برنسيس إيكاروس

Saturday, November 03, 2018

جائزة الحجرف للأعمال الوطنية



جائزة الحجرف للأعمال الوطنية !

***

       لقد أصبح الحديث عن عيالنا الشباب هاجسنا اليومي، الذي سنظل نتحدث عنه ولن نغفله أو ننساه. غير متناسين أن الشباب يشكلون نسبة تقارب %69 من عدد السكان، ولهم قدرة كبيرة على العطاء والإبداع وطاقة إيجابية أكبر، لذا فهم الاستثمار الحقيقي للدخل الوطني المستقبلي للديرة، وبالتالي فالاهتمام بهم وتشجيعهم في كل المجالات، واجب وطني.
    أما المواطنة فنحن في أشد الاحتياج إليها في ظل الحالة الضبابية المستمرة في الديرة. فكيف نخرج من هذا النفق المعتم، لا سيما ونحن أمام تحديات عالمية نجهل أبعادها السياسية والاجتماعية، ونحن في وسط اشتعالها، فهل نستطيع مقاومتها؟
الحل أن نقدم للديرة الحب والولاء والإخلاص والانتماء الوطني، التي تعتبر من أهم المفاهيم والقيم الحياتية، فليس الانتماء الوطني كلمة نرددها أو ابتسامة نفتعلها، أو حسرة نطلقها وقت الأزمات، بل يجب أن يكون الانتماء شعوراً وإحساساً، وممارسة يومية نفعّلها ونكرسها وننذرها عن إيمان وقناعة ورغبة صادقة لمصلحة ديرتنا الجميلة.
     ولن ننسى هنا أن الانتماء الوطني حاجة مهمة للفرد تشعره بارتباطه واعتزازه بمجتمعه وأرضه، فالإنسان بلا انتماء لا شيء. إذاً .. فالمواطنة هي الانتماء إلى مساحة جغرافية من الأرض يطلق عليها الوطن، ويضم الوطن جميع أطياف أفراده من مختلف الأصول والديانات والمذاهب والقوميات. وبالضرورة يتسع هذا الوطن لجميع توجهاتهم السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية. وتلك هي ديرتنا الرائعة، فعلى صغر مساحتها، إلا أن قلبها الحنون يتسع لكل أطيافنا بروح الأم المعطاء.
وما نسعى إلى تحقيقه، هو غرس روح المواطنة في قلوب شبابنا الجميل، بكل الوسائل والطرق والإمكانات التربوية والتشجيعية المتاحة وغيرها، وتنمية الحس الوطني الواعي لديهم، والتمسك والانتماء لهذا الوطن، وهذه الأرض الطيبة دون غيرها، حتى لا نفقد نعمها الغالية علينا.
     ولا يسعنا هنا إلا أن نشكر ونحيي «مبرة جائزة فلاح مبارك الحجرف للأعمال الوطنية» التي أطلقت جائزتها لعام 2018 في الأول من سبتمبر، لغرض تعزيز قيم المواطنة والتسامح والانتماء للمجتمع الكويتي. وذلك إيماناً منها بأهمية الشباب وتشجيع الروح الوطنية لديهم، ونبذ التطرف والتعصب بجميع أشكاله ودعما لروح التنافس البنّاء بين أبناء الوطن وبناته، حيث خصصت جوائزها القيمة لهذا الموسم، للقصة والقصيدة واللوحة والفيلم القصير، لتعزيز الوطنية والحياة الاجتماعية الكويتية، وذلك بنقل فكرة أو رسالة تخدم أهداف الجائزة من خلال هذه المجالات الأربعة. فأهلاً بالشباب!
  (منى الشافعي ) 1 نوفمبر 2018 جريدة القبس                      

تحية إلى «الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية»


تحية إلى «الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية» !          
***

    الفنون بكل ألوانها وأشكالها، تعتبر هوية الأمم ومن عناصر ثقافتنا العربية، كما تعتبر لغة عالمية لا تحتاج ترجمة، لها إضاءة سحرية، تخاطب أعماقك مباشرة، فتحسّ بها وتستمتع، وتدرك مقصدها عن طريق الخيال والذاكرة.
    إذاً، فالتذوق الفني عملية حيوية تصل المتلقي، المتذوق باللوحة الفنية التي أمامه، وبالتالي يحاول أن يدرك درجات الجمال التي يحسها في هذا العمل؛ ويعتبر هذا نوعاً من التسامي بالطاقة البشرية التي يحملها المتذوق نحو هذا العمل الذي أثار انتباهه فأعجبه. وهذا التسامي بالضرورة سيثير لديه أحاسيس جمالية لذيذة وأفكاراً جديدة، توسّع مداركه وتلهمه أشياء أخرى تفيده في حياته العادية، كما تمنحه جرعة من الارتياح النفسي والاستمتاع البصري؛ لأن الأعمال الفنية ذات المعنى والقيمة، ما هي إلا رسالة موجهة من المبدع إلى المتلقي لاستمتاعه، ولتثير في نفسه بعض التساؤلات، وربما أشياء أخرى.
    نعم، فقد كانت الكويت جميلة بالحراك الفني التشكيلي والثقافي المتنوع، المستمر والممتد طوال العام الفائت، في الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية في الديرة وخارجها، حيث حضرت وشاهدت معارضها الفنية بأعمالها الراقية المتميزة، بحيث يعشق الإنسان أن يعيش أجواءها ويستمتع بجمال إبداعات فنانينها المتنوعة، كما تابعت واستمتعت، كما استمتع غيري، بأمسياتها الثقافية الأسبوعية المختلفة (الصالون الثقافي)، مروراً بورش عمل فنية مستمرة طوال العام.
    وعلى الصعيد العالمي، فقد كانت هناك إقامة أكثر من معرض ومشاركة دولية؛ وذلك بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيسها، مما كان لحضور ومشاركة أعضاء الجمعية في المحافل العربية والدولية الأثر الكبير في الارتقاء بمستوى الفن والفنان التشكيلي، وفي نجاح الجمعية وبقائها في موقع الصدارة بين الجمعيات الفنية الرائدة. ولا يسعنا هنا إلا أن نفتخر ونعتز بأن التشكيلي الكويتي تعدّى صداه المحلي إلى العالمي.
     وهكذا شهد عام 2017 قفزة نوعية جديدة، وتطوّرا واضحا، أبرزها جائزة صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله ورعاه، في مهرجان الكويت للإبداع التشكيلي، وغيرها من المشاركات المحلية والدولية المتنوعة.
للجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، بصمة واضحة في مسيرة الفن والثقافة في الكويت وفي الخارج ورعايتها، وتطوير الحركة التشكيلية الفنية في الديرة، تستحق أكثر من تحية!

