برنسيس إيكاروس

Saturday, October 23, 2010

ليت الماضي يتكلم

كتبت منى الشافعي
******
دعوة عشاء من سيدة كريمة، جمعتني بمجموعة من السيدات، كانت الجلسة كاملة الأنوثة، فقد ابتعدت عن الحديث في السياسة وأجوائها الغائمة، وعن الاقتصاد ومؤشر البورصة الأحمر، وعن الغلاء وفنون افتعاله.. واقتربت من الحديث عن الأزياء وبيوتات الموضة، وآخر الصرعات الغريبة، وعمليات التجميل واستنساخ الوجوه، وتكاليفها الباهظة. أما الموضوع الأهم فقد كان الريجيم، وأنواع الحميات وأشكالها
كنت مستمعة جيدة وفي الوقت نفسه كان فضولي يسحبني لملاحظة بعض الأمور الصغيرة والتفاصيل الدقيقة التي بدأت تشدني أكثر من المشاركة في تلك الأحاديث.. فقد لفت نظري منظر الطاولة الكبيرة التي بدأت تمتلئ بكل أصناف الأطباق، والمأكولات الشهية ذات الرائحة العطرية، والنكهة اللذيذة، ناهيك عن أطباق الحلويات المغرية بأشكالها الفنية وألوانها المتماوجة، التي أخذت طريقها لتحتل الركن الأخير من طاولة الطعام الفخمة
بعد ساعة حديث شيق، جمعتنا تلك الطاولة العامرة حولها، حيث الأطباق الفضية تبتسم لضيافتنا، محتضنة بفخر وشموخ في جوفها، من لذائذ الطعام وأطايبه.. مع ان الأيدي الناعمة كانت تمتد نحوها بحذر واستحياء، تبحث عن خالي الدسم، وقليل السعرات الحرارية، وسكر «فري».. وبأقل من نصف ساعة، عادت الحاضرات الى الصالون يكملن احاديثهن الخاصة، وقبل ان اعتدل لأنهض من مكاني وألحق بالاخوات سمعت همسا غريبا، انتبهت واذا بالأطباق الشهية التي لاتزال متخمة بما لذ وطاب قد انكمشت وعبست وتجعدت جباهها، وهي تتهامس فيما بينها بحسرة وألم معاتبة أيدينا الأنثوية التي لم تمتد اليها لتتذوق من أطايبها ولذائذها.. وحين فاجأتني أحدق بامتلائها.. صمتت.. فانسحبت وداخلي يغلي وفي فمي غصة.
اندمجت لبرهة مع أحاديث الحاضرات، وفجأة التفت صوب المائدة، واذا باحدى العاملات تتقدم نحو الطاولة الممتدة، وبيدها كيس بلاستيك اسود اللون، فاغرا فاه بدأ يلتهم بقسوة، ما احتوته اغلب الصحون من مأكولات لا تزال رائحتها تعبق بالمكان.
حين ودعنا صاحبة الدعوة شاكرين لها تلك الحفاوة الحاتمية وقبل ان اغادر المكان لمحت عيناي أشباح الأكياس السوداء المنتفخة بما كان ما لذّ وطاب، وببقايا الطعام المقتول على مفرش الطاولة، وهي تتراقص بوجع وألم ظاهرين.
خرجت وداخلي يعاتبني ويفرغ ما به من غليان ويصرخ: «أنتن أيتها السيدات المدللات، الى متى هذا التبذير والبذخ والاسراف، والتباهي والبطر.. آه ليت الماضي يتكلم».

Saturday, October 16, 2010

صباح الورد يا كويت


كتبت منى الشافعي
****

«ابدأ صباحك بمن تحب.. ليكن صباحك كما تحب»، هذا مثل فرنسي رائع بعثه إلي احد الاصدقاء الطيبين، فأحببت ان اشارك بروعته ومعناه كل اهل الديرة، وأبدأ صباحي قائلة: «صباح الورد يا اهلي وناسي واحبابي».. حتى يكون صباحي كما أحب وأشتهي.

***

احب ان نعزز اواصر الترابط والتلاحم، التعاون والتفاهم، التآخي والتسامح، واحترام الرأي والرأي الآخر بيننا، نحن اطياف المجتمع الكويتي الرائع، ذلك المجتمع الصغير البسيط، المسالم الطيب والمحب، الذي كان ولا يزال يتسع لكل الالوان والاشكال المتناغمة الجميلة.
احب ان نزيد جرعة وحدتنا الوطنية، التي باتت مطلوبة، وواجبا وطنيا ينادينا بقوة، اكثر من اي وقت مضى، في ظل تلك المتغيرات والمستجدات المحلية والاقليمية والعالمية، التي بدأت تتورم وتتضخم، وتقترب منا، لانها - الوحدة الوطنية - هي صمام الامان الذي يستطيع ان يقف في وجه اي خطر قد يهدد - لا سمح الله - امن وامان كويتنا الحبيبة، او قد يجرؤ على نشر الفرقة بين صفوفنا المتراصة والمتلاحمة.
احب ان نعبر عن حبنا للكويت وولائنا لها، ونفعّلهما قولا وفعلا، كل من موقعه حسب امكاناته وقدراته، ولنتذكر دائما ان الكويت هي عشنا الدافئ وملاذنا الآمن وأمّنا الحنون العطوف التي اعطتنا الكثير ولا تزال.
كما اشتهي ان نستحضر الحب دائما بعفويتنا وطيبتنا اللتين تربينا عليهما، وان نتمسك بفيض الود في كل امورنا الحياتية اليومية، لنعبّر عنهما مع كل اشراقة صبح جميل يطل على الديرة واهلها.. فبالحب نتعايش بسلام وحميمية مع الآخر، وبالود نبسّط الامور فيما بيننا، بعيدا عن التشنجات والمزايدات والمهاترات، والشتائم التي لا مبرر لها بين الاخوة والاصحاب، ناظرين الى مصلحة الجماعة، ومصلحة هذا الوطن الغالي علينا جميعا.. ولنع. اننا من دون الآخر لا شيء، وبذلك نحافظ على وحدتنا الوطنية ونثبّت جذورها، لنلتصق بها اكثر واكثر.. فلا اجمل من ان نتعود على ثقافة الحب.. «وصباح الورد يا كويت، ويا اهل الكويت».

