برنسيس إيكاروس

Thursday, October 18, 2007

## لغة العيون ##

##################

العيون، نبض حياة.. سحر وجمال.. بريق وأبجدية صمت.. جذبت الشعراء قديما وحديثا ليتغنوا بها.. قال الشاعر جرير:'إن العيون التي في طرفها حورقتلننا ثم لم يحيينا قتلانا'وقال السياب: 'عيناك غابة نخيل ساعة السحرأو شرفتان راح ينأى عنهما القمر'يعبر الانسان احيانا في مواقف مختلفة عما بداخله نحو الآخرين من مشاعر متباينة، بلغة يعرفها اغلب الناس ان لم يكن جميعهم، وهي لغة العيون، لغة الصمت، حيث تتيبس الكلمات فوق الشفاه، لتنطق تلك النظرات الملتهبة بلاغة تفوق لغة الكلام وكل ابجديات الكون.لغة العيون.. لغة الحب والعتاب، هي 'مسج' حيوي وسريع قادر على توصيل مختلف الرسائل بصمت وصفاء وبأدق وأصدق التعابير، لان العيون مرآة الروح، لا تعرف الكذب، ولا يمكن لاي كان ان يخفي مشاعره المتدفقة بعفوية اللحظة من خلال نظرات عينيه.يقول ابن القيم 'ان العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وان لم يتكلم صاحبها'، إذا، فهي لغة سهلة بسيطة لا تحتاج الى جهد او تعب للبحث عن مفردات وتركيبها بجمل ملائمة لاي موقف كان.. فهي تعبير داخلي يخرج على شكل نظرات متعددة الاشكال، ومختلفة الحركات.. منها نظرات الخوف والقلق والاضطراب.. قال تعالى: 'فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت'.ومن تلك النظرات ايضا.. نظرات الحقد والحسد والسخرية والغضب واللوم والعتاب.. يقول الشاعر: 'إن العيون لتبدي في نواظرهاما في القلوب من البغضاء والأحن'هناك ايضا، النظرات الحائرة والبريئة والساذجة.. كما هناك نظرات شجاعة وجريئة تنفذ بثقة الى الآخرين.. قال العرب قديما: 'رب اشارة ابلغ من عبارة'.اما اجمل النظرات واعذبها، فهي نظرات المحبة والمودة.. تلك النظرات التي تصلك وهي ترقص فرحا وتهلل طربا.. تهديك اغلى المشاعر الدافئة، وارقى الاحاسيس الحانية الشفافة.. تمنحك السعادة وتحيطك بالامان والعافية.. قال الامام الشافعي: 'مرض الحبيب فعدته فمرضت من حزني عليهجاء الحبيب يزورني فبرئت من نظري اليه'.. ويقول الشاعر: 'فالعين تنطق والافواه صامتةحتى ترى من صميم القلب تبيانا'

*************
ان علماء النفس يقومون دائما بتجارب لمعرفة دلالات وحركات العيون، وقد توصلوا الى بعض التفسيرات، منها انه لو نظر المتحدث اليك من جهة اليمين للاسفل، فهو يتحدث عن احساس داخلي ومشاعر صادقة.. اما الشخص الاعسر فيجب ان ننتبه لانه سيعكس الوضع.نعتقد ان اغلبنا حين يتحدث بهذه اللغة يجهل هذه الدلالات، وتلك التفسيرات، وهذا افضل، لانه يتحدث بعفوية اللحظة، وتلقائية الموقف.السؤال: هل لا تزال حركات العيون ودلالاتها تشكل تأثيرا ايجابيا على وجدان الناس؟ قد تبقى لغة العيون سرا لا نعرفه، وسحرا نمارس احلى بريقه

Thursday, October 04, 2007

* رؤية نافذة للدكتور خليفة الوقيان لتاريخ الوعي الكويتي *

***************************
******************
قراءة في كتاب (الثقافة في الكويت *بواكير * اتجاهات *ريادات) بقلم منى الشافعي

