برنسيس إيكاروس

Tuesday, June 29, 2010

من المسئول عن النمط الغذائي الخطأ


بريشة منى الشافعي
****
















كتبت منى الشافعي


******










«الكويت تتصدر قائمة البلدان المستهلكة للمواد المسببة للأورام السرطانية وتلف الأعصاب، والأولى عالميا في النمط الغذائي الخطأ. هذا ما كشف عنه باحثون في معهد الكويت للأبحاث العلمية، خلال ندوة عن أنظمة التغذية الصحية..».
نشر هذا الموضوع المرعب المخيف أخيرا في صحيفة القبس تحت عنوان «الكويت الأولى عالميا في النمط الغذائي.. الخطأ!». وقد اكد التقرير ان مادة «الاكريلامايد» ذات التركيب الكيميائي الموجودة في كثير من المواد الغذائية المصنعة.. هي المسؤولة عن هذا الامراض، حيث أظهرت نتائج البحث وجود هذه المادة بتركيز عال في رقائق واصابع البطاطس، وفي البسكويت (التي يتناولها أطفال الكويت بشكل يومي) وفي الزيتون المعلب، والبندق المحمص.
السؤال هنا: ما دامت النتائج البحثية اشارت الى هذه المواد السلعية الملوثة بشكل صريح، فلماذا لا يبادر المسؤولون، ويسارعون لحظر استيراد هذه المواد المسرطنة، ومنع تصنيعها محليا، ان وجدت؟ هل هناك ما يمنع؟!
***
نعم، هناك اشارات تحذيرية في التقرير المنشور، تناشد الجميع بالتقليل، او الابتعاد عن تناول هذه المواد الملوثة، وخصوصا الاطفال.. ولكن يا جماعة، هل التحذير يكفي؟! أعتقد أن هذا التحذير وغيره لا يتعديان حدود الورق المكتوب عليه. بصراحة، مهما حذر البعض، ومهما كتب آخرون، ومهما علت الصرخات.. فوعي الناس حيال هذه الامور يكاد يكون سلبيا، خصوصا ان هذه المواد متوافرة بشكل كبير.. فالوعي الفاعل المؤثر يحتاج جهودا مضاعفة وتحذيرات اوسع واكبر وعملا مستمرا ومتابعة يومية، وذلك من جهات رسمية مسؤولة، مثل وزارة الصحة، وزارة التجارة والصناعة، ووزارة التربية التي نتمنى عليها ان تعيد (تفعّل)، الوجبة الغذائية لجميع المراحل الدراسية، حتى يتعود التلاميذ، خصوصا الصغار على تناول الفواكه والخضروات والمواد الصحية الاخرى التي تقدمها هذه الوجبة.. ربما بهذه الطريقة الصحية التوعوية، يبتعد الصغار عن طلب الوجبات السريعة المضرة، وربما ايضا ينتقل هذا الوعي الى اسرهم.. وبهذا نستطيع ان نخفف من هذه المشكلة، او حتى نتجاوزها.
***
وما دام الشيء بالشيء يذكر، ففي الآونة الاخيرة طالعتنا وسائل الاعلام المختلفة، بتصريحات لمسؤولين، وتقارير لباحثين، ومقالات وندوات لناشطين ومهتمين، وذلك عن التلوث البيئي العام في الكويت، الذي طال الهواء والماء والغذاء.. الامر المربك والمشوش، ان هناك تضاربا في الآراء واختلافا وتباينا في نتائج الابحاث، فهناك من يؤكد وهناك من ينفي وهناك من يستبعد.. ومن هنا ضاع الناس.. يا جماعة نريد صدقا!

******


m_alshafei@hotmail.com










Monday, June 14, 2010

سهولة الحياة وبساطتها

بريشة منى الشافعي
***


كتبت منى الشافعي


*****


كنت أتصفح أحد الكتب، فلفتت نظري هذه العبارة التي أعجبتني فلسفتها الجميلة:


«إذا كان من المستحيل أن تكون حياتك سهلة وبسيطة.. فَلمَ لا تكون أنت السهل البسيط»؟


***


وحين تلفتُّ حولي، انتبهت الى ان الانسان العصري يعيش في فوضى عالم اليوم، وصراعاته التي اخذت تعبث في الانسانية السمحة الجميلة وتتلاعب بها، وهكذا فقد الانسان احساسه بانسانية الحياة، وأصبح لا يهتم الا بمصالحه الخاصة، وبذاته إلى حد الافراط، فتعقدت حياته وفقدت سهولتها وبساطتها.. وحتى تعود تلك الحياة الحلوة البسيطة، عليه أن يتغير.


وإذا ما رغب احدنا، أن يتحرر من عبودية ذاته، وان يشفى من حالة الانانية التي تسكنه، ليصبح هو السهل البسيط، فعليه اولا ان يتناسى ذاته، ويهتم بمن حوله، فلا يغفل أسرته الصغيرة، فعليه أن يُغدق الحب والدفء والحنان عليها، ويضيف اليها الراحة والامان، وان يبتسم دائما في وجه اهله وناسه، ويشعرهم بدفء العاطفة وحميمية وجودهم في حياته، كي لا ينسى انه كائن اجتماعي لا يستطيع ان يعيش بمعزل عن الآخرين حتى وان اختلف عنهم في كثير من الامور الدنيوية، وليتذكر ان الاختلاف والتنوع من الاشياء الجميلة في الحياة، لأن الحياة دوامة، وبوصلتها تتجه يوميا بالانسان إلى اكثر من اتجاه، وبالتالي عليه ان يتبعها بكل الاهتمام والقناعة والرضا، وان يصغي الى كل الصيحات والنداءات الانسانية من حوله، ويحاول مساعدة الآخرين حسب امكاناته وقدراته وقناعاته، والا فلا معنى من وجوده بين ناسه ومجتمعه ووطنه؟


ولهذا الانسان الجديد، نقول: اختر الحياة وعش يومك بكل لحظاته.. استمع الى الموسيقى التي تستهويك.. استمتع بقراءة كتاب.. حاول ان تكون متطلباتك الحياتية معقولة ولا تكلف كثيرا.. تعلّم البساطة في الأكل والشرب والملبس والخدمة.. وارفض ان تستعبدك عادة ما.