منى الشافعي / جريدة القبس / 3 مايو، 2018

الدكتور الطبيب رضوان الفيصل.. تحية




الدكتور الطبيب رضوان الفيصل.. تحية!
***
    أحببت عبر جريدة القبس، التي تحتضن جميع الآراء والأفكار، أن أتقدم بالشكر والعرفان والتقدير للدكتور الطبيب رضوان الفيصل على إنسانيته التي تجاوزت العلاج، ومواقفه النبيلة التي غمرني بها وأنا خارج الديرة ــ في أميركا ــ فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، مع أن د. الفيصل ليس بحاجة إلى شكري، أو تقييمي لإنسانيته، ومهنته، فإن جميع مرضاه يعرفون قدره وإنسانيته. فهو نموذج للطبيب الإنسان، الذي أدى القسم الطبي، ومارسه بكل ضمير وأمانة، معتبراً مرضاه من أولوياته اليومية.
عرفت د. رضوان من خلال ترددي على مستوصف الجابرية، منذ سنوات، فوجدته إنساناً محترماً، راقياً في تعامله، هادئاً بشوشاً متفائلاً، متفهماً للمريض الذي أمامه.. وهذا ما يحتاجه المريض من الطبيب قبل العلاج.
     مع أنني كنت أتردد على مستشفى خاص عند حاجتي للعلاج، طوال فترة إقامتي في أميركا، فإنني لم أستطع أن أستغني عن إرشادات ونصائح وعلاج د. الفيصل. فقد احتجت لمساعدته أكثر من مرة، خاصة حين أشعر بارتفاع ضغط الدم، فكنت أسارع للاتصال به تلفونياً، فلا يتأخر عن مساعدتي ليلاً أو نهاراً.. لم يشعرني يوماً أنني أزعجه أو أقلق راحته، بل يظل متابعاً لحالتي لساعات، حتى يطمئن على حالتي الصحية. والأهم كانت مساعدته تغنيني عن مراجعة قسم الطوارئ في المستشفى، خاصة في ساعات الليل المتأخرة.
     بصراحة.. د. رضوان ليس من واجبه أن يردّ على مكالماتي المتكررة، ويساعدني في العلاج، ويتابع حالتي الى أن تستقر، وأنا خارج الديرة.. ولكن إنسانيته قبل مهنته هي التي تدفعه بقوة لمساعدة مرضاه أينما كانوا وكلما احتاجوا إلى مشورته ونصائحه.
بهذه الكلمات البسيطة لن أوفيه حقه، فقد كان له معي أكثر من موقف إنساني، يستحق عليه أكثر من الشكر والامتنان.
     د. رضوان، مثال يحتذى.. وبالتالي، نتمنى على الفاضل الدكتور وزير الصحة أن يختار للمنظومة الطبية الكويتية أطباء بالمستوى الإنساني، الأخلاقي، والمهني، للدكتور رضوان الفيصل. فبأمثاله ترتقي مهنة الطب في ديرتنا الجميلة.

منى الشافعي / جريدة القيس /24 سبتمبر، 2018

ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية


ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية!
***

    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية التي تصادفني يومياً في أميركا.. احتجت إلى بعض الفيتامينات الطبيعية، فذهبت إلى أحد محالها، وأخذت ما أحتاج إليه من الرف، وذهبت إلى المحاسبة كي أدفع ثمن مشترياتي، نظرت إليّ وابتسامتها تسبقها، سألتني بأدب: «هل أنت في الستين من العمر؟». ابتسمت لها ولم أكن أعرف سبب هذا السؤال، رديت: «بل تجاوزتها». وهنا قالت: «تستحقين خصماً على مشترياتك %10.. هذه سياسة المحل». شكرتها وأنا أتذكر غلاء أسعار الأدوية في صيدلياتنا، والتي تزداد غلاء يوماً بعد آخر، خصوصاً على فئة المتقاعدين، ولا حسيب ولا رقيب.
     أحد المحال التجارية الكبيرة، الذي يحتوي على عدة لوازم مختلفة، ومواد غذائية وغيرها، قد خصّص أحد أيام الاسبوع بخصم %10 فقط لكبار السن، وقد حدّد من عمر 55 عاماً وما فوق، بمعنى مساعدة للمتقاعدين، والأجمل عندما دخلت إلى هذا المحل، كلما تلفتّ حولي أجد أغلبية الزبائن من كبار السن، والقليل جداً من الشباب، يبدو أن حتى الشباب يحترم هذا اليوم فيترك متعته لكبار السن، هل هناك من يتكرم عندنا ويطالب تلك المحال المنتشرة في الأسواق والمولات بالاحتفاء بالمتقاعدين وتخصيص يوم لهم بخصومات تليق بسنهم، ونحن بلد الكرم والكرام؟! ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية.
      ولقد شدّ انتباهي وجود كبار السن – من المتقاعدين – في بعض الوظائف مثل البيع في المحال التجارية الكبيرة والسوبر ماركت وغيرها، خصوصاً السيدات، وحين سألت إحداهن وهي تعمل بائعة في أحد المحال التجارية الكبيرة بدوام يومي كامل، أخبرتني أنها تعمل يومين فقط في الأسبوع، وهذا يجعلها نشطة ومتحفزة، لأنها تقابل أشكالاً مختلفة من المترددين على هذا المحل الكبير، وتتحدث معهم، وتبتسم لهم، وأحياناً تربي صداقات جميلة مع البعض، علاوة على المكافأة الأسبوعية التي تساعدها مادياً، كما قالت إن لقاءها مع الناس يمنحها القدرة والقوة والاطمئنان النفسي، والرغبة في هذا العمل وغيره، ويشعرها بالسعادة خلال هذين اليومين، وحين سألتها وكيف تقضين باقي أيام الاسبوع؟ أخبرتني بأنها تلتقي مع صديقاتها في مكتبة مدينتهم وتساعد في العمل داخل المكتبة كمتطوعة، وهناك أيضاً جمعيات خيرية تحتاج إلى متطوعات لبعض أعمالها، فتذهب حسب الحاجة للمساعدة يوما أو يومين في الاسبوع.
نعتقد هذا ما يحتاج إليه الشخص المتقاعد عندنا، مع الاختلاف في نوعية العمل حسب ثقافة مجتمعنا. أما الاختلاط بالآخرين، فيتحقق بالانضمام إلى ناد يخصص لهذه الفئة، له خصوصية، بحيث يلبي طلباتهم: الرياضية والصحية والترفيهية وغيرها، وماذا لو هيئنا المتقاعد للأعمال التطوعية التي يرغبها كل منهم؟!
     التقيت صدفة بسيدة أخرى، فأخبرتني أنها ترعى صديقتها المشلولة يومين في الأسبوع، والأيام الأخرى موزعة على الصديقات الأخريات لرعايتها، وهذا أحد الأعمال التطوعية الإنسانية، لا سيما أن الديرة / الكويت بلد الإنسانية!
هناك خصم خاص لكبار السن على تذاكر السينما والمسارح، والأماكن الترفيهية الأخرى، وركوب الحافلات، ودخول المتاحف المختلفة، وبعض المتاحف تسمح لكبار السن بالدخول مجاناً.
     ينبغي على جمعية المتقاعدين الكويتية المطالبة بهذه الحقوق للمتقاعد وأكثر من ذلك، فديرتنا ديرة بترول، مثلاً مطالبة شركة الخطوط الجوية الكويتية، والمتمثلة بمجلس إدارة جديد نتوسم فيه كل خير، أن يقدموا خصماً مجزياً للمتقاعد الراغب في السفر عن طريق طائراتهم الحديثة، حتى لو مرة في السنة، نبارك لهم ولنا المطار الجديد!
     نتمنى على جمعيتنا الجديدة الرائعة، التي تخدم آلاف المتقاعدين، الإصرار والسرعة في تحقيق أهدافها المرسومة بدقة، حتى تسعد هذه الفئة الغالية علينا من الطيبين، التي خدمت المجتمع برغبة وصمت وكثير من الحب.
     التعاون والتكافل الاجتماعي في أميركا لمستهما من تصرفاتهم بعضهم مع بعض، الكل يساعد الآخر حسب امكاناته وقدراته سواء المادية أو المعنوية، لذا فلنساعد أهلنا الغاليين علينا من كبار السن، وأغلبهم متقاعدون.

منى الشافعي / جريدة القبس /  8 يوليو، 2018   

همسات على الدرب

 

همسات على الدرب !

