برنسيس إيكاروس

Monday, March 31, 2025

 

حكاية ورقة ملونة


 🍁

***

حكاية هذه الورقة الصغيرة التي سقطت على الأرض بفعل " الخريف "  الذي لا يرحم ، حين  أقبل على المكان بكل عنفوانهوشبابه ، اختار بعض الاشجار الوارفة الجميلة وأخذ يلوّن أوراقها الى الأحمر والأصفر والبرتقالي ، حتى فقدت اخضرارهاوملمسها الحريري ، ولم يرحمها بعد ذلك ، أخذ يتباهى بأنه سيد الطبيعة في هذا الفصل من السنة ، وبالتالي  من حقه أن  يمارس سطوته وسيطرته الكاملة على المكان ، فلم يكتفي بتغيير الألوان وجفافها فوق الشجر ، بل بدأ يُضعف الأوراق حتىتتساقط الواحدة تلو الأخرى ، ليقف  متفرجاً ضاحكاً على عري الأشجار مزهواً بقوته .. وهكذا سقطت هذه الورقة الصغيرةالمسكينة  .. ولكن بعد لحظة سقطت تلك الكبيرة قربها .. فاصطادتها  عدستي ، حيث  كنت في لحظة تأمل قرب البحيرة  الكبيرة الممتدة ، أراقب انعكاسات ظل الأشجار على صفحة الماء ، وقرص الشمس حين يودعنا فيختفي فجأة في عمقالبحيرة  .  وحين سقطت الورقة الكبيرة  ، سحبتني من تأملاتي لأتساءل  .. يا ترى أكانتا متجاورتين على الشجرة  كجارتينفقط ، أم  أكانتا صديقتين  حميمتين ، أكانتا أم وابنتها ، أم حبيبان عاشقان ضيعهما الخريف  .. لا فرق عندي ، فمن يحب ،ويعشق يتبع حبيبه حتى الفناء


لحظة تأمل

***

بلحظة تأمل .. انتبهت الى أنني قد فقدت أمي منذ زمن بعيد ، وما تزال الدموع تلهب عينيّ شوقا ، وتوجع قلبي حسرة ، وأشعردائما أن هناك شيئا ما ينقصني ، حنانها ، دفئها ، لمسة يدها ، بسمتها ، ضحكتها ، هدوءها ، صخبها ، دعواتها ، رعايتها ، أما لذة حليبها فما يزال يرطّب جفاف لساني، فحبي لأمي تجاوز كل الحدود «يرحمها الله» فالأم لا مثيل لها بين الخلق ، حقا إن لغة الكلام تتعطل حين نتحدث عن الأم !


 

منى الشافعي..القصيدة السردية

بقلم: عدنان فرزات

مرت الرواية الكويتية حتى الآن بأربعة منعطفات محورية يمكن أن نرسم نقاطها بوضوح كالآتي::

مرحلة التأسيس الأولى، ومرحلة التأسيس الثانية ثم مرحلة ما بعد التسعينيات، وأخيراً المرحلة الحديثة وتمتد حتى تاريخ نشر هذا الكتاب في عام 2022م.

أما مرحلة التأسيس الأولى، فقد اختلف النقاد والمؤرخون فيها، فهل ظهرت الرواية على يد الكاتب فرحان راشد الفرحان في عام 1948م من خلال عمله السردي "آلام صديق" أم من خلال رواية "مدرسة من المرقاب" التي كتبها الأديب عبدالله خلف؟. وكان وجه الخلاف فنياً يتعلق بتصنيف عمل فرحان راشد الفرحان في ما إذا كان قصة طويلة أم رواية. بكل الأحوال استمرت هذه المرحلة بطيئة لا تحمل مشروعاً روائياً متكاملاً لأحد. إلى أن جاءت مرحلة التأسيس الثانية في السبعينيات من القرن الماضي، وفي تلك المرحلة يذكر معظم النقاد أن للأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل الدور الأمثل في انطلاق رواية جديدة ذات صبغة فنية متكاملة. وظهرت في تلك الفترة عدة أسماء مهمة عززت موقع الرواية الكويتية ومنحتها زخماً كبيراً.

 ثم بعد ذلك جاءت مرحلة ما بعد عام 1990م، والتي شهدت حراكاً روائياً عظيماً، ودخل في هذه المرحلة أسماء جديدة تحمل أساليب ومضامين متجددة، لتمهد هذه المرحلة لظهور الرواية الشبابية الغزيرة التي نشهدها اليوم.

وفي هذه الخريطة الروائية، أو لنقل السردية، يمكن أن نشير بوضوح إلى موقع الأديبة منى الشافعي التي ظهرت أعمالها في المرحلة الثالثة، ولكن موقعها يحتاج إلى شيء من التفصيل. فهي فعلياً كانت منخرطة بالجو الأدبي والثقافي بشكل عام، وشغوفة جداً بالإبداع من خلال مشاركاتها العديدة في هذا المجال، وهذا يتجاوز التوثيق العلمي لظهورها الرسمي المتمثل في أول مجموعة قصصية لها صدرت عن دار الدكتورة سعاد الصباح "النخلة ورائحة الهيل" في عام 1992م. هذه المجوعة التي أمسكت بعيون النقاد ووسائل الإعلام وأدارت هذه العيون بقوة واقتدار إلى ظهور كاتبة سردية لها ملامحها الخاصة في الكتابة. وتمكنت أعمال الأديبة منى الشافعي من وضع مسارها الجغرافي فوق خريطة السرد الكويتي عندما أثبتت أن لديها إمكانية لنقل قلمها إلى فضاء سردي أوسع من القصة، فجاءت أول رواياتها بعنوان "ليلة جنون" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام 2008م. ومثلما فعلت مجموعتها القصصية الأولى، كذلك فعلت روايتها الأولى، وأصبحت ثمة علامة فارقة فوق صفحات سجل التوثيق السردي في الكويت اسمها "منى الشافعي".

