه ، يسحبني الحنين إلى بيتنا الصغير البسيط ، وكأنني أعيد بذاكرتي بناء ما تهدم من ذلك الحي القديم ، وتراثه العريق الذي أزالت معاول الهدم الحديثه معظمه ، وقضت على معالمه العتيقة ، التي تميزه ، فذاكرة الطفولة تلتصق بذاكرة المكان بكل تفاصيله وجزئياته الصغيرة ، فعندما يتعلق الإنسان بمكان ما ، من الصعوبة أن ينساه أو ينفصل عن الذاكرة !
أعشق طفولتي.. أعتز بذكرياتها على بساطتها ، فهي ما تزال تملأ قلبي بالحب والفرح ، الشوق والحنين لأيامها البعيدة الحلوة ، ولن أسمح لها أن تغادرني أبداً ، فما تزال تعيش معي بكل ألوانها وصورها ، وكأنها حدثت البارحة .
فحين أجلس في سكينة ، مع نفسي وأسترجع بعضاً منها ، أشاهدها بوضوح نقية صافية ، وكأنني أشاهد فيلما سينمائياً صور حديثاً بالألوان المشرقة ، يا له من حب وتعلق بأحلام الطفولة .


0 Comments:
Post a Comment
<< Home