***
     في لحظة تأمل، كنت أراقب الغيوم في السماء، أبتسم للأشجار أنصت للريح، كانت تعصف في المكان. شجرة عالية أوراقها خضراء تتمايل أغصانها بخفة، مبتهجة، مشرقة، شجرة صغيرة تجاورها، ملونة أوراقها، حمراء، صفراء، برتقالي، تتمايل مع الريح، فتتساقط تلك الأوراق الملونة واحدة بعد الأخرى، حتى بدت لي نصف عارية، بأغصان يابسة، اقتربت منهما، وكأنني أسمع من بين حفيف الأوراق همساتهما، أجبرني فضولي على الإنصات، اقتربت أكثر قالت الشجرة نصف العارية لجارتها: لماذا أنا التي تتلون أوراقي، ثم تتيبس، لتتساقط من هزة ريح خفيفة، وأفقد جمالي واخضراري في هذه الفترة، وها أنت جارتي، نرتوي من قطرات المطر نفسها، وجذورنا في التربة نفسها تمتد لتتشابك، ولا تزالين تحملين أوراقك واخضرارها والتماعها وطراوتها، أليس هذا غريباً يدعو للتساؤل؟ أجابتها الشجرة الباسقة: هذه هي الحياة يا جارتي وصديقتي وأختي، لكل كائن في الحياة وظيفته التي خلق من أجلها وقدره، وهذا ما يحصل لنا فأنا خلقت دائمة الاخضرار (ever green) وهذا قدري، ولربما وظيفتي في الحياة تتطلب ذلك، كي أزيد باخضراري نسبة الأكسجين في الجو لراحة الإنسان وباقي الكائنات، وايضاً لأظل شامخة أصد الرياح وأنشر الظل في المكان، لسعادة الآخرين، وأنت يا عزيزتي خلقت أيضاً لتزيدي المكان جمالاً في فصل الخريف، فحين تتلون أوراقك تبدو جميلة للناظرين وهذه متعة البشر الذين نعيش معهم، وظيفتنا أيضا أن نسعدهم ونبهجهم في كل حالاتنا وفي كل أوقاتنا وفي كل فترات حياتنا، وحتى لو تساقطت أوراقك فحتى عريك يبدو جميلاً في أعينهم، هل نسيت بأن البشري كائن ملول، يسعى للتغيير والتبديل والتجديد في كل شيء في حياته، والكثيرون من البشر يعشقون فصل الخريف لأنه يلون أوراق الأشجار، والبشر يعشقون الألوان، ألم تلاحظي ألوان ملابسهم وأشكالها، وألوان سياراتهم وغيرها، ألم تلاحظي كم شخص وقف يتأملك أنت ليلتقط صوراً لجمال ألوان اوراقك وحتى حين سكنك العري هناك من أخذ لك أكثر من لقطة، ألا يشعرك كل هذا بالسعادة؟ فجأة! هدأ عصف الريح، وتوقف تساقط أوراق هذه الشجرة الحزينة لكنها رددت شكراً لك صديقتي العزيزة على هذه الكلمات، فعلاً سأرضى بقدري، هذه هي الحياة كما قلت وسأحب حتى حزني وأتعايش معه بكل محبة. أجابتها صديقتها: سعيدة لأنك اقتنعت بقدرك وعرفت وظيفتك في الحياة، ليت البشر يقتنعون بأقدارهم وأرزاقهم. والأجمل يا عزيزتي، حين يرحل الخريف ويأتي الشتاء فما أجملك حين تدثر عريك الثلوجُ، وتتحولين الى ملاك أبيض اللون يغري بجماله وبياضه الناظرين، فحتماً سيتهافتون عليك ليلتقطوا لك أكثر من صورة. أما أنا فلن أكون بمثل بياضك وجمالك، لأن اللون الأخضر سيتخلل الثلوج التي تغطيني وهذا قدري وسأرضى به. وقبل أن أغادر المكان، سمعتهما يتهامسان مرة أخرى. قالت الشجرة الخضراء: عزيزتي نسيت أن أخبرك بأن الحياة ستستمر، وحين يأتي الربيع تسبقه تباشيره، وتغريد بلابله، وطيوره، ستعودين كما كنت وربما أحلى لأنك ستكبرين عاماً وستبدين أطول وأنضر وستكتسين الاخضرار، وتمتلئ أغصانك بأوراق خضراء مشرقة. ولا تغفلي روعة أزهارك الجميلة ورائحتها العطرة التي ستعبق في المكان والتي يعشقها البشر. هل نسيت أنني أفتقد الأزهار على أغصاني. ومع هذا راضية ودائماً فرحة ومستبشرة، لأنني أعرف جيداً أن الاختلاف في كل حالاته جميل ورائع ومطلوب، ليت البشر يتفكرون؟!
منى الشافعي  / جريدة القبس  /7  يونيو، 2018
 

رائحة المدن العتيقة !



  رائحة المدن العتيقة !
***
   صديقتي الأميركية وهي تتصفح ألبوم صوري الحديثة، تطرح سؤالها الذي أثار في داخلي شجوناً وأسئلة متراكمة، بلا جواب، تقول: «مدينتكم عصرية، جميلة، تشبه كل المدن الحديثة في العالم، ناطحات سحاب نيويوركية ــ نسبة الى مدينة نيويورك ــ مولات حديثة، شوارع واسعة، جسور متعانقة، ولكن أين صورك في مدينتكم العتيقة؟!».
     بماذا أجيبها؟! هل أخبرها بأن ديرتنا الجميلة، قد تعرضت إلى طوفان العمارة الأجنبية الحديثة، خصوصاً العاصمة التي سكنتها حركة تغريب منذ أكثر من عقدين، فقد غزتها المباني الشاهقة/ ناطحات السحاب الزجاجية التي تبدو في صوري! حتى أصبحت بلا ملمح يميزها، لأن مبانيها العتيقة التي تربينا بين جدرانها الطينية البسيطة، غابت أغلبيتها واندثرت معالمها التراثية المميزة تحت معاول الهدم اللئيمة، وهكذا اختفت مدينتنا العتيقة، وضاعت معها ذكريات طفولتنا وأحلام مراهقتنا، وبقيت الحسرة؟!
     نعم.. كانت ديرتنا العتيقة، تشبه كل المدن القديمة في العالم، لها حضور تاريخي ممتد يزيد على الثلاثة قرون، يعانقها البحر، ملتفاً حول أكثر أجزائها، بكل جمال وشموخ.
     يبدو أننا نسينا أو تناسينا، لا فرق، أن الاحتفاظ بالمدن العتيقة، هو الذي يشكّل شخصية الأمة، ويمنحها هويتها التي تميزها، ويعترف بوجودها التاريخي والحضاري أمام العالم.. كما نسينا أيضاً، أن معالم ديرتنا العتيقة، البسيطة، التي كانت تزين فرجانها وأحياءها القديمة في شرق وجبلة والمرقاب وحي الوسط، من الممكن أن تصبح استثماراً سياحياً، كما في كل بلدان العالم التي نزورها، ونحرص دائماً على أن نزور مدنها العتيقة، التي تستقبل زائريها بإرث حضاري متنوع، يظهر تاريخها الممتد عبر العصور، شامخة بوجودها، معبأة بأسرار الماضي وسحره، الذي يجذب الزائرين للاكتشاف والتأمل والتخيل الجميل، أكثر من انجذابهم إلى الحداثة المتشابهة، التي أصبحوا يرونها في كل مكان من هذا العالم المترامي، الذي أصبح قرية صغيرة.
     أين نحن من كل هذا؟ وأين ذهبت ديرتنا الجميلة ورائحتها العتيقة؟ ولماذا أهملنا الجانب التراثي الذي يميزنا؟ والأهم، يقفز السؤال: من المسؤول؟!
منى الشافعي / جريدة القبس / 26 أبريل، 2018  

ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية

 
        ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية! 
****


    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية التي تصادفني يومياً في أميركا.. احتجت إلى بعض الفيتامينات الطبيعية، فذهبت إلى أحد محالها، وأخذت ما أحتاج إليه من الرف، وذهبت إلى المحاسبة كي أدفع ثمن مشترياتي، نظرت إليّ وابتسامتها تسبقها، سألتني بأدب: «هل أنت في الستين من العمر؟». ابتسمت لها ولم أكن أعرف سبب هذا السؤال، رديت: «بل تجاوزتها». وهنا قالت: «تستحقين خصماً على مشترياتك %10.. هذه سياسة المحل». شكرتها وأنا أتذكر غلاء أسعار الأدوية في صيدلياتنا، والتي تزداد غلاء يوماً بعد آخر، خصوصاً على فئة المتقاعدين، ولا حسيب ولا رقيب.      أحد المحال التجارية الكبيرة، الذي يحتوي على عدة لوازم مختلفة، ومواد غذائية وغيرها، قد خصّص أحد أيام الاسبوع بخصم %10 فقط لكبار السن، وقد حدّد من عمر 55 عاماً وما فوق، بمعنى مساعدة للمتقاعدين، والأجمل عندما دخلت إلى هذا المحل، كلما تلفتّ حولي أجد أغلبية الزبائن من كبار السن، والقليل جداً من الشباب، يبدو أن حتى الشباب يحترم هذا اليوم فيترك متعته لكبار السن، هل هناك من يتكرم عندنا ويطالب تلك المحال المنتشرة في الأسواق والمولات بالاحتفاء بالمتقاعدين وتخصيص يوم لهم بخصومات تليق بسنهم، ونحن بلد الكرم والكرام؟! ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية.       ولقد شدّ انتباهي وجود كبار السن – من المتقاعدين – في بعض الوظائف مثل البيع في المحال التجارية الكبيرة والسوبر ماركت وغيرها، خصوصاً السيدات، وحين سألت إحداهن وهي تعمل بائعة في أحد المحال التجارية الكبيرة بدوام يومي كامل، أخبرتني أنها تعمل يومين فقط في الأسبوع، وهذا يجعلها نشطة ومتحفزة، لأنها تقابل أشكالاً مختلفة من المترددين على هذا المحل الكبير، وتتحدث معهم، وتبتسم لهم، وأحياناً تربي صداقات جميلة مع البعض، علاوة على المكافأة الأسبوعية التي تساعدها مادياً، كما قالت إن لقاءها مع الناس يمنحها القدرة والقوة والاطمئنان النفسي، والرغبة في هذا العمل وغيره، ويشعرها بالسعادة خلال هذين اليومين، وحين سألتها وكيف تقضين باقي أيام الاسبوع؟ أخبرتني بأنها تلتقي مع صديقاتها في مكتبة مدينتهم وتساعد في العمل داخل المكتبة كمتطوعة، وهناك أيضاً جمعيات خيرية تحتاج إلى متطوعات لبعض أعمالها، فتذهب حسب الحاجة للمساعدة يوما أو يومين في الاسبوع. نعتقد هذا ما يحتاج إليه الشخص المتقاعد عندنا، مع الاختلاف في نوعية العمل حسب ثقافة مجتمعنا. أما الاختلاط بالآخرين، فيتحقق بالانضمام إلى ناد يخصص لهذه الفئة، له خصوصية، بحيث يلبي طلباتهم: الرياضية والصحية والترفيهية وغيرها، وماذا لو هيئنا المتقاعد للأعمال التطوعية التي يرغبها كل منهم؟!
     التقيت صدفة بسيدة أخرى، فأخبرتني أنها ترعى صديقتها المشلولة يومين في الأسبوع، والأيام الأخرى موزعة على الصديقات الأخريات لرعايتها، وهذا أحد الأعمال التطوعية الإنسانية، لا سيما أن الديرة / الكويت بلد الإنسانية! هناك خصم خاص لكبار السن على تذاكر السينما والمسارح، والأماكن الترفيهية الأخرى، وركوب الحافلات، ودخول المتاحف المختلفة، وبعض المتاحف تسمح لكبار السن بالدخول مجاناً.
     ينبغي على جمعية المتقاعدين الكويتية المطالبة بهذه الحقوق للمتقاعد وأكثر من ذلك، فديرتنا ديرة بترول، مثلاً مطالبة شركة الخطوط الجوية الكويتية، والمتمثلة بمجلس إدارة جديد نتوسم فيه كل خير، أن يقدموا خصماً مجزياً للمتقاعد الراغب في السفر عن طريق طائراتهم الحديثة، حتى لو مرة في السنة، نبارك لهم ولنا المطار الجديد!      نتمنى على جمعيتنا الجديدة الرائعة، التي تخدم آلاف المتقاعدين، الإصرار والسرعة في تحقيق أهدافها المرسومة بدقة، حتى تسعد هذه الفئة الغالية علينا من الطيبين، التي خدمت المجتمع برغبة وصمت وكثير من الحب.      التعاون والتكافل الاجتماعي في أميركا لمستهما من تصرفاتهم بعضهم مع بعض، الكل يساعد الآخر حسب امكاناته وقدراته سواء المادية أو المعنوية، لذا فلنساعد أهلنا الغاليين علينا من كبار السن، وأغلبهم متقاعدون.