اجمل شيء، تعلّم كيف تعشق الجمال في شروق الشمس وغروبها، وكيف تستمتع بنقرات المطر الرقيقة على زجاج نوافذك.. وتذكر ان البساطة والسهولة في الحياة، نصنعهما بأيدينا، ولا تنس ان لا احد مسؤول عن سعادتك غيرك.



Thursday, June 10, 2010

دراسة عن رواية ليلة الجنون







ليلة الجنون للأديبة الكويتية منى الشافعي





ليلة الجنون الرواية الأنثى



للروائي عزالدين الجلاوجي / الجزائر





اسمحوا لي أن أعترف من البداية أن رواية ليلة الجنون للأديبة الكويتية منى الشافعي مفعمة بالأنوثة، حيثما وليت وجهك في تضاريسها سمعت همس الأنثى ونجواها وتغريدها وتأوهها، مما يجعل منها رواية للأنثى بامتياز، وهذه الميزة هي ما نحاول الكشف عنها فيما يأتي من القول.



أ- العتبة أنثى:



اهتم النقد الحديث بهوامش النص المركزي، على اعتباره نصا موازيا، أو كما سماها جيرار جينات العتبات "وهي ملحقات نصية نطؤها قبل أي فضاء داخلي كالعتبة بالنسبة إلى الباب"، ويمكن تشبيه العمل الأدبي بالثمرة، لبها هو النص المركزي، وما يغلفها فيعطيها رائحة ولونا وشكلا ويمهد لولوجها هو عتباتها التي تشكل معها كينونتها وحقيقتها، لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر.



حين نتهجي عتبات رواية ليلة الجنون لمنى الشافعي نلاحظ لوحة تشكيلية تتربع على عرش الغلاف من إبداع الكاتبة ذاتها وهو أمر نادر الحدوث، مما شجعنا على قراءة ذلك لأن اللوحة ترتبط بالرواية بوشائج قربى أساسها وحدة المصدر والمنجب، اللوحة لامرأتين أو قل لامرأة واحدة ممتدة القامة مرة وقد توشحت سوادا داكنا شابته حمرة وخضرة، وراكعة مرة وقد تجللت بحمرة قانية فيها اخضرار باهت، في اللون الأحمر إيحاء بالتضحية والفداء لعلاقته الأساس بالدم، ولعل غلبته على المرأة في حالة ركوع، دلالة على حالة انهيار أمام ما تتلقاه من صدمات قوية وشديدة، أما اللون الأسود فيوحي بالحزن وقتامة الحياة، وينقذ اللون الأخضر الموقف على قلته للدلالة على الأمل والخصب والتعلق بالحياة.



ليلة الجنون هو عنوان الروية ، وهو كلمتان مسند إلى محذوف ومضاف إليه، مما يعني أن المسند محذوف مقدر، الكلمة الأولى تكتنز دلالة الغموض والخوف والرهبة وهو ما يتناسب تماما مع اللون الأسود الذي ساد اللوحة، وزادتها حركة الرفع فيها غطرسة للرهبة والغموض، الكلمة الثانية فيها دلالة السفه والطيش وقد اتفق ذلك تماما مع حركة الكسر فيها، وإذا كانت الرواية تقوم على مجموعة تيمات فإن أهمها على الإطلاق تيمة المرأة وعلاقتها بالرجل في المجتمعات العربية، وهذا ما أوحى به العنوان حيث وردت الكلمة الأولى مؤنثة والكلمة الثانية مذكرا مما يوحي للمتلقي بهذا الصراع بين الطرفين ابتداء من العتبة الأولى.



ومما تقدم أقصد اللوحة والعنوان وهما عتبتان خارجيتان يتأكد لدينا ما سيمثله ذلك من سلطة على النص سنكتشفها بعد حين.



ولا تكتفي الكاتبة بعتبة اللوحة والعنوان بل تضيف إليهما الإهداء عتبة ثالثة، ويأبى الإهداء إلا أن يأتي دهاقا بالأنوثة أيضا، وهو يصرح من البداية "إلى دفئي وحنيني" ولا حاجة أن نثبت أن نبع دفء الحنان إنما هو صدر الأنوثة، وقلبها النابض بالرحمة والحب، ولكم يحلو لي أن أشبه عاطفة المرأة بنور الشمس وعاطفة الرجل بضوء القمر، إذ لا شيء من ذلك للرجل في اعتقادي إلا ما يقبسه من قلب المرأة وصدرها.



كما تضيف الكاتبة أيضا عتبة رابعة تعطيها عنوان "إضاءة" وهي من شمس أنثوية لأن الكاتبة تضمنها شكرها لصديقتها الشاعرة سعدية مفرح لما أخذت من دواوينها من قصائد زينت بها روايتها، فتكون هذه العتبة أيضا أنثى فهي إضاءة والإضاءة أنثى، وهي من كاتبة لشاعرة، وهي مفعمة بالحب والإخلاص وهما ميزة الأنثى، وهو ما نجده أيضا في عتبة خامسة بعنوان وقفة، والوقفة أنثى، تظهر فيها الكاتبة ميزة أخرى من ميزات الأنثى هي ميزة الإخلاص حين تتوجه بالشكر والتقدير لمن أعانها من الأصدقاء في إنجاز الرواية ونشرها.



وحتى لو تأملنها بداية الرواية فهي مفعمة بالتأنيث حين بدأت البطلة بمدح أمها في أنها ملأت حقائبها الأربعة بمواد الزينة والعطور "الله يطول عمر الوالدة لم تنس علبة البخور وزجاجتي دهن العود والورد، و... فقد دستها بعناية بين أدوات زينتي" (ص11).



فالأمر ذاته إذن يتحقق من العتبات الداخلية بعد أن تحقق من العتبات الخارجية، إن الأفق ولاشك سيكون مترعا بالأنوثة دهاقا بها، على اعتبار أنه لاشيء محايد في الرواية، وأن المسافة بين النص الموازي والنص المركزي واهية.



