برنسيس إيكاروس

Sunday, April 06, 2025

   


المقتطف الثالث

*********

كتبت منى الشافعي

***********

        والدي الحنون - يرحمه الله - تسترجعه ذاكرة الطفولة وهو جالس في تلك اللحظة وبين يديه أحد كتبه الأدبية ، التي لا تفارقه أبداً فقد ، كان شغوفاً بقراءة الشعر والأدب ، والقصص التاريخية ، والحكايات العربية القديمة المتنوعة ، مثل عنترة وحمزة البهلوان وألف ليلة وليلة وجحا وغيرها الكثير . 

     أتذكره جيداً جالساً على كرسي من الخشب يزين ظهره - الكرسي - مربعات متداخلة من خشب البامبو الرقيق ، وقد تآكلت وتقطعت بعض تشكيلاتها المتشابكة لتصبح بلا شكل محدد . أما قوائمه -الكرسي- فيزين إحداها شرخ طويل لف حوله خيط سميك بعناية وقوة . 

     الحمد لله أن والدي لم يكن يعاني من السمنة وإلاَّ ! أما الوالدة فلم تتشجع يوماً لتجلس على هذا الكرسي خوفاً من .. ؟!

****

أما تلك الطفلة المدللة . 

       فقد كنت ألهو مع دميتي ، المصنوعة من القماش المحشو بالقطن ، وقد تزينت بفستان جميل حاكته أمي من بقايا الأقمشة ، تزينه بعض الإكسسوارات البراقة - الترتر- المتوفرة آنذاك . كنا نسمي هذا النوع من الدمى "الكردية" . 

     أقول كنت ألهو بشغف مع دميتي الجميلة ، والقناعة تغلف داخلي ، والفرحة تسكنني ، والمتعة تملأ روحي الصغيرة ،  ذلك عندما كانت الحياة بهذه البساطة ، وتلك العفوية المحببة ، والشفافية الرائعة .  فكانت قبلة أبي الحنون على خدي ، وعناق أمي المحموم،  في تلك اللحظة البلورية الصافية العذبة ، ودخول أخوَايْ الصغيران فجأة من باب البيت ، بصراخهما المعتاد ، وضجيج ألعابهما ، وصوت الباب المزعج ، وهو يُصفق من يد أحدهما بقوة طفولته . 

     بصراحة .. تلك اللحظة المتداخلة بالحب والحنان والفرح ، المسكونة بالصخب والضجيج واللعب والجد ، كانت عندي قمة السعادة ، التي نتطلع إليها نحن أطفال ذلك الماضي البسيط !

      يا لها من متعة نشتاقها ، ونَحِنُّ إلى تفاصيلها وشفافيتها ، دمية ، قبلة ، عناق ، قطة ، بساط أحمر، كرسي تزينه الضمادات ، وصراخ الصغار وصخبهم . 

    إذن .. ليست المسألة لحظتها ما نملك ، ولكن كيف وكم نستمتع بما نملك ، حتى وإن كان أقل القليل ، هذا الذي يخلق القناعة ، لتظللنا السعادة بأوسع أفيائها .


المقتطف الرابع 

*********

       مع أن الأزمنة قد تغيرت ، والأمكنة قد تبدلت ، والأشياء تنوعت ، والصور تجددت ، إلا أن طفولتي بدقائق أمورها ، ماتزال تسحبني بقوة لتذكرها . 

       ها أنا أشم رائحة قالب الكيك - قرص عقيلي- عند عودتي من المدرسة ظهراً في فصل الشتاء البارد - كانت أمي تخبزه على منقل الفحم ( الدّوة) وبقربه ارتاح إبريق (قوري) الشاي ودلة الحليب المعطّر إما بالزعفران أو الهيل أو الزنجبيل .

        يا لها من قطعة كيك وكوب الحليب ، الذي أعشقه صافياً يتصاعد البخار منه ، ليرسم تشكيلات غريبة ، تتراقص في فضاء الغرفة الصغيرة . 

ويا لها من صرخة حنونة ، من فم الوالدة تنهيني عن أكل تلك القطعة من الكيك ، وشرب كوب الحليب ، قبل تناولي وجبة الغذاء، لأنه حسب توقعات أمي ستسد نفسي عن الوجبة الرئيسية ، بينما توقعاتي ،  أن قطعة الكيك هذه ، ألذ وأطيب من "مطبق سمك" أو " مجبوس لحم" أو " مرقة بامية " التي تشتهر أمي بتحضيرها ، أو حتى " دولمة أمي البغدادية " .

        لكنني كنت طفلة عنيدة ومتمردة ، ورأسي يابس ، وكأنني الآن بتذكري أشعر بلذة هذه الكيكة ، وأشاهد بوضوح تشكيلات بخار الحليب الساخن ، ولكنني لا أتذكر شيئاً عن وجبة الغداء ، الذي تناولتها من غير نفس .

