برنسيس إيكاروس

Tuesday, May 13, 2025

 دفء !

 ****

     ‏أحسست بشيء غريب ، يتحرك داخل صدري ،في هذا الصباح المشمس الجميل . هاجس غريب ظلّ ينمو ببطء في أعماقي ، تشاركه تلك النبضةالحبيسة بين جدران غرفتي .

   ‏نهضت .. أعددت قهوتي الصباحية ، وكعادتي اليومية في مثل هذا اليوم الرائع  ؛ غيرّت ثيابي ودسست بعض أشيائي الصغيرة في حقيبتي،  وخرجت أتريض على الأقدام في حديقة المدينة القريبة من مسكني .

    ‏حاولت الاستمرار في المشي والجري ، شعرت بتعب أثقل خطواتي .

     ‏على  الربوة العالية ، ركني المفضّل جلست لأستريح وأُشبع نظري بجمال تلك الحديقة الممتدة أمامي ،  بأشجارها الوارفة المتدلية نحو الأرض ، وبسمائها الزرقاء ، التي زادتها الغيوم المتناثرة روعة وجمالاً .

     ‏ بدأ دبيب الحياة الصباحي يتسلل حولي . فتحت كتابي ، قرأت عدداً من الصفحات . أعدّت قرائتها لم أفهم شيئا . ارتجفت نبضتي ، إنقبض داخلي ، أغلقت الكتاب ، وبدأت أمارس متعة التفرج على أولئك الناس ، الذين بدأوا يحتلون فيء الأشجار ، يفترشون الأرض الخضراء.

 تناسيت نبضتي ، وانتبهت إلى تلك العجوز المنهمكة في حياكة ثوب صوفي قد ملأ حضنها ، وعجوزها جالس قربها يختلس نظراته ، فيرسم ابتسامة راجفة على شفتيه . تسمرت عيناي على ابتسامته الحنونة .

انتزعني صوت فتاة من بعيد تنادي:

   - جون .. جون .. جوني !

‏وتلوّح بيدها صوبه ، رمى ما بيديه على الأرض ، هرول نحوها ، يحتضنها .. يقبلها . 

   ‏حولت نظري على كتابي ، التهمت بعض صفحاته ، أفزعني صوت أم صغيرة ، تنادي على صغيرها بلهفة،  وهو يندفع خلف عربة الحلوى ، سقط الصغير وصرخ .

‏احتضنته الأم بقوة ،  مسحت دموعه ، قبلته .. عاد إلى لهوه .

    ‏عادت نبضتي تدق بقوة،  ضغطت بيدي على قلبي ، شعرت بألمي قد كبر ، ونبضتي تسحبني إلى داخلي ، ترغمني أن اختصر التفاتاتي ، ولكن .. فتيات صغيرات يتهامسن ويتضاحكن ، ثم يبتعدن عن مكاني . تنهدت .. للهمس لغة جميلة ، ابتعدت بنظري إلى أسفل الربوة ، أطفال يتراكضون ، شاب وسيم يفترش الأرض ، يقرأ في كتاب !

فتحت للمرة الثالثة كتابي ، عاودني الألم صرخت بصمت .

   ‏اعتليت الدرجات العشر ، حقيبتي في يدي وكتابي ملتصق بيدي الأخرى ، فتحت الباب بقوة سقط الكتاب تناولته ، دلفت إلى الداخل ضغطت على زر النور .. البيت ما يزال مظلماً .. عتمة غريبة تحيطني. استلقيت على الأريكة ، شعرت ببرودة تسري في أوصالي ، سحبت شالي الصوفي غطيت أطرافي .

أغمضت عينيّ ، ما زالت أوصالي متجمدة ،  حاولت أن أغفو .. شعرت بشيء ما يتألم في داخلي،  فتحت عينيّ ، ازحت الشال ، اعتدلت في مكاني فجأة!! التمع القرار ، فانبثقت الأنوار في فضاءات روحي المتوترة ، تقافزت تلك النبضة من سجنها .. همست: 

           - الدفء في الوطن ! !

                                          

   ( منى الشافعي)

0 Comments:

Post a Comment

<< Home