ومن بين زخم قصصي وروائي، أكملت الأديبة منى الشافعي مسارها بخطوات ثابتة ومدروسة، فكانت في كل مرة تطل على القارئ بفكرة جديدة تتواكب مع مستجدات العصر الحديث من أحداث اجتماعية وعاطفية وبعض ملامح سياسية غير مباشرة. ويحسب للأديبة منى الشافعي أنها خرجت بطرحها الجديد عن جغرافية المكان في الرواية، فأصبحت بعض احداث رواياتها تدور في الغرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية. حيث ظلت الرواية الكويتية في معظمها حبيسة الرقعة الجغرافية المحلية إلا من بعض الأعمال التي تخطت الحدود إلى الواقع العربي أو الإقليمي. لكن الأديبة منى الشافعي تتبعت المستجدات التي حصلت للمجتمع الكويتي والأسفار التي أصبحت سمة من سمات مجتمع الرفاهية في مرحلة ما بعد النفط، وبالتالي كان لا بد من أن تقع بعض الأحداث الروائية في تلك الأمكنة البعيدة.

يمكن للناقد أو القارئ أن يدرك بصمة منى الشافعي على الكتاب الذي تؤلفه حتى لو أغفلنا الاسم على الغلاف، وهنا يستدرجنا الزمن إلى المزيج الثقافي الذي عاشته الأديبة إما راصدة أو مندمجة أو متفاعلة مع المراحل التي ذكرناها في بداية هذه السطور. فشكلت منى الشافعي أسلوبها المتفرد والذي يستند أولاً-حسب التصنيف الأكاديمي-إلى الواقعية، ولكنها واقعية من حيث الشكل، أي أن هذه المدرسة ما هي إلا بوابة عبور استخدمتها الأديبة أو ربما سخرتها بذكاء لتشكيل أسلوب هو مزيج ما بين شاعرية ووجدانية وإنسانية، ألبستها ثوب الواقعية. لذلك، فهي تتناول أشد الحالات الاجتماعية قسوة ولكن بحروف من حرير ناعم لا يجرح عين القارئ ولا يسيء إلى حالة اجتماعية عامة أو يزدريها. فكلماتها أنيقة يمكن أن أسميها بـ"القصيدة السردية".

من هنا فقد حققت الأديبة منى الشافعي رصيداً كبيراً من الكتابات التي سطرها نقاد أعلام متميزون عن كتاباتها. وقد لفت انتباهي هذا الكم من الدراسات والمقالات والشهادات التي قيلت حولها، والتي نشرت في المجلات الأدبية والصحف. فوجتدت أن فيها فائدة كبيرة يمكن تقديمها للطلبة والباحثين والدارسين والقراء، فقمت بجمع شتات هذه الأعمال التي كُتبت عن الأديبة منى الشافعي كي تكون في مكان واحد، وللتنويه فما يتضمنه هذا الكتاب هو ليس كل ما كتب عنها، فهناك كتب أخرى عن الأديبة منى الشافعي. ولكن ما يحتويه هذا الكتاب هو ما دلتني إليه بوصلة بحثي عنها.

في الدراسات والمقالات التي وردت في هذا الكتاب، اكشتافات نقدية بالغة الأهمية، وميزة هذه الأعمال أن كل ناقد كان يتمركز في موقع مختلف عن الآخر فينظر من زاويته ويكتب شيئاً مختلفاً عن الآخر، رغم أن العمل واحد وإن تعدد النقاد حوله. وهذا يعني أن أعمال منى الشافعي تحتمل التأويلات والاحتمالات وكتاباتها لا تسلم نفسها بسهولة للناقد، وهو دليل على زخم أفكارها وتنوعها وتعدد دلالاتها. الأمر الذي أعطى هذه الدراسات

زخماً كبيراً ومساحات شاسعة بإمكان الباحث عن أدب منى الشافعي أن يجد خيارات لا حصر لها في انتقاء ما يغني بحثه.

متأملاً من هذا الكتاب أن يكون مرجعاً أميناً عن أديبة مجتهدة نحتت بقلمها كما رسمت بريشتها سطراً واضحاً في صفحات السرد الكويتي بل والعربي استحقت عليه جوائز عديدة في مسيرتها الحافلة، وسيذكر التاريخ الأدبي في الكويت أن ثمة مكان لائق في صدر مجلسه مكتوب عليه اسم "منى الشافعي " .".

 

 

رائحة الخبز!

كتب منى الشافعي :

 

 