ب- المركز المؤنث:



ومن العتبات نلج النص المركزي فلا نجده إلا عينا نضاحة من الأنوثة أيضا، وسنكتشف هذه التيمة داخل النص عبر كثير من المستويات، نكتفي بالإشارة إلى بعضها كمستوى الإبداع، ومستوى الشخصية البطلة شكلا وجوهرا، ومستوى علاقة الشخصية المؤنثة بغيرها من الشخصيات،.



1- مستوى الإبداع "الرواية القصيدة/البطلة المبدعة":



قارئ الرواية يراوده شك في أنه يقرأ رواية بالأساس، أو على الأقل أن عبقا من الشعر يلون النص الروائي، لقد سعت الكاتبة في كثير من المحطات إلى التأنق في لغتها، مثل قولها "كنت كالعصفورة التي انطلقت من القفص، فرحة تطير في فضاء الحرية، مبتسمة تزقرق للرياح، تتهادى مع الغيوم، تصفر مع العواصف..." (ص 187).



كما استعانت بمقاطع شعرية كثيرة أخذتها من دواوين الشاعرة سعدية مفرح، وردت إحدى عشرة مرة، نثرتها في تضاريس الرواية رغبة في تزيين نصها.



بل إن الصوت المفرد نراه طاغيا على الرواية، فنص الرواية ترويه بطلته "سارة" بضمير أنا، ولا تكاد ترى صوتا آخر غير سارة إلا ما جاء في ظلها تابعا لها، دائرا في فلكها، مما يكاد يلغي تعدد الأصوات الذي يمتاز به النص الروائي، إن سارة تكتب سيرتها كأنما تكتب قصيدة والقصيدة أنثى، ولا تكاد الكاتبة تتخلص من أنا الساردة إلا في المقطع الأخير رقم 56، والذي لا يستغرق إلا سطرين "هل انتهت رواية سارة أم بدأت؟ سؤال مستحيل... لكن من قال إن الأسئلة المستحيلة ، ستظل بلا إجابات إلى الأبد" (ص 282).



وتضفي الكاتبة على بطلة روايتها الكثير من صفات المبدع، فهي وإن كان تخصصها علم التجارة، فإن نفسها تتوق دوما للإبداع، حيث تفاجئ من يحيط بها بقدرتها على كتابة الشعر تعترف لها بذلك قرينتها "طبعا اعتقد، ألست شاعرة متميزة؟" (ص 200)، ويعترف لها بذلك عشاق الشعر وعلى رأسهم فيصل الخليفة الذي مثل في الرواية الشاعر الكبير "صفق الجمهور.. طلب إعادة القصيدة، هو قربي يصفق مع الجمهور، ينظر إلي بعينين تملأهما الفرحة" (ص 168)، بل وحتى طلبتها في الجامعة قدروا كفاءتها الإبداعية، فتداعوا يشنفون أسماعهم بقصائدها "ومن قصائدك الرائعة تعلمت الحب والشفافية" (ص188).



وهي أيضا مصورة تزين بيتها ومكتبها بكثير من الصور التي التقطتها هنا وهناك مرتبطة بواقع البطلة، وما يحيط بها، معبرة عن ذوق رفيع وإحساس بالفن والجمال والحياة: "هذه اللوحات الثلاث المعلقة على هذا الحائط من تصويري، أما في البيت فعندي العشرات منها" (ص 159)، ولا يملك الشاعر فيصل الخليفة إلا أن يعترف لها بقدرتها تلك قائلا: " لوحات رائعة، لا يصورها إلا فنان متمكن محترف" (ص 159)، أو حين يقول "أنت فنانة شاعرة، وفنانة مصورة، وأعتقد أنك فنانة في أمور أخرى كثيرة" (ص 157).



ولا تكتفي منى الشافعي بإسناد صفة الإبداع للبطلة سارة، بل إن صديقتها ليلى فنانة تشكيلية تزين لوحاتها دواوين سارة، وحتى ابنة خالتها مريم فنانة تشكيلية أيضا تبهر لوحاتها الجميع بمن فيهم طبيبها المعالج "مريم فنانة تشكيلية يا دكتور عادل، لوحاتها جميلة ورقيقة" (ص 259)، وتسبغ الكاتبة لمسة الفن على أمها منى التي تظهرها بصورة الطباخة الماهرة "أمي حبيبتي طبخك لذيذ" (ص 31)، وفنانة الديكور العجيبة التي تعشق اقتناء التحف النادرة والثمينة لتزين بها بيتها "... تبحث عن الأثاث القديم والتحف الثمينة" (ص 15).



إن منى الشافعي ترسم صورة للمرأة الفائقة كأنما تستلهم حي بن يقظان، على الأقل في جانبه الإنساني والفني والجمالي، ولعل هذا السعي نحو الكمال هو ما جعل الإحباط في العلاقة مع الرجل، كأنما هو بحث أيضا عن الرجل الفائق.



2- مستوى المظهر، الجوهر/ المرأة الموناليزا، المرأة الفائقة:



اهتمت الرواية بمظهر المرأة وبكل ما يرتبط بها ماديا وشكليا، وقد ظهر ذلك أساسا في الشخصية المحورية "سارة"، التي بقدر ما تعتني بمظهرها وهندامها، وتقصد أشهر الأسواق "نتمشى في أحد الأسواق الشهيرة الجديدة" (ص107).



فهي أيضا تقتني أشهر وأرقى السيارات، وتسكن أفخم المنازل "تمددت على أريكتي المريحة... صوت ماء تساقط من الشلال الصغير الذي يتوسط السرداب..." (ص167)، تملأها بأندر التحف وأغلاها تقتنيها هي وأمها من أصقاع الأرض "لقد امتلأ بيتنا بتلك التحف لم يعد هناك شبر" (ص15)، وهي لا تتوانى أبدا في ممارسة حقها في السياحة واكتشاف الدول والشعوب، ومعرفة ثقافتهم وعاداتهم "أخذت والدتي إلى معظم الولايات الأمريكية، وبعض مدن كندا الجميلة ومدينة ماكسيكوسيتي في المكسيك" (ص 90).