*******************************************************
الثقافة كلمة راقية، لطيفة وجميلة، ذات دلالات متعددة، و الكتابة عنها جميلة وممتعة وذات فائدة عظيمة، أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر
شيوعاً واستخداماً في مناحي الحياة العصرية، وفي الوقت نفسه هي من أكثر المصطلحات صعوبة على التعريف، كونها كلمة مطاطة لا تنحصر في تعريف معين أو محدد، لأن مفهوم الثقافة أخذ يتنامى ويتكاثر ليمتد ويتنوع بدرجة ملفتة، ليتسع لكل شيء في الحياة الإنسانية، فهي تشمل كل عناصر العلم والمعرفة والفكر والأخلاقيات، والتجارب والمهارات، والآداب والفنون وكل صنوف الإبداع.. بحيث لا يوجد هناك شيء في الحياة لم نطلق عليه كلمة ثقافة، حتى العنف والإرهاب ثقافة.. وبالتالي فالثقافة ببساطة، هي طريقة حياة، وهي تلك السمات الخاصة التي ينفرد بها مجتمع معين عن المجتمعات الأخرى.. كما أنها تنتقل بين الأجيال لتحافظ على شخصية ذلك المجتمع..وهي عملية متجددة دائماً لا تنتهي أبداً.
د. خليفة الوقيان
د. خليفة الوقيان، الشاعر المتألق والباحث المقتدر المتميز، يفاجئنا بإطلالة متفردة رائعة.. كتابه الجديد بطبعته الثانية الموسوم (الثقافة في الكويت-بواكير- اتجاهات-ريادات).. يضاف إلى إصداراته القيمة السابقة، وإبداعاته الشعرية و النثرية المتنوعة، ذات الفكر الصريح الواضح والرؤى المستقبلية الواعية.. وتلك المقالات الثرية ذات الكلمة الصادقة المنتقاة المعبرة، المغرقة بالحس الوطني والشعور الإنساني الذي يبتعد عن نرجسية الأنا، ويصب دائماً في الصالح العام وقضايا وهواجس وهموم هذا الوطن المعطاء.. كما ويعد هذا الكتاب إضافة إلى إسهاماته الغنية، وحضوره الدائم،ودوره التنويري والتوعوي الفاعل في كل مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية.. فجاءت بواكير د. الوقيان واتجاهاته ورياداته، بنكهة خاصة لذيذة، متأنية، متميزة بدقة التحليل والتعليل..وأسلوب راقٍ مهذب سلس، وحقائق واضحة صريحة.. وذلك لتوثيق الوجود الثقافي والتاريخي البعيد في الكويت.. علَّها، تلك الحقائق الظاهرة، والثوابت الراسخة في عمق التاريخ، تزيل تلك النظرة الدونية والسطحية من عيون الأشقاء العرب، وبالتالي يعترفون بأن أهل الخليج أيضاً صناع ثقافة، وشعب واعٍ ومستنير.. ومؤثر في خارطة الثقافة العربية، منذ مئات السنين، وليس طارئاً عليها.