عادة، كل صباح يوم السبت، يتفنن الطباخ بإعداد مائدة عامرة لذيذة لوجبة الفطور، لانه الصباح الوحيد الذي تجتمع فيه الاسرة على المائدة لتناول وجبة الفطور.. وهكذا تمتلئ الطاولة من خيرات الديرة واطايبها.. والشيء الاجمل حين يحلو للطباخ ان يقدم على المائدة اقراص الخبز الطازج الصغيرة.. ذلك النوع من الخبز الذي تجذبني رائحته الطازجة اللذيذة حين يصافحني وجوده متربعا في وسط المائدة، فتسترد شهيتي عافيتها.
صباح السبت الماضي وكالعادة، لا ادري حقيقة ماذا حصل لي، حين فاجأتني رائحة الخبز الزكية وهي تملأ المكان بلذتها.. تلك الرائحة التي كانت تدفعني في طفولتي لالتهام قرص الخبز الكبير ساخناً يلهب حلقي الصغير.. اما صباح اليوم فقد احسست بشيء منعني من ترديد عبارة «الله.. ريوقنا خبز طازج».. لكنني تحاملت على هذا الاحساس الغريب وتناولت منه القليل على غير عادتي، حتى لا يشعر الآخرون بغرابة تصرفي.
بعد الفطور، اختليت الى نفسي واخذت اتساءل: لماذا هذا الضيق الذي جثم على صدري حين رأيت منظر اقراص الخبز الصغيرة اللذيذة التي تفتح النفس، وتحرك الشهية، على عكس ما يحدث معي دائماً؟
بعد لحظة تفكير بعيدة.. تذكرت أنني قبل فترة الغزو العراقي على الديرة واهلها في 2 اغسطس 1990، لم اكن اجيد تحضير وخَبْز هذا النوع من الخبز اللذيذ ولا غيره.. وفي تلك الفترة الحرجة المؤلمة - فترة الغزو - تعلمت طريقة تحضير هذا النوع الصغير الحجم من الخبز، نظراً لصغر كفي، وهكذا، اصبح هذا الشكل الصغير عند اهل الديرة لصيقاً باسمي، لانني كنت اخبزه يومياً واوزعه على الاهل والجيران والاصدقاء، والقريب والبعيد وكل من يصادفني من الصامدين، لان الجميع اصبح اسرة واحدة كعادة اهل الكويت دائماً.. هذا الخبز كان قوتنا وقوت عيالنا اليومي الذي كنا نحافظ عليه ونموت في سبيل الحصول عليه ايضاً.. لذا فمنظره اليوم، وهو يتصدر المائدة، اخذ يذكرني بتلك الايام القاسية الموجعة التي عشناها «صامدين» في البحث عن لقمة العيش، وعن الامن والامان المفقودين، اللذين لم نشعر بوجودهما حتى صباح التحرير في 26 فبراير 1991.
لا أدري، لماذا هذه الايام بالذات، اصبحت ذكرى الغزو تحتل مساحة كبيرة من تفكيري، تقلقني وتنغص عليَّ ايامي.. لاادري، هل لان ذكرى يوم 2 اغسطس تدق الابواب مع لهيب هذا الصيف فتحفز في ذهني هذه الذكريات الموجعة؟‍ ام ان هناك اشياء اخرى في الساحة السياسية تشعل ذاكرتي بمعاناة الصامدين؟! بصراحة.. لا ادري!!
نتمنى.. ان يأتي علينا يوم وتنمحي تلك الذكريات الحزينة من صفحات الذاكرة الحية.. نتمنى!

منى الشافعي

 صالون اليرموك الثقافي

*****

 أعتقد أن عصرنا هذا يسمى عصر الثقافة ،لأن الثقافة مفردة مطاطية واسعة، تمددت وتشعبت لتحتل أكثر من مجال في حياة الإنسان اليومية ، حتى أصبحت أسلوب حياة .. وهي من أجمل الظواهر الإنسانية التي تحدد علاقة الفرد بأخيه الآخر، وعلاقاته بمختلف عناصر الحياة الأخرى.

                قديماً كانت كلمة ثقافة تعني الذكاء والتعليم ومع الزمن تطورت لتحتضن الحراك الإنساني كله من أفعال وأعمال ذلك الإنسان وأنشطته الفكرية والعلمية والإبداعية والأدبية والجمالية ، وممارساته وخبراته وحياته الاجتماعية .. هكذا حتى أصبحت الثقافة أسلوب حياة الإنسان الخاصة والعامة في كل المجتمع.

     بدأ صالون اليرموك الثقافي نشاطه وفعالياته في موسمه الأول عام 2008 ، في منزل الشيخة فضيلة الدعيج الصباح ،حيث كان قبل ذلك فكرة راودت الشيخة فضيلة الصباح الى أن تحقق هذا الحلم . وعن هذا الحلم الجميل تقول الصباح :" كان هدفي الأساسي جمع المثقفين والمفكرين من الأصدقاء والزملاء تحت سقف واحد ، في لقاءات فكرية متنوعة ومختلفة ، وتبادل المعلومات والمعارف والاستفادة الجماعية من تعدد هذه الثقافات . وتفعيل الحراك الثقافي من فكر وأدب ومعرفة وعلم للرقي بالذوق العام في المجتمع ، وتنمية الوعي الثقافي للفرد / المتلقي لأمور حياتية كثيرة تهمه . والتواصل مع جميع مثقفي أطياف المجتمع ومفكريه حتى تعم الفائدة المرجوة من وجود هذا الملتقى لأنه استثمار يصب في صالح المجتمع ."

 

    واستمر الصالون بتقديم أنشطته وفعالياته الثقافية كمنبر فكري راق ، يلتزم الموضوعية في التعبير عن الأفكار المطروحة ، مساء كل يوم أحد من كل اسبوع منذ افتتاحه ، بانتظام وحيوية وفاعلية ونجاح ، بجهد من راعية / صاحبة الصالون ، والمديرة ، وأعضائه الدائمين المهتمين .

    استضاف الصالون على مدى مواسمه الفائتة ، الكثير من المثقفين والمفكرين العرب من داخل الكويت وخارجها ، وناقش العديد من الموضوعات والامور التي تهم شرائح كثيرة من المجتمع ولا يزال .

