برنسيس إيكاروس

Friday, February 27, 2009

للطفولة بريق جذاب


منى الشافعي في طفولتها
********************


بقلم منى الشافعي
*************
عندما تنتابني بعض الهواجس والأفكار والرؤى المتداخلة، و تتراكم متطلبات الحياة الخاصة والعامة فوق كتفي، تتصارع في داخلي رغبات حياتية كثيرة وطموحات متناقضة.. تتعبني وتثقل رأسي وتزدحم في مخيلتي فتزيد من ثقله وتعبه.. فنحن نعيش في عالم صاخب متحرك يضج بالمتغيرات اليومية والتحولات السريعة لنبض الحياة.. أما الهدوء والسكينة.. العزلة والوحدة.. التأني والتروي .. فليست من أبجديات هذا العصر، وبالتالي نتمنى دائماً تحقيق رغباتنا اليومية بسرعة جنونية.. فعندما تهاجمي تلك الرغبات المحمومة، وقبل أن أختنق من تنوعها وفوضويتها، أجدني وقد سيطرت عليّ رغبة ملحة بتذكر طفولتي وبساطتها واستعادة بعض أدق تفاصيلها.. فأنا مسكونة بطفولتي رغم سني وكثرة تجاربي الحياتية، مازلت أحتفظ بداخلي ببقايا صورها الحلوة الجميلة.. وأعتقد أن تدليل أمي لا يزال يلفني بحنانها و دفئها.. أما لذة حليبها فلا يزال يرطب جفاف لساني.. فحبي لأمي تجاوز الحدود – يرحمها الله-
*****
دائماً أتذكر حي الشرق.. مرتع الطفولة والصبا ببحره الأزرق الشفاف وشواطئه الرملية المنبسطة.. وأحلامي الصغيرة التي نمت وكبرت بين "سكيكه وفرجانه" وتعرجات دروبه.. يسحبني الحنين إلى بيتنا الصغير البسيط وكأنني أعيد بذاكرتي بناء ما تهدم من ذلك الحي القديم وتراثه العريق الذي أزالت معاول الهدم الحديثه معظمه وقضت على معالمه العتيقة.. فذاكرة الطفولة تلتصق بذاكرة المكان بكل تفاصيله وجزئياته الصغيرة، فعندما يتعلق الإنسان بمكان ما ، من الصعوبة أن ينساه، أو ينفصل عن الذاكرة
أعشق طفولتي.. أعتز بذكرياتها على بساطتها.. فهي لا تزال تملأ قلبي بالحب والفرح.. الشوق والحنين لأيامها البعيدة الحلوة، ولن أسمح لها أن تغادرني أبداً فلا تزال تعيش معي بكل ألوانها وصورها وكأنها حدثت البارحة.. فحين أجلس في سكينة مع نفسي وأسترجع بعضاً منها، أشاهدها بوضوح نقية صافية وكأنني أشاهد فيلما سينمائياً صور حديثاً بالألوان.\.. يا له من حب وتعلق بأحلام الطفولة
* * * *
تقول الفيلسوفة "ديوتيما" صديقة سقراط (إننا نقتطع نوعاً واحداً من الحب نطلق عليه اسم الحب- الحب العاطفي الرومانسي بين رجل وامرأة- في حين أن كلمة الحب تطلق على جنس أو نوع أعم وأشمل من هذا الاستخدام الضيق.. فإن الحب يطلق على كل رغبة عند الإنسان"... لذا فتعلقي بطفولتي هي الرغبة التي ستظل مشتعلة في داخلي.. وهي الحب المميز الذي لا ينطِفئ أبداً في حياتي.. فللطفولة بريق جذاب يسحبني رويداً رويداً من تلك الأمكنة الصاخبة بنبض هذا القرن إلى ركني الذي أفضله في البيت.. كم أحب أن أفترش أرض هذا الركن ويدي تتكئ بنزق على إحدى الأرائك (القنفات).. أُغمض عينيَّ على حلاوة الماضي.. أتأمل.. أسترجع خزين الذاكرة.. ألتقط بشغف بعض الصور المرتجفة والمتناثرة في الذاكرة لطفولتي ولتلك الأيام البريئة البسيطة التي عشناها نحن جيل الخمسينات.. ها هي والدتي الحبيبة تفترش البساط الأحمر الوحيد الذي نمتلكه لنفرشه في الحوش في المساءات الجميلة، وأمامها ماكينة الخياطة، وقد ارتاحت بين يديها الماهرتين قطعة قماش قطنية زاهية بلونيها البرتقالي والأصفر وقد انتثرت زهور بيضاء صغيرة بتناغم جميل فوق اللونين.. أليست حالة غريبة أن تختزن ذاكرة الطفولة ألوان هذا القماش ونقوشه التي تزينه؟
برشاقة يديها.. بابتسامتها المعتادة وبلمحة الحنان التي تميزها، تدير أمي ماكينة الخياطة بهدوء ورقة.. .أشعر وأنا أنظر إلى حركتها أن قطعة القماش أخذت تتلوى ثم تتشكل وأخيراً تتغير معالمها.. و فجأة! تتوقف حركة الماكينة ويختفي صوتها الرتيب للحظات، ليقوم المقص الكبير بواجبه..,هكذا تتناوب الماكينة والمقص على قطعة القماش لبضع ساعات، حتى تنتهي الوالدة من تفصيل وحياكة ذلك الفستان الجديد الذي سأتفاخر به بين أقراني الصغيرات حين ألبسه – وأكشخ به- في مساء اليوم التالي !!.. أما القماش الجميل فقد اشترته أمي من البائع المتجول سالمين- راعي الخام- ذلك الإنسان البسيط الطيب الودود.. أين أنت الآن يا سالمين؟
أما أخوايْ الصغيران فكانا يلهوان ويلعبان مع أقرانهما الصبيان في الفريج أمام البيت.. قطتنا البيضاء الجميلة- القطوة عبُّول- كانت تلهو ببعض الخيوط الملونة التي سرقتها من علبة أدوات الخياطة بغفلة من الجميع،ها هي تتقافز هنا وهناك معلنة عن فرحتها وبهجتها هذا المساء
****
والدي الحنون – يرحمه الله –تسترجعه ذاكرة الطفولة وهو جالس في تلك اللحظة وبين يديه أحد كتبه الأدبية التي لا تفارقه أبداً فقد كان شغوفاً بقراءة الشعر والأدب.. أتذكره جيداً جالساً على كرسي من الخشب يزين ظهره- الكرسي- مربعات متداخلة من خشب البامبو الرقيق، وقد تآكلت وتقطعت بعض تشكيلاتها المتشابكة لتصبح بلا شكل محدد.. أما قوائمه –الكرسي- فيزين إحداها شرخ طويل لف حوله خيط سميك بعناية وقوة.. الحمدلله أن والدي لم يكن يعاني من السمنة وإلاَّ ...... !! أما الوالدة فلم تتشجع يوماً لتجلس على هذا الكرسي خوفاً من ... ؟
