برنسيس إيكاروس

Monday, May 12, 2025


لغز محيّر !

———

  ‏   إحساس غريب شفّاف غامض جميل ، هذا الذي أشعر به دائما نحو المكان ، فللمكان في نفسي عشق غريب وحب عجيب،  ففي بيتي الصغير أنفرد بمكان معيّن أرتاح له . أعتقد أنه يعشقني أيضا ، فيفضلني على غيري، وهكذا أوجدنا حالة عشق جديدة بيننا أنا و مكاني!

    ‏لم أتخيل أبداً أن سلسلة العشق هذه، ستمتد إلى كل مكان أرتاده أو اذهب إليه باستمرار ، ففي بيوت الأهل والأحبة ، في بيوت الأصدقاء والزملاء ، في الديوانيات الصغيرة والكبيرة ، وحتى في الأماكن العامة ، أجدني دائماً أنجذب بقوة إلى ركن معين  أتخذه مكاناً دائماً لوجودي ، فأعشقه وألتصق به ، لا أدري لماذا لا أحب أن أرحل عنه إلى غيره ، أو أتركه لغيري ؟

     حالة غريبة أعيشها دائماً مع أمكنتي تلك ، حالة حب ليس لها اسم . دائماً افتقد مكاني حين يغزوه  غيري ، أو يحتله أحدهم قبلي ، فتجدني من الصعوبة أتخلى عنه وأبحث عن مكان جديد. يضيعني مكاني لو ضاع مني.

  ‏      التصاقي بمكاني وتعلقي به لغز محير،  لكنه في الوقت نفسه لغز لذيذ،  لن أحاول في يوم أن افك شفرته فأقد إحساسي بلذة سحره وغموضه، التي تتجدد في كل لحظاتي ، فبيني وبين مكاني شفافية تبرق كمرآة عاكسة بيد حسناء مبهرة.

    ‏أحسست دائماً بأن مكاني ممتزج برائحة جسدي ،

معبأ بأنفاسي التي ترمز إلى كل رغباتي المحمومة والمجنونة .

      أتوجه إليه بثقة ،  تدفعني إليه قوة غريبة ، أحتضنه بنظراتي قبل ان يطوقني ،  فاتحاً ذراعيه حنوناً عذباً كأمي التي أرضعتني وهدهدتني ،أسعر  بالأمان بين أحضانه ، فأندفع إليه بكل رغبة ولهفة ، وشوقي يتبعني.

    ‏مكاني الذي أعشق هو عراّفة أسراري . من غيره يعرف ما يجول بخاطري ؟ من غيره يتنفس معي أفكاري ورؤاي ، طموحاتي ورغباتي وحتى أصغر نزواتي؟!

   ‏في مكاني .. انفصل عن العالم أحتفي بحريتي ووحدتي . فعندما أشتاق وجهه ، ويأكلني الفراق ، أشعر أنني ملكة متوجة ، فأسدل أجفاني ، أشتهي الحلم ، لكنني لا أحلم بملك أبداً،  وحده يعرف أنه بطل كل أحلامي اللذيذة .

     ‏لا أنكر أن جزءاً من قلبي وهبته لمكاني ، الذي يتجّسد فيّ ، أما أنا فأشعر أنني جزء منه ، يمنحني أحلامي ، يشحنني برؤاي وأفكاري . 

في مكاني اكتشفت كل ألوان الجمال وأشكاله ، يا لها من حالة عشق جميلة !!

     ‏أنا و مكاني وحالة العشق هذه ، نبدأ باجتياز حدود عوالمي الغريبة والعجيبة ، التي أدخلها حيث رأسي الصغير محشواً بأشياء لا حصر لها ، فأشعر بمساحة من الحرية ، كافية لأن تختلط أشيائي وخيالاتي ، بمتغيرات الواقع ومتطلباته ، التي تصنع عوالمي الجديدة ، غير المنظورة وشكل كلماتي الحرة غير المألوفة ، لأتشارك لحظتها مع مكاني ، يوم ولادتها .

 فمكاني الحبيب يندمج مع رجفات قلمي السريعة وهي تكتب أفكاري ، ليذوب مع استطالة رؤاي المنسكبة على ضفة أوراقي الحالمة .

     ‏من مكاني الحبيب أستطيع أن امسك النجوم ، فأقاسمها ضياءها ، واهمس برقة للقمر ، المسافر خلف سحابة حبلى بزخات المطر ، فيزداد بريق روحي تألقاً وفرحاً ، لتندلق بعض أفكاري الجريئة ، على حفنة أخرى من أوراقي المتعطشة للحرية. 

 أما الشمس ، فمن مكاني أستطيع أن أشعر بدفء أشعتها السرمدية ، التي تلهبني إدراكاً ووعياً ،وتشحنني تصميماً وسلطاناً ، فأصبح كالنار ألتهم كل فكر جميل ، وكل إبداع رائع ، وكل رأي متجدد ، وكل حرف جريء ! 

     ‏في مكاني الذي أعشق ، كتبت رسائل حبي ، رسمت خربشاتي ، رددّت أشعاري ، مارست هواياتي ، سبحت في بحر تأملاتي ، أبدعت نصوصي وحكاياتي ،  قبلّت من أحب ، داعبت قطتي ، احتضنت صغيري ، تشاجرت مع من أحب ، تحاورت  وتناقشت معهم ، اتخذت كل قراراتي،  تكومت مريضة ، رقصت الفرح ، احتفلت بأعياد ميلادي التي رحلت .. تركت بعً من  ذكرياتي .

    ‏مكاني الحبيب .. رسمت التعاويذ ، شكلّت التمائم فوقه ، نثرت البخور حوله ، بحت بحبي الأول له .. فكيف هو الوطن !!🌱💚🩵

( منى الشافعي )


      

0 Comments:

Post a Comment

<< Home