    يتميز الصالون بأنه يضم نخبة من المثقفين والمفكرين من جنسيات مختلفة وتخصصات متنوعة ، وهذا ما اختصر المسافة بين تعدد الثقافات العربية .كما أثرت تلك الآراء المتدفقة من ينابيع الحضور جميع الموضوعات المقامة / المطروحة في أمسيات الأحد ، كونها تتأثر بالخلفيات الثقافية لذلك الخليط الجميل من الجنسيات والتخصصات المتنوعة . وهذا ما يعزز تقارب  فكري عربي يصب في صالح الفكر الشخصي / الفردي وذلك بما يكتسبه المتلقي من هذا التنوع الثقافي الرائع .

فهناك الوعي الصحي والاجتماعي والنفسي والأدبي والفني والاقتصادي والهندسي والبيئي ، ومختلف المعارف والعلوم الذي تطرق لها الصالون .. وهكذا استطاع أن يقوم بتغطية أغلب الموضوعات التي تهم المجتمع .

     

    بما أن الحضور / اللقاء الجماعي يثري الأمسية ، لتعدد الأفكار والرؤى والمشاركات والمداخلات والاستفسارات وطرح الاسئلة ، فقد استقطب الصالون حضورا كثيفا ومتنوعا من المهتمين والمثقفين في جميع المجالات الثقافية على مدار مواسمه ، غير متناسين هنا أن أمسية الأحد في الصالون دائما ما تضفي على الحضور جوا من المتعة ممزوج بالفائدة .كما يقيم الصالون في ختام كل موسم  من مواسمه ،حفلا موسيقيا كلاسيكيا / تراثيا للأعضاء والمشاركين والمهتمين في منزل الشيخة فضيلة الصباح .   

           من الموضوعات التي قدمها الصالون وطرحها للمناقشة :

1- صورة النمطية للعرب في الثقافة الشعبية الأمريكية - الفاروق عبدالعز                   

                    2- مستقبل النفط العربي - د أسامه الجمالي .

                   3 - وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة -التويتر – د. محمد الوهيب              

                   4- الصين وصعود التنين- د. مصطفى عطية

                   5-- رحلة الموسيقى التصويرية في السينما العالمية - حسين داوود

                   6-- يوغا الضحك -  د سامي البلهان

                   7-- لقاء مع العم الجليل صالح العجيري

                   8- قبس من بلاغة القرآن -د محمد حسان الطيان

                   9- التحولات التى طرأت على الرواية الكويتية -عدنان فرزات

                   10- امسيه شعريه عن الشاعر عبدالله البردوني -للدكتور احمد البدري

                   11- عجائب خلق الله  وصنع البشر للدكتور طارق المفتي

                   12- عرض فيلم موريس والفرعون للمخرج الفاروق عبدالعزيز

-الفن التشكيلي العاصر نماذج للفنان حميد خزع 13     

 

                  14-العلاج بالطاقة للدكتور عدنان الدوسري

                  15- مقتطفات من فنون الباليه للدكتور يحيى عبدالتواب

                   16- العرب والعربية بين القبلية والقومية - د إبراهيم الشريفي

                  17- هل نحن أذكياء عاطفيا ؟  جابر الرويعي

                   18- الإستشراق العاشق للحضارة العربية - مصطفى عطية

 

                 19-- تجربتي مع أدب الطفل وصحافته - طارق البكري

                 20- البرت اينشتاين - حسين داوود

                 21- ليله من الموشحات الشامية والأناشيد للمنشد ماهر زيدان

                 22--  قراءه هادئة في قصائد صاخبة لنزار قباني – د. صلاح ارق دان

                 23- الادب حياة للدكتور محمد مصطفى الكنز

                 24- اعترافات فقيه ( زرقاء اليمامه ) للدكتور  ايهاب النجدي

                 25- جماليات الفيلم القصير - علاء بربري

                 26- غرائب الشحاتة وعجائب الشحاتين - مصطفى عطية

                 27- الإبداع الفني في الحضارة الاسلاميه - د محمود صقر

 

وغيرها من المواضيع الشائقة الممتعة والمفيدة . وعلى مدى أكثر من من 14 سنة . توقف في سنوات جائحة كورونا .

 

            كما طرح الصالون بالتعاون مع رابطة الأدباء الكويتيين 6 محاضرات بعنوان " الحضارة الأندلسية واثرها على الحضارة الأوروبية " يلقيها الدكتور عبد الرحمن علي الحجي أستاذ التاريخ الاسلامي المقيم في مدريد / اسبانيا بواقع محاضرتين كل اسبوع . وذلك على مسرح الرابطة.

 

     وجود هذا العدد الكبير من الملتقيات الثقافية الخاصة في الكويت ، ما هو الا ظاهرة حضارية ايجابية ، وحراك ثقافي حيوي يستحق التقدير والاعتزاز . وهنا تبرز مشكلة تعاني منها جميع هذه الملتقيات وهو عدم وجود مكان دائم ومقر لائق لكل ملتقى يساعده على اقامة أنشطته وتطويرها ، ذلك لأن الجهات الرسمية التي تعنى بالشأن الثقافي تعتذر عن تلبية احتياجات هذا العدد الكبير من هذه الملتقيات .. علما بأن الكويت دولة نفطية غنية !