*****
أما تلك الطفلة المدللة.. فقد كنت ألهو مع دميتي المصنوعة من القماش المحشو بالقطن وقد ارتدت فستاناً جميلاً حاكته أمي من بقايا الأقمشة، تزينه بعض الإكسسوارات البراقة – الترتر- المتوفرة آنذاك... كنا نسمي هذا النوع من الدمى "الكردية"... أقول كنت ألهو بشغف مع دميتي الجميلة، والقناعة تغلف داخلي والفرحة تسكنني والمتعة تملأ روحي الصغيرة.. ذلك عندما كانت الحياة بهذه البساطة وتلك العفوية المحببة والشفافية الرائعة.. فكانت قبلة أبي الحنون على خدي وعناق أمي المحموم في تلك اللحظة البلورية الصافية العذبة، ودخول أخوَايْ الصغيران فجأة! من الباب، بصراخهما المعتاد، وضجيج ألعابهما، وصوت الباب المزعج وهو يُصفق من يد أحدهما بقوة طفولته... تلك اللحظة المتداخلة بالحب والحنان والصخب والضجيج واللعب والجد.. كانت عندي قمة السعادة التي نتطلع إليها نحن أطفال ذلك الماضي البسيط.. يا لها من متعة نشتاقها ونَحِنُّ إلى تفاصيلها وشفافيتها.. دمية.. قبلة.. عناق.. قطة.. بساط أحمر .. كرسي تزينه الضمادات.. وصراخ الصغار وصخبهم.. إذن، ليست المسألة لحظتها ما نملك، ولكن كيف وكم نستمتع بما نملك حتى وإن كان أقل القليل.. هذا الذي يخلق القناعة لتظللنا السعادة بأوسع أفيائها
* * * * *
مع أن الأزمنة قد تغيرت، والأمكنة قد تبدلت، والأشياء تنوعت، والصور تجددت، إلا أن طفولتي بدقائق أمورها لا تزال تسحبني بقوة لتذكرها.. ها أنا أشم رائحة قالب الكيك- قرص عقيلي- عند عودتي من المدرسة ظهراً في فصل الشتاء البارد- كانت أمي تخبزه على منقل الفحم ( الدّوة)- وبقربه ارتاح إبريق- قوري- الشاي ودلة الحليب المعطر إما بالزعفران أو الهيل أو الزنجبيل.. يا لها من قطعة كيك وكوب الحليب الذي أعشقه صافياً يتصاعد البخار منه ليرسم تشكيلات غريبة تتراقص في فضاء الغرفة الصغيرة.. ويا لها من صرخة حنونة من فم الوالدة تنهيني عن أكل تلك القطعة من الكيك وشرب كوب الحليب قبل تناولي وجبة الغذاء.. .لأنه حسب توقعات أمي ستسد نفسي عن وجبة الغداء.. بينما توقعاتي.. أن قطعة الكيك هذه ألذ وأطيب من "مطبق سمك" أو " مجبوس لحم".. أو " مرق بامية " لكنني كنت عنيدة ومتمردة ورأسي يابس.. وكأنني الآن بتذكري أشعر بلذة هذه الكيكة وأشاهد بوضوح تشكيلات بخار الحليب الساخن.. ولكنني لا أتذكر شيئاً عن وجبة الغداء
* * * *
يأتيني الآن صوت – بوطبيلة- في ليالي رمضان الكريم، ينادي بصوت عالٍ مبحوح ممزوج بشيء من الحنين ( يا نايمين.. السحور) .. وهو يضرب بقوة على طبلته كي ينبه أهل الفريج لدخول موعد السحور.. ساحباً بيده حماره الهزيل المسكين الذي أتعبه طول الليل. ليتناغم صوت أبو طبيلة مع رنين الجرس المعلق في رقبة حماره.
* * * *
أتذكر ليالي الشتاء الباردة .. حيث كانت الأمطار تبدأ برذاذ خفيف قبل أن تشتد.. وكان منظر الماء بتساقطه الرتيب يجذب الأطفال الصغار للهو واللعب تحت قطراته العذبة... كانت الفرحة ترتسم على تلك الوجوه الصغيرة البريئة فتبدأ الأفواه العطشى بترديد الأهازيج مثل .. ( طق يا مطرطق.. بيتنا يديد.. مرزامنا حديد).. يصاحب هذه الأهازيج الرقص والتقافز إما بالحوش أو في الشارع – السكة- حتى تبتل ثيابهم وترتجف أبدانهم وتدور رؤوسهم الصغيرة من الدوران حول أنفسهم.. وحين يشتد المطر أكثر وأكثر.. تخرج الأمهات فجأة! تبحثنَّ عن الصغار!! تختلط الأصوات.. كل أم بمناداتها، من تلوم، ومن تصرخ بحنان، ومن تضرب برفق، وهكذا تتلون طرق العقاب في البيت حيث الإحساس بالدفء والأمان والحب والحنان مهما كان العقاب شديداً... وغالباً ما يكون لوماً وضرباً خفيفاً يُضحك الصغار ولا يبكيهم..
* * * *
أمام باب المخبز... تأتيني رائحة الخبز الخمير- خبز التنور- الدّبل المزين بحبات السمسم.. بعد أن يعدالخباز للخمسة يناولني أقراص الخبز الساخنة.. أتحرك عائدة إلى البيت الذي لا يبعد حتى عشر خطوات عن المخبز.. أرفع الأقراص بيدي الصغيرتين المطبقتين بقوة على حافة الأقراص.. أقربها من أنفي، أتلذذ بشم رائحتها الطيبة التي تنفذ إلى معدتي قبل أنفاسي.. يا لها من رائحة تستعبدني، لأبدأ بالتهام الفقاعات المحمشة التي تعلو وجه القرص الأول- هذا ما سمحت به المسافة- والتي دائماً تغريني فأقضمها بأسناني بقوة وأتلذذ بأكلها وكأنني ألتهم صحناً من الآيس كريم في وقتنا الحاضر.. ها هي والدتي تنتظرني أمام باب البيت كالعادة تراقب حركاتي.. تتناول الخبز من يديَّ الصغيرتين وقبلة الشكر تسبقها إلى خدي.. تبحث عن القرص الذي نتفت كل فقاعاته اللذيذة ثم حشرته بذكاء طفولي بين إخوانه الأربعة حتى لا أحد يكتشف فعلتي وبالتالي يعاقبني.. ولكن أمي تجد ذلك القرص المندس بين أقرانه.. تلتقطه بخفة.. وقبل أن يدخلني الخوف وترتجف أوصالي..تفاجئني ابتسامتها الحانية.. ثم ضحكتها العالية التي تريحني وتخفف توتري .. تتركني وتذهب إلى المطبخ أتنفس الصعداء!!.
يا لتلك الذكريات الملتهبة بالحنين والموسومة بالشوق، المغلفة باللهفة، المزدانة بالحب والألفة، المتدثرة بكل أنواع البساطة والعفوية والشفافية وفطرة الماضي.. لنوجه اليوم هذا السؤال إلى أبنائنا – نحن أطفال الخمسينيات-:
هل لطفولتهم نفس هذا الوهج الوضاء وذاك البريق الأخاذ وتلك الجاذبية القوية التي تشكل ملامح طفولتنا؟
******