مقدمة
مهد الباحث د. الوقيان، لهذا الكتاب بمقدمة ثرية، حيث أوضح الأسباب التي دفعته إلى إعداد هذه الدراسة المستفيضة الشاملة.. فلنلتقط بعضاً من أشهى ثمراتها.. يقول الباحث: "عدم كفاية التوثيق للجهود الثقافية والاتجاهات الفكرية المبكرة في الكويت، وبخاصة في المراحل السابقة للقرن العشرين.. اختزال مفهوم الثقافة لدى بعض الدارسين بالأدب، وإهمال ما عداه .. الصورة المشوهة والمنقوصة التي يحملها بعض المثقفين العرب وغيرهم عن منطقة الخليج العربي بعامة.. وجود قدر من الاضطراب في بعض الدراسات القليلة التي تناولت موضوع الثقافة في الكويت.. الحاجة إلى تصويب المعلومات المغلوطة عند الحديث عن بعض الأعلام.. و..و.."
ويضيف د.الوقيان حيث يقول: "واتجهت الدراسة إلى التوقف عند حدود المراحل المبكرة في تناولها للجهود الثقافية والاتجاهات الفكرية والريادات الإبداعية، لأنها لم تحظ بالقدر المطلوب من الاهتمام، بسبب ندرة المصادر المتعلقة بها، ومن ثم ندرة الدراسات.."
كما وتوقف الباحث عند البواكير في الشعر والقصة والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية وذلك حسب البداية الزمنية لكل منها.
وتتضمن هذه الدراسة العرض التوثيقي للجهود الثقافية المبكرة والاتجاهات الفكرية، إضافة إلى التحليل والتعليل مع مراعاة الإيجاز الشديد.
لنستعرض بعد ذلك الفصول الأربعة التي اشتملت عليها هذه الدراسة القيمة.
الفصل الأول
عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة
في مقدمته التاريخية لهذا الفصل يقول د. خليفة: "ارتبط اسم الكويت بالثقافة منذ العقود الأولى لنشأتها، فقد ذهبت المصادر إلى أن مدينة الكويت أسست في العام 1022هـ الموافق 1613م، على حين وصلتنا عيّنات من المخطوطات التي نسخت في الكويت مبكراً،وتعود إحداها إلى العام 1682م.."
ويبين الباحث أن السبب في الاهتمام المبكر بالثقافة في الكويت، يعود إلى عدة عوامل.. ولقد ذكر أهمها وهي، طبيعة السكان وطبيعة الموقع الجغرافي إضافة إلى طبيعة النظام السياسي، فضلاً عن المؤثرات الخارجية.
وحول طبيعة السكان، يؤكد على أن الجماعات الكبيرة من المهاجرين إلى الكويت، وفدوا إليها ينشدون الأمان وينأون بأنفسهم عن بؤر الصراع القبلي والعرقي والطائفي في المناطق المجاورة ومنها مدن الجزيرة العربية المعروفة بوفرة علمائها.. ثم تلتها هجرات من جزر الخليج العربي وإماراته العربية على الساحلين الشرقي والغربي، فضلاً عن المهاجرين من العراق وإيران، لأسباب اقتصادية واجتماعية ودينية.. وكانت شرائح عديدة من المهاجرين على دراية كبيرة بثقافة المرحلة، بشقيها الديني والدنيوي. ومنهم عدد من العلماء الذين جلبوا معهم مكتباتهم الخاصة، وعدد من الأسر المعروفة بوفرة علمائها، أو باهتمامها برعاية العلم والعلماء.. ومن بين المهاجرين أعداد من التجار انتقلوا إليها بأموالهم وخبراتهم وثقافتهم في مجال التجارة.. كما انتقل إليها أهل الصناعة والحرف ومنهم البنائين والحدادين والنجارين، وفي مقدمتهم "القلاليف" أي صناع السفن الشراعية الكبيرة القادرة على عبور البحار والمحيطات.
ويضيف د. خليفة بقوله عن طبيعة السكان :"ومما يدل على الطبيعة المتحضرة للسكان عنايتهم بتنمية معارفهم، فخلال القرن التاسع عشر اتجه عدد من المواطنين الكويتيين إلى مصر للدراسة."
ثم تتابع بعد ذلك أهل الكويت محبي العلم لنيله من شتى بقاع الأرض.. كما اهتم الكويتيون بدعم المؤسسات التعليمية والثقافية داخل البلاد وخارجها،واحتضان العلماء والأدباء والتبرع لإنشاء المؤسسات التعليمية والثقافية منذ العام 1911م. داخل الكويت وخارجها.. كما أسهم الكويتيون في تأسيس النوادي الأدبية والاجتماعية في البلدان التي أقاموا فيها من أجل العمل أو التجارة.