وإن اهتمت الكاتبة بجانب المظهر وهو غريزة في المرأة تكشف جمال عمقها، فإنها اهتمت أكثر بجوهر المرأة، فسارة في رواية ليلة الجنون ظهرت أيضا فائقة الذكاء، متميزة عن باقي الناس "ترفضين إلا أن تكوني مميزة عن البشر" (ص 275)، تتدرج في مراحل التعليم وتحقق تفوقا كبيرا "سارة مبروك عليك أعلى درجةA " (ص 23)، وتساهم في كل الفعاليات الإبداعية والثقافية فهي "مسؤولة اللجنة الثقافية في جمعية طلبة كلية التجارة" (ص28)، ويدفعها طموحها إلى الالتحاق بأرقى جامعات العالم بأمريكا "أدرس في جامعة سفك ينيفيرستي وأتخصص تمويل" (ص12)، وتتميز في تخصصها "إنك متميزة بالعلوم التجارية" (ص 217)، بل وفي ذكائها الاجتماعي العام حتى تفتك من المحيطين بها لقب كولومبو "طول عمرك ذكية ويطلقون عليك كولومبو الجامعة" (ص 14).



وبذلك فإن الصوت المؤنث في الرواية لم يظهر في جانبه العاطفي الرقيق فحسب، ولا في وظيفة الخصب والنماء، بل ظهر أيضا في مستويات عديدة عرفت ملتصقة بالرجل فكأنما الرواية تسعى إلى طرد آدم من جنة الدنيا لأن حواء قادرة على الاستمرار دونه.



3- مستوى العلاقات/شهرزاد في ليلة جنونها:



يتربع الصوت الأنثوي على الرواية "ليلة الجنون" تربعا طاغيا جدا مما يكاد يجعل الصوت الذكوري ثانويا، فالكاتبة تسند روايتها لأنثى هي شخصية سارة، هذه الشخصية المحورية تستمد قوتها وعنفوانها من شخصيات نسوية مماثلة، أول ذلك أمها منى التي ظهرت في الرواية سيدة راقية مثقفة وفية تقف إلى جانب ابنتها سارة مشجعة وداعمة وملبية لرغباتها في التسامي بفكرها وإنسانيتها "أمنيتي ياابنتي أن تدرسي في الجامعة التي تخرج منها والدك يرحمه الله" (ص 12).



ثم صديقتها ليلى التي شكلت معها ثنائيا جميلا يتغلب على هموم الحياة بالحب والإخلاص والصدق، وحتى القرين الذين اختارته الكاتبة كان أنثى وهو قرين خير يظهر في أوقات الضيق والشدة ناصحا وموجها،"ما أن رفعت وجهي عن الورقة حتى صافحني وجه فتاة جميل أبيض، باستدارة القمر وأجمل، متألق، أما العينان الواسعتان فكانتا تشعان بريقاً غريب الألوان، غاب الوجه وأنا بالكاد أرفع وجهي عن الورقة" (ص 43)، وذلك مخالف لما هو مألوف حيث العادة أن يسمى ذلك قرينا أو شيطانا أو جنيا أو حتى ضميرا وكلها أسماء مذكرة، والكاتبة تكرر المقطع السابق تسع مرات حتى كاد يتحول إلى لازمة في رواية ليلة الجنون.



والملاحظ أن الشخصيات النسوية جميعها تتصف بالوفاء، ولا يلاحظ نقض علاقات الحب إلا من الشخصيات الذكورية وهو ما صدر من طارق الذي حاول خداعها "وهل كنت تتوقع مني أن أسدد ديونك بعد الزواج؟ أهذه كانت خطة جهنمية" (ص 21)، ومن يوسف مثلا حين تسبب في أذيتها، وحتى من سعد مع ليلى، ومن باقر ضد مريم حين يفضل أنانيته ليخسر زوجة عاش معها سنوات من الحب، "وهما اللذان عاشا قصة حب دامت أكثر من سنة، ثم تزوجا" ص 240.



بل إن الكاتبة لتكشف عن وقوع الرجل تحت سيطرة المذهبية والتقاليد البالية التي تفرضها الأم، فهو لا يملك استقلالية في قراراته بل حتى في أهمها كالزواج مثلا، والعكس تماما بالنسبة للمرأة، ولنأخذ مثالا على ذلك سارة التي تعيش في وئام تام مع أمها، رغم يتمها في حين يعيش خالد الدكتور والأستاذ الجامعي المتخرج من أمريكا دائرا في فلك أمه فيضحي بحبه لسارة حين لا يستطيع الزواج منها علنا لا لشيء إلا لأنها تختلف عنه مذهبيا، وهو يخاف من أمه إن فعل ذلك "سارة حبيبتي... لم أنجح بإقناع والدتي... فأنت لا تزالين في نبضات قلبي تتجولين، وفي تجاويف روحي تسكنين، ولكن أمي ياسارة أمي؟" (ص85).



ولعل هذا الصراع بين المؤنث والمذكر، تجلى في العنوان أساسا "ليلة الجنون" كلمة أولى مؤنثة فيها غموض وسكينة وعمق وكلمة ثانية مذكرة فيها سفه وطيش ورعونة.



وأخيرا فإن وقفتي البسيطة هذه مع الرواية تلمست خيطا جزئيا في الرواية التي تكنز الكثير، وتحتاج إلى قراء غواصين يعطون للرواية حقها ويكتشفون عوالهما وخباياها وينشرون أسرارها.











الروائي الأستاذ عز الدين الجلاوجي /رئيس رابطة أهل القلم / الجزائر



طقوس الحياة

بريشة منى الشافعي

***
قصة قصيرة
********

بقلم: مارك تيرنر ترجمة : منى الشافعي

********************
يعرفها منذ نعومة أظفارها، هي أجمل بنات عصرها،
وهو يحبها بعمق.. في الوقت نفسه كان هو مثالها المميز في الحياة.

