دفء !
****
أحسست بشيء غريب ، يتحرك داخل صدري ،في هذا الصباح المشمس الجميل . هاجس غريب ظلّ ينمو ببطء في أعماقي ، تشاركه تلك النبضةالحبيسة بين جدران غرفتي .
نهضت .. أعددت قهوتي الصباحية ، وكعادتي اليومية في مثل هذا اليوم الرائع ؛ غيرّت ثيابي ودسست بعض أشيائي الصغيرة في حقيبتي، وخرجت أتريض على الأقدام في حديقة المدينة القريبة من مسكني .
حاولت الاستمرار في المشي والجري ، شعرت بتعب أثقل خطواتي .
على الربوة العالية ، ركني المفضّل جلست لأستريح وأُشبع نظري بجمال تلك الحديقة الممتدة أمامي ، بأشجارها الوارفة المتدلية نحو الأرض ، وبسمائها الزرقاء ، التي زادتها الغيوم المتناثرة روعة وجمالاً .
بدأ دبيب الحياة الصباحي يتسلل حولي . فتحت كتابي ، قرأت عدداً من الصفحات . أعدّت قرائتها لم أفهم شيئا . ارتجفت نبضتي ، إنقبض داخلي ، أغلقت الكتاب ، وبدأت أمارس متعة التفرج على أولئك الناس ، الذين بدأوا يحتلون فيء الأشجار ، يفترشون الأرض الخضراء.
تناسيت نبضتي ، وانتبهت إلى تلك العجوز المنهمكة في حياكة ثوب صوفي قد ملأ حضنها ، وعجوزها جالس قربها يختلس نظراته ، فيرسم ابتسامة راجفة على شفتيه . تسمرت عيناي على ابتسامته الحنونة .
انتزعني صوت فتاة من بعيد تنادي:
- جون .. جون .. جوني !
وتلوّح بيدها صوبه ، رمى ما بيديه على الأرض ، هرول نحوها ، يحتضنها .. يقبلها .
حولت نظري على كتابي ، التهمت بعض صفحاته ، أفزعني صوت أم صغيرة ، تنادي على صغيرها بلهفة، وهو يندفع خلف عربة الحلوى ، سقط الصغير وصرخ .
احتضنته الأم بقوة ، مسحت دموعه ، قبلته .. عاد إلى لهوه .
عادت نبضتي تدق بقوة، ضغطت بيدي على قلبي ، شعرت بألمي قد كبر ، ونبضتي تسحبني إلى داخلي ، ترغمني أن اختصر التفاتاتي ، ولكن .. فتيات صغيرات يتهامسن ويتضاحكن ، ثم يبتعدن عن مكاني . تنهدت .. للهمس لغة جميلة ، ابتعدت بنظري إلى أسفل الربوة ، أطفال يتراكضون ، شاب وسيم يفترش الأرض ، يقرأ في كتاب !
فتحت للمرة الثالثة كتابي ، عاودني الألم صرخت بصمت .
اعتليت الدرجات العشر ، حقيبتي في يدي وكتابي ملتصق بيدي الأخرى ، فتحت الباب بقوة سقط الكتاب تناولته ، دلفت إلى الداخل ضغطت على زر النور .. البيت ما يزال مظلماً .. عتمة غريبة تحيطني. استلقيت على الأريكة ، شعرت ببرودة تسري في أوصالي ، سحبت شالي الصوفي غطيت أطرافي .
أغمضت عينيّ ، ما زالت أوصالي متجمدة ، حاولت أن أغفو .. شعرت بشيء ما يتألم في داخلي، فتحت عينيّ ، ازحت الشال ، اعتدلت في مكاني فجأة!! التمع القرار ، فانبثقت الأنوار في فضاءات روحي المتوترة ، تقافزت تلك النبضة من سجنها .. همست:
- الدفء في الوطن ! !
( منى الشافعي)
0 Comments:
Post a Comment
<< Home