ويؤكد د. خليفة الوقيان على وجود المثقفين والمتعلمين الكويتيين بقوله:"ويبدو أن الكويت كانت تمتلك قاعدة واسعة من المتعلمين في مطلع القرن العشرين، الأمر الذي دفع الإدارة الجديدة للملك عبد العزيز بن سعود إلى الاستعانة بخبراتهم للعمل في المؤسسات السعودية أسوة بغيرهم من المثقفين والمتعلمين العرب.. وقد تولى بعضهم وظائف هامة مثل الشاعر خالد الفرج، الذي تولى تأسيس بلدية القطيف، ومن الأدباء والمثقفين الذين استعانت الإدارة السعودية الجديدة بخبراتهم أيضاً الشاعر والكاتب خالد سليمان العدساني، والشاعر حجي بن جاسم الحجي، والشاعر عبداللطيف إبراهيم النصف، والأديب هاشم الرفاعي، وجمهرة من المثقفين مثل الحاج محمد العبدالمغني والسيد ياسين الغربللي.."
وينهي الباحث حديثه عن طبيعة السكان بقوله: "وبعد، فقد نتج عن تنوع المهاجرين إلى الكويت من جهة، واتصال الكويتيين بتجارب الآخرين، خلال ارتحالهم للتجارة،ولطلب العلم من جهة أخرى تنوع ثقافي تفاعلت عناصره وتلاقحت، فأفادت في إثراء النموذج الكويتي".
طبيعة الموقع
تحت هذا العنوان، يتحدث الباحث عن طبيعة الكويت القاسية التي أجبرت السكان على شحذ الهمم لمواجهة التحدي والإصرار على خلق الظروف الملائمة للحياة الكريمة وذلك من خلال الإبداع في أساليب العمل وبخاصة في البحر الذي كان المورد الأساس للرزق.. كما يؤكد على أن موقع الكويت المميز في الطرف الشمالي للخليج العربي، هيأها لتكون محطة لنقل البضائع القادمة من الهند وشرق آسيا بحراً في طريقها البري نحو أوروبا.. وكذلك محطة لنقل البضائع القادمة من وسط الجزيرة العربية كالخيول في طريقها البحري إلى الهند عن طريق السفن الكويتية.
ولقد لعبت الكويت هذا الدور منذ أزمنة بعيدة تعود إلى حضارة دلمون وصولاً إلى الزمن الذي قامت فيه إمارة الكويت، كما تشير المصادر .. ونظراً لهذا النشاط التجاري استقر في الهند وشرق آسيا عدد من التجار الكويتيين وكانت لهم نشاطات دينية واجتماعية وثقافية لها شواهد واضحة أشار إليها الباحث.
طبيعة النظام السياسي
يشير الباحث إلى العامل السياسي في الكويت ومدى تأثيره على الواقع الثقافي، وهو أن نظام الحكم في الكويت يختلف عن الأنظمة الأخرى في المنطقة، لأنه قائم على مبدأ الشورى في الحكم ووجود القضاء المستقل منذ بداية نشأة الكويت، كما ذكرت المصادر التاريخية، وبالتالي كان لهذا العامل السياسي المتطور تأثيره الإيجابي في الواقع الثقافي.. يقول الباحث أن (لوريمر) أشار إلى عهد الشيخ صباح الثاني، 1859-1865 بقوله :" وكان الشيخ يحتفظ بالسلطة السياسية، لكن السلطة القضائية كانت في يد القاضي".. ويضيف الباحث أن عدداً من الرحالة والكتّاب الأجانب، تكلموا عن حب الكويتيين للحرية، كما تطرق بعضهم إلى طبيعة النظام السياسي الكويتي القائم على الشورى.. وعلّل (باركلي رونكاير) على أهمية مدينة الكويت التجارية بقوله:"الكويت هي أهم مدينة تجارية على الساحل الشرقي للجزيرة العربية".. وتطرق د.الوقيان إلى تطور الفكر السياسي عند المواطنين، فتحدث عن النادي الأدبي، وعن اتجاهات أعضائه السياسية وذلك في عشرينيات القرن العشرين وعن مواكبته للتيارات السياسية السائدة في المنطقة العربية آنذاك، وفي مصر خاصة.. ولإثبات الميول والأفكار السياسية المتطورة لأعضاء النادي.. استشهد الباحث بكلمة للشيخ عبدالله الجابر الصباح الرئيس الفخري للنادي الأدبي، والتي يشرح بها كيف تأثر أعضاء النادي بالسياسة الخارجية وبالذات بما كان يحدث في مصر، كما أشار إلى الصحافة المصرية التي أثرت في اتجاه النادي إلى الاتجاه السياسي وتطرق إلى الأحزاب في مصر وثوراتها ضد الاستعمار الانجليزي، وكيف أن أعضاء النادي انقسموا إلى ثلاثة أحزاب كما هي الحال في مصر.
ويختتم د. خليفة الوقيان هذا الموضوع بقوله: "ومن الطبيعي أن يكون مناخ الحرية والديمقراطية حاضناً للإبداع والتطور الثقافي".