منى الشافعي / جريدة القبس /  8 يوليو، 2018   









هل يحدث هذا عندنا؟


      هل يحدث هذا عندنا؟! 
****
     بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية، التي تصادفني يومياً في رحلتي إلى أميركا.
    حركة المرور منظمة، الحوادث جدّاً قليلة لا تذكر، خاصة في المدن الصغيرة، يبدو أن الكل ملتزم بقوانين المرور ولوائحه، كما تلحظ الاحترام متبادلاً بين قائدي المركبات. والأهم الاحترام الكبير لحركة المشاة، خاصة في مواقف الاسواق والمولات، والجمعيات/ السوبر ماركت، ويزداد الاهتمام والاحترام لحركة باصات المدارس، التي تقل الطلبة في فترتي الصباح والمساء، لا يمكن لأي سائق أن يتجاوز باص المدرسة او يعرقل سيره. والجميع ملتزم، لا أقول إن كل الناس ملائكة، ولكن غير الملائكة منهم لا يتجرأون على أي عمل يخالف اللوائح والقوانين، لأنهم يخشون العقوبة، التي تفرض على الجميع من دون استثناء، لأن الواسطة وغيرها مرفوضة عندهم.
    المحال التجارية تتنافس بمساعدة العملاء، ففي كل يوم تجد مادة غذائية مخفّضة، أو جهازاً كهربائياً مخفّضاً، وهكذا حسب السلع المتوافرة في المحل، عدا عن أيام الخصومات والتنزيلات الدورية، ناهيك عن الكوبونات المتنوعة، التي تخفّض فاتورة العميل. والجميل أن البائع يدلك على طريقة حصولك على كوبون التخفيض، أو ينصحك أحياناً بأن تؤجل شراءك لتلك السلعة، لأن بعد يومين سيُخفّض سعرها الى النصف. أحد المحال يخفّض من قيمة فاتورتك ما يقارب من %40، إذا أثبتّ له من خلال موبايلك أنك زرت موقعه، وحصلت على هذا الخصم. في محال الخضروات، تجد المسؤول في مساء اليوم يجمع أغلب موجودات الخضروات من الثلاجات، ويستبدل الطازجة بها، وينبهك إلى أن تنتظر لحظات بسيطة لتحصل على خضروات طازجة.
     الأجمل أن جميع المحال التجارية تستطيع أن تستبدل البضاعة التي اشتريتها، إذا لم تعجبك، بغيرها أو تسترد سعرها باللحظة مع ابتسامة و«شكراً». وبعض المحال لا تطلب منك فاتورة شراء تلك السلعة، ولا حتى متى اشتريتها، بلحظة يتم كل شيء بسلاسة وسهولة، عبر جهاز الكمبيوتر الذكي، الذي خزّن تلك المعلومات تحت اسمك فقط.
     لا يوجد تخصص للموظف الاميركي، ففي السوبر ماركت، والمحال التجارية الضخمة والبسيطة، حين أدخلها وأشتري احتياجاتي، وأذهب كي أحاسب، مع حركة الدفع يقابلك المحاسب/ المُحاسبة بابتسامة مشرقة، ثم يسألك عن أحوالك، ويسألك هل وجدت كل ما تريده؟ ثم بعد أن تدفع يتمنى لك يوماً سعيداً، والجميل أنك حين تحضر في المرة المقبلة، تستغرب أن المحاسب يجمع عربات المشتريات من الخارج ويضعها في مكانها الصحيح لاستخدام الزبائن، وفي مرة أخرى تجد هذا الموظف نفسه يجر عربة أغذية ليرتبها على الرفوف، والأجمل حين تجد موظفة تعتلي السلم الطويل وتحمل المواد الثقيلة وتضعها في الرفوف العليا. وبعد أن تنتهي أنت من التسوق تدفع عربتك وتذهب لتحاسب على مشترياتك، تجد الموظفة نفسها هي المُحاسبة، ومع تعدد سبل الدفع من الكاش، إلى أنواع الكروت البنكية، ومع تعدد أنواع المواد الغذائية وغيرها، ومع وجود بعض الكوبونات من الزبائن للحصول على الخصم، تجد الموظفة ملمّة بكل هذه الأمور بإتقان، ونادراً ما تحدث أخطاء، مع أنها تعمل بكذا عمل في المحل وتتقنه.
     أغلبنا في الديرة نتخصص في أداء عمل واحد فقط، ونختار الوظيفة التي تناسبنا والتي تعجبنا، والسؤال: هل نؤديها بوجه مبتسم وبإتقان؟
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ».
منى الشافعي / جريدة القبس 14 يونيو، 2018


صديقتي الأميركية ودلة القهوة الكويتية

      صديقتي الأميركية ودلة القهوة الكويتية
****

    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية التي تصادفني يومياً في أميركا. وأنا أتصفح الفيسبوك، خصوصاً حسابات الأصدقاء، فوجئت بصورة كبيرة واضحة جذابة تملأ الصفحة، لهديتي الصغيرة المتواضعة التي أهديتها كصوغة من الكويت إلى صديقتي الأميركية دورثي Dorothy، وقد كُتب تحتها «هدية حلوة من صديقتي الكويتية، شكراً لها لأنها تذكرتني».
    أتدرون ما الهدية؟! عبارة عن دلة قهوة كويتية صغيرة جداً، حجمها لا يزيد على البنصر، مزيّنة ببعض الأحجار الملونة، أما سعرها فبسيط جداً لا يذكر. بالنسبة لي رمز تراثي يمثّل الكويت، وهذا ما دفعني لأحكي لها عن قهوتنا العربية، والكويتية خصوصا، واعتزازنا بها، وكيفية تحضيرها، وكيف نقدمها للضيف، وكيف أن الشعراء والمطربين تغنوا بها، ومن أجمل الأغاني، أغنية سميرة توفيق «يلا تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل.. واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل».
    لقد أخجلني هذا الاحتفاء بهديتي البسيطة المتواضعة من صديقتي دورثي، فهل سألاقي مثل هذا الاحتفاء لو أهديت أحدهم في الديرة هدية (صوغة) بسيطة جداً كتلك؟! لا أعتقد، فغالبيتنا، وأنا منهم، نتطلع للهدايا أو الصوايغ بقيمتها المادية وليست المعنوية، يبدو أننا تربينا على ثقافة الصوغة (الهدية) الغالية الثمن، حتى أصبحت من عاداتنا المتجذرة في المجتمع، جيلاً بعد آخر. متناسين أن الصوغة لفتة حلوة وقيمة معنوية بما تحمل من معانٍ إنسانية رقيقة، بغض النظر عن قيمتها المادية، وثمنها المرتفع.
متى نتخلص من هذه الثقافة، ونكتفي بتقديم هدايا رمزية ذات قيمة معنوية للأهل والأصحاب والأحباب، وعلى بساطتها ينبغي أن تثير السعادة في النفوس، وتهز مشاعر الشكر والرضا والامتنان، وتخلق صورة جميلة تستقر في الذاكرة طويلاً؟!
لنبدأ بأنفسنا، لنعلّم عيالنا وأحفادنا على تقبّل التغيير، لنعلّمهم أن الحياة تحتاج دائماً التغيير والتبديل، وعلينا أن نتقبل ذلك، ليس فقط عن الصوايغ والهدايا، إنما هناك عناصر ومجالات كثيرة تحتاج منّا التأمل والتفكر، لتعديل مسارها، ودائماً هناك رؤى جديدة تقودنا للأحسن والأفضل. لنعي جيداً أن حياة اليوم قد تغيرت وتبدلت، وعلينا التأقلم والتعايش مع متغيراتها ورتمها السريع، بكل وضوح وشفافية.
منى الشافعي / جريدة القبس /21 يونيو، 2018   


مشاهدات يومية من أميركا


 


 
مشاهدات يومية من أميركا
****
    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية التي تصادفني يومياً في رحلتي إلى أميركا.
    إحدى الصديقات انتقلت الى بيت جديد، فذهبت الى مكتب البريد لتغير عنوانها، وبعد يومين ذهبت لتفتح صندوق بريدها، فوجدت مظاريف كثيرة قد انحشرت داخل الصندوق، حين فتحتها كانت جميعها من أصحاب محال الأثاث المنتشرة في المدينة، يباركون لها المنزل الجديد، ويقدمون لها خصومات مجزية، لكل احتياجاتها للمنزل الجديد مما يتوافر عندهم، وفعلاً استفادت كثيراً من تلك المبادرة الكريمة من أغلبية المحال التجارية، ومناّ الى محالّنا التجارية الكشخة!
    إذا كنت زبوناً دائماً لإحدى الجمعيات/ السوبر ماركت، كلّما تشتري منهم تحسب لك وحدات، هذه الوحدات تصرف لك على شكل تخفيض من سعر البنزين، الذي تحتاجه سيارتك، وهذه لفتة جداً كريمة، نظراً الى ارتفاع سعر البنزين. والبنزين يعتبر غالياً هالأيام في الديرة، خاصة على المتقاعدين، ومنّا إلى جمعية المتقاعدين الكويتية!
إنك ترى الأعمال البسيطة والثقيلة وغيرها يتشارك بها النساء والرجال، دهشت حين حدثتني إحدى السيدات بأن عملها اليومي قيادة شاحنة محملة بأطنان من الخشب، من ولاية إلى أخرى. ومنا إلى شبابنا.. فالعمل عبادة.
    أما الطلبة المحتاجون، فهناك من يتبرع بتغذيتهم اليومية في المدرسة، وهناك من يتبرع بلباسهم المدرسي، وآخر يتبرع بشراء نظارات طبية للمحتاجين منهم، وغيرها من الاحتياجات التعليمية، التي لا تستطيع أن توفرها المدرسة للطلبة. ففي المدن البسيطة الدخل تقام المدارس والاهتمام بالطلبة المعوزين على أكتاف تبرعات الميسورين من سكان تلك المدينة. نعرف جيداً أن الكرم متأصل في أهل الديرة، ومع هذا نطمح الى المزيد من أهل الخير عندنا، ليس فقط للمدارس، فهناك جمعيات نفع عام جديدة تحتاج إلى مقرات، ومصروفات كثيرة، حتى تستطيع أن تؤدي عملها الذي أنشئت من أجله.
     الثقة متوافرة بكل المجالات الحياتية اليومية، لا مجال للكذب أو التدليس أو النفاق إلا في ما ندر، الجميع يثق بما يبديه أو يقوله الآخر في كل شيء، وهذه قيمة حياتية جداً مطلوبة للتعايش مع الآخر، لمستها بوضوح وشفافية في كل معاملاتي الخاصة والرسمية.
     امتحان رخصة قيادة السيارة «جداً صعب»، خاصة العملي.. لكن الجميل في الموضوع أن من يحصل على رخصة القيادة، سيأخذها بذراعه، وليس بذراع الواسطة المتعددة الأشكال، أو برشوة، أو بالتزوير المريح، كما حصل عليها مئات «السواق» عندنا من مختلف الجنسيات.
     في أحد مواقف الأسواق، لمحت أحد كبار السن يحاول أن يحمل كيساً يبدو ثقيلاً جداً، ليضعه في صندوق سيارته، وإذا بأحد الشباب المتواجد بالموقف يركض لمساعدته. ما أجمل أن يساعدك أحدهم حين تكون في مأزق، خاصة إذا كنت كبيراً في السن.
     الابتسامة مرسومة على الوجوه، (هاي، هلو) .. يفاجئك بها الأغلبية من غير سابق معرفة، تتقبلها وأنت مرتاح ومستانس ويومك سعيد، لأنهم يعرفون جيداً أن الابتسامة صدقة، وليست «الخزة» التي يفاجئك البعض بها، كي يزعجك، ويعكر صفو باقي يومك!
منى الشافعي / جريدة القبس /13 يوليو، 2018   