Sunday, February 22, 2009

آن للمواطن أن يصرخ


*******************



بقلم وريشة منى الشافعي

**************
من المعروف ان الدولة تهيئ الاستقرار الاقتصادي للمواطن حتى تتحقق للبلد التنمية بكل صورها، بالدرجة نفسها التي تهيئ بها الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي.. فالدولة دائما مطالبة بتوفير مقومات الحياة الكريمة المريحة للمواطن.. والحمد لله على أننا في دولة الكويت لا نفتقد هذه العناصر الحياتية الكريمة، فهي دائما متوافرة للمواطن.***طرأت في الاونة الاخيرة مشكلة اقتصادية عالمية، زعزعت بقوتها الامور المالية والاستقرار الاقتصادي لأغلب دول العالم.. وتلك الازمة الصعبة طالت الديرة، فلسنا بمعزل عما يحدث في العالم المتضرر

******

.نعترف بأننا نعاني مشاكل كثيرة ومهمة، مثل مشكلة التعليم، الصحة، البيئة، العمالة الوافدة، التجنيس، الضوابط الشرعية، الفتاوى، ازدواجية الجنسية، البدون، العسكريين البدون، وغيرها من امور معلقة ومشروعات تنمية معطلة. ولأن ما يواجهنا الآن بقوة هو الامن الاقتصادي للبلد، الذي يعاني جراحات كثيرة، وبالتالي حاله لا تسر الخاطر، فمن الواجب علينا جميعا الاهتمام به اولا وثانيا وثالثا، وانتشاله من حالة احتضاره، بوضع الحلول الناجحة السريعة للبدء بالعلاج، ونخشى من الحلول اذا تأخرت.. فإن صبر المواطن المتضرر سينفد امام هذا التقصير من الجهات المعنية والمسؤولة، وستزداد ضغوطات الحياة على كاهله، وهذا ما سيحصل قريبا حيال تلك الازمة الاقتصادية (أم الازمات) التي تعانيها الاغلبية الصامتة، وخصوصا المواطن ذا الدخل المحدود، وصاحب المديونيات البنكية، والمواطن المضحوك عليه بشراء اسهم الشركات الورقية ذات الاسماء المبهرجة في البورصة، وغير هذا وذاك ومنهم الكثير

******

.نعتقد ان هذا المواطن المسحوق تحت ثقل هذه الازمة وهمومها، حان له ان يصرخ بأعلى صوته مستنجدا، مستغيثا، مطالبا حكومته الرشيدة، ومجلس امته المنتخب، وكل من بيده الحل والربط، وصناع القرار ومنفذيه، بأن يتلمسوا حالته وهمومه، ويتبنوا خطة انقاذ شاملة مدروسة، والاهم سريعة، بدلا من هذا التباطؤ وذاك التراخي وتلك الفتاوى، التي ستزيد الازمة الاقتصادية اشتعالا وعمقا، فالكويت يا جماعة الخير، تعيش هذه الايام حالة شلل اقتصادي لا يناسبها، وتعاني غياب الشفافية في اغلب امورها.. وبالتالي يجب على الجميع الوقوف والتصدي لهذه الحالة التي لا تشبهنا كشعب كويتي، متعاون، متلاحم، متراحم، متوادّ، خصوصا في حالة الازمات والمشاكل

******.

إضاءة

****

السعادة تبدو ضئيلة عندما نحملها بأيدينا الصغيرة.. لكن عندما نتعلم كيف نشارك الآخرين فيها، فسندرك كم هي كبيرة وثمينة