المؤثرات الخارجية
يقول الباحث:"كانت الكويت منفتحة على محيطها العربي، وعلى العالم منذ نشأتها. وقد استقبلت أعداداً كبيرة من العلماء والمفكرين والزعماء السياسيين العرب، الذين كانوا موضع الاحتفاء والتقدير"
في هذا الجزء من الكتاب يلقي د. خليفة ، الضوء على المؤثرات العربية من هجرات بعض علماء البلدان المجاورة إلى الكويت الذين آثروا الابتعاد عن مناطق الصراع أو الاضطهاد المذهبي والعرقي ومنهم مَنْ استقر في الكويت.. كما يحدثنا عن بعض العلماء الذين مروا بالكويت في مراحل تاريخية مبكرة.. ويؤكد أن دعاة الإصلاح في الكويت أفادوا من زيارات هؤلاء الأعلام لمؤازرة دعوتهم، كما أتيحت الفرصة للمواطنين للقاء بهم، والتعرف على أفكارهم الإصلاحية، الداعية إلى الخروج من أسر الجهل والتخلف والشقاق،الذي سببه دعاة الغلو والتزمت.. كما تحدث عن سعي المثقفين والإصلاحيين الكويتيين إلى توثيق علاقاتهم مع المنابر الإعلامية العربية منذ القرن التاسع عشر.. وبدخول القرن العشرين ازداد التواصل مع المنابر الإعلامية، وبخاصة في مصر والعراق والشام.. وتطرق إلى صدور الصحف الكويتية الأولى آنذاك ومنها صحيفة الكويت والكويت والعراقي، والتوحيد،والتي احتوت على كتابات ورسائل تقريظ وإشارات إلى علاقات صداقة وتواصل علمي مع عدد كبير من علماء الوطن العربي وكتّابه وأدبائه من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب.
الفصل الثاني
مظاهر الاهتمام المبكر بالثقافة
من أهم مظاهر الاهتمام المبكر بالثقافة، كما يؤكد د.خليفة الوقيان، هي التوجه نحو نسخ الكتب والمخطوطات في الكويت.والتأليف، وإصدار الصحف وإقامة المؤسسات الثقافية الأهلية.. ولقد تعرض الباحث بإيجاز لتلك الجهود.
يقول: "لمّا كان الكتاب هو الوعاء الأساس للمعرفة فسوف نبدأ بالتعريف الموجز بالجهود الأولى للكويتيين في مجال الكتابة، سواء من جهة نسخ المخطوطات أو التأليف، وحيث إن للكويتيين تجربة مبكرة في إصدار الصحف الجادة، وإقامة المؤسسات الثقافية الأهلية فسوف نشير إلى تلك التجربة."
الكتاب
ومن أهم مظاهر الاهتمام المبكر بالثقافة، كما يؤكد الباحث، هي التوجه نحو نسخ الكتب والمخطوطات في الكويت والتأليف.. أما الكتب التي نسخت في الكويت فهي تنتسب- في الغالب- إلى كتب علوم الدين وعلوم الملاحة البحرية، وينوه د. خليفة إلى أن هذه الحقيقة تترجم حاجة المواطنين إلى معرفة شؤون دنياهم ومعاشهم بصورة علمية بقدر حاجتهم لمعرفة شؤون دينهم، فقد كان البحر مصدر الرزق وميدان العمل الأساس.. كما اهتم علماء الكويت الأوائل بنسخ بعض الأصول التراثية والفقهية، ومنها موطأ الإمام مالك عام 1682م. و الفتح المبين في شرح الأربعين نسخت عام 1724م والتيسير على مذهب الشافعي عام 1798م وغيرها.. ومن أهم الكتب المؤلفة كتاب "تاريخ الكويت" ألفه الشيخ عبدالعزيز الرشيد وطبع في بغداد من العام 1926م وهذا الكتاب بالغ الأهمية.. لأنه تجاوز السرد التقليدي للأحداث السياسية، وتكلم عن الحركة الفكرية والعلمية في عصره.. وأشاد به كثير من العلماء والكتاب على المستويين المحلي والعربي.. كما أشار الباحث إلى الروزنامات وهي دفاتر اليوميات التي يسجل فيها الربان " النوخذة" حركة العمل على سفينته في إقلاعها ورسوها وشحنها وتفريغها.
الصحافة
يقول د. الوقيان :" أدرك رواد العمل الثقافي المستنيرون الأهمية البالغة للصحافة، والدور الذي يمكن لها أن تؤديه في حمل رسالة الإصلاح، الوصول إلى القاعدة الجماهيرية الواسعة، التي قد لا تصل إليها الرسالة التي يحملها الكتاب على الرغم من أهميته، ولذلك ازداد الإحساس بأهمية إصدار الصحف".
يتحدث الباحث أولاً عن اتجاه الكتاب الكويتيين –في بادئ الأمر- نحو نشر كتاباتهم في الصحف العربية الصادرة في العراق ومصر والشام، ولكن يجدر الإشارة إلى أن حجم الطموح لدى مثقفي الكويت في مطلع القرن العشرين كان كبيراً وكانت هناك رغبة كبيرة في إصدار الصحف.. ثم اتسعت طموحاتهم فقاموا بإصدار الصحف في بعض البلدان العربية والأجنبية، العراق، سوريا، أندونيسيا.. فقد ساهم الرعيل الأول من الصحافيين والأدباء الكويتيين في صحافة البصرة منذ عام 1912م.
أما الشيخ عبدالعزيز الرشيد المعروف بجسارته فقد أقدم على خوض تجربة إصدار صحيفة في الكويت ونجح في وضع اللبنة الأولى للصحف الصادرة في الكويت وذلك عام 1928م. وبذلك تحقق حلم الكويتيين بإصدار مجلة تحمل طموحاتهم وقد يكون من أسباب نجاح هذه التجربة أن المجلة لم تكن سياسية.
ويضيف الباحث عن الصحافة بقوله :"وبعد، فقد قامت الصحف الكويتية بدور تنويري ومعرفي هام في الحقبة السابقة لاستقلال الكويت، معتمدة على الجهود الفردية للرواد،كما كانت لها إسهاماتها الهامة في الكشف عن أصحاب المواهب، الذين أصبح لهم من بعد دور ريادي في النهضة الثقافية، والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
ثم قدم تعريفاً موجزاً بالصحف الكويتية الصادرة في الكويت منذ العام 1928م حتى مشارف الاستقلال في العام 1961م.
المؤسسات الثقافية الأهلية
