حكايتي مع آن في جزيرة برنس أدوارد آيلند
كتبت منى الشافعي
***********
في رحلتي الأخيرة إلى كندا ، وعند زيارتي مدينة هاليفاكس ، أغراني وجود جزيرة صغيرة قريبة من هاليفاكس تدعى ( برنس إدوارد آيلند ) ، وعادة الجزر تجذب السياح . فقرر فضولي قضاء مدة قصيرة في هذه الجزيرة ، وكما قيل لنا أنها وجهة عشاق الطبيعة البكر ، والاستمتاع بمناظرها الخلاّبة ، وشواطئها الرملية الناعمة الممتدة ، ومتعددة الأنشطة الترفيهية ، والأهم والذي جذبني أكثر الاستمتاع بالفعاليات الثقافية التي تقام على مدار العام .
أخذنا العبّارة / سفينة صغيرة من مدينة هاليفاكس إلى الجزيرة التي تبعد 200 كيلومتر، مع مجموعة من السياح الآخرين تصحبنا مرافقة سياحية . وما أن دخلت إلى السفينة ، وبدأت أتلفت لآخذ مقعداً أمامياً حتى أستمتع بالمناظر الطبيعية التي ستصادفني كعادتي ، وإذا بشابة جميلة ترحب بي بحرارة ، وتدعوني للجلوس ، كما رحبت بغيري من السياح ، الغريب أن هذه الشابة كانت ترتدي لباساً جميلاً طويلاً ، محتشماً بألوان زاهية ، وقبعة مزركشة ، وتقدم نفسها باسم ( آن ) . من الوهلة الأولى اعتقدت أنه نوع من الترحيب المتبع من الشركة السياحية .
حين وصلنا إلى الجزيرة كانت الشابة ( آن ) ترافقنا ، حينها أخبرتنا المرافقة بأن هذه الفتاة هي إحدى أشهر شخصيات رواية الكاتبة المشهورة ( لوسي مونتغمري ) ، والتي تحمل عنوان ( آن في المرتفعات الخضراء ) ، وهذه الرواية نالت شهرة كبيرة في كل أنحاء كندا ، وتعدتها إلى كل أرجاء العالم وترجمت إلى عدة لغات ، طبعت في عام 1908 ، الطبعة الأولى .
وهنا بدأت أستوعب ، وأكملت المرافقة بأن زيارتنا هذا المساء ستكون إلى مسرح المدينة الكبير لحضور ومشاهدة رواية ( آن في المرتفعات الخضراء ) ممسرحة ، وتابعت ، وغداً في الفترة الصباحية سنزور بيت الكاتبة ( مونتغمري ) الذي أصبح متحفاً وطنيا ً، ثم سنزور الشجرة المعمّرة الكبيرة التي كانت(مونتغمري ) تكتب إبداعاتها تحت فيئها في المنطقة التي كانت تعيش فيها ، أما اليوم الثالث فستكون زيارتنا إلى المكتبة الكبيرة التي تحمل اسم الكاتبة والتي تباع فيها رواياتها وكتبها الأدبية الأخرى من شعر وغيرها ، كما تباع هدايا تذكارية تحمل صورة الكاتبة أو أغلفة رواياتها ، مثل الأكواب و الروزنامات والدفاتر الصغيرة والأقلام ، وعلاّقات المفاتيح والتيشيرتات وغيرها الكثير من الهدايا الرمزية البسيطة ، والأجمل تضم المكتبة ضمن خزانة زجاجية قصاصات من مسوداتها .
وعلى مدى خمسة أيام متواصلة قضيناها في التعرف على هذه الكاتبة الشهيرة الرائدة ، سواء حياتها الشخصية أو الإبداعية ، وقد قيل لنا بأنها أصبحت معلماً وطنياً مميزاً من معالم الجزيرة ، يحتفى بها وبذكراها طوال هذه السنوات وسيستمر ويتطور هذا الإحتفاء ، و قد بدأ الاحتفاء بها منذ شهرتها الأولى في الجزيرة . والأجمل أن كتبها ما تزال تطبع وتترجم وتباع ، كما أصبحت شهرتها مصدراً اقتصادياُ رئيسياً للجزيرة .
كنت أتابع وأحضر هذه الزيارات بشيء من الانبهار ، وقد سكنتني انفعالات مختلطة ، فجّرت في داخلي كل طاقاتي من الأحاسيس والمشاعر المتناقضة .
كنت حقاً مستمتعة وسعيدة لهذا الاحتفاء المختلف بكاتبة مبدعة ، وفي الوقت نفسه كنت أتألم وأتحسر على المبدع عندنا ، الذي إن حالفه الحظ من إحدى الجهات المعنية والمسؤولة عن الفن والأدب والثقافة ، والتي أغلبها تعاني من البطء والهدوء ، بحيث تظهر وكأنها تقف على عتبة الاستجابة المنخفضة غير المتحركة ، والتي بالضرورة تؤمن بتكريم المبدع والاحتفاء به بعد موته ، مهما كانت حياته الإبداعية زاخرة بالتفرد والتميز ، أو بعبارة أخرى ، المحظوظ من المبدعين هو من تلتفت تلك الجهة إلى وجوده بعد موته ، فتحتفي بتكريمه البسيط ، وتأبينه بالوقت نفسه .
وغداً يصبح نسياً منسياً .
الأهم .. أنني استمتعت بهذه الزيارة حد الرقص ، وتابعت زياراتي الأخرى في الجزيرة الجاذبة الماتعة . ونسيت ، ثقافة تكريم المبدع الكويتي في ديرته .
0 Comments:
Post a Comment
<< Home