Thursday, February 19, 2009

يحدث.. قيل موعد السفر


*****************

بقلم و ريشة منى الشافعي
****************

يمر الشهر بطيئاً متثاقلاً روتينياً.. تكاد تكون كل أيامه متشابهة، طبيعية وعادية، لا تنبض بفرحة ولا تُعلن عن حالة حزن واحدة.. رتابته مملّة وسكونه موجع.. وقبل أن يعلن عن رحيل آخر أيامه .. فجأة! تنبثق من بين هذا الركود العميق رحلة عمل لمدة خمسة أيام .. وهكذا دبت الحياة في آخر أيامه، ليبدأ الاستعداد والتحضير السريع لهذه السفرة الرسمية المفاجئة التي من المفروض أن تبدأ أعمالها بعد خمسة أيام من هذا اليوم!.. أول عمل كان التوجه إلى أقرب مكتب لشركة الخطوط الجوية الكويتية، لحجز تذكرة السفر إلى تلك العاصمة العربية.. والعمل الثاني التأكيد على حجز المقعد على الطائرة قرب النافذة.. فما أجمل أن تصافح عيناك تلك الغيوم المتناثرة في السماء،المحملة بقطرات الماء العذب، والتي تتشكل بلولبيات غريبة وعجيبة، ورسومات ضخمة أسطورية توحي لمن يتابعها بأجمل القصص والحكايات.
بهذا العمل ينكسر الروتين اليومي الذي كان يلازمني طيلة الشهر ليتفتت إلى نشاط وحركة تدب في كل لحظة من لحظات اليوم.. فبعد الحصول على التذكرة والمقعد- من غير واسطة- أتذكر فجأة! جواز السفر وكرت التأمين الصحي للمسافر.. يفاجئني الجواز بأن مدة صلاحيته قد انتهت منذ شهرين.. مع أنني كثيرة السفر والترحال.. يا لسرعة جريان الوقت؟ ! وكيف لم أنتبه قبل اللحظة؟!.. الحمد لله أن مشكلة الجواز ستنتهي بعد يومين-من غير واسطة- لأصطدم بأن كرت التأمين الصحي للمسافر قد انتهت مدته أيضاً.. الحمد لله إجراءاته بسيطة وسهلة.. لحسن حظي هناك ثلاثة أيام أخرى قبل موعد السفر كافية للحصول على جواز السفر الجديد والكرت الصحي ومتطلبات السفر الأخرى وأهمها تحضير ورقة العمل المطلوبة مني والاطلاع على جدول الأعمال ووضع الملاحظات.
* * *
صباح هذا اليوم، بينما جواز السفر يأخذ إجراءات تجديده الرسمية.. أكون قد بدأت بترتيب أولوياتي.. قررت أن أبدأ بشراء بعض الاحتياجات الأنثوية الضرورية والكمالية.. لا أدري لماذا خزانات السيدات دائماً لا تفي باحتياجات السفر؟!.. على كل حال، قبل أن أستعد للذهاب إلى السوق، وكعادتي الصباحية وبعجالة تصفحت جريدة القبس، وإذ بعينيَّ تصطدم بنعي الفاضلة والدة إحدى الصديقات المقربات.. يا لتعاستي وحزني!!.. وهنا، تتغير الظروف وبالتالي تتبدل الأولويات.. ألبس عباءتي، أزيل المكياج عن وجهي.. أذهب لتأدية واجب العزاء ولأنها صديقة حميمة ومقربة، أقضي معظم صباح هذا اليوم معها للمواساة.. هكذا يضيع نصف نهاري، لأتنازل عن عملية شراء بعض الاحتياجات من الكماليات التي تصدرت الورقة المندسة في حقيبة يدي.. فهناك أولويات أخرى أكثر أهمية!!
* * *
في طريقي ظهراً إلى المنزل.. يرن الموبايل، ليست من عادتي أن أرد على الموبايل وأنا أقود سيارتي خاصة إذا كنت في عجالة من أمري.. يظل يرن ويرن بدون توقف.. أزعجني وأخافني مما اضطرني للرد بحذر وعينايَّ مسمَّرة على الطريق.. ليخبرني الصوت أن أحد الأقرباء الأعزاء يرقد في المستشفى وستجرى له عملية جراحية عاجلة.. أدير مقود السيارة إلى حيث اتجاه مستشفى مبارك الكبير في ضاحية الجابرية حيث يرقد المريض .. بعد أن أمضيت قرابة الساعتين مع الأهل، وبعد أن اطمأن قلبي على نجاح العملية، استأذنت من الحضور وخرجت، وقد تبخر كل ما في رأسي من خطط وأولويات.وهكذا عدت لأمسك من جديد بورقة المشتروات وأشطب باقي الكماليات وجزءاً كبيراً من الضروريات.. منها بعض الإكسسوارات وأنواع المكياج.. لكم أن تتخيلوا تلك التضحية الأنثوية الكبيرة!
* * *
عصر اليوم بدأت بترتيب حقيبة السفر، فلم يبق غير يومين.. ويرن الموبايل .. الحمد لله يخبرني الصوت أن غداً الساعة العاشرة صباحاً يرجو حضوري لاستلام جواز السفر.. بقيت طيلة باقي ساعات النهار متنقلة بين ترتيب حقيبة السفر وكتابة ورقة العمل التي يجب أن أعد ملخصاً عنها لتقديمه في الاجتماع لإجازته.. وهكذا أكتب وأشطب وأغير وأبدل وأعيد الكتابة بحماسة قوية ثم يعتريني فتور حين أقرأ جدول الأعمال الذي لم أستوعب بعض بنوده المبهمة لأضع عليه ملاحظاتي واستفساراتي حتى أستطيع أن أناقش الزملاء والزميلات بقناعة وحجة.. إلى أن فاجأتني الساعة الثالثة صباح اليوم التالي .. فتوقفت عن التفكير المباح وفي رأسي تدور أولويات الغد.. أقصد اليوم لأن تباشير فجره قد بدأت تدنو من نافذتي!!
* * *
اليوم هو الثالث وغداً يوم السفر.. توجهت قبل العاشرة صباحاً بوجه مبتسم متفائل لاستلام جواز السفر الذي أسعدني عندما أمسكته بيدي.. ثم عرجت إلى البنك لاستلام الكرت الصحي للمسافر.. وبعد أن أنهيت المعاملة.. تنفست أول الصعداء وأنا متجهة إلى حيث سيارتي.. يرن جرس الموبايل – ياله من موبايل- إحدى القريبات، تتمنى عليَّ أن أمر على بيتها لتبعث معي علبة دواء مهمة إلى ابنتها التي تدرس هناك مع بعض الملابس الشتوية الجميلة، لأن الشتاء على الأبواب، مادمت أنا الآن قريبة من محل سكنها.. فهي مشغولة حد الإرهاق للتحضير والإعداد لحفلة عيد ميلاد ابنتها الصغيرة رشا.. وتؤكد عليّ أن لا أنسى موعد الحفلة وأن أحضر قبل الضيوف.. وتنبهني بأن رشا تنتظر هذا العام هدية حلوة ومميزة كعادتي كل عام لاسيما وهي تشبهني وتحبني.. هذا ما حصل، اضطرني أن أغير خطتي وأذهب إلى أقرب مجمع تجاري لشراء هدية مميزة إلى الغالية رشا.. ولكن هل سيبقى عندي متسع من الوقت لحضور الحفلة؟ إن حقيبة السفر لا تزال مفتوحة تنتظر الفرج.. أما أوراقي فمبعثرة ومتناثرة على المكتب في حاجة إلى تجميع وترتيب .. و .. و.. ومع هذا احتفظت بابتسامتي على وجهي وتفاءلت وهونت الأمور على نفسي.. وتشجعت فأخذت أدور كاللولب من هنا وهناك أقضي بعض الأمور حتى الرابعة مساء.. عدت إلى المنزل لأخذ قسطاً من الراحة!
