برنسيس إيكاروس

Wednesday, April 02, 2025

  الدفء في الماضي  

كتبت منى الشافعي 

************

       كان البحر على يميني . وفجأة ! عند محاذاتي منطقة شرق ، التفت بقوة إلى جهة اليسار ، أشم رائحة ذلك الفريج العتيق / القديم الذي احتضنني طفلة ورباني صغيرة . جلت بناظريّ أستطلع المكان وأسترجع الزمان . 

     تأملت ، يبدو أن معاول الهدم قد أتت  على معظم مبانيه ومعالمه البسيطة . تفجر الماضي الجميل في داخلي حتى شعرت أنني أتنفسه مع رائحة الغبار والطين ، وأزفره حسرة ولوعة . 

ترجلت ، اندفعت أبحث عن بقايا بيتي العتيق . تسارعت نبضاتي بدقاتها كلما امتدت خطواتي باتجاه الشرق . شجعتني بعض البيوت القديمة المتناثرة على أرض الماضي بالتجوال . 

فجأة ! توقفت عند باب المسجد الصغير العتيق ،  الذي ما يزال شامخاً معانداً معاول الهدم والتخريب . التفت مبتهجة إلى الجهة المقابلة . أسرعت الخطى ونبضتي تحثني ، حتى شعرت بقدميّ وقد التصقتا بالأرض . تسمرت عيناي على حائط أعرفه تماماً . إنه أحد جدران غرفتنا الكبيرة . 

       تقدمت خطوتين، تعثرت قدماي بقطع أخشاب متآكلة . تلمست بألم ذلك الجدار . شممت رائحة أمي من بين شقوقه الكثيرة . أخذت أحث عن خربشات قلمي الملون . كم كنت ألون برسوماتي البريئة جدران هذه الغرفة . ازدادت نبضتي ارتجافاً وكأن عينيّ التقطتا بقايا من ألوان عبثي ، بقايا خطوط ملونة تتسلق ذلك الجدار ، وكأن صدى من خلف الزمن يخترق أذنيّ فأستعيد صوت أمي الحبيبة ( يرحمها الله ) يأتيني ، يعاتبني وينهاني عن تلك الخربشات . 

        تنحدر دموعي تبكي اأامس البعيد الذي ما يزال متجذراًفي ذاكرتي ، تبكي أمي ، تبكي الفريج ، تبكي بساطته ، تبكي الذكريات ، ما تزال يدي تتلمس ذلك الجدار حتى شعرت أنه يفتح لي ذراعيه ، ويحتويني بكل حاضري ، ويهدهدني كصدر أمي الحنون ، ذلك الصدر الذي غاب عني من عقود . 

ازدادت دموعي تقاطراً ، ونبضتي وجعاً ، ركضت مبتعدة عن أرض الماضي أعتصر قلبي بين يدي ، وأمسح دموعي بيدي الاخرى ، تاركة بين نفحات ترابه إحدى نبضاتي العتيقة .

***

إهداء إلى( فريج شرق) أحد أحياء  مدينة الكويت القديمة .


0 Comments:

Post a Comment

<< Home