ها هو الآن يفقدها، ليفوز بها رجل غيره
تلتمع العيون حوله
يطبع قبلة حانية على خدها الرقيق .. ثم يبتسم، ليقدمها إلى عريسها

********

Thursday, June 03, 2010

الكويت عجوز الخليج


بريشة منى الشافعي
****

الكويت.. عجوز الخليج!


كتبت منى الشافعي

*****

تابعت أخيرا، برنامج «مع التقدير» الذي تبثه قناة «الوطن»، وكان اللقاء مع الأخ الوزير والنائب السابق، السيد جاسم العون.. ولست هنا لأتحدث عن المقابلة الناجحة بكل مقاييسها، لكنني هنا فقط أستعير (أتسلف)، عبارة «عجوز الكويت» من بوعبدالعزيز، التي استوقفتني، وبقدر ما أعجبتني أوجعتني، قالها السيد العون بعفويته وحماسه، والحسرة تبدو واضحة على تقاطيع وجهه، منبها الى أن الكويت، بعد أن كانت عروس الخليج، أصبحت اليوم، عجوز الخليج.. فشكرا له على هذه التسمية الجديدة التي تشي بالتطابق التام مع ما آلت إليه ديرتنا الحبيبة، التي فعلا كانت متوجة عروسا جميلة على عرش الخليج.. فأصبحت عجوزاً تئن من أوجاعها، وتبكي آلامها، التي غزت بشدة جسدها الطري الرشيق.

* * *

صدقت يا بوعبدالعزيز، فالعجوز اليوم، تعيش جوا رماديا عاصفا، سواء داخل مجلس الأمة باستجواباته المتكررة التي أصبحت بلا نكهة ولا رائحة، وبلجانه المتنوعة، ناهيك عن لجنة الظواهر السلبية المتفردة بنوعها.. أو خارج المجلس من مواطنين ومؤسسات خاصة وعامة وتلك الضبابية التي تغلف الجميع.

وهناك جراحات كثيرة أخرى طالت جسد هذه العجوز، فأصبحت تعاني أزمات اقتصادية شائكة ومتعرجة، وشللا تاما أصاب الحراك الاقتصادي.. أما التعليم فقد تراجع، والمناهج انتهت صلاحيتها، في حين تشكو الرعاية الصحية من الخلل.. ناهيك عن البطء الذي طال مشاريع التنمية عامة.. وبالتالي أصبح المواطن يطالب بحرياته الشخصية المسلوبة، فقد ملّ الولاية والوصاية من البعض باسم الدين، كما يطالب الجميع باحترام الرأي والرأي الآخر، والتعامل بالشفافية، والوسطية، ويأمل بالإصلاح والقضاء على الفساد الذي استشرى في جسد الديرة.


يا جماعة، لنتعاون ونتكاتف باسم الوحدة الوطنية، يحركنا إحساسنا بالمسؤولية.. ونتحدى العجوز ونعيد إليها الشباب والجمال والصدارة، لتعود عروس الخليج.. نتمنى!.

 

منى الشافعي

m_alshafei@hotmail.com

رواية ليلة الجنون






ليلة الجنون



للرّوائية الكويتية منى الشافعي



نجاح إبراهيم - سوريا





دائماً يُبهرني الجنونُ المبدع ، ألهث لقراءة أيّ نصّ مخضّب برائحة جنون،يحملُ أسراراً عديدة ، ومفاتيح غامضة ، يملكُ من التمرّد ما يخوله لأن يكون سيلاً من ضوء ، يرفعني معه إلى آخر سماواته ، بدءاً من أول العتبات الرّانية إلى أعلى ، لأصير جنوناً آخر .



نصّ .. في كلّ حرف فيه ألمسُ غزالاً مذعوراً ، مستفزاً يتوجّس كلّ نأمة من حوله يعتبرها صائداً له ، فأراني أتشجّر حوله ، أو أجعله يظلني وقتاً ليس بالقصير ، ليخلقني كما الاشتهاءات العصيّة .



منى الشافعي ، دفعت بمحبة عالية بروايتها (ليلة الجنون ) إليّ في الكويت ، ولم أحتمل صبراً حتى أعود إلى بلدي، لأبدأ بقراءتها معللة النفس بجنون بطلتها ، إيحاءً من العنوان اللافت ، فأقرأ وأقرأ لأصلَ الصفحات الأخيرة ولكن ...!!



سارة بطلة الرّواية تقتلُ المذهبية والطائفية حبّها الأول ، إذ وقفت أم حبيبها خالد في وجهه ، ورفضت هي أن تتزوّج بالسرّ بناء على طلب خالد ، ظلت فترة متردّدة أمامه ، لتغادر إلى أمريكا لنيل الدكتوراه ، بينما يتزوّج حبيبها من قريبته، ويصبح لديه أولاد . وحين تعود تبحثُ عن حبّ جديد ، فتلاقيه في شخصية الدكتور فيصل ، الشاعر ، ويجري التلميح عن حبّه دون أن يبوح به مباشرة ، ويعيشان هذا الحبّ ، بيد أنّها تستمعُ إلى الصوت الآخر ، صوت القرين ، الذي يظهر لها عبر فتاة جميلة تلقنها قراراتها ، ثم تختفي حين ترغبُ سارة بالصّراخ ، وهكذا يكونُ الصّوت المرشد لها في كلّ خطوة تخطوها- كما زُعم - وعبر سنين طويلة تقارب الأربعين ، وحين كان لزاماً عليها أن تقرّر الاقتران بالدكتور فيصل الذي يملكُ كلّ مقومات الرّجل المرغوب فيه ، تتردّد ، تشعرُ أنها مختلفة ، وهذا الزواج سوف يقيّدها رغم أنها حلمت كثيراً بذرية ، ولكنها لا تريد سجناً مؤبداً ،وفي ليلة ما ، تقنعها (القرين) الفتاة الجميلة بأنّ الحرية ستنالها في الموت ، حيث عوالم أخرى مفتوحة .