في السادسة مساء.. ذهبت لوداع صديقتي الحميمة صاحبة العزاء معتذرة لها عن تقصيري نظراً لظروف السفر وتوابعه.. تخيلوا من حالة العزاء والحزن والألم.. عدت لابتسامتي التي لا تفارقني متجهة إلى منزل قريبتي للمشاركة في فرحة الصغيرة رشا في عيد ميلادها.. هذه هي الحياة، الفرح والحزن من عناصرها، ولنا كبشر أن نتعامل مع هذه الظروف بإيمان وشفافية وتقبل.. حمدت الله أن الهدية التي اشتريتها بسرعة أعجبت ابنة العاشرة.. وبعد قضاء أكثر من ساعتين مع الفرح والأحباب.. استأذنت .. (السفر باجر يا جماعة).. خرجت مسرعة وكأنني أسابق الوقت – ليتني أستطيع- ما إن تحركت السيارة متجهة إلى البيت.. حتى عادت الأولويات لتلتمع في رأسي من جديد أو بالأحرى ما تبقى منها.. فغداً يوم السفر.. لدي معاملة بنكية ضرورية يجب أن أنجزها في الصباح.. على كل حال، هناك متسع من الوقت فإن رحلتي تبدأ في الرابعة مساء.. ولو استدعى الأمر سأظل متيقظة ساهرة هذه الليلة حتى صباح الغد لأنهي كتابة ورقة العمل التي بدأت تملّ من وضعها المبعثر بين الأوراق الأخرى المهمة وغير المهمة.. ولأغلق حقيبة السفر التي لا تزال مفتوحة تطلب المزيد من الترتيب والنظام .. هذا ما دار في مخيلتي في الطريق.. فجأة والمقود في يدي تصطدم عينايَّ بالإشارة الضوئية الحمراء، تنبهني أن أخفف سرعتي وأقلل من اندفاعي استعداداً للتوقف أمام احمرارها الفاقع حسب لوائح وقوانين المرور المحلية والعالمية والمنطقية.. ما إن استراحت عجلات سيارتي الأربعة على الأسفلت الجديد حتى اهتزت سيارتي هزة بسيطة لكنها أفزعتني وأزعجتني.. عندها انتبهت، ترجلت من سيارتي لأتفقد ما حدث.. كان الشاب الصغير الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره يرتجف وترتعش الكلمات على اصفرار شفتيه.. ينظر إليَّ تارة بخوف وتوسل وينظر إلى مقدمة سيارة والدته "الكشخة حيل" بنظرة ندم، التي تحطمت هيئتها الأمامية وتكومت على الأرض بعض قطعها المعدنية والزجاجية.. حمدت الله أن سيارتي كانت من القوة والمتانة والارتفاع بحيث لم يتضرر منها غير المصباح الزجاجي من الجانب الأيسر وجزء من "الدعامية" نتيجة الاصطدام السريع المفاجئ.. بعد أن خف توتري وقبل أن يتجمع النشامي من الذكور من حولي لتأدية الواجب في مثل هذه الحالة.. كنت قد سامحت الشاب وحركت سيارتي عائدة إلى دفء البيت بعد أن أنهكني تعب اليوم وتعدد تحركاته.
* * *
في البيت.. حيث الراحة والدفء.. وبعد أن ارتحت قليلاً.. عدت لابتسامتي التي تشجعني دائماً على التحمل وبدأت بترتيب حاجاتي المتناثرة حتى جاءني صوت رنين الموبايل.. يا لهذا الرنين الذي أصبح يقلقني.. ماذا بعد؟! صوت أخي الكبير يخبرني بأن هناك ورقة رسمية مشتركة بيننا تستدعي مني التوقيع.. سيمر عليّ غداً في الصباح الباكر لعمل اللازم.. لأن غداً آخر يوم لموعد تسليمها إلى الجهة الرسمية.. يا إلهي ولماذا تأخرنا بها ولم نهتم لأمرها إلاّ في اللحظة الأخيرة.. لا أدري؟!
وعدت للتذكر.. ما هي أولويات ومستجدات يوم غد، يوم السفر، ويدي تعبث بالأوراق والملفات ترتبها وتعدلها.. في الصباح الباكر.. سأنتظر قدوم أخي العزيز وأوقع الورقة الرسمية.. أما سيارتي الغالية سيأخذها أحدهم مصحوبة بالسلامة لتدخل الكراج لإجراء التصليحات اللازمة لها.. وطبعاً دفع الفاتورة المستحقة!! وبعد ذلك ستكون أولوياتي، الذهاب إلى البنك لإنهاء معاملتي البنكية الضرورية.. ثم سأتوجه مع السائق إلى المطار وتنتهي معاناة الأربعة أيام.. بصراحة بعد أن أخذني التعب الجسدي والفكري لا أدري متى ولا كيف وضعت رأسي على مخدتي الدافئة؟
* * *
في الصباح الباكر.. وما إن وضعت يدي على مفتاح مجفف الشعر حتى حدث ما لم يكن متوقعاً!! لقد انقطعت الكهرباء فجأة! وتوقف كل شيء.. لكم أن تتصوروا حالي.. شعري يقطر ماء.. وبدلة السفر يراد لها كوي.. وكل ما في الكون يعمل على الكهرباء.. انتظرت ساعة زمن ولم تلتمع الكهرباء في بيتنا.. المحول الكهربائي الذي يغذي المنطقة بكاملها أصابه خلل فني!! يا إلهي لماذا لم يصبه هذا الخلل قبل أو بعد اليوم؟! أيضاً لا أدري؟!.. ما العمل؟! بما أنني أجيد فن التخيل.. تخيلت العالم قبل رحمة الكهرباء.. أخذت أتقبل الوضع وأتعامل مع تلك المستجدات.. وبعد صعوبة تهيأت للسفر.. امرأة من غير تصفيف شعر ولا ماكياج.. وحتى ملابس السفر المعدة تغيرت إلى أخرى وقع اختياري عليها بعجالة.. يا لها من تضحية أنثوية أخرى ليس لها مسمى!!
بعد أن حضر أخي ووقَّعت الورقة المطلوبة وغادرني مسرعاً أيضاً لاستكمال باقي إجراءات تلك الورقة.. ذهبت إلى البنك.. الحمد لله أنني أنهيت المعاملة بأسرع مما كنت أتوقع.. وتنفست جزء آخر من الصعداء.. وتوجهت إلى المطار على أمل أن أتجول في السوق الحرّة لشراء بعض الهدايا للزميلات.. وكنت اتساءل لماذا يحدث كل هذا عادة قبل يومين أو ثلاثة من موعد السفر؟! أو على الأقل لماذا تحدث بعض هذه الأمور أو معظمها إذا ظنَّ البعض أنني أبالغ؟! وهل تحدث لكل الناس عادة أم لبعضهم؟ أو هذا ما يحدث معي فقط؟! الإجابة حقيقة صعبة
* * *
تلك الغيوم بأشكالها الجميلة الأسطورية، سحبتني مع الخيال قليلاً.. أبعدتني عن متاعب الأيام القليلة الماضية.. وما إن هبطت الطائرة أرض المطار بسلام.. حتى كان أحد الأخوة من أسرة العلاقات العامة في استقبالي.. كان مرحباً بشوشاً.. ولكنني لاحظت أن هناك شيئاً ما مرسوماً على تقاطيع وجهه.. قبل أن أستفسر ونحن في طريقنا إلى حيث الفندق المعد لإقامة الوفود فاجأني بقوله : (نأسف يا سيدتي لقد تأجل الاجتماع إلى أجل غير مسمى.. أعتقد أنك سمعت البارحة عن الانفجارات التي حصلت في الفنادق الكبيرة عندنا.. وتلك الانفجارات هي سبب التأجيل.. فالأماكن العامة والفنادق الكبيرة محاطة برجال الأمن والشرطة مما يعيق ترتيبات واستعدادات وعقد هذه الندوة في موعدها الحالي- غداً صباحاً-
لم أعلق غير بتلك الكلمات: حتى أنتم وصلتكم عمليات الإرهاب والتخريب والسيارات المفخخة والانتحاريون؟
ردّ عليَّ بصوت دامع: نحن عرب يا أختي ولسنا بمعزل عن الآخرين
***********************