****

      يأتيني الآن صوت - بوطبيلة - في ليالي رمضان الكريم ، ينادي بصوت عالٍ مبحوح ممزوج بشيء من الحنين ( يا نايمين .. السحور) وهو يضرب بقوة على طبلته كي ينبه أهل الفريج لدخول موعد السحور، ساحباً بيده حماره الهزيل المسكين الذي أتعبه طول الليل ، ليتناغم صوت أبو طبيلة مع رنين الجرس المعلّق في رقبة حماره.

****

      أتذكر ليالي الشتاء الباردة ، حيث كانت الأمطار تبدأ برذاذ خفيف قبل أن تشتد، وكان منظر الماء بتساقطه الرتيب يجذب الأطفال الصغار للهو واللعب تحت قطراته العذبة . كانت الفرحة ترتسم على تلك الوجوه الصغيرة البريئة فتبدأ الأفواه العطشى بترديد الأهازيج مثل ( طق يا مطر طق.. بيتنا يديد.. مرزامنا حديد). يصاحب هذه الأهازيج الرقص والتقافز إما بالحوش ، أو في الشارع - السكة - حتى تبتل ثيابهم وترتجف أبدانهم ، وتدور رؤوسهم الصغيرة من الدوران حول أنفسهم . وحين يشتد المطر أكثر وأكثر، تخرج الأمهات فجأة ! تبحثنَّ عن الصغار . تختلط الأصوات . كل أم بمناداتها ، من تلوم صغارها ، ومن تصرخ بحنان ، ومن تضرب برفق .

      وهكذا تتلون طرق العقاب في البيت ، حيث الإحساس بالدفء والأمان ، والحب والحنان ، مهما كان العقاب شديداً . وغالباً ما يكون لوماً وضرباً خفيفاً ، يُضحك الصغار ولا يبكيهم .


المقتطف الخامس /  الأخير 

****************

 أمام باب المخبز 

**********

      تأتيني رائحة الخبز الخمير - خبز التنور الدّبل - المزين بحبات السمسم . بعد أن يعدالخباز للخمسة يناولني أقراص الخبز الساخنة . أتحرك عائدة إلى البيت الذي لا يبعد حتى عشر خطوات عن المخبز. أرفع الأقراص بيدي الصغيرتين المطبقتين بقوة على حافة الأقراص . أقربها من أنفي الصغير ، أتلذذ بشم رائحتها الطيبة التي تنفذ إلى معدتي قبل أنفاسي فتحرك شهيتي المفتوحة . يا لها من رائحة تستعبدني ، لأبدأ بالتهام الفقاعات المحمّشة التي تعلو وجه القرص الأول - هذا ما سمحت به المسافة - والتي دائماً تغريني فأقضمها بأسناني بقوة وأتلذذ بأكلها وكأنني ألتهم صحناً من الآيسكريم في وقتنا الحاضر !

    ها هي والدتي تنتظرني أمام باب البيت كالعادة تراقب حركاتي. تتناول الخبز من يديَّ الصغيرتين ، وقبلة الشكر تسبقها إلى خدي . تبحث عن القرص الذي نتفت كل فقاعاته اللذيذة ، ثم حشرته بذكاء طفولي بين إخوانه الأربعة ، حتى لا أحد يكتشف فعلتي وبالتالي يعاقبني . ولكن أمي تجد ذلك القرص المندس بين أقرانه . تلتقطه بخفة  ، وقبل أن يدخلني الخوف وترتجف أوصالي ، تفاجئني ابتسامتها الحانية ، ثم ضحكتها العالية التي تريحني وتخفف توتري.  تتركني وتذهب إلى المطبخ  .. أتنفس الصعداء!!

يا لتلك الذكريات الملتهبة بالحنين ،الموسومة بالشوق ، المغلفة باللهفة ، المزدانة بالحب والألفة ، المتدثرة بكل أنواع البساطة والعفوية والشفافية ، وفطرة الماضي.

      لنوجه اليوم هذا السؤال إلى أبنائنا - نحن أطفال الخمسينات والستينات -:

             - هل لطفولتهم نفس هذا الوهج الوضاء ، وذاك البريق الأخاذ ، وتلك الجاذبية القوية التي تشكل ملامح طفولتنا ؟!

 


.. تلك الابتسامة وحكايتي !