منذ البداية يخرجُ الصوت الآخر ، يهدي سارة إلى الصّواب كما يدّعي ، ويقدّم النصح لها ، وهذا الإرشاد لا نلمسه إلاّ حين تقع سارة في الحبّ ، فتدفع بقرارها إليها لعدم الوقوع فيه، خاصة بعد أن فشلت في التجربة الأولى مع الدكتور خالد بسبب الاختلاف الطائفي إذ تقول : " لن ينبض قلبك لأحد .. لأنّ حباً أقوى سيصادفك ، سيحتويك حتماً توءم روحك ، لا تتعجلي ، ولا تتسرعي فهؤلاء مجرّد عابرين ."ص118



وتصغي سارة بخنوع لقرارها ، وحين تلتقي بالرّجل المناسب كالدكتور فيصل تطلبُ منها التردّد لأنّ في تردّدها تفرّد وتميّز :



" طبعاً الحبّ نعمة ، من ينكرُ هذه الجنة ؟ لكن التفّرّد والتميّز نعمة أكبر ، وأنتِ مختلفة ، وتردّدك أكبر من حبك لشاعرك الولهان ، وسأقفُ بقوّة مع تردّدك ، أرفض فكرة الزّواج لأنها لا تناسبك .."ص207



الزواج لا يلائم سارة على زعم القرين لها، لأنه سيقتل أحلامها وسيخسرها حالة الحلم الممتدّة التي تميزها ، فترغب أن تتجاوز القرين ، وهي محاولة بسيطة للتمرّد منها ، ولكن هذه الحالة لا تطول فسرعان ما ترضخ لها لأنها تستشف مستقبلها وتخطط له . ص207



ولكن أليس التخطيط للمستقبل من قبل الآخرين قيد من نوع آخر ، إضافة إلى كونه يفقد المستقبل غموضه وجماليته ؟! كما أننا نلمح في مشهد آخر البطلة تستجدي القرين لأن تتركها تبوح للدكتور فيصل بحبّها ولم تدعها مع أنها بشرتها بحبّ قادم سيحتويها ، هو أيضاً ضنّ عليها بها البوح إذ اكتفى بالتلميح وبمناداتها ب " غناتي " والغريب أنّ كليهما ناضج ، أحدهما تجاوز الأربعين، وهي في طريقها إلى هذه السن ومع ذلك تنصاع لما يأمرها الصوت الآخر / القرين .



ما سرّ هذا الصوت ؟!



عندما بلغت الثامنة عشرة، وفي عيد ميلادها ، أباحت لها أمّها بأن ضوءاً اخترق النافذة ليستقرّ فوق جسدها الصّغير أثناء ولادتها ، وهذا النور صار هادياً ومقرّراً عنها . ذات مرّة تسأل سارة القرين، والذي يأتي دائماً على هيئة فتاة جميلة : من أنت ؟ تقول : أنا إحدى حواسك ، فتقول : أعرف جيداً حواسي الخمس ، لا أعتقد أنك إحداها ،فترد : أنا حاسة أخرى لا تشعرين بوجودها ، موجودة فيك بالفطرة ."ص211



والملاحظ أنّ هذا القرين / الصوت الآخر ،لم يدفع سارة إلى الأمام وإلى تشجّر وضعها وإثماره ، ولم يكن هادياً برأي ، وإنما صنع منها شخصية ضعيفة غير قادرة على المواجهة والتحدي، ينقصها الإرادة والعزيمة ، وقد وسمها القرين بأنها مختلفة ولا يليق المجتمع بها ، وبإمكانها أن تكون حرّة منه في عوالم أخرى ، علماً أنّ الكاتبة منى الشافعي لم تضع أمام بطلتها أيّ عراقيل، أو حواجز تقفُ في طريقها ، كانت الطريق مفتوحة ،وهذا ما يؤخذ على الرواية إذ كان أولى أن تصطدم البطلة بعدّة عوائق، تناضل لإزاحتها لأنها المثقفة الدارسة في أمريكا ، عليها أن تتخطاها لتكون قدوة للأخريات ،ولعلّ أولها التخلص من أوامر القرين ،والقضاء عليه في ليلتها المجنونة ، والشروع بملاقاة الحياة والحبّ والنضال من أجل الخير والحقّ والجمال .



تقولُ البطلة :" أشعرُ بغربة قاسية ، وحيدة بين أفكاري ، أصطدم دائماً بمحدودية حريتي ، فليس كلّ ما أريده يتحقق ، ولكنني مجبرة على ذلك،



لأنني أعيش بينهم ومعهم وفي عالمهم الضيّق ...."ص274



لعلنا نتساءل لماذا تعيشُ هذه المثقفة غربة قاسية ؟ ولماذا لم تستطع الرّواية العربية من انتشال المثقف البرجوازي الصّغير من انعزاليته وضياعه ، وسحق تلك الهوّة بينه وبين الناس والمجتمع، وكذلك بين أمته وقضاياها ؟ وهذا ما يجعلنا نتساءل كيف ترضخ هذه المثقفة المتمرّدة صاحبة الأفكار التنويرية للقرين في أنبل حقّ من حقوقها ؟ لماذا تستسلم ، وهي المحمّلة بثقافتها وثقافة الغرب ، وتتميّز بتفرّدها كما قالت القرين لتختار لها الحرية الحقيقية وأين ؟!



" إن الحرية الحقيقية تجدينها حتماً في عالم آخر أبعد من الحياة ." ص 275لتتركها قلقة ، متأرجحة في الصفحات التي تقارب الثلاثمائة ، تصغي لقرارات الصوت الآخر ، في أنّ الحرية في الموت ، لمجرد خوفها من الفشل الثاني والطلاق وزيادة نسبته والشيخوخة والمجتمع ومسؤوليات الحياة .أذكر مرّة أنني قرأتُ عبارة لكاتب يقول مفاخراً بأخطائه ، وقد عزّز كثيراً من معنوياتي وأشعرني بحلاوة صوابي بعد الخطأ ، كتب : " أقول جهاراً أخطأت وأخطئ وسأخطئ كمن يعملون ." .