Friday, February 13, 2009

لتفرح الكويت بأعيادها

Happy Valentine,s Day




***********



كتبت منى الشافعي


****************
هل نحن ككويتيين سعداء على هذه الارض الطيبة؟ نعم نحن من اسعد خلق الله على هذه الارض المعطاء الحنون، التي احتوتنا بكل الحب ودللتنا كأحلى ام، ورسمت العز على جباهنا، ووهبتنا الطمأنينة، واعطتنا الامن والامان، وزرعت في دروبنا الخير بسخاء الكرماء.. وعززت روح الحرية والعدل والمساواة بيننا.. وبالتالي انعكست السعادة بأفيائها من الفرح والمرح والحب والبهجة والسرور على حياتنا وحياة من حولنا.. تلك نعمة غالية نشكر الخالق عز وجل عليها.


****


ها نحن ككويتيين تزداد سعادتنا ويملأ عطرها الارض ويتناثر عبيرها في الفضاء عندما يصافحنا بأفراحه ومسراته شهر فبراير من كل عام.. شهر الحب واعياده.. شهر الضحك والابتسام.. وهكذا يعتبر شهر فبراير عند الكويتيين من اجمل شهور السنة واحلاها.. فمن هلا فبراير واحتفالاته الى عيدي الاستقلال والتحرير، تلك الاعياد الوطنية الغالية على قلوب الكويتيين ونفوسهم الطرية، مروراً بأيامه الربيعية الملونة بزهور النوير الجميلة.. اضافة الى عيد الحب


Valentine‘s Day


الذي يتوسطها بمباهج وروده الحمراء الجميلة.


******


وفي غمرة افراح واحتفالات فبراير وفجأة، يظهر مَن يحرم الاحتفالات والسهرات.. يظهر مَن يصادر الفرح من اعيننا.. يظهر من يسلبنا حقنا المشروع في الاستمتاع بذكرى عيد التحرير الغالي، تلك المناسبة المتميزة التي لن ينساها الكويتيون ابداً.. يظهر من يحرمنا التعبير عن فرحتنا بعيدنا الوطني، عيد الجلوس والاستقلال الذي فطرنا على الاحتفال به سنوياً.. فلماذا يريدون للسعادة ان تهرب من بين ايدينا، وللفرح ان ينطفئ من عيون الديرة الرائعة الجميلة، التي من حقها علينا ان نفرح ونحتفل باعيادها؟!.. الا يدركون ان الحب والفرح والتعبير عنهما والاستمتاع بأجوائهما هما من اكثر الاشياء اهمية في الحياة واسماها.. وبالتالي، الكويتيون يا جماعة، بشر من لحم ودم، يحتاجون الى تحريك عواطفهم الانسانية الجميلة، كاحتياجهم الى الماء والهواء والاكل والشرب.


******


ايها الكويتيون، احتفلوا «بفبرايركم» واعياده المتنوعة.. عبروا عن كل حالات الحب والفرح بأطيب المشاعر وألذ الاحاسيس، حسب قناعاتكم واذواقكم وبكل الطرق المشروعة الراقية، بأهازيجكم الوطنية، بالرقص، بالغناء، بالورود الحمراء وزهور النوير.. ولا تدعوا السعادة تهرب من بين ايديكم، فالكويت تستحق ان تفرح وتستمتع بحريتها وترقص افراحها، وتغني اعذب مسراتها.


******


كل فرح وكل عيد وكل فبراير وكل احتفال وانتم بألف الف خير.. وقبلة اخوية ووردة حمراء لكل الكويتيين والمقيمين الذين يحترمون اعياد فبراير، ويقدرون كل اشكال الحب.


*****


اضاءة


****:


ذكرت كلمة «فرح» 12مرة، في هذه المقالة القصيرة.. فهل بإمكاننا ان نستغني عن الفرح؟!




Tuesday, February 10, 2009

جريدة القبس:: الصور ::

جريدة القبس:: الصور ::

عبقري الاسلام لم يكن اشتراكيا


  • **************

    كتبت منى الشافعي
    ***********

  • عبقري الإسلام.. لم يكن اشتراكياً
  • هل وأد عمر بن الخطاب ابنته ؟


  • لا تخلو الكتابة عن سير الصحابة والسلف الصالح (رضي الله عنهم) من صعوبة، فهي تحتاج إلى منهجية علمية واضحة تلتزم الدقة والحيادية، والبحث المتواصل والاطلاع المستمر والتأنّي، والأهم يجب أن تتميز بالصدق والموضوعية والبعد عن العواطف والأهواء. أطل علينا د. أحمد الرفاعي بإصداره الخامس في موضوع سيرة عظماء المسلمين الذي يحمل عنوان «سفير قريش وعبقري الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من إسلامه إلى استشهاده».

    *******

    ربما يتساءل القارئ: ما الذي دفع د. أحمد الرفاعي إلى الاهتمام والتعلق بكتابة سير الصحابة وآل البيت (رضي الله عنهم).. وهو الحاصل على شهادات علمية متخصصة بعلوم الإدارة؟.. ليعرف القارئ أن د. الرفاعي نشأ في بيئة إسلامية وأسرة مؤمنة محبة للخير والصلاح وهبت نفسها لخدمة الإسلام والمسلمين، تنحدر من سلالة آل البيت (رضي الله عنهم)، فكان تأثيرها الديني واضحاً ومثمراً في حياة د. أحمد الرفاعي.


    في مقدمة الكتاب يخبرنا د. الرفاعي بأنه لم يلتزم الترتيب الزمني في كتابة سيرة الخلفاء الراشدين. وقد تعمد أن تكون سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الأخيرة في سلسلة إصداراته عن الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم جميعا).. وذلك لأن فترة حكم الفاروق عمر (رضي الله عنه) من أطول الفترات وأكثرها أحداثا، وتسترعي الوقوف أمامها والاسترسال في بعض أحداثها.


    ********

    المحتويات

    ********

    يحتوي الكتاب على ثمانية فصول تضمنت دراسة وافية كافية ومستفيضة لسيرة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).. تثري الكتابَ آراء د. أحمد الرفاعي وآراء بعض المؤرخين الآخرين الذين استشهد د. أحمد بآرائهم السديدة في بعض الموضوعات المطروحة في الكتاب. يهمني أن يطلع القارئ على نماذج من تلك الآراء الغنية بالعلم والمعرفة.. وبالتالي سأقتطف من أهم ثمراتها.. وسأنتقي بعض الفقرات المعبرة عن الموضوعات ذات العلاقة.

    ***********

    مقتطفات من ألقابه رضي الله عنه

    ***********
    لقب سفير قريش، فيقول د. الرفاعي: «.. عرفت قريش فيه كل ما يشرّف القرشي ويجعله في الصدارة من إخوانه، فأحلّته المكانة التي شرفت باعتقاده إياها. فإلى عمر كانت سفارة قريش في الجاهلية... وأكرم بالسفارة مكانة في ذاك المقام، وهو دون الثلاثين من عمره».ومن ألقابه أيضا لقب «عمر العبقري»، فيقول د. الرفاعي: «الألقاب التي تشرف بها أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) لقب العبقري، وهو ما كنّاه به الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله: «أرى ابن أبي قحافة ينزع ذَّنوبا أو ذَّنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم نزع ابن الخطاب فلم أرَ عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بطعني»، ويضيف د.الرفاعي «بهذا الحديث الشريف اود ان ابدي ما قيل عن عبقرية امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).. انها عبقرية لا مثيل لها على مدى تاريخ البشرية اجمع..».اما رأي الاستاذ عباس محمود العقاد، رحمه الله تعالى‍، فيقول تأكيدا لرأي د.الرفاعي عن عبقرية عمر الفريدة من نوعها: «كان طويلا بائن الطول يُرى ماشيا كأنه راكب، جسيما صلبا يصرع الاقوياء ويروض الفرس بغير ر.كاب، ويتكلم فيسمع السمع منه وفاق ما رأى من نفاذ قول وفصل خطاب».كما استشهد د.الرفاعي بآراء اخرى حول شخصية عمر (رضي الله عنه)، منها رأي الاستاد حسن العلوي و غيره.