                الكاتبة منى الشافعي ))

 

 

 

 

                             

Saturday, March 29, 2025

 

يحدث... قبل موعد السفر!؟

 

بقلم: منى الشافعي

(الكويت)

 

        يمر الشهر بطيئاً متثاقلاً روتينياً.. تكاد تكون كل أيامه متشابهة، طبيعية وعادية، لا تنبض بفرحة ولا تُعلن عن حالة حزن واحدة.. رتابته مملّة وسكونه موجع.. وقبل أن يعلن عن رحيل آخر أيامه .. فجأة! تنبثق من بين هذا الركود العميق رحلة عمل لمدة خمسة أيام .. وهكذا دبت الحياة في آخر أيامه، ليبدأ الاستعداد والتحضير السريع لهذه السفرة الرسمية المفاجئة التي من المفروض أن تبدأ أعمالها بعد خمسة أيام من هذا اليوم!.. أول عمل كان التوجه إلى أقرب مكتب لشركة الخطوط الجوية الكويتية، لحجز تذكرة السفر إلى تلك العاصمة العربية.. والعمل الثاني التأكيد على حجز المقعد على الطائرة قرب النافذة.. فما أجمل أن تصافح عيناك تلك الغيوم المتناثرة في السماء،المحملة بقطرات الماء العذب، والتي تتشكل بلولبيات غريبة وعجيبة، ورسومات ضخمة أسطورية توحي لمن يتابعها بأجمل القصص والحكايات.

      بهذا العمل ينكسر الروتين اليومي الذي كان يلازمني طيلة الشهر ليتفتت إلى نشاط وحركة تدب في كل لحظة من لحظات اليوم.. فبعد الحصول على التذكرة والمقعد- من غير واسطة- أتذكر فجأة! جواز السفر وكرت التأمين الصحي للمسافر.. يفاجئني الجواز بأن مدة صلاحيته قد انتهت منذ شهرين.. مع أنني كثيرة السفر والترحال.. يا لسرعة جريان الوقت؟ ! وكيف لم أنتبه قبل اللحظة؟!.. الحمد لله أن مشكلة الجواز ستنتهي بعد يومين-من غير واسطة- لأصطدم بأن كرت التأمين الصحي للمسافر قد انتهت مدته أيضاً.. الحمد لله إجراءاته بسيطة وسهلة.. لحسن حظي هناك ثلاثة أيام أخرى قبل موعد السفر كافية للحصول على جواز السفر الجديد والكرت الصحي ومتطلبات السفر الأخرى وأهمها تحضير ورقة العمل المطلوبة مني والاطلاع على جدول الأعمال ووضع الملاحظات.

* * *

      صباح هذا اليوم، بينما جواز السفر يأخذ إجراءات تجديده الرسمية.. أكون قد بدأت بترتيب أولوياتي.. قررت أن أبدأ بشراء بعض الاحتياجات الأنثوية الضرورية والكمالية.. لا أدري لماذا خزانات السيدات دائماً لا تفي باحتياجات السفر؟!.. على كل حال، قبل أن أستعد للذهاب إلى السوق، وكعادتي الصباحية وبعجالة تصفحت جريدة القبس، وإذ بعينيَّ تصطدم بنعي الفاضلة والدة إحدى الصديقات المقربات.. يا لتعاستي وحزني!!.. وهنا، تتغير الظروف وبالتالي تتبدل الأولويات.. ألبس عباءتي، أزيل المكياج عن وجهي.. أذهب لتأدية واجب العزاء ولأنها صديقة حميمة ومقربة، أقضي معظم صباح هذا اليوم معها للمواساة.. هكذا يضيع نصف نهاري، لأتنازل عن عملية شراء بعض الاحتياجات من الكماليات التي تصدرت الورقة المندسة في حقيبة يدي.. فهناك أولويات أخرى أكثر أهمية!!

* * *

      في طريقي ظهراً إلى المنزل.. يرن الموبايل، ليست من عادتي أن أرد على الموبايل وأنا أقود سيارتي خاصة إذا كنت في عجالة من أمري.. يظل يرن ويرن بدون توقف.. أزعجني وأخافني مما اضطرني للرد بحذر وعينايَّ مسمَّرة على الطريق.. ليخبرني الصوت أن أحد الأقرباء الأعزاء يرقد في المستشفى وستجرى له عملية جراحية عاجلة.. أدير مقود السيارة إلى حيث اتجاه مستشفى مبارك الكبير في  ضاحية الجابرية حيث يرقد المريض .. بعد أن أمضيت قرابة الساعتين مع الأهل، وبعد أن اطمأن قلبي على نجاح العملية، استأذنت من الحضور وخرجت، وقد تبخر كل ما في رأسي من خطط وأولويات.وهكذا عدت لأمسك من جديد بورقة المشتروات وأشطب باقي الكماليات وجزءاً كبيراً من الضروريات.. منها بعض الإكسسوارات وأنواع المكياج.. لكم أن تتخيلوا تلك التضحية الأنثوية الكبيرة!

* * *

      عصر اليوم بدأت بترتيب حقيبة السفر، فلم يبق غير يومين.. ويرن الموبايل .. الحمد لله يخبرني الصوت أن غداً الساعة العاشرة صباحاً يرجو حضوري لاستلام جواز السفر.. بقيت طيلة باقي ساعات النهار متنقلة بين ترتيب حقيبة السفر وكتابة ورقة العمل التي يجب أن أعد ملخصاً عنها لتقديمه في الاجتماع لإجازته.. وهكذا أكتب وأشطب وأغير وأبدل وأعيد الكتابة بحماسة قوية ثم يعتريني فتور حين أقرأ جدول الأعمال الذي لم أستوعب بعض بنوده المبهمة لأضع عليه ملاحظاتي واستفساراتي حتى أستطيع أن أناقش الزملاء والزميلات بقناعة وحجة.. إلى أن فاجأتني الساعة الثالثة صباح اليوم التالي .. فتوقفت عن التفكير المباح وفي رأسي تدور أولويات الغد.. أقصد اليوم لأن تباشير فجره قد بدأت تدنو من نافذتي!!

