برنسيس إيكاروس

Wednesday, April 02, 2025

الدفء في الوطن 

كتبت منى الشافعي

*************

     أحسست بشيء مفاجئ يتحرك داخل صدري ،هذا الصباح المشمس الجميل . هاجس غريب ظل ينمو  ببطء في أعماقي ، تشاركه تلك النبضة الحبيسة بين جدران غربتي التي تمددت واستطالت .

      عادت نبضتي تدق بقوة . ضغطت بيدي على قلبي . شعرت بألمي قد كبر وبنبضتي تسحبني إلى داخلي . ترغمني أن أختصر التفاتاتي ، ولكن عاد بصري ليلتقط صوراً جديدة ، لما يدور ويحدث في هذه الحديقة الغناء الواسعة ، المترامية الأطراف المزدانة بأشجارها الضخمة العالية ، ونباتاتها الخضراء المختلفة ، أما الزهور والورود العطرية ، وألوانها المشرقة الزاهية المتناثرة  هنا وهناك في أرجائها بشكل هندسي جميل جاذب ، فبلا عدد ، هي رئة المدينة التي أسكنها كما يسميها أهلها ، وكانت أجمل متنفس لي ، حيث كنت وما زلت أرتادها ، في كل الصباحات المشمسة خاصة في فصل الخريف الذي أعشق ألوانه . 

      فهناك  على القرب مني ، فتيات صغيرات  جميلات ، يتهامسن ويتضاحكن . ثم بخفة فراشة يبتعدن عن مكان جلوسي  أكثر . 

تنهدت ، للهمس لغة جميلة . ابتعدت بنظري إلى أسفل الربوة ، أطفال  يلعبون ، يتراكضون برشاقة . وهناك على البعد لمحت شاباً يبدو وسيماً فقد كان شعاع الشمس ينير صفحة وجهه التي تقابلني ، يفترش الأرض يقرأ في كتاب ، تذكرت كتابي الذي لا يزال ممدداً قربي ، فتحته وللمرة الثالثة أعود وأتركه جانباً . أخذتني التفاتتي إلى شجرة التفاح التي تتوسط تلك الجهة التي أجلس فيها ، كان يجلس تحت فيئها عجوز بشوش الوجه ، منحني الظهر قليلاً ، بقربه فتاة شابة تبدو حفيدته ، جميلة أنيقة ، تتحدث بصوت مبتسم مسموع ، يبتسم لحديثها ويرتشف من كوب القهوة الكبير الذي بيده ، أما الشابة فكانت تحمل بيدها لعبة صغيرة ، وكأنها  تشير بيدها الى البعيد  وتنادي بصوتها ، بعد لحظة كان طفلاً صغيراً يأتي راكظاً وبيده قطعة حلوى كبيرة ، يرتمي في حضنها ، تضمه إليها بقوة ، تقبله ثم تعطيه اللعبة الصغيرة.

         عاودني الألم ، لم أحتمله ، صرخت بصمت الحنين ، تركت المكان ، نسيت الالتفاتات ، ورائحة الزهور وحتى شالي القطني الخفيف ، الذي أحتمي بدفئه دائماً من النسيمات الباردة التي تهب علينا من وقت لآخر  ، وركضت  مسرعة ، لحسن حظي ، سكني قريب جداً من الحديقة .

      تلقفني مدخل المجمع السكني ، اعتليت الدرجات العشر  . حقيبتي في يدي وكتابي ملتصق بيدي الأخرى . فتحت باب شقتي الصغيرة بقوة . اهتز جسدي سقط الكتاب ، تناولته . دلفت إلى الداخل مسرعة . ضغطت على زر النور . يااااه .. الشقة  ما تزال مظلمة . عتمة غريبة تحيطني ، تنعكس على المكان .

        استلقيت على الأريكة / الصوفا ، شعرت ببرودة تسري في أوصالي . سحبت شالي الصوفي الموجود دائماً عليها . غطيت أطرافي . أغمضت عينيّ . ما تزال أوصالي متجمدة . حاولت ان أغفو . شعرت بشيء ما يزداد ألماً في داخلي . 

       فتحت عينيّ . أزحت الشال بعيداً عني . اعتدلت في مكاني . فجأة ! التمع القرار . فانبثقت الأنوار في فضاءات روحي الغريبة ، أشعلت بوهجها شقتي التي كانت منطفئة . تقافزت تلك النبضة بفرح من سجنها المفروض ، همست : 

                            - الدفء في الوطن .


0 Comments:

Post a Comment

<< Home