    ********
    هل وأد عمر ابنته؟
    ********
    من احدى التهم التي حاول اعداء المسلمين تلفيقها لامير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) انه قد وأد احدى بناته في الجاهلية، ولقد جمع لنا د.الرفاعي عدة آراء لاساتذة مفكرين ومؤرخين عرب تشكك في صحة هذه التهمة المنسوبة الى سيدنا عمر (رضي الله عنه).والرواية المنسوبة تقول «ان عمر اخذ ابنته التي اراد وأدها، فحفر لها حفرة فصارت تنفض التراب عن لحيته فدفنها حية».من رأي الاستاذ العقاد نقتطف: «فالوأد لم يكن بالعادة الشائعة بين جميع القبائل العربية، ولم يشتهر بني عدي خاصة بهذه العادة، ولا اشتهرت بها اسرة الخطاب التي عاشت منها فيما نعلم فاطمة اخت عمر وحفصة اكبر اولاده، وهي التي كني ابا حفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة وهي في السن التي تفهم فيها كيف تنفض التراب عن لحية ابيها؟ لماذا انقطعت اخبار هذه الصغرى المزعومة فلم يذكرها احد من اخوانها واخواتها ولا احد من عمومتها وخؤولتها؟».اما رأي الاستاد حسن العلوي حول هذه التهمة فيقول: «لعلها فرية كبرى اراد بها اتباعه ومحبوه ان يبرهنوا على ما احدثه فيه الاسلام من انعطاف وما كان هو عليه في جاهليته من جهل وقسوة، تكون ذروتهما ان يدفن الاب ابنته حية، وكأنها ظاهرة يومية وعرف لاتحيد عنه»..ويضيف أ.العلوي : «ولماذا لم يئد ابنته حفصة التي ولدت قبل البعثة النبوية، وهل عرف عن بني عدي انهم يئدون بناتهم؟ ام ان المعروف والسائد في الروايات ان زعماءهم كانوا على سنة عمرو بن نفيل؟».اما رأي الشيخ عبدالرحمن السحيم حول هذه التهمة فهو قوله: «لم يثبت هذا عن عمر (رضي الله عنه)، والاصل انه لا يثبت مثل ذلك الا باسناد ثابت، وليس لدينا اسناد ثابت بان عمر (رضي الله عنه) فعل ذلك فعلاً!..».اما رأي د.الرفاعي في ذلك يقول: «قبل البدء في شرح وتحليل هذا الطعن على ابنته، وجب علينا ن نذكر بعض الحقائق التي لا يمكننا اغفالها، ومنها: لم نجد تلك الرواية في اي من كتب التاريخ والسير سواء في كتب اهل السنة او كتب اهل الشيعة، ولم يؤكد تلك الرواية احد، حتى ان العقاد، رحمه الله تعالى، ذكرها وهو مشكك في صحتها»، ويضيف د.الرفاعي: «من المعروف ان قبيلة قريش، وهي القبيلة المهيمنة على الحرم المكي تتكون من فروع كثيرة، من اهمها بنو هاشم وبنو امية وبنو مخزوموبني عدي وبني تيم وغيرهم. وهؤلاء يعيشون عيشة أهل الحضر، فهم ليسوا كالبدو الرحل، ولم نسمع بأن أحدا من قريش كان قد وأد ابنته خوفا عليها من عملية السبي أو الفقر...»، ويضيف: «وهناك ملاحظة مهمة يجب ان لا نغفلها، وهي كثرة القصاصين في ذلك الزمان، والذين كانوا يبالغون في رواية الأخبار، وما أكثر الكذابين منهم حتى أن عمر (رضي الله عنه) ومن بعده الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، كانا يعاقبان أولئك القصاصين، بل إنهما منعاهم من ذلك في عهديهما... وإن صحت تلك الرواية فهي ليست بطعن في عمر (رضي الله عنه) وحده، بل إنها طعن بمعظم أهل مكة المكرمة ومن يعيش في حدودها في ذلك الزمن وفعل ما فعل... وأخيراً فأنا أتفق مع العقاد وغيره من الذين أنكروا هذه الرواية جملة وتفصيلا».


    ************
    الاشتراكية الإسلامية

    *************
    يقول د. الرفاعي في الفصل الخامس الذي يتحدث فيه عن انجازات عبقري الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).. حول عمر والاقتصاد: «... ولقد كان الفاروق يعظ الأغنياء بقوله: «إذا أعطيتم فأغنوا».. وقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت فضول أموال الأغنياء، فقسمتها على فقراء المهاجرين»... وقد اعتقد البعض بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كان يحب أن يطبق الاشتراكية المعروفة في يومنا الحالي، من حيث تطبيق مبدأ التأميم وتوزيع الثروات بين الناس ليعدل بينهم، كما يظن أصحاب هذه المدرسة، وقد سماها البعض «الاشتراكية الإسلامية»، ولكن هذا بعيد كل البعد عما كان يريده عمر (رضي الله عنه) ولو كان هذا صحيحا لطبقه بدلا من القول به.أما رأي د. الرفاعي في هذا الخصوص... فيقول: «من الواضح بأن نية الفاروق وعبقري الإسلام عمر (رضي الله عنه) هي محاولته تعديل سبل المعيشة فقط، وتوفير الضروريات بين الشعب عامة إن أمكن، خصوصا وقد لاحظ ظهور بوادر الغنى الفاحش ما بين الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين)، وباقي المسلمين. ولكن نلاحظ أن عمر (رضي الله عنه) لم يطبقه او يسعى إليه، بل كان يتمنى ذلك من حيث توزيع فضول أو ما زاد عند الأغنياء على الفقراء، خصوصا أن العطاء الذي كان يصل للخليفة من خلال الفتوحات العربية الإسلامية، كان يوزع بتفاوت بين الناس، كل بحسب عطائه للدولة وحاجته.. بالإضافة الى ذلك، فإن أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) كان يدرك ويعرف معنى الإسلام ومبادئه فمن المستحيل ان يساوي بين الناس بالعطاء، ويناقض والعياذ بالله قول الله تعالى في اكثر من آية في القرآن الكريم ومنها: «وفي السماء رزقكم وما توعدون».وهناك الكثير من انجازات سيدنا عمر (رضي الله عنه)، واهتماماته في تنظيم
    حياة المسلمين اجتماعيا واقتصاديا وعلميا ودينيا، تطرق لها د. الرفاعي في كتابه