***************

كتبت منى الشافعي 

***********

          كنت أعتقد ان كل شيء في الحياة سيظّل كما هو ، يسير على روتينه اليومي ، بلحظاته البسيطة ، وتفاصيله الدقيقة. ولكن بعد أن سكنتني كثير من التجارب الحياتية المختلفة ، وامتدت سنوات العمر ، كهبة نسيم أمام غفلتي ، أدركت أن الحياة تتغير، فهي ليست تلك الحفلة التي نتوقعها دائماً ، ولا تلك المأساة التي نتخيلها أحياناً . لذا ، يجب علينا أن نحترم ما نملكه ، ونقدّر ما عندنا من نعم الله سبحانه وتعالى ، كلحظة فرح تسعدنا على بساطتها ، أو ساعة مرح تُحفزّنا للحياة ، لنصبح أنفسنا لا غيرنا . وبالتالي فطالما تتخذ الحياة بعض القرارات نيابة عنا ، وتغلق الباب خلف دهشتنا ، فما علينا إلا أن نتقبل قرارها ، وإن كان صعباً .

***

       بعد ان أُغلق الباب خلفي ، وجدتني ممددة على جهاز طبي ضخم ، يتمتع بتكنولوجيا حديثة جداً لشد العمود الفقري وتخليصه من آثارالألم والخشونة التي تجرأت على بعض فقراته .

       غرفة صغيرة دائرية الشكل ، جدرانها بيضاء ناصعة ، هدوء يكسره بين دقيقة وأخرى صوت الجهاز الذي يعمل بطريقة الشد والارتخاء ، خلال ساعة زمن قضيتها بصحبته .

بعض الألم يطفر من عينيّ ، يتعلق بتلك الفتحة الصغيرة الدائرية الشكل ، التي تسكن منتصف السقف ، تتزين بنور خافت مريح ، يبدو لي كأنه خيط نور من نسيج القمر، يتدلى منه بعض الأمل . شيء رائع، لا يشعر به الإنسان في لحظات يومه المشحون بأموره الحياتية الاخرى ، انها ساعة ألم لا تخلو من متعة التأمل والتخيل والتفكر.

***

        في هذه الساعة ، في هذه الغرفة المغلقة ، فوق هذا الجهاز الطبي الغريب ، تذكرت كل أمور الحياة الصعبة والأكثر تعقيداً من هذا الجهاز ، فحمدت الله سبحانه وتعالى . 

      والأهم اعترفت لنفسي كم هي الحياة ضعيفة ، أو بعبارة أخرى ، كم هو الإنسان الحلقة الأشد ضعفاً ، ولحظتها انتبهت إلى قيمة الأسرة ، الأهل ، الأصدقاء ، الزملاء ، وحتى العابرين في حياتنا اليومية ، وكل الطيبين من البشر.

       مع الألم ، أدركت مدى أهمية مد اليد ومساعدة الغير، إن كنا قادرين . فما أجمل أن تفاجئني ابتسامة الممرضة الشّابة ، التي تعدت تقاطيع وجهها قبل يدها التي امتدت لتساعدني على النزول من الجهاز.

       شيء جميل أن نساعد الآخرين قدر استطاعتنا ، والأجمل ألا يتوقف هذا العطاء الإنساني في حياتنا اليومية ، حتى وأن كان تلك الابتسامة !

Saturday, April 05, 2025

   عيد الهالوين ، وأنا !

*************

كتبت منى الشافعي 

***********

             خدعة أم حلوى /‏ (Trick-or-treating) !

 كنت جزءاً من هذا النشاط السنوي ، الذي يحرّك الأطفال في فترة عيد الهالوين ويسليهم ، حيث يتجول الأطفال من منزل لآخر مرتدين أزياء تنكرية ، ويطلبون الحلوى وذلك بإلقاء السؤال ‏" Trick -or- treating" على من يفتح اهم الباب . 

    فكلمة خدعة / ( Trick) تعني أنه إذا لم يعطى أي حلوى للطفل فإن الطفل / الأطفال سيقومون بإلقاء خدعة أو سحر، على صاحب المنزل ، أو على ممتلكاته ، إذا لم يقدم لهم الحلوى بابتسامة ورضا. 

    تعتبر (خدعة أم حلوى) من أهم التقاليد في عيد الهالوين ، حيث يقوم كل من يسكن في حي فيه الكثير من الأطفال ، بشراء الحلوى وتحضيرها لحين قدومهم في العيد . 

     وبالتالي من لا يشتري الحلوى ، ولا يفتح بابه للأطفال ، فسيقومون بإلقاء السحرعلى بيته .

أما السحر فيبدو بعض الكلمات ، غير اللائقة / المهذبة على سامعها! 

      في هذه الجزئية يتشابه عيد الهالوين ، مع ليالي القرقيعان عندنا في الكويت ، خلال شهر رمضان المبارك ، الذي كنت أفتقده في سنوات وجودي في الغربة / في أميركا .