المنظومة الطبية العلاجية.. تجارة رابحة في أميركا!


المنظومة الطبية العلاجية.. تجارة رابحة في أميركا!
*****
    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية، التي تصادفني يومياً في رحلتي إلى اميركا.
    أجور الأيدي العاملة الفنية/ الحرفية/ البسيطة الأميركية مرتفعة جداً، وتعد من أفضل المهن التي لا تتطلب مؤهلاً جامعياً.
     بالمناسبة، احتجت في بيتنا إلى تركيب خرطوم مياه/ هوز في غرفة الغسيل، لا يزيد طوله على متر واحد. طلبت فني الصحي، جاءني الدور بعد خمسة أيام لكثرة الطلب عليه. استغرق عمله أقل من ساعة زمن. قدّم الفاتورة مطبوعة ومختومة وموقعة. أدهشني المبلغ 178 دولاراً، لا غير. دفعت المبلغ مع الشكر، وداخلي يردد «حبيبتي ديرتي الكويت، كم أنت كريمة».
     الإيجابية التي أعجبتني في هذا الموقف، عندما دخل العامل الفني كان يصطحب معه ابنه، الذي لا يزيد عمره على الرابعة عشرة، وبدأ بمساعدة والده، وهو أيضاً طالب في المرحلة الثانوية. يبدو أن الأب يصر على أن يتعلم ابنه هذه المهنة.. ويا لها من مهنة! كم نحتاج في ديرتنا إلى أياد شبابية فنية من عيالنا تحترف هذه المهنة وغيرها من المهن الفنية. على الأقل، كي نحدّ من التهافت على الشهادات الجامعية والعليا المزورة!
     تعد مهنة الطبيب من أفضل المهن في العالم، كونها مهنة إنسانية. فالطبيب في أميركا يعيش بشكل جيد، لأنه يكسب الكثير من مهنته، كما هي العيادات الطبيّة، والمستشفيات، والمختبرات الطبيّة، وكل من يعمل في مجال الرعاية الصحيّة. ناهيك عن شركات التأمين الصحي، التي تطلب مبالغ باهظة من المؤمّن عليه سنوياً، وأمور التأمين في الشركات الكثيرة المنتشرة في أميركا معقدة جداً، وتختلف من حالة الى أخرى. وبالتالي هذه المنظومة الطبية/ العلاجية تعتبر تجارة رابحة. وللأمانة توفر عناية طبية جيدة ومتكاملة للمريض حين يحتاجها.
     لذا، نجد المواطن الأميركي، هاجسه الأكبر، ومن أهم أولوياته، توفير الرعاية الصحية الكاملة لأسرته. أما الهم الآخر الذي يحمله فوق كتفه، فهو تأمين مصاريف التعليم الجامعي لأبنائه في جامعات جيدة، معتمدة لضمان مستقبلهم. غير متناسين هنا أن الضرائب المتعددة التي يدفعها سنوياً تأكل ثلث دخله السنوي تقريباً. وبالتالي تجده يعمل الليل مع النهار، ويجدّ ويجتهد ويخلص في عمَلُه، حتى يكسب أَكْثَر ليوفر كل هذه المصاريف لأسرته، والجميل أن الفرص متاحة لكل من يبذل مجهوداً أكبر ويطوّر في عمله، حتى يحقق في النهاية هدفه وحلمه، وهذا ما جعله لا يهتم ولا يلتفت ولا يتحدث في الأمور السياسية العقيمة، ولا غيرها، وكأنه مغيّب عن العالم وما يدور حوله، فالسياسة للسياسيين، والاقتصاد للاقتصاديين، وهكذا، لأنها بعيدة عن اهتماماته اليومية.
سألت إحدى الصديقات: «لماذا لا تهتمون بالأمور السياسية، وتتناقشون، وتتحدثون عنها، فالكثير منها، يدور عندكم وحولكم؟»، ردّت وهي تبتسم: «السياسة عوار رأس، ومن سلبياتها أيضاً أنك تفقد معظم أصدقائك، والمقربين منك، لو تحدثت معهم بالسياسة». بصراحة أقنعتني، ليتنا بالديرة نعي هذه الجملة.
     فماذا نقول هنا، غير عمار يا ديرة الطيبين، يا كويت الخير والعز، يا ديرة الإنسانية.  
منى الشافعي / جريدة القبس  25 يوليو، 2018

الأميركي.. كتاب وقهوة.. وسمنة!