تناول الباحث أيضاً في هذا الفصل المؤسسات الثقافية الأهلية، وذلك حينما أدرك الكويتيون منذ فترة مبكرة أهمية العمل المؤسسي الأهلي في مجال الخدمات الاجتماعية والثقافية، وقد تحقق حلمهم بتأسيس أول مدرسة نظامية عام 1911م وهي المدرسة المباركية.. وهكذا، يبدو أن النجاح في إقامة المدرسة المباركية كان حافزاً للنخبة الواعية للتفكير في إنشاء مزيد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية الأهلية.. ففي العام 1913م افتتحت الجمعية الخيرية العربية وقد حققت الجمعية الكثير من أهدافها الثقافية والاجتماعية، كما أنشئت بجهود المواطنين مكتبة الجمعية الخيرية عام 1913م، ويشير الباحث إلى أن هذه المكتبة أنشئت قبل نحو عقد من إنشاء المكتبة الأهلية التي أشارت إليها المصادر بوصفها المكتبة العامة الأولى في الكويت.
أما المكتبة الأهلية فقد فتحت أبوابها عام 1922م، وانهالت عليها التبرعات من أموال وكتب.
أما المكتبات التجارية، فقد ذكر د. خليفة الوقيان منها، مكتبة ابن رويح أو "المكتبة الوطنية" التي أسسها محمد أحمد الرويح عام 1923م ومقرها في السوق الداخلي،وكان لتلك المكتبة دور هام في خدمة عشاق القراءة. إذ كانت تعتمد أسلوب بيع الكتب،وإعارتها مقابل أجرة زهيدة. ولا تزال المكتبة قائمة حتى الآن.
ثم تحدث الباحث عن مكتبة ابن درع لمؤسسها عبدالمحسن حمد الدرع، ويرجح الأستاذ إبراهيم المقهوي احتمال وجودها قبل مكتبة الرويح.. وهناك المكتبة القومية الذي أسسها محمد البراك عام 1938م.. ثم تبعه حمود المقهوي فأنشأ مكتبة التلميذ.. ثم ازداد عدد المكتبات التجارية في أربعينات القرن العشرين.
أما النادي الأدبي الذي تأسس عام 1924م، فيقول عنه الباحث: "كان إنشاء المكتبة الأهلية خطوة مهدت السبيل إلى قبول المجتمع فكرة إنشاء ناد أدبي.. وكان أول من فكر في هذا المشروع "النادي الأدبي" الشاب الأديب خالد سليمان العدساني"
وهكذا، فبافتتاح هذا النادي عام 1924م، حقق مثقفو البلاد وعلماؤها وأدباؤها الكثير من طموحاتهم نحو التوعية والعلم، ونبذ الخرافة، ومحاربة التخلف والتزمت وذلك بأفكارهم المستنيرة الواعية.
وعن الديوانيات الثقافية، يؤكد د.خليفة الوقيان بقوله: "وكان أصحاب الديوانيات في الماضي من أصحاب المكانة الاجتماعية من التجار والأعيان وأهل الرأي والعلم، وكبار "النواخذة" الربابنة، وقد تغيرت الحال في العصر الحاضر، إذ كثرت الدواوين، ولم تعد حكراً على فئة دون غيرها، حتى إن الشباب والنساء أصبحوا أصحاب ديوانيات خاصة بهم"
وقد عنيت هذه الدراسة بالديوانيات التي وجدت منذ زمن مبكر.. وقد أشار الباحث إلى ديوانية التاجر الكويتي يوسف البدر، الذي استضاف بها عام 1865م الكولونيل "لويس بيلي"، الذي قال عن مضيفه أنه سمح لنفسه أن يقرأ عن الديانات الأخرى.
وفي مطلع القرن العشرين أصبح ديوان ابنه ناصر بن يوسف البدر ذا أهمية كبيرة في الشأن الثقافي والسياسي.. و من ديوانية ناصر البدر انطلقت الدعوة في العام 1921م لتأسيس مجلس للشورى في الكويت.. أما النادي الأدبي الذي أنشئ عام 1924م، فقد اتخذ من ديوان محمد صالح الجوعان مقراً له.
ويشير الباحث إلى أن الديوانيات كانت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممثلة للتيارات الفكرية السائدة آنذاك.. ويحدثنا عن الموضوعات التي كانت محور الحديث في جلسات الديوانيات الثقافية في ذلك الوقت ومنها النوادر والمساجلات،وقد اختصت بعض الديوانيات بالحوار في فرع من فروع العلم والأدب.. ويؤكد على أن شهرة الديوانية الكويتية وتأثيرها الثقافي والتنويري قد تجاوزت حدود الكويت.. حيث كانت استضافتها للعلماء، موضع تقدير من العلماء والمثقفين خارج الكويت.
ومن المظاهر الثقافية المهمة آنذاك، تأسيس "الرابطة الأدبية" عام 1958م، التي كان من أهم أهدافها المنصوص عليها في قانونها الخاص، رعاية النهضة الأدبية في الكويت، والاتجاه بالأدب العربي اتجاهاً قومياً يخدم الفكرة العربية التحررية في سائر الوطن العربي.. ويبدو أن استعداد الكويت لاستقبال مؤتمر الاتحاد العام للأدباء العرب في شهر ديسمبر من العام 1958م عجّل بتأسيس الرابطة.
تناول الباحث في الجزء الأخير من هذا الفصل المطابع، حيث يبين أن وجود المطبعة في الكويت يعود إلى العام 1928م. إن لم يكن قبل ذلك التاريخ.. كما يشير إلى مطبعة المدرسة المباركية أو مطبعة السيد عمر عاصم، مدير المدرسة آنذاك..والتي لا يعرف تاريخ بدء تلك المطبعة أو نوعها.. ثم تلتها عام 1947م مطبعة المعارف والتي ظهر عدم قدرتها على تلبية كل احتياجات المعارف لصغر حجمها، وكثرة تعثرها..وفي عام 1950م قام حمود المقهوي بإنشاء مطبعة حملت اسم "مطبعة الكويت".. ثم حدثنا بشيء من التفصيل التاريخي عن مطابع الشاعر خالد الفرج داخل وخارج الكويت.. أما مطبعة الحكومة فقد أنشئت عام 1958م، وذلك استعداداً لإصدار مجلة العربي من جهة، وبسبب عجز مطبعة المعارف عن تلبية الاحتياجات المستجدة.. ولقد تم شراء تلك المطبعة من شركة "مان" بألمانيا.
الفصل الثالث
اتجاهات فكرية
في هذا الفصل يرصد. د. الوقيان أهم الاتجاهات الفكرية التي كانت سائدة في الكويت منذ القرن التاسع عشر.. يقول: "قام النموذج الكويتي على أساس تنوع المنابع الثقافية، وتجذّر مبدأ الحرية والديمقراطية، والانفتاح على الآخر والتفاعل الإيجابي معه، ونبذ الغلو ومقاومة ثقافة احتكار الحقيقة. وفق هذا الأساس نمت الكويت وازدهرت، وتمكنت من تجاوز التحديات...".