* * *

      اليوم هو الثالث وغداً يوم السفر.. توجهت قبل العاشرة صباحاً بوجه مبتسم متفائل لاستلام جواز السفر الذي أسعدني عندما أمسكته بيدي.. ثم عرجت إلى البنك لاستلام الكرت الصحي للمسافر.. وبعد أن أنهيت المعاملة.. تنفست أول الصعداء وأنا متجهة إلى حيث سيارتي.. يرن جرس الموبايل – ياله من موبايل- إحدى القريبات، تتمنى عليَّ أن أمر على بيتها لتبعث معي علبة دواء مهمة إلى ابنتها التي تدرس هناك مع بعض الملابس الشتوية الجميلة، لأن الشتاء على الأبواب، مادمت أنا الآن قريبة من محل سكنها.. فهي مشغولة حد الإرهاق للتحضير والإعداد لحفلة عيد ميلاد ابنتها الصغيرة رشا.. وتؤكد عليّ أن لا أنسى موعد الحفلة وأن أحضر قبل الضيوف.. وتنبهني بأن رشا تنتظر هذا العام هدية حلوة ومميزة كعادتي كل عام لاسيما وهي تشبهني وتحبني.. هذا ما حصل، اضطرني أن أغير خطتي وأذهب إلى أقرب مجمع تجاري لشراء هدية مميزة إلى الغالية رشا.. ولكن هل سيبقى عندي متسع من الوقت  لحضور الحفلة؟ إن حقيبة السفر لا تزال مفتوحة تنتظر الفرج.. أما أوراقي فمبعثرة ومتناثرة على المكتب في حاجة إلى تجميع وترتيب .. و .. و.. ومع هذا احتفظت بابتسامتي على وجهي وتفاءلت وهونت الأمور على نفسي.. وتشجعت فأخذت أدور كاللولب من هنا وهناك أقضي بعض الأمور حتى الرابعة مساء.. عدت إلى المنزل لأخذ قسطاً من الراحة!

      في السادسة مساء.. ذهبت لوداع صديقتي الحميمة صاحبة العزاء معتذرة لها عن تقصيري نظراً لظروف السفر وتوابعه.. تخيلوا من حالة العزاء والحزن والألم.. عدت لابتسامتي التي لا تفارقني متجهة إلى منزل قريبتي للمشاركة في فرحة الصغيرة رشا في عيد ميلادها.. هذه هي الحياة، الفرح والحزن من عناصرها، ولنا كبشر أن نتعامل مع هذه الظروف بإيمان وشفافية وتقبل.. حمدت الله أن الهدية التي اشتريتها بسرعة أعجبت ابنة العاشرة.. وبعد قضاء أكثر من ساعتين مع الفرح والأحباب.. استأذنت .. (السفر باجر يا جماعة).. خرجت مسرعة وكأنني أسابق الوقت – ليتني أستطيع- ما إن تحركت السيارة متجهة إلى البيت.. حتى عادت الأولويات لتلتمع في رأسي من جديد أو بالأحرى ما تبقى منها.. فغداً يوم السفر.. لدي معاملة بنكية ضرورية يجب أن أنجزها في الصباح.. على كل حال، هناك متسع من الوقت فإن رحلتي تبدأ في الرابعة مساء.. ولو استدعى الأمر سأظل متيقظة ساهرة هذه الليلة حتى صباح الغد لأنهي كتابة ورقة العمل التي بدأت تملّ من وضعها المبعثر بين الأوراق الأخرى المهمة وغير المهمة.. ولأغلق حقيبة السفر التي لا تزال مفتوحة تطلب المزيد من الترتيب والنظام .. هذا ما دار في مخيلتي في الطريق.. فجأة والمقود في يدي تصطدم عينايَّ بالإشارة الضوئية الحمراء، تنبهني أن أخفف سرعتي وأقلل من اندفاعي استعداداً للتوقف أمام احمرارها الفاقع حسب لوائح وقوانين المرور المحلية والعالمية والمنطقية.. ما إن استراحت عجلات سيارتي الأربعة على الأسفلت الجديد حتى اهتزت سيارتي هزة بسيطة لكنها أفزعتني وأزعجتني.. عندها انتبهت، ترجلت من سيارتي لأتفقد ما حدث.. كان الشاب الصغير الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره يرتجف وترتعش الكلمات على اصفرار شفتيه.. ينظر إليَّ تارة بخوف وتوسل وينظر إلى مقدمة سيارة والدته "الكشخة حيل" بنظرة ندم، التي تحطمت هيئتها الأمامية وتكومت على الأرض بعض قطعها المعدنية والزجاجية.. حمدت الله أن سيارتي كانت من القوة والمتانة والارتفاع بحيث لم يتضرر منها غير المصباح الزجاجي من الجانب الأيسر وجزء من "الدعامية" نتيجة الاصطدام السريع المفاجئ.. بعد أن خف توتري وقبل أن يتجمع النشامي من الذكور من حولي لتأدية الواجب في مثل هذه الحالة.. كنت قد سامحت الشاب وحركت سيارتي عائدة إلى دفء البيت بعد أن أنهكني تعب اليوم وتعدد تحركاته.

