برنسيس إيكاروس

Friday, April 11, 2025

  همسات على الدرب .. وفضولي !

******************

كتبت منى الشافعي 

*****​*​****

        في لحظة تأمل، كنت أراقب الغيوم الخريفية المتناثرة بتشكيلة فنية ، هنا وهناك في السماء الصافية الزرقاء ، أبتسم للاشجار، أنصت  لعصف الريح  في حديقة بيتنا ، في أمريكا .

  جدبتني تلك الشجرة العالية بأوراقها الخضراء ، كانت تتمايل أغصانها بخفة ، مبتهجة ، مشرقة .

وبقربها شجرة صغيرة تجاورها ، أوراقها  خربفية ملونة ، حمراء ، صفراء ، برتقالية ، تتمايل مع الريح ، فتتساقط تلك الأوراق الملونة واحدة  تلو الأخرى ، حتى بدت لي  بعد فترة ، نصف عارية ، بأغصان شبه يابسة ، اقتربت منهما ، وكأنني أسمع من بين حفيف الأوراق  ، وعصف الريح  بعضاً من همساتهما ، أجبرني فضولي على الإنصات ، اقتربت أكثر .

همست الشجرة نصف العارية لجارتها :

            - لماذا أنا التي تتلون أوراقي ، ثم تتيبس ، لتتتساقط من هزة ريح خفيفة ، وأفقد جمالي واخضراري في هذه الفترة من السنة ، وها أنت جارتي تظلين خضراء مشرقة ؟

والغريب يا جارتي ، أننا  نرتوي من قطرات المطر نفسها ، وجذورنا في التربة نفسها ، ولقربنا من بعضنا ، تمتد لتتشابك بمحبة ، وما تزالين تحملين أوراقك واخضرارها ، التماعها ، وطراوتها . أليس هذا غريب يدعو للتساؤل ؟

همست الشجرة الباسقة بجرس لطيف : 

         - هذه هي الحياة يا جارتي وصديقتي وأختي ، لكل كائن في الحياة وظيفته التي خلق من أجلها ، وقدره ، وهذا ما يحصل لنا ، فأنا خلقت دائمة الاخضرار ( ever gr een ) وهذا قدري ، ولربما وظيفتي في الحياة تتطلب ذلك ، كي أزيد باخضراري نسبة الأوكسجين في الجو لراحة الانسان وباقي الكائنات الحية ، ولأظل شامخة أصد الرياح وأنشر الظل في المكان ، لسعادة الآخرين أيضاً .

 أما أنت يا عزيزتي فخلقت لتزيدي المكان جمالاً  جاذباً ماتعاً في فصل الخريف ، فحين تتلون أوراقك تبدو جميلة للناظرين ، وهذه متعة البشر الذين نعيش معهم  ولأجلهم .

وظيفتنا  في الحياة ، أن نسعدهم ونبهجهم في كل حالاتنا ، وفي كل فترات حيواتنا ، وحتى لو تساقطت أوراقك،  فعريك يبدو جميلاً في أعينهم ، هل نسيت بأن البشر كائن ملول ، يسعى للتغيير والتبديل والتجديد ، في كل شيء في حياته . واكثرهم يعشق فصل الخريف وألوانه ، فخلاله تتلون أوراق الأشجار بألوان مشرقة زاهية بالأصفر والبرتقالي والأحمر ، وهذا يثير البهجة عندهم ويمدهم بطاقة الفرح والحب والجمال ، ألم تلاحظي ألوان ملابسهم  واشكالها ، وألوان سياراتهم وموديلاتها الجميلة والغريبة ، وغيرها من أمور حياتهم  الكثير، ألم تلاحظي كم شخص وقف يتأملك أنت ليلتقط صورا ً لجمال ألوان أوراقك وتناثرها تحتك ، وحتى حين سكنك العري ، هناك من أخذ لك أكثر من لقطة ، ألا يشعرك كل هذا بالسعادة ؟!

      فجأة ، هدأ عصف الريح ، وتوقف تساقط أوراق هذه الشجرة الدامعة ، لكنها ردت بابتسامة  :

     - شكراً لك صديقتي العزيزة على هذه الكلمات ، فعلاً سأرضى بقدري ، هذه هي الحياة ، كي تستمر هكذا كما قلت وسأحب وجعي ، وأتناسى حزني ، وأتعايش مع كآبتي بروح المحبة والرضا. 

بجرس مبتسم همست الصديقة  :

     - سعيدة لأنك اقتنعت بقدرك ، وعرفت وظيفتك في الحياة ، ليت البشر يقتنعون بأقدارهم وأرزاقهم .

والأجمل يا عزيزتي ، حين يرحل الخريف عناّ ، ويأتي الشتاء ، فما أجملك حين يدثر عريك الثلج ، وتتحولين إلى ملاك أبيض ناصع اللون ، يغري بجماله وبياضه الثلجي الناظرين ، فحتماً سيتهافتون عليك ، ليلتقطوا لك أروع اللقطات .

        ‏ أما أنا فلن أكون بمثل بياضك وجمالك ، لأن اللون الأخضر سيتخلل الثلوج التي تغطيني ، وهذا قدري وسأرضى به .

      وقبل أن أغادر المكان ، سمعتهما يتهامسان مرة أخرى .       

     همست الشجرة الخضراء :

                          - عزيزتي نسيت أن أخبرك ، بأن الحياة ستستمر ، فحين  يرحل الخريف ، وينتهي الشتاء ببرده وذوبان ثلوجه .. سيأتي الربيع الجميل ، تسبقه تباشيره ، وتغريد بلابله ، وطيوره ، ستعودين كما كنت ، وربما أحلى  لأنك ستكبرين عاماً وستبدين  أطول وأنضر وستكتسين بالاخضرار ، وتمتلىء أغصانك بأوراق رقيقة مشرقة ،ولا تغفلي روعة أزهارك الجميلة ورائحتها العطرة ، التي ستعبق في المكان، والتي يعشقها البشر .  

       هل نسيت أنني أفتقد الأزهار على أغصاني ، ومع هذا راضية ودائماً فرحة ومستبشرة ، لأنني أعرف جيداً أن الاختلاف  في كل حالاته ، جميل ورائع ومطلوب ، حتى تتلون الحياة ؟

ليت البشر يتفكرون ؟!


0 Comments:

Post a Comment

<< Home