الأميركي.. كتاب وقهوة.. وسمنة!
*****


    بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية، التي تصادفني يومياً في رحلتي إلى أميركا.
السمنة مرض خطير يغزو أغلب دول العالم في هذا الزمن ومعدلاته في ازدياد.
وتعد أميركا من أكثر البلدان التي تعاني من زيادة الوزن، والسمنة المفرطة، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها الإدمان على تناول الوجبات السريعة يومياً، والإفراط في تناول الحلويات، والمشروبات الغازية. وغيرها من الأمور الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، التي ساعدت على انتشار ظاهرة البدانة المفرطة.
وهنا.. نتشارك – ككويتيين – مع الأميركان في ظاهرة السمنة وأسبابها، بل إن ديرتنا الكريمة قد تربعت بجدارة على عرش السمنة، وإجراء عمليات التكميم الجراحية في السنوات الأخيرة، خصوصاً عندما أصبح في الديرة مطعم لكل مواطن.
الأميركي يعشق الأكل. لا يمكن أن يترك / ينسى وجبة من وجباته اليومية. كما أنه يستمتع بين الوجبات بتناول مأكولات خفيفة متنوعة. أما كوب / مك القهوة، فهو ملتصق في يمناه من الصباح وحتى المساء، كما هو الكتاب لا يفارق أيادي الأغلبية، صغاراً وكباراً، من الجنسين.
     ولا نغفل هنا، انتشار ثقافة الأكل الصحي والطبيعي والترويج لها في أميركا، والتي انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، كما انتشرت معها كثرة المحال التجارية التسويقية لهذه المواد والمنتجات الصحية، كما افتتحت المطاعم والمقاهي الخاصة بها، وهناك الآلاف من الشعب الأميركي، بدأ بتغيير عاداته في الأكل، وأصبح يتناول وجبات صحية، مع العلم أنها مكلفة مادياً، ومع هذا تبقى الأغلبية تعاني زيادة الوزن والبدانة المفرطة.
مع مشاكل السمنة والأوزان الثقيلة، إلا أنك تجدهم يحبون الحركة والنشاط، والعمل اليومي المتواصل، من دون تذمر أو «تحلطم»، أو تعب!
الأميركي، شخص متحرك، فالطائرات والمطارات على كثرتها واتساعها، أصبحت تئن من حراكهم اليومي، خاصة في مواسم الأعياد، والإجازات، والعطلات الرسمية وغيرها، ناهيك عن عطلة نهاية الأسبوع. أما السفر من خلال السيارات الخاصة، والباصات، والمركبات المتنوعة، والقطارات، فحدّث ولا حرج. وبالتالي ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل «في الحركة بركة». والجميل هنا، كل مسافر يعود في الوقت المحدّد لعمله وقد اكتسب نشاطاً، وازداد حيوية!
      وهنا، أيضاً نتشارك معهم في هذه الإيجابية – في الحركة بركة – فالشعب الكويتي من محبي السفر والتنقل والاستكشاف، فقط نزيد عليهم بجزئية بسيطة جداً لا تكاد تُذكر، كون عطلنا، خاصة الرسمية، لا تقل في حال من الأحوال عن أسبوع، وبعده يومان راحة من عناء السفر، لأن المواطن الكويتي يحتاج إلى جرعة أخرى من الراحة حتى يتجدد نشاطه! التي أصبحت من عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا كما يفهمها أغلبيتنا. وبالتالي يجب أن نتمسك بها، ونحافظ عليها، خاصة إذا كنا من موظفي الحكومة، فهي حق مكتسب للموظف الحكومي يجب عدم التفريط فيه!
وبالتّالي.. نعتقد أيضاً أن الاختلاف مطلوب وممتع وجميل، في كل الأمور الحياتية، كما هو التشارك أو التشابه!

منى الشافعي / جريدة القبس / 3 أغسطس، 2018   

 

الأم الشابّة.. الأميركية نموذجاً


الأم الشابّة.. الأميركية نموذجاً

     ينبغي أن تدرك كل أمّ أن تربية الأطفال مسؤولية كبيرة، مرهقة ومعقّدة، ولكنها لذيذة ورائعة في الوقت نفسه، وأن إحساس الطفل بالطمأنينة والأمان لا يتحقّق إلا في حضن الأم الحنون الدافئ، وأن الطفل يتعلم من أمه وسائلها في التعامل مع الأمور الحياتية اليومية، ويقلّد كل تصرّفاتها ويأخذ بعاداتها، لأنها أقرب الناس إليه، وبالتالي حين تترك الأم صغيرها تتلقّفه أو تتقاذفه أيادي المساعدات، والمربيات، فماذا تتوقّع هذه الأم لصغيرها من صفات وعادات وتصرّفات، وحتى اللهجة واللغة؟! بل ماذا سيتعلم من المساعدة، وماذا ستغرس فيه المربية من قيم ومفاهيم وغيرها من العادات؟! نتمنى أن تعي وتتنبه أولئك الأمهات الشابات إلى هذه الامور السلبية في تربية أطفالهن.
في أكثر من ولاية وأكثر من مدينة زرتها في أميركا، وفي أكثر من مكان عام وخاص، كان فضولي يتبع الأمهات الشّابات، ففي إحدى الأسواق شاهدت أمّاً تحمل طفلاً رضيعاً على صدرها، وتمسك طفلة صغيرة، وتجر عربة التسوق، والابتسامة تعلو وجهها. نبهني فضولي لعربة تسوق أخرى كبيرة جدّاً، قد امتلأت بمواد غذائية، ومستلزمات أخرى، وقد جلس بداخلها ثلاثة أطفال صغار بأعمار متقاربة، يلعبون ويضحكون، تشاركهم الأم هذا المرح، تابعتها نظراتي، حاسبت وخرجت بكل هذه المسؤوليات، والأجمل أنها لا تزال تتشارك المرح مع صغارها. كما رصد فضولي الكثير من هؤلاء الأمهات الملتزمات بتربية صغارهن، في المولات والمتنزهات وأماكن الترفيه للأطفال، وعلى أبواب المدارس، وفي بيوت الجيران والأصدقاء، وغيرها.
    في إحدى العيادات الكبيرة، أدهشتني سيدة ثلاثينية، تحتضن رضيعها، وتنتظر دورها للدخول على طبيب الأطفال، بينما كنت أنتظر دوري للدخول على طبيبتي، هذه السيدة الشابة اصطحبت معها عيالها الخمسة الآخرين – ما شاء الله – اختلست النظر أكثر للأطفال، نظافة، أدب، حيوية وصحة، والأم بين لحظة وأخرى كانت تنظر إلى صغارها وبريق من العواطف ينهمر من عينيها. بصراحة، أخجلتني أمومتها لا مربية ولا مساعدة معها! وحين خرجت مع صغارها، كنت أتحسّر على أمومتنا الهشّة التي تتنافس عليها المربيات والمساعدات. أما الطفولة الضائعة المحرومة من الحنان والاهتمام الأسري، فتصرخ «يمة ميري»، «يمة برسيلا»، «يمة آيرين»! بالمناسبة، لاحظت أن كثيراً من الأميركان يعشقون كثرة الابناء، لا سيما في المدن الصغيرة والريفية – الزراعية.
     مع الأسف، هناك من يقول ويجاهر بأن الأسرة الأجنبية أو الأميركية مفكّكة.. عيب هذا المنطق وهذه الافتراءات على الآخرين.. على الأقل موضة المساعدات والمربيات والشغالات والسّواق بعيدة عن ثقافتهم. أما الاهتمام بالطفولة، فهو من أولوياتهم، ونعتقد هذه إيجابية تُحسب لمصلحتهم.