كنت أتمنى أيضاً على الكاتبة أن تضفي على بطلتها جنوناً مغايراً ، فحين سمعت بالغزو على الكويت وهي تدرس في أمريكا أن تعود لتقف موقفاً سياسياً ، وطنياً ، جديراً بها كمثقفة ، ومغايراً لهؤلاء الذين فرّوا عن الكويت ريثما يتحرّر ، لا أن تكتفي بالتألم والانضمام إلى اللجان الإعلامية،لتعمل كما جاء على لسان البطلة ليل نهار ، وأن تعطي للغزو مساحة أكبر من خلال أفعال بطلتها التي سردت بصفحات عديدة عن حبها الأول والثاني وفشلها .



ما هو لافت لنظر القارئ تلك اللازمة التي اعتمدتها الكاتبة بعد أن تظهر القرين/الفتاة الجميلة للبطلة سارة ، فتبغي من وراء ذلك إنهاء المشهد أو الحدث ، لقطة ذكية من الكاتبة للبدء بحدث آخر كأن تقول :" وإذ بوجه فتاة أبيض ، جميل باستدارة القمر ، متألق ، أما العينان الواسعتان ، فكانتا تشعان بريقاً غريب الألوان ،أذهلني وقبل أن أصرخ ، غاب الوجه عني .. " قد تكرّر هذا المقطع كثيراً وجماليته أنّ الكاتبة اتخذته لازمة لحضور القرين وغيابه لحظة الرّغبة بالصراخ ، والانتقال إلى موضوع آخر .



إنّ معظم شخصيات الرّواية مثقفة ، واعية ، بيد أنني لم ألمس من أحدها ذلك التمرّد المجنون الذي يؤجج الرّواية، أو يسري فيها عنصر الدهشة والمفارقة ، فسارة كما قلت شخصية مسيّرة من قبل الصوت الآخر رغم نضوجها وثقافتها ، وليلى غسلَ دماغها الدكتور سعد لتتحول من امرأة متحرّرة تحرّراً كاملاً ، إلى امرأة تنصاع لأوامر رجل أحبته لأنه أخرجها من حزنها إثر موت والدتها ، مبرّرة بأن الحبّ أعمى ."ص69



والدكتور خالد، المثقف،العاشق الأول لسارة ، انصاع لأمّه في التفريق بينه وبين من يُحب ، والدكتور فيصل ظلّ يرافقُ امرأة تحترقُ بحبّه ماسكاً لسانه عن قول كلمة أحبك ، رغم لقاءاتهما وتدليله لها ! كما أنّ هناك شخصيات لا لزوم لها في سياق الرّواية كشخصية لطفية ود. عادل ومريم التي تطلقت ، شخصيات هامشية يمكن الاستغناء عنها، وكذلك حمد الشهيد الذي وصلت رفاته إلى الكويت دون أن نعرف الكثير عن استشهاده !



ولا يغيب عن القارئ الذي عرف الكاتبة عن قرب، كيف حمّلت بطلتها سارة من صفاتها ، وأسبغت عليها مواهبها، كموهبة التصوير الضوئي ، وكيفية انتقاء الهدية الرّمزية ، وممارسة الكتابة الأدبية ودراستها و..الخ ،



وهذا ما اعتبره" باختين" من أنّ الكاتب إحدى الشخصيات في نظام الرّواية.



ما هو متعارف عليه في الرّواية أنّ وظيفة المكان إلقاء المزيد من الضوء على الشخصية بغية الكشف عن عوالمها الفكرية والنفسية وهذا ما أجادت به الكاتبة منى إذ كان مسرح الجامعة المكان الأكثر حضوراً في الرّواية مما يدلّ على درجة وثقافة الأبطال ، كما أنّ مجموع الأمكنة التي تشكل الفضاء الرّوائي كمدينة الكويت ، أمريكا ، الأسواق ، الشوارع ، رابطة الأدباء ، الجامعة ، كلها ربطت بينها وبين الشخصيات بإتقان ، ولم يكن هناك من أمكنة مجازية أو مفترضة تخلقها البطلة في مخيلتها ، رغم ابتعادها عن الواقع والاقتراب من عالم الروحانيات بمجيء القرين / الصوت الآخر، فكان المكان ينتقلُ مع البطلة أينما حلت ، والفضاء الرّوائي نابضاً بالحركة والحياة والدلالة ، مفتوحاً على مصراعيه /أمريكا ، ولا أدري لم أغلقته الكاتبة لتحدّ من حرية بطلتها ، لتجعله مغلقاً ولا كوّة سوى الرّغبة في الموت حصولاً على الحرية المطلقة .



ما برعت به الكاتبة تلك اللغة الرّشيقة ، الرّائعة ، التي استخدمتها في نصّها هذا ، والحوار المقنع ، والوصف الأنيق إذ ابتعدت عن الوصف الكلاسيكي الذي يُعنى بالتفاصيل الصّغيرة ، المملة ، ولجأت إلى التكثيف حيث أعطى ذلك وظائف جمالية فنية للبنية الرّوائية .وما يلفت النظر أيضاً ربط الفكرة أو الحدث بالقصائد التي اختارتها الكاتبة بذكاء من قصائد الشاعرة سعدية مفرح، لدرجة كدتُ أنسى التنويه الذي دونته الكاتبة في مطلع الرّواية لأخال أنّ الأشعار من تأليفها ، إنّه ربط محكم وذكي ، كذلك جعلها الأشياء تنطقُ ، فقد أنسنت الأريكة لتشاطرها حواراً حياً :" قالت أريكتي : لقد أتعبني ثقلُ جسدك ، طول الليل تهتزي فوق جلدي .."ص28



ليلة الجنون ، رواية منى الشافعي أنيقة كأناقة مبدعتها ، ولكن رغبتُ أن يسبغها الجنونُ المبدع منذ البداية ، لا أن يكون ذلك في الصفحات الأخيرة كمقارنات تجريها البطلة بين أن ترحل مع الفتاة /الصوت الآخر ، أو أن تبقى في الحياة . تترك الكاتبة النصّ مفتوحاً ، وهذا خير ما فعلت لتعطي للمتلقي فسحة من الوقت للتفكير والتأويل ، ولمواربة الأسئلة المطروحة ، ولكن من قال إنّ الأسئلة المستحيلة ستظلّ بلا إجابات إلى الأبد .