m_alshafei@hotmail.com

Wednesday, October 06, 2010

و بعضا من حياة











منى الشافعي.. {وبعضاً من حياة !}


***************
تطل علينا الأديبة منى الشافعي بإطلالة جديدة من خلال إصدار مجموعة قصصية تحمل عنوان «.. وبعضاً من حياة»، صدرت عن دار الفارابي في لبنان بالتعاون مع دار الفراشة في الكويت، عام 2010.
بكل ثقة وحرفنة، وبأدواتها التي تميزها، وبشخوصها الذين توظفهم بتمكن لإبراز أفكارها ورؤاها، وبلغة جميلة رقيقة منتقاة، تنبع من أحاسيس ومشاعر فنانة تجيد صنعتها، تزين منى الشافعي بياض أوراقها، لتمتع القارئ والمتابع، بعشر قصص، تدنو كثيرا من القضايا الوطنية والإنسانية والاجتماعية، وخصوصا وليدة الساعة.



لوحة الغلاف جميلة ومعبرة، وهي بريشة الكاتبة، يشكل جزء منها نصاً شعرياً للشاعرة سعدية مفرح.



أما الإهداء: «إليه .. وبعضاً من حياتي .. بل كل حياتي .. حسام».



وسيتم طرحه للقراء في معرض الكتاب المزمع إقامته في 13 اكتوبر .



لنلتقي بعد قرن


بريشة منى الشافعي








كتبت منى الشافعي


*****










دخلت «سوبر ماركت» صغيرا في احدى المدن الأميركية، يتميز بمواده الغذائية الطبيعية، صاحبه شاب يمتلئ بالحيوية والنشاط، وكعادتي وأنا أنتقي مشترياتي، أطرح أكثر من سؤال عن أنواع الخبز والفواكه والخضراوات والأجبان وحتى الشوكولاتة والآيس كريم، وغيرها من المواد الغذائية الطبيعية التي ضاق بها المكان، وهكذا جرّنا الحديث عن كيفية الاعتناء بالصحة العامة، وذلك بتغيير عاداتنا الغذائية، والتحول إلى تناول المواد الغذائية الطبيعية والصحية، وممارسة الرياضة الخفيفة، وفجأة سألني: «كم تعطيني عمراً يا سيدتي؟»، وبلا تردد أجبته: «أعتقد أنك في أول الثلاثينات»، ابتسم قائلا: «..لقد ودعت 55 عاماً قبل أسبوعين»، لم يلحظ دهشتي، فأكمل: «منذ حوالي 18 عاما قررت اتباع نظام غذائي صحي، وابتعدت كليا عن تناول اللحوم، خاصة الحمراء الدسمة، ولم أغفل ممارسة الرياضة، خاصة رياضة المشي، وهذا ما شجعني ودفعني إلى فتح هذا السوبر ماركت، المتميز ببيع المواد الغذائية الطبيعية».
كان ستيفن يتحدث بثقة عالية، من واقع تجربة حقيقية، طبّقها على نفسه، وحصد ثمارها، وأضاف: «كلما اعتنى الإنسان بغذائه، ازداد شبابا وعمراً، وإنني على يقين بأنني سأمدّ بعمري إلى أكثر من 150 عاما».
لم أقل غير: «إن شاء الله»، وحين دفعت الحساب وحملت أكياسي، وبعد أن شكرته على تلك المعلومات المشجّعة، وقبل أن أترك المحل، التفت إليّ قائلاً: «..اتبعي نظاما غذائيا طبيعيا صحيا، حتى نلتقي هنا في هذا المكان، بعد قرن من الآن»..
ابتسمت مودّعة وداخلي يردد: «..تعال يا ستيفن وشوف موائدنا اليومية العامرة باللحوم والشحوم، وما لذَّ وطاب.. والأنكى عيالنا والوجبات السريعة، وتبينا نعيش أكثر من قرن؟!».
من المعروف أن تقبُّل الإنسان أي ممارسة أو عادة جديدة، لا يحدث بصورة سريعة، إنما يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، كما يحتاج إلى رغبة واقتناع، ومع هذا قررت أن أتبع نصيحة ستيفن، لعلّي بعد عشرين عاما على الأكثر، التقيه، هذا يمثل قمة طموحي العمري، وليس بعد قرن، كما تمنى هو.. ولكن من يدري؟!.. ربما!