منى الشافعي / جريدة القبس /9 سبتمبر 18 20

ثقافة شرب الماء عند الأميركان


ثقافة شرب الماء عند الأميركان


       الماء عصب وشريان الحياة، وقوامها، ولولاه لما عاش إنسان ولا حيوان، ولا اخضرّ زرع على وجه الأرض. نعتقد أن أغلبنا لا يشرب ما يكفيه من الماء خلال يومه. حتى ان البعض منا حين يتناول كأساً واحدة من الماء يتجرعه كالدواء، بل يغصب نفسه على تناوله. غافلاً عن أن الماء يحتوي على أنواع عديدة من الأملاح والمعادن التي يحتاجها جسم الإنسان، كما الحيوان والنبات، ومتناسياً أن الماء علاج ناجح للكثير من مشاكلنا الصحية. لذا ينبغي أن نعي جيداً أهمية شرب الماء لصحة الجسم.
      ومن خلال مشاهداتي في رحلتي إلى أميركا، لاحظت ظاهرة شرب الماء بكثرة وبانتظام، فقنينة الماء لا تفارق أيديهم، صغاراً وكباراً، فمن يركب دراجته، تجدها معلقة بأحد أركانها، ومن يقود سيارته، تجدها قربه، وحين يترجل، تراها ملتصقة بإحدى يديه، ومن يحاذيك ماشياً، تجدها بيده، وحين تدخل أي مؤسسة عامة أو خاصة، تجد أشكالاً وألواناً من قناني الماء، مرتاحة على مكاتب العاملين. كما أن المحال التجارية الصغيرة والكبيرة، والأسواق والمؤسسات بأنواعها وأماكن الترفيه، لا تخلو من برّادات الماء لخدمة الزبائن.. هذه الثقافة على بساطتها، جعلت الدولار الأميركي، يدور من يد إلى أخرى لينمو اقتصادياً، حيث انتعشت وراجت تجارة صناعة قناني الماء المختلفة الأحجام والأشكال والمواد والألوان، وأصبحت هذه السلعة الصغيرة البسيطة مطلوبة من جميع الفئات العمرية، والاجتماعية. ولأن استهلاكها اليومي كبير وبالتالي احتياج تغييرها، من فترة الى أخرى بات ضرورياً، خصوصا لطلبة المدارس، لذا تجدها قد غزت أرفف أغلب المحال التجارية، ولأن أسعارها متفاوتة، أصبحت في متناول جميع الشرائح الاجتماعية. ولا ننسى هنا أن الأطفال يحتاجون إلى شرب الماء، وهذه الطريقة (الثقافة) تشجّع الأطفال على شرب ما يحتاجونه من الماء. وهكذا أصبحت عادة في حياة الفرد الأميركي.
     لقد اكتسبت شخصياً هذه العادة الصحية ممن حولي، بحيث واصلت تذكير نفسي بشرب الماء يومياً في مدة ليست طويلة، حتى اعتدت عليها، وهكذا أصبحت قنينة الماء تلازمني أينما ذهبت. اللافت أن إحدى صديقاتي حين تحضر لزيارتي، وتعرف جيداً أن الماء الصحي متوافر في بيتنا، فإنها حين تدخل، تسبقها قنينتها، لأنها عادة، وكونها عادة صحية فأهلاً بها.
     ينبغي علينا جميعاً أن نعتاد على شرب الماء، ونشجع عيالنا الصغار على هذه العادة الصحية البسيطة.

منى الشافعي / جريدة القبس   2 سبتمبر، 2018  

النادي الرياضي الصحي

 
النادي الرياضي الصحي !
***
بعض المشاهدات والمواقف الإيجابية والسلبية، التي صادفتني في رحلتي الأخيرة إلى أميركا، التي دامت حوالي خمسة أشهر.
بما أنني جديدة على النادي الصحي، فقد أخبرتني صديقتي أن النادي يفتح من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثامنة مساء، ودخول الأعضاء من الباب الأمامي في هذه الفترة، ولكن هناك الباب الخلفي للذين يفضّلون ساعات أخرى، ومن يرغب فسيزوده النادي بمفتاح خاص للدخول من الباب الخلفي في أي وقت يرغبه ليلاً أو نهاراً، وبما أنني أفضّل رياضتي في الصباح الباكر طلبت مفتاحاً خاصاً، وكنت في كل صباح أمارس رياضتي المفضّلة.
ذات صباح دخلت النادي مبكرة جداً، وإذا الباب الأمامي يفتح فجأة، بينما كنت أتمرن، وإذا برجل يبدو أنه سبعيني يدخل وبيده سلة المهملات، ويده الأخرى تحمل الفوط الصغيرة، التي تستخدم في تنظيف الأجهزة الرياضية المختلفة، وأخذ يوزعها قرب الأجهزة بنظام وترتيب.
وعندما أخبرت صديقتي بأن أحد العمّال دخل من الباب الأمامي في وقت مبكّر، وبالتالي لماذا لا يفتح الباب لجميع الأعضاء؟ ابتسمت لتقول: إنه ليس أحد العمّال هذا الرجل هو المالك، أي صاحب النادي، وهذا أحد أعماله اليومية!
في أحد الأيام احتجت بعض المعلومات من سكرتيرة النادي، فذهبت في الساعة الحادية عشرة صباحاً، فلم أجدها وانتظرت عشر دقائق، وكنت في عجلة من أمري، فخرجت على أن أعود في وقت لاحق. عدت في الثالثة عصراً، وحين أخبرتها بأنني لم أجدها في مكتبها في الصباح، أخبرتني بأنها في هذا الوقت كانت تنظّف الحمّامات ــ حمّامات النادي ــ واعتذرت لي بحرارة لأنها لم تكن في مكتبها في وقت حضوري الصباحي. قلت لها طبعاً لا داعي للاعتذار.. ولكنني نسيت أن أخبرها بأنني الى الآن لم أستوعب أنها كانت تنظّف الحمّامات!
في أحد الصباحات دخلت النادي الصحي مبكرة، وإذا صاحب/ مالك النادي متوسداً الأرض أمام أحد الأجهزة الضخمة المعقدة، وبيده أحد المفكّات، وحوله عدّة متناثرة من أدوات التصليح، وحين انتبه لوجودي، بادر بالتحية الصباحية وابتسامته تخفي تعبه، بعد ساعة جهد وتعب عاد الجهاز للعمل، ثم ذهب لأداء عمل آخر ينتظره.. يا جماعة إنه المالك!
النادي أبوابه مفتوحة للأعضاء 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، والعضو يستطيع أن يحضر الى النادي أكثر من مرة باليوم الواحد مقارنة بالنادي الذي أمارس رياضتي به في منطقتي «الجابرية»، الذي لا يسمح بدخول العضو إلا مرة واحدة في اليوم، أما السبب فغير مقنع كالعادة. كما أن اشتراكه أربعة أضعاف اشتراك هذا النادي.
ومن الأمور الجميلة أن العضو يشعر بأن النادي جزء من بيته، فيهتم بنظافته وسلامة أجهزته وأدواته. مع أن النادي مختلط، فإنك تشعر بالراحة والأمان، فهناك الزوج وزوجته، الأم وابنتها، الأسرة بكاملها، أما اللباس فهو لباس رياضي محتشم، والكل يبادر بالتحايا والاحترام، والابتسامة دوماً تزيّن الوجوه.
في النادي توجد غرفة خاصة للأطفال (عيال الأعضاء) مزودة بألعاب بسيطة خفيفة للهو، وتلفزيون يبث برامج ترفيهية تناسبهم، بينما الأم والأب يمارسان ألعابهما الرياضية بكل راحة واطمئنان على صغارهما.
النادي لا يحتوي على خزائن مقفلة للحاجات الشخصية للأعضاء، هناك رفوف مكشوفة تضع فيها أغراضك الشخصية (مفتاح السيارة، محفظة نقودك، شنطة يد نسائية وغيرها)، كلها في أمان، لأن النادي مزود بكاميرات في كل جهاته وزواياه. طبعاً لا أقول هنا إن كل الناس ملائكة، ولكن غير الملائكة لا يتجرؤون على عمل يخالف اللوائح والقوانين، لأنهم يخشون العقوبة، فالقوانين موجودة لتطبّق، وليس لتحتويها أدراج المسؤولين، وبالتالي كل الأعضاء يحترمون القوانين، وبالتالي يشعر الجميع بالأمن والأمان والاطمئنان على ماله ونفسه.
ما يميز النادي أنك لن تلتقي بأي عامل تنظيف، فالأعضاء يساعدون في تنظيف الأجهزة التي استخدموها، حتى تظل نظيفة للعضو الآخر، وهكذا روح التعاون موجودة.
كم نادياً صحياً في الديرة؟ ما أكثرها!.. ماذا لو استغنت هذه النوادي عن العمالة التي تزدحم بها، أو حتى حدّت منها، لساعدت الديرة في التخلص من كثرة العمالة الهامشية.
منى الشافعي
جريدة القبس 26 مارس 2018