* * *

      في البيت.. حيث الراحة والدفء.. وبعد أن ارتحت قليلاً.. عدت لابتسامتي التي تشجعني دائماً على التحمل وبدأت بترتيب حاجاتي المتناثرة حتى جاءني صوت رنين الموبايل.. يا لهذا الرنين الذي أصبح يقلقني.. ماذا بعد؟! صوت أخي الكبير يخبرني بأن هناك ورقة رسمية مشتركة بيننا تستدعي مني التوقيع.. سيمر عليّ غداً في الصباح الباكر لعمل اللازم.. لأن غداً آخر يوم لموعد تسليمها إلى الجهة الرسمية.. يا إلهي ولماذا تأخرنا بها ولم نهتم لأمرها إلاّ في اللحظة الأخيرة.. لا أدري؟!

      وعدت للتذكر.. ما هي أولويات ومستجدات يوم غد، يوم السفر، ويدي تعبث بالأوراق والملفات ترتبها وتعدلها.. في الصباح الباكر.. سأنتظر قدوم أخي العزيز وأوقع الورقة الرسمية.. أما سيارتي الغالية سيأخذها أحدهم مصحوبة بالسلامة لتدخل الكراج لإجراء التصليحات اللازمة لها.. وطبعاً دفع الفاتورة المستحقة!! وبعد ذلك ستكون أولوياتي، الذهاب إلى البنك لإنهاء معاملتي البنكية الضرورية.. ثم سأتوجه مع السائق إلى المطار وتنتهي معاناة الأربعة أيام.. بصراحة بعد أن أخذني التعب الجسدي والفكري لا أدري متى ولا كيف وضعت رأسي على مخدتي الدافئة؟!.

* * *

      في الصباح الباكر.. وما إن وضعت يدي على مفتاح مجفف الشعر حتى حدث ما لم يكن متوقعاً!! لقد انقطعت الكهرباء فجأة! وتوقف كل شيء.. لكم أن تتصوروا حالي.. شعري يقطر ماء.. وبدلة السفر يراد لها كوي.. وكل ما في الكون يعمل على الكهرباء.. انتظرت ساعة زمن ولم تلتمع الكهرباء في بيتنا.. المحول الكهربائي الذي يغذي المنطقة بكاملها أصابه خلل فني!! يا إلهي لماذا لم يصبه هذا الخلل قبل أو بعد اليوم؟! أيضاً لا أدري؟!.. ما العمل؟! بما أنني أجيد فن التخيل.. تخيلت العالم قبل رحمة الكهرباء.. أخذت أتقبل الوضع وأتعامل مع تلك المستجدات.. وبعد صعوبة تهيأت للسفر.. امرأة من غير تصفيف شعر ولا ماكياج.. وحتى ملابس السفر المعدة تغيرت إلى أخرى وقع اختياري عليها بعجالة.. يا لها من تضحية أنثوية أخرى ليس لها مسمى!!

      بعد أن حضر أخي ووقَّعت الورقة المطلوبة وغادرني مسرعاً أيضاً لاستكمال باقي إجراءات تلك الورقة.. ذهبت إلى البنك.. الحمد لله أنني أنهيت المعاملة بأسرع مما كنت أتوقع.. وتنفست جزء آخر من الصعداء.. وتوجهت إلى المطار على أمل أن أتجول في السوق الحرّة لشراء بعض الهدايا للزميلات.. وكنت اتساءل لماذا يحدث كل هذا عادة قبل يومين أو ثلاثة من موعد السفر؟! أو على الأقل لماذا تحدث بعض هذه الأمور أو معظمها إذا ظنَّ البعض أنني أبالغ؟! وهل تحدث لكل الناس عادة أم لبعضهم؟ أو هذا ما يحدث معي فقط؟! الإجابة حقيقة صعبة

* * *

      تلك الغيوم بأشكالها الجميلة الأسطورية، سحبتني مع الخيال قليلاً.. أبعدتني عن متاعب الأيام القليلة الماضية.. وما إن هبطت الطائرة أرض المطار بسلام.. حتى كان أحد الأخوة من أسرة العلاقات العامة في استقبالي.. كان مرحباً بشوشاً.. ولكنني لاحظت أن هناك شيئاً ما مرسوماً على تقاطيع وجهه.. قبل أن أستفسر ونحن في طريقنا إلى حيث الفندق المعد لإقامة الوفود فاجأني بقوله : (نأسف يا سيدتي لقد تأجل الاجتماع إلى أجل غير مسمى.. أعتقد أنك سمعت البارحة عن الانفجارات التي حصلت في الفنادق الكبيرة عندنا.. وتلك الانفجارات هي سبب التأجيل.. فالأماكن العامة والفنادق الكبيرة محاطة برجال الأمن والشرطة مما يعيق ترتيبات واستعدادات وعقد هذه الندوة في موعدها الحالي- غداً صباحاً-).

لم أعلق غير بتلك الكلمات: (حتى أنتم وصلتكم عمليات الإرهاب والتخريب والسيارات المفخخة والانتحاريون؟!).

ردّ عليَّ بصوت دامع: ( نحن عرب يا أختي ولسنا بمعزل عن الآخرين).

 

.. للطفولة التي تسكننا!

بقلم: منى الشافعي

 

        منذ سنوات طويلة وأنا أتابع بشغف أحد المسلسلات الأمريكية الذي تعلقت بأحداثه اليومية المتنوعة والمثيرة أحياناً.

        لقد أعجبتني وشدتني إحدى حلقاته التي شاهدتها مؤخراً، تركز على فصل جديد من حياة ابنة عائلة لوغن صغرى البنات والأولاد، واحتفالية زفافها.