الوقت هو الحياة

كتبت منى الشافعي

*****

يقال عن الوقت انه كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ويعتبر من أهم عناصر الحياة، بل هو الحياة.. اذاً هو الاقوى لانه يمارس علينا ضغوطه وسطوته، وبالتالي اصبحنا نشكو من ضيق الوقت، ونلوم ساعاته وأيامه التي لا تفي باحتياجاتنا، ولا تستوعب حراكنا اليومي ومسؤولياتنا الممتدة التي تزداد اتساعا يوما بعد آخر. كلنا نحمل في أذهاننا زخما من المتطلبات المختلفة التي نتمنى تحقيقها في وقت قياسي واحد، وبالتالي تتداخل هذه الطموحات المتشعبة بعضها مع بعض، وحين تصل هذه الامور الى نقطة التعقيد والفشل، يسكننا الضيق، ونثور على الوقت نحاسبه وندينه بشدة الاستئناف والتمييز، ملتمسين كل الاعذار لأنفسنا.. فماذا نفعل حتى نستثمر الوقت لمصلحتنا ونحقق المهم من أهدافنا؟

هناك من ينصحنا ان نتعامل مع الوقت بهدوء ومرونة وعقلانية لو أردنا النجاح وبلوغ الهدف، فلنبدأ بجدولة المهم من اولوياتنا، ومن الافضل ان نختار على الاكثر اربعة اهداف، نسعى إلى تحقيقها في وقت كاف ومحدد، وفق امكاناتنا وقدراتنا واختلاف اهدافنا، وبهذه الخطة المجدولة، المدروسة، المنظمة والذكية، نتفوق على الوقت حتى لا يسحقنا ويهزمنا، ويأخذ من اعمارنا الكثير ويجري ضاحكا منتصرا.

ومن الضروري، حين نبدأ العمل لتحقيق خطتنا العقلانية بحب الا نغفل أسرتنا والأهم تربية ابنائنا.

والاهتمام بكل تفاصيل أمورهم، ولتظل الاسرة دائما على رأس الهرم، ولا ننسى ان ننحدر منها للاهتمام بأنفسنا وصحتنا وممارسة هواياتنا، والانخراط في المجتمع، لانه مهما بذلنا من محاولات وعملنا بأكثر من طاقتنا، فلن نحقق كل أهدافنا وطموحاتنا، كما كنا نحلم بها ونتمناها، فليس هناك بيننا من حصل على كل ما يتمناه في حياته، إلا في ما ندر.

إذاً لماذا كل هذا اللهاث، وذاك الاندفاع للقيام بكل شيء في وقت واحد وسرعة قياسية؟ فهل ننسى ان الحياة قصيرة، ولن تحتمل كل هذا الطموح وذاك التسارع.. فلنبطئ قليلا، كي نتنفس بارتياح.

وصدق المثل القائل: «مكة ما انبنت بيوم واحد».

برنامج أوبرا و ظاهرة الموبايل

كتبت منى الشافعي

أهم ما يلفت الانتباه هذه الأيام، ازدياد ظاهرة استخدام الموبايل اثناء القيادة، وهنا تكمن الخطورة لان المكالمة حتما ستُشتت انتباه السائق، وبالتالي ستتسبب في كثير من الحوادث المرورية (لا سمح الله)، وتلك الخطورة توازي القيادة تحت تأثير الكحول، علما بأن هناك قانونا يمنع استخدام الموبايل من غير تركيب سماعة.

***

ما دفعني لإثارة هذا الموضوع لأكثر من مرة، ليس فقط تكرار تلك الحوادث اليومية، انما متابعتي أخيرا لبرنامج «اوبرا وينفري» الشهير، والذي من خلاله تبنت اوبرا إعداد حملة رائعة ومنظمة، للامتناع عن استخدام الموبايل اثناء القيادة، وجندت لهذا العمل الانساني الكثير من المتطوعين لتوعية الآخرين بخطورة الموبايل.. وما شدني هو الآلية / الطريقة لتلك الحملة التي استمرت من يناير وحتى مايو، وهي تلك الوثيقة التي تحمل آلاف التواقيع من جميع فئات الشعب الاميركي المساند لهذه الحملة.. والجميل ان الاغلبية كانت من فئة الشباب، خصوصا طلبة الجامعات والمعاهد، وكل من يحمل رخصة قيادة.. واستمرت التوعية للناس من خلال البرنامج ومن خلال الصحف والمجلات ومحطات التلفزيونات الاخرى، كما وجهت رسائل توعية عبر الانترنت في المواقع المشهورة، واستخدمت لوحات اعلانية ولافتات كبيرة انتشرت في الاماكن العامة للتحذير.

وهكذا استطاعت اوبرا من خلال برنامجها ان تنجح بامتياز بتوعية الجماهير، فقد عرضت هذا النجاح خلال برنامجها، واستضافت عددا من الحالات الشابة التي تسببت في حوادث مأساوية، كما استضافت اسرا لضحايا، حيث تحدثوا بألم عن فقدهم ووجعهم.. ثم انتقلت كاميرا البرنامج الى ساحات الجامعات والساحات العامة في خمس مدن - كنموذج - تصور المواطنين وهم يلوحون بوثيقة التعهد، ويتمنون على الآخرين المشاركة بهذا العهد، وذلك في حشود جماهيرية فاقت الآلاف، حيث اعلن هذا اليوم يوما وطنيا لإيقاف جنون القيادة اللامسؤولة.

***

في الديرة فضائيات أكثر من طاقتنا، وبرامج متنوعة اكثر من استيعابنا، فهل هناك من يسارع ويتبنى مثل هذا المشروع «الأوبري» لتوعية الناس بخطورة استعمال هذا الموبايل المخيف اثناء القيادة.. يبدو ان القوانين وحدها لا تفي بالغرض، وبالتالي نحتاج الى وعي ينبهنا دائما.

وللعلم، يكفينا حين نطبق حملة اوبرا الوقوف في ساحة الامة، ملوحين بوثيقة العهد الموقعة من الواعين منا.

منى الشافعي

m_alshafei@hotmail.com