الاتجاه الإصلاحي
تحت هذا العنوان، بيّن، الباحث كيف أن النموذج الكويتي القائم على الانفتاح لم يكن مقبولاً في منطقة تغلب عليها الاتجاهات التي تميل نحو الغلو في فهم الدين.., وأوضح كيف أن الكويتيين كانوا يواجهون هذه التيارات والمجابهات التي تتعرض لها الكويت بين حين وآخر، بالرفض القاطع.
ثم تطرق إلى الدعوة السلفية "الوهابية" وأفكارها التي كانت موضع حوار في الكويت.. وأكد أن طبيعة الانفتاح والتسامح التي سادت المجتمع الكويتي، أدت إلى عدم قبول هذه الدعوة والتشكيك فيها.. كما أن علماء الكويت كانوا أكثر ميلاً نحو المنهج الإصلاحي .. وكان من نتائج هذا الاختلاف الكبير بالقضايا الدينية بين الكويتيين من جهة والإخوان الوهابيين ذوي الرؤية الضيقة التي تتسم بالغلو، أن تقع المواجهة بين الطرفين بشكليها الحربي والفكري.
ولقد رصد الباحث المواجهات الحربية والنزاعات وغزوات الوهابيين للكويت منذ العام 1793م وحتى معركة الجهراء عام 1920م والتي كانت آخر مواجهة حربية بينهما.. وهكذا يظهر بوضوح إخفاق الوهابيين في إخضاع الكويت لسلطتهم، كما أخضعوا بقية الكيانات السياسية في الخليج العربي.
أما المواجهة الفكرية، فيكتفي الباحث بإبراز خصائصها، من خلال قصائد الشعراء المتذمرين والتي تدل على ضيق المثقفين الكويتيين بالإرهاب الفكري الذي كان يمارسه المتزمتون آنذاك، وذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لأن المصادر قليلة في ذلك الوقت.. وبدخول القرن العشرين توافرت المصادر التي مكنت الباحث من التعرف على حجم المواجهة الفكرية بين الإصلاحيين الكويتيين ورموز الغلو الديني.. ويقول الباحث أن الفضل في ذلك يعود إلى الشيخ عبدالعزيز الرشيد وكتابه تاريخ الكويت.. واختتم هذا الموضوع بقوله :"ولاتزال المعركة الفكرية قائمة حتى يومنا هذا بين قوى الإصلاح والتقدم من جهة، وقوى الانغلاق والغلو من جهة أخرى...".
الاتجاه الديموقراطي
كشف في حديثه عن التيار الثاني في الكويت وهو الاتجاه الديمقراطي، أن أصحاب هذا التيار من مثقفي مطلع القرن العشرين، أتبعوا القول بالعمل، وكانت اهتماماتهم منصبة على تصحيح الأوضاع المغلوطة، لتتسق مع قناعاتهم بنبذ التسلط.. والطموح إلى تطوير نظام الحكم في بلادهم، وتجاوز واقع الاستبداد الناجم عن حكم الفرد.. وكانوا يرون أهمية التحول إلى دولة المؤسسات.. ذلك لأنهم كانوا يتابعون التطورات السياسية الإيجابية في بلدان العالم المتقدم.. ولقد اختار الباحث نماذج من قصائد الشعراء التي تعكس تصورات المثقفين تجاه الواقع السياسي وطموحاتهم حول تطويره.
الاتجاه القومي
وفي حديثه عن الاتجاه القومي يقول د. الوقيان: "لم تكن حوارات الكويتيين في منتدياتهم الثقافية مقتصرة على الشأن المحلي، ففي مطلع القرن العشرين كانت قضايا الأمة العربية حاضرة لديهم بصورة تلفت النظر.." ويضيف: "وقد ازداد تفاعلهم مع قضايا الأمة بفضل اتصالاتهم وحواراتهم مع بعض الزعماء و المصلحين الذين كانوا يزورون الكويت بين الحين والآخر، فضلاً عن تواصلهم مع رجالات الفكر خارج الكويت.."
ويشير الباحث إلى أن العمل السياسي القومي انتقل من بعد إلى الصيغة التنظيمية.. فتشكلت "الكتلة الوطنية" في مطلع ثلاثينات القرن العشرين.. وفي عام 1938م تم تشكيل "كتلة الشباب الوطني" ذات الأهداف القومية الواضحة.. كما ذكر مواد القانون الأساسي لهذه الكتلة، إذ لا تكاد تخلو مادة من مواد القانون من ذكر للوطن العربي والثقافة العربية.. واستشهد كذلك بقصائد لشعراء هذه المرحلة وهذا الاتجاه.