        تربت "كايتي" مع إخوتها في أسرة متوسطة الحال، بين أم كادحة تعمل بتجهيز الطعام للحفلات والأفراح، وأب غائب عن البيت يطارد رزقه في أكثر من مكان. أما كايتي فحتى الدمية البسيطة كانت تتلقفها يداها الصغيرتان بعد أن تكون قد مرت تلك الدمية على الأخت الكبرى أولاً ثم الأصغر إلى أن تصل إليها بالنهاية نصف ممزقة.. ومع هذا كانت ترسم فرحة كبيرة على وجهها الطري حين تُقبّل تلك الدمية الممزقة الثياب والمخلوعة الكتف، بشغف وامتنان.

* * *

        كبرت كايتي، تنقلت بين المراحل التعليمية، تفوقت، حصلت على الشهادات التي تؤهلها للعمل المحترم، اجتهدت كثيراً حتى ترقت إلى مديرة علاقات عامة في إحدى دور الأزياء الشهيرة في مدينتها لوس انجلوس.

        تشاء الصدف الجميلة أن يُعجب بها شكلاً وخلقاً وروحاً، المالك الجديد لهذه الدار، والذي يمتلك الكثير من المؤسسات الأخرى المرتبطة بعالم الموضة والأزياء.. و الأجمل لم تمضِ أشهر قليلة حتى عرض عليها ذلك المليونير العازب رغبته بالزواج منها.. لكنها حين وافقت اشترطت عليه أن يقام حفل ومراسيم الزواج في المتنزه الصغير البسيط الذي يطل عليه بيت أسرتها القديم وبيوت جيرانهم في ذلك الحي المتواضع الذي نشأت وتربت بين أزقته وبساطة سكانه.. أما ضيوف الحفل فستكتفي بأفراد الأسرتين المقربتين جداً، وأطفال الحي الصغار المتواجدين بالضرورة للهو واللعب في المتنزه يوم الأحد، مع أمهاتهم بملابسهم البسيطة المتسخة من اللعب على الحشيش الرطّب.. ومع أن الزوج المليونير الذي يمتلك أضخم وأشهر دار للأزياء، إلا أنها اختارت فستاناً بسيطاً جداً، بلون زهر الياسمين، تحلي شعرها وردة بيضاء صغيرة تزيد لونه الداكن بريقاً، وتظهر طبيعته المنسدل على كتفيها بخيلاء.. والأهم اختارت سيارة والدتها الحمراء القديمة جداً، لتزف بها.

        أما الزوج/ العريس، بداية كان قد عرض عليها أن تختار مكاناً مميزاً لإقامة حفل زواجهما الذي سيحضره طبعاً علية القوم، وطلب منها إقامة الحفل في يخته الفاره الفريد من نوعه مع ضيوف النخبة.. أو أن تختار بين أضخم فنادق باريس وأجملها.. أو إحدى ساحات روما العريقة، أو أشهر فنادق لندن، أو أرقى وأضخم وأكبر فنادق العالم في لاس فيجاس، أو في بفرلي هيلز أو هوليوود.. كل هذه الخيارات الخيالية الثرية لم تفتح شهية حرمانها الطفولي، وآثرت طلبها إقامة ذلك الحفل البسيط بكل مقاييسه في متنزه الحي المتواضع وذلك عن قناعة ورغبة صادقة، اعترافاً بجميل ذلك المكان الذي كان لها ملاذاً آمناً في طفولتها الفقيرة، تلعب و تمرح فوق عشبه الطري، وتتسلق بعض أشجاره القصيرة، وتختبئ خلف شجيراته المنتفخة، مع إخوتها وأقرانهم من أبناء الجيران.

* * *

        حين تحدث والدها في الحفل وذكر بكل فخر واعتزاز دميتها العتيقة البسيطة، التي كانت تسعدها وتؤنس طفولتها، لم تتحرج، بل أشرق وجهها بابتسامة رائقة، أما نظراتها فقد تعلقت بنافذة غرفتها الصغيرة المطلة على المتنزه، مع دمعة بللت خديها الورديين.

        ظلّ الزوج/ العريس المليونير، مبهوراً مأخوذاً بما يحدث، لم يكن يعتقد أو يتصور، أن حفلاً بسيطاً في ذلك المتنزه الصغير في حي متواضع، له كل هذا السحر، وذاك التألق الذي سكنه.. ولكن يبدو أن السحر كان نابعاً من الروح الجميلة العذبة التي كانت تتحلى بها العروس، الشابة كايتي، التي جعلت جميع الحضور يتسامون بروحانية ابتعدت عن الغلو في الماديات، والتباهي بالثروات، والتفاخر بمظاهر الغنى.

* * *

        بعد انتهاء مراسيم الزواج، وبعد تلقي العروسان التهنئة من الحضور، تقدمت كايتي جلست خلف مقود سيارة والدتها القديمة، التي تحكي أيضاً جزءاً من طفولتها، ليقفز الزوج فرحاً، مبتسماً محتلاً المقعد الأمامي قرب زوجته الرائعة.. أدارت كايتي المقود بيد، ولوحت بالشكر والامتنان للحي وأهله وناسها باليد الأخرى.

* * *

        أعتقد أن حفل الزفاف كان رائعاً، عاطفياً أكثر منه محملاً بالمظاهر الآنية التي تضيع من الذاكرة بعد فترة أما الأحاسيس والمشاعر هي التي ستبقى ولن تغادر الذاكرة.

        كما أعتقد أن كايتي شابة من نوع آخر.. أنموذجاً ملائكياً، قلَّ ما تجد له مثيلاً في هذا الزمن الذي تحكمه الماديات، وتلتصق به المظاهر والبهرجة بأنواعها وأشكالها وألوانها.. ولكن يبدو أن هناك مَنْ لا يزال يحمل إحساساً رقيقاً عذباً صادقاً للطفولة التي تسكنه!.