
كتبت منى الشافعي
************
أعشق طفولتي.. أعتز بذكرياتها على بساطتها.. فهي لا تزال تملأ قلبي بالحب والفرح.. الشوق والحنين لأيامها البعيدة الحلوة، ولن أسمح لها أن تغادرني أبداً فلا تزال تعيش معي بكل ألوانها وصورها وكأنها حدثت البارحة.. فحين أجلس في سكينة مع نفسي وأسترجع بعضاً منها، أشاهدها بوضوح نقية صافية وكأنني أشاهد فيلما سينمائياً صور حديثاً بالألوان.\.. يا له من حب وتعلق بأحلام الطفولة
* * * *
تقول الفيلسوفة "ديوتيما" صديقة سقراط (إننا نقتطع نوعاً واحداً من الحب نطلق عليه اسم الحب- الحب العاطفي الرومانسي بين رجل وامرأة- في حين أن كلمة الحب تطلق على جنس أو نوع أعم وأشمل من هذا الاستخدام الضيق.. فإن الحب يطلق على كل رغبة عند الإنسان"... لذا فتعلقي بطفولتي هي الرغبة التي ستظل مشتعلة في داخلي.. وهي الحب المميز الذي لا ينطِفئ أبداً في حياتي.. فللطفولة بريق جذاب يسحبني رويداً رويداً من تلك الأمكنة الصاخبة بنبض هذا القرن إلى ركني الذي أفضله في البيت.. كم أحب أن أفترش أرض هذا الركن ويدي تتكئ بنزق على إحدى الأرائك (القنفات).. أُغمض عينيَّ على حلاوة الماضي.. أتأمل.. أسترجع خزين الذاكرة.. ألتقط بشغف بعض الصور المرتجفة والمتناثرة في الذاكرة لطفولتي ولتلك الأيام البريئة البسيطة التي عشناها نحن جيل الخمسينات والستينات .. ها هي والدتي الحبيبة تفترش البساط الأحمر الوحيد الذي نمتلكه لنفرشه في الحوش في المساءات الجميلة، وأمامها ماكينة الخياطة، وقد ارتاحت بين يديها الماهرتين قطعة قماش قطنية زاهية بلونيها البرتقالي والأصفر وقد انتثرت زهور بيضاء صغيرة بتناغم جميل فوق اللونين.. أليست حالة غريبة أن تختزن ذاكرة الطفولة ألوان هذا القماش ونقوشه التي تزينه؟
برشاقة يديها.. بابتسامتها المعتادة وبلمحة الحنان التي تميزها، تدير أمي ماكينة الخياطة بهدوء ورقة.. .أشعر وأنا أنظر إلى حركتها أن قطعة القماش أخذت تتلوى ثم تتشكل وأخيراً تتغير معالمها.. و فجأة! تتوقف حركة الماكينة ويختفي صوتها الرتيب للحظات، ليقوم المقص الكبير بواجبه..,هكذا تتناوب الماكينة والمقص على قطعة القماش لبضع ساعات، حتى تنتهي الوالدة من تفصيل وحياكة ذلك الفستان الجديد الذي سأتفاخر به بين أقراني الصغيرات حين ألبسه – وأكشخ به- في مساء اليوم التالي !!.. أما القماش الجميل فقد اشترته أمي من البائع المتجول سالمين- راعي الخام- ذلك الإنسان البسيط الطيب الودود.. أين أنت الآن يا سالمين؟
0 Comments:
Post a Comment
<< Home