لغز محيّر !
———
إحساس غريب شفّاف غامض جميل ، هذا الذي أشعر به دائما نحو المكان ، فللمكان في نفسي عشق غريب وحب عجيب، ففي بيتي الصغير أنفرد بمكان معيّن أرتاح له . أعتقد أنه يعشقني أيضا ، فيفضلني على غيري، وهكذا أوجدنا حالة عشق جديدة بيننا أنا و مكاني!
لم أتخيل أبداً أن سلسلة العشق هذه، ستمتد إلى كل مكان أرتاده أو اذهب إليه باستمرار ، ففي بيوت الأهل والأحبة ، في بيوت الأصدقاء والزملاء ، في الديوانيات الصغيرة والكبيرة ، وحتى في الأماكن العامة ، أجدني دائماً أنجذب بقوة إلى ركن معين أتخذه مكاناً دائماً لوجودي ، فأعشقه وألتصق به ، لا أدري لماذا لا أحب أن أرحل عنه إلى غيره ، أو أتركه لغيري ؟
حالة غريبة أعيشها دائماً مع أمكنتي تلك ، حالة حب ليس لها اسم . دائماً افتقد مكاني حين يغزوه غيري ، أو يحتله أحدهم قبلي ، فتجدني من الصعوبة أتخلى عنه وأبحث عن مكان جديد. يضيعني مكاني لو ضاع مني.
التصاقي بمكاني وتعلقي به لغز محير، لكنه في الوقت نفسه لغز لذيذ، لن أحاول في يوم أن افك شفرته فأقد إحساسي بلذة سحره وغموضه، التي تتجدد في كل لحظاتي ، فبيني وبين مكاني شفافية تبرق كمرآة عاكسة بيد حسناء مبهرة.
أحسست دائماً بأن مكاني ممتزج برائحة جسدي ،
معبأ بأنفاسي التي ترمز إلى كل رغباتي المحمومة والمجنونة .
أتوجه إليه بثقة ، تدفعني إليه قوة غريبة ، أحتضنه بنظراتي قبل ان يطوقني ، فاتحاً ذراعيه حنوناً عذباً كأمي التي أرضعتني وهدهدتني ،أسعر بالأمان بين أحضانه ، فأندفع إليه بكل رغبة ولهفة ، وشوقي يتبعني.
مكاني الذي أعشق هو عراّفة أسراري . من غيره يعرف ما يجول بخاطري ؟ من غيره يتنفس معي أفكاري ورؤاي ، طموحاتي ورغباتي وحتى أصغر نزواتي؟!
في مكاني .. انفصل عن العالم أحتفي بحريتي ووحدتي . فعندما أشتاق وجهه ، ويأكلني الفراق ، أشعر أنني ملكة متوجة ، فأسدل أجفاني ، أشتهي الحلم ، لكنني لا أحلم بملك أبداً، وحده يعرف أنه بطل كل أحلامي اللذيذة .
لا أنكر أن جزءاً من قلبي وهبته لمكاني ، الذي يتجّسد فيّ ، أما أنا فأشعر أنني جزء منه ، يمنحني أحلامي ، يشحنني برؤاي وأفكاري .
في مكاني اكتشفت كل ألوان الجمال وأشكاله ، يا لها من حالة عشق جميلة !!
أنا و مكاني وحالة العشق هذه ، نبدأ باجتياز حدود عوالمي الغريبة والعجيبة ، التي أدخلها حيث رأسي الصغير محشواً بأشياء لا حصر لها ، فأشعر بمساحة من الحرية ، كافية لأن تختلط أشيائي وخيالاتي ، بمتغيرات الواقع ومتطلباته ، التي تصنع عوالمي الجديدة ، غير المنظورة وشكل كلماتي الحرة غير المألوفة ، لأتشارك لحظتها مع مكاني ، يوم ولادتها .
فمكاني الحبيب يندمج مع رجفات قلمي السريعة وهي تكتب أفكاري ، ليذوب مع استطالة رؤاي المنسكبة على ضفة أوراقي الحالمة .
من مكاني الحبيب أستطيع أن امسك النجوم ، فأقاسمها ضياءها ، واهمس برقة للقمر ، المسافر خلف سحابة حبلى بزخات المطر ، فيزداد بريق روحي تألقاً وفرحاً ، لتندلق بعض أفكاري الجريئة ، على حفنة أخرى من أوراقي المتعطشة للحرية.
أما الشمس ، فمن مكاني أستطيع أن أشعر بدفء أشعتها السرمدية ، التي تلهبني إدراكاً ووعياً ،وتشحنني تصميماً وسلطاناً ، فأصبح كالنار ألتهم كل فكر جميل ، وكل إبداع رائع ، وكل رأي متجدد ، وكل حرف جريء !
في مكاني الذي أعشق ، كتبت رسائل حبي ، رسمت خربشاتي ، رددّت أشعاري ، مارست هواياتي ، سبحت في بحر تأملاتي ، أبدعت نصوصي وحكاياتي ، قبلّت من أحب ، داعبت قطتي ، احتضنت صغيري ، تشاجرت مع من أحب ، تحاورت وتناقشت معهم ، اتخذت كل قراراتي، تكومت مريضة ، رقصت الفرح ، احتفلت بأعياد ميلادي التي رحلت .. تركت بعً من ذكرياتي .
مكاني الحبيب .. رسمت التعاويذ ، شكلّت التمائم فوقه ، نثرت البخور حوله ، بحت بحبي الأول له .. فكيف هو الوطن !!
( منى الشافعي )
0 Comments:
Post a Comment
<< Home