الاتجاه المحافظ
أما الاتجاه المحافظ.. فبانتهاء القرن التاسع عشر، ودخول القرن العشرين.. أصبح الكويتيون أكثر ابتعاداً عن الآراء المتشددة في فهم الدين، وأقرب إلى التأثر بالدعوة إلى الإصلاح والأخذ بأسباب التقدم والتطور، وكسر قيود التخلف والجهل والخرافة.. ويعزو الباحث سبب ذلك إلى اتساع دعوات الإصلاح والتنوير في الكويت.. ثم ألقى الضوء على معارضة بعض علماء الدين المتشددين الذين- في الغالب- كانوا قادمين إلى الكويت من أقطار مجاورة يشيع فيها التشدد.


الفصل الرابع
ريادات إبداعية
يسعى الباحث في هذا الفصل إلى تقديم عروض موجزة للريادات الإبداعية والتجارب المبكرة في ميادين الإبداع المتعددة، الشعر، القصة، المسرح،الموسيقى والغناء، الفنون التشكيلية.. فضلاً عن التنبيه إلى التجارب الأولى في ترجمة الأعمال الإبداعية.
عن الشعر يقول: "لعل أقدم ما وصلنا من شعر الفصحى قصائد عثمان بن سند المبثوثة في مؤلفاته العديدة. وتعود تلك القصائد إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر".
وتناول الباحث سيرة عثمان بن سند من حيث كثرة تنقلاته بين الأمصار، ومكانته العلمية ومؤلفاته وألقابه.
أما عن القصة القصيرة والتي يؤكد الباحث أنها ولدت في حضن الصحافة، حيث أن الشاعر والكاتب خالد الفرج نشر قصة بعنوان "منيرة"، وهي أول قصة تنشر لكاتب كويتي، وبذلك عُدَّ كاتبها الرائد الأول للقصة القصيرة في الكويت، بل وفي الخليج العربي.. ثم قدم الباحث تلخيصاً لقصة "منيرة" لأهميتها التاريخية، وبهدف الوقوف على دلالاتها، ونمط تفكير كاتبها، والجيل الذي يمثله خلال الحقبة المبكرة التي نشرت فيها.. ولقد نشرت هذه القصة في عدد مجلة الكويت الشهري، نوفمبر وديسمبر 1929م.
أما فيما يتعلق بالريادات النسائية في مجال كتابة القصة القصيرة، فيقول الباحث أن "ضياء هاشم البدر" تُعد أول اسم نسائي أطل على القراء من خلال قصة تحمل عنوان "نزهة فريد وليلى"، التي نشرت في مجلة البعثة شهر سبتمبر عام 1952م. وجاءت بعدها الكاتبة "بدرية مساعد" التي نشرت قصة "أمينة" شهر يونيو عام 1953م في مجلة البعثة.
أما الرواية، فيؤكد الباحث على أن رواية "مدرّسة من المرقاب" التي صدرت عام 1962م هي الرواية الكويتية الأولى وهي للكاتب عبد الله خلف. أما أول كاتبة صدر لها بكتاب مستقل عمل يقع بين القصة القصيرة والرواية فهي "صبيحة المشاري"، وحمل غلاف ذلك الكتاب اسم العمل وهو "عبث الأقدار"،ولا يحمل تاريخاً لنشره.. ولكن الكاتبة ذكرت أنها نشرت عملها هذا عام 1960م.
ويذكر د. الوقيان، أن أول رواية نشرت في كتاب يحمل تاريخاً موثقاً لكتابتها ونشرها فهي رواية "الحرمان" للكاتبة والمخرجة التلفزيونية" نورية السداني".. وذلك عام 1972م.
أما عن حركة الترجمة وتشجيعها، فقد كان الرائد الأول في ترجمة أعمال روائية ومسرحية هو "محمد توفيق أحمد" والذي قام بترجمة ثلاث مسرحيات من اللغة الفرنسية، وقد صدرت في كتاب واحد عام 1957م.
أما عن المسرح، فقد كانت التجربة الأولى مجرد محاولة عام 1922م، وقد حملت عنوان "محاورة إصلاحية" وقد عرضت على المسرح المدرسي.. وبعد مرور سبعة عشر عاماً جاءت التجربة الثانية وهي مسرحية "إسلام عمر" لتسجل تطوراً كبيراً وتؤرخ لفن مسرحي حقيقي، نشأ في حضن المدرسة أيضاً وعرضت المسرحية في مدرسة المباركية عام 1939م.. ثم تناول الباحث في هذا الفصل مسرح طلبة الكويت بمصر.. ودور حمد الرجيب في مصر عام 1945م واهتمامه بالنشاط المسرحي وتطوره.
عن الموسيقى والغناء، يقول د. خليفة الوقيان : "تمتاز منطقة الخليج العربي بعامة، والكويت بخاصة بثراء واضح في الفنون الموسيقية والغنائية، وتتنوع هذه الفنون بين بحرية وبرية".. وشرح هذه الفنون.. كما تحدث عن الإيقاعات العديدة تلك الثروة الكبيرة التي ورثها أهل الخليج، وذكر بعض المؤثرات الأجنبية التي امتزجت بالفنون الكويتية ثم أشار إلى الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها الفنون الموسيقية الكويتية والغنائية خاصة في جنوب الجزيرة العربية.. أخيراً يقول الباحث :" وشهدت حقبة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين بدء تسجيل الأغاني الكويتية في استوديوهات الفن الشهيرة في لندن، ومصر والعراق والبحرين والهند".
آخر المحطات الثقافية في هذا الكتاب كانت الفنون التشكيلية حيث يقول الباحث "تأخر ظهور مَنْ يمكن أن يحمل صفة الفنان التشكيلي إلى القرن التاسع عشر. ويعد الشاعر والفنان عبدالله الفرج أول من وصلتنا معلومات موثقة عن اشتغاله بالرسم، وقيل بالنحت أيضاً، فضلاً عن براعته في الخط".. أما الفنان معجب الدوسري، فيعد أول فنان كويتي أتيحت له فرصة دراسة الفنون التشكيلية بصورة علمية ومنهجية وكانت لديه اهتمامات بالرسم منذ الصغر.. وفي عام 1958م أقيم أول معرض عام للفنون التشكيلية في الكويت،وتزامنت إقامته مع انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت. وفي العام 1959م، افتتح "المرسم الحر" فكان افتتاحه بداية لانطلاقة كبيرة للفنون التشكيلية في الكويت.
رأي وأهمية
يبدو أن د. خليفة الوقيان، قد كرّس جهده في أعماله الأخيرة للمواضيع الأكثر شمولية وفائدة في الشأن الثقافي العام، وذلك في محاولة متفردة جادة ناجحة ثرية غير مسبوقة، لتوثيق هذه الحقائق الثقافية وكل ما يتعلق بها من أمور كانت مغيبة أو ناقصة أو مشوهة، وذلك كهدية ثمينة للوطن وأبناء الوطن.
أجاد د. خليفة الوقيان بصدق وحرفنة ومنهجية علمية، ليخرج هذا الكتاب الشامل للنتاج الثقافي الكويتي المتنوع ويتصدر المكتبة الثقافية بمثابة "ثقافة موسوعية معرفية ومعلوماتية وتاريخية" لبواكير واتجاهات وريادات الثقافة في الكويت القديمة، تحديداً لتلك الفترة التي شملتها الدراسة.
كنا بحاجة إلى فضاءات جديدة طموحة للكتابة.. وها هو د. خليفة الوقيان، يحقق هذا الطموح ويغني تلك الحاجة فيجسدها من خلال ثراء وروعة هذا الكتاب.
جاء الكتاب بمقدمة وأربعة فصول.. بلغة عذبة صافية وأسلوب ممتع جذاب، أثرى بصدوره المكتبتين الكويتية والعربية، جدير بالقراءة والاقتناء.
نتمنى على الجهات الثقافية المعنية ووزارة التربية ومكتباتها وجامعة الكويت،والجامعات الخاصة، اقتناء هذا الكتاب المميز لما له من أهمية كبيرة للدارس والباحث والمهتم بالشأن الثقافي الكويتي.
صدر الكتاب في طبعته الثانية عام 2007.. يحتوي على 345 صفحة من القطع المتوسط بغلاف زاهٍ جميل وجذاب.

m_alshafei@hotmail.com