    *********

    رأي

    *****
    نتمنى أن نكون قد وفقنا بتلك الفلاشات البسيطة والومضات المختصرة عن محتويات هذا الكتاب القيم الغني بمعلوماته والثري بدقة آرائه.. بحيث لا يمكن ان نوفيه حقه بهذه الوريقات القليلة.. لكننا حاولنا أن نبرز بعض الأمور المهمة الواردة بين دفتيه والتي تشكل أهميته وخصوصيته.يتميز الكتاب بمنهجية علمية وحيادية وموضوعية، تؤكد على نزاهة الكاتب وصدقه في طرح الحقائق التي توصل إليها في بحثه الدؤوب، كما أبدى رأيه حولها بكل أمانة ومصداقية.. وبالتالي توفر للقارئ والباحث والمتابع نتائج علمية وتاريخية صحيحة ومنطقية.. موثقة ومحققة.. وهذا ما يميز جميع كتابات د.أحمد الرفاعي السابقة.لقد أجاد الكاتب، في البعد الموضوعي لمحتويات الكتاب، كما أجاد في البعد الشكلي للكتاب فجاء متسلسلا بأحداثه التاريخية، واضحا ومنتظما ومفهوما، مزودا بالمراجع والمصادر والهوامش التوضيحية، كما أنه ملحق بخرائط وأشكال توضيحية ملونة تثري الكتاب وتدعمه.فالكتاب دراسة وافية كافية جدية تتميز بخاصية الشمولية.. وهو جهد طيب ومبارك أثرى المكتبتين العربية والكويتية في هذا الجانب المطلوب تحقيقه وإثباته والاكثار من الكتابة حوله.. ويعتبر مرجعا مهما جديراً بالقراءة والاقتناء، لأنه يستحق الصدارة مع قائمة الكتب الإسلامية.


Tuesday, February 03, 2009

* غربة داخل الوطن *


*************


كتب منى الشافعي

**********
للغربة مدلولات أليمة، ومعان موجعة على الإنسان، أصعبها غربة الوطن، فما بالك بالمواطن الذي يعيش ازمة الغربة داخل وطنه، ويشعر بأنه محاصر ومقيد بسلاسل العيب والحرام من الآخرين، يحسب الف حساب لكل التفاتة يقوم بها، او حركة عفوية تفاجئه، او كلمة عذراء يتفوه بها، أو حرف رائع يكتبه

*****

نعتقد ان عذابات هذا الاغتراب الروحي قاتلة، ووجع هذا النوع بالغربة يكاد يصل الى النخاع، والاحساس بالغربة داخل الوطن هو اقسى انواع القهر الاجتماعي الذي يمارس على الانسان ـــ المواطن الحر.. حتى انه سيبدأ رويدا رويدا بفقدان ثقته بكل الكائنات والاشياء من حوله.. وبالتالي يعيش حالة ضياع مهزوزة متوترة، وكأنه بلا كيان ولا هوية.هذا ما نشعر به في هذه الديرة، وهذا الوطن.. فكيف نُـلغي هذه الغربة المفروضة، من دواخلنا واحاسيسنا، وكيف نسيطر عليها؟ لا سيما ان حدتها أخذت تتصاعد يوما بعد آخر وتتغلغل في اعماقنا بغفلة منا، لتصبح ظاهرة ملموسة، نظرا للمتغيرات الاجتماعية المحلية، والمستجدات اليومية المتلاحقة، التي اخذت تفرضها بعض فئات المجتمع الاخرى المتنفذة.. تلك الفئات التي لا تؤمن بالاختلاف ولا بالرأي الآخر، مع انهما من العناصر الصحية التي تحفظ للمجتمع توازنه وديموقراطيته، والانكى ان هذه الفئات اخذت تمارس الولاية على غيرها من البشر بكل جرأة وأنانية، ذلك لانها تعاني سطحية التفكير وقصر النظر، تحسب نفسها قوة تتصارع مع الآخر في حلبة مصارعة، لتلوي ذراعه بحجة الدين السمح الرائع، وهكذا تزداد الديرة ابتعادا عنا، ونزداد نحن حزنا وقهرا على ديرتنا التي نحبها ونعشق تراب ارضها.. وهكذا نشعر كأننا اقتلعنا من بيئتنا الحلوة الجميلة من غير حق، وأصبحنا نعيش في بيئة اخرى بعيدة كل البعد عن مفاهيمنا وقيمنا وعاداتنا التي نشأنا وتربينا عليها منذ عشرات السنين، وكأننا وُلدنا البارحة لا نفقه ولا نعرف عن امور حياتنا اليومية شيئا.. هذا هو احساسنا الذي اصبح يلازمنا في هذه السنين العجاف التي مرت ولا تزال تمر على ديرتنا.. يُـمارس علينا النفي والتهجير والاغتراب داخل وطننا.. اتدرون لماذا؟ لاننا فقط نختلف عنهم في فكرنا المعتدل، ووعينا الحضاري المتزن، ورؤانا الواضحة السليمة، وحبنا لهذا الوطن، وخوفنا عليه من التفكك والضياع.. كما اخذت هذه الفئات تُلغي وتحتقر وتهين افكارنا وقناعاتنا وتصرفاتنا بطرقها السافرة، وتصادر افراحنا وحرياتنا، وتئد مشاعرنا، وتحرمنا من الاحاسيس الانسانية اللذيذة، وتنتهك ابسط حقوقنا الانسانية، في اللبس والاكل والشرب، والضحك والابتسام، والرقص والغناء والفرح.. وتنهى وتأمر حسب قناعاتهاورؤاها الضيقة

*****

.يا خسارة.. لقد تغيرت تفاصيل الحياة الجميلة الممتعة التي كنا نمارسها بكل حرية حسب رغباتنا وتطلعاتنا الشخصية، كما كثرت التابوهات من حولنا، واصبحت هناك تفاصيل اخرى يومية قسرية يجب علينا ان نهتدي بها، وإلا فنحن لسنا من الجماعة، ولا من هذه الامة، ولا من هذه الديرة.. فهل نحن كائنات من كوكب آخر؟بصراحة.. انها غربة لا تُـحتمل، لها انعكاسات وتأثيرات سلبية على ارواحنا الحرة ونفوسنا الحائرة وتصرفاتنا الجميلة.. ألا تعتقدون معي انه شيء لا إنساني؟يا جماعة.. أين ضاعت كرامة الآخر ـــ المواطن.. ولماذا فقد احترامه؟ أين ذهبت حقوقه الانسانية؟ اين الشفافية والوسطية اللتين نتغنى بهما جميعا؟ اين العدل والمساواة والامان؟ أين كويت الماضي القريب والبعيد، كويت الديموقراطية، كويت العدل والتسامح، كويت المحبة والالفة، كويت الاسرة الواحدة؟.. متى يا ترى يتحقق الحلم ويتم الايمان والاعتراف بالآخر قبل ان تسحقه محنة الاغتراب اللئيمة وهو في وطنه؟أتدرون «الشق عُـود / واسع» وتلك اسئلة لا تبحث عن جواب بقدر ماتحتاج الى احزان اكبر وهموم اكثر واغتراب أوسع، اذا تكسر الحلم على صفحة هذه الجريدة الحرة .... القبس

إضاءة

****

«الإنسان العظيم هو الذي لم يفقد قلبه الطفولي»

m_alshafei@ hotmail.com