      لذا .. جذبني هذا العيد بقوة ، للمشاركة الفعلية ، بشغف "قرقيعاني" جميل ، حيث تفننت بشراء الحلوى ، والوقوف أمام البيت لساعات ، لإهدائها لأطفال الحي الذين أحبوني ، وفرحوا بحلوتي الأنيقة الملونة والمتنوعة المذاق ، فزادني شعوراً بالراحة والرضا ، لفرحهم وبهجتهم ، وهذا عوضني عن فقدي لليالي القرقيعان في الكويت ، تلك الليالي التي أحببتها مذ كنت طفلة ، تذهب من بيت لبيت ، ومن فريج لفريج ، ومن حي إلى حي ، لتملأ كيسها الصغير بحلوى القرقيعان الملونة اللذيذة .

        هذا التقليد مشهور بشكل خاص ، في الولايات المتحدة الأميركية .

         فخلال الاستعداد لاستقباله ،  تنشط مصانع ألعاب الأطفال ، ومحلات الملابس التنكرية والحلويات ، والمحال التجارية الأخرى المصاحبة ، حيث تحقق مناسبة الهالوين نشاطاً ، وحراكاً تجارياً مقبولاً ، وزيادة في الإنتاج المتنوع .

  يذكرني بما يحدث عندنا ، في فترة التحضير لاستقبال ليالي القرقيعان ، من حراك ونشاط اقتصادي متنوع ، يشمل جمعياتنا التعاونية ، ومحلات الحلويات المتنوعة ، والسوبر ماركت ، والمولات ، والأسواق الشعبية وغيرها ، والأهم جيوب الأمهات والجدات والآباء !


   الملكة وأنا !

********

كتبت منى الشافعي 

***********

       (‎في أحد محال المواد الغذائية الكبير ( فّرد ماير (Fredy’s) في مدينة مدفورد / Medford/ أميركا .

أعجبتني هذه الجبنة الكبيرة شكلاً ، فحين أخذت لها هذه اللقطة ، أخبرني البائع بأن المحل الاسبوع القادم سيقيم احتفالاً للأجبان المتنوعة ، وستكون هذه الجبنة مفتتح للاحتفال ، فسوف تقطع إلى قطع صغيرة تهدى للحضور من الزبائن عشاق الأجبان ، بعد التذوق .. وللعلم الجبنة عمرها أكثر من عامين ، وهي ملكة الأجبان  " حسب قوله "  ونتمنى حضورك الأكيد ، كونك من زبائن المحل .

      هزة برأسي ، مع ابتسامتي المعتادة ، وعدت لإنهاء مهمة التسوق اليومي .

      منذ عودتي إلى البيت وأنا أفكر في الدعوة ، حتماً سأذهب الاسبوع القادم الى هذا المحل فإنني من زبائنه من سنوات ، والأهم أنني من عشاق الأجبان . بالتالي هذا الاحتفال خاصاً لي ولغيري من العشاق .

 وهنا بدأت حيرتي ، يقول البائع أن هذه الجبنة هي المفتتح ، وأكيد سيقدم لي قطعة لتذوقها ، وأنا جبانة بتذوق أي شيء جديد " لا وبعد " مخزّنة على الرفوف لأكثر من عامين .. وااااو ..!

       من عادتي حين اشتري خاصة الأجبان أنظر لتاريخ الإنتاج ، وتاريخ إنهاء الصلاحية ، ولأني كثيرة الوسواس ، أتخلص من قرص الجبنة قبل يوم من انتهاء صلاحيتها ، خوفاً من .. لو نسيتها وتركتها ليومين آخرين وتناولتها بغفلة مني ، سأكون بحالة صحية مؤلمة ، لأنني أعتقد أنها ستتعفن .. هكذا هي مخيلتي !

     ومع هذا ، تشجعت وذهبت ، وقلت في داخلي ، سأتذوق طرفاً جداًااا صغيراً من القطعة التي سيقدمها لي البائع / المضيف ، وأترك باقي القطعة في ورقة الكلينكس التي بيدي ، وبحركة تمثيلية بسيطة ( للعلم انا شاطرة بالتمثيل ) أحرك شفتيّ ، كما لو أنني فعلاً متذوقة متمكنة ، ومستلذة بهذا النوع الراقي والغالي  " حسب قول البائع " من الأجبان .

       وهذا ما حصل ونجحت خطتي ، وأهداني البائع القطعة المخصصة للزبائن المتذوقين بشهية محببة للشراء .

       وطبعاً كان من اللائق أن أشتري قطعة أخرى مناسبة ، وحصل أن اشتريت أقل ما يمكن سعراً.

     خرجت وابتسامتي تزين وجهي .. وهنا ، عادت الحيرة ، ماذا سأفعل بهذه الجبنة المسكينة ، التي لن اتقبل لا طعمها ولا رائحتها اللا عطرية والتي أسميها أنا ، جبنة معفنة / بلو تشيز 

Blue Cheese ؟!

       تذكرت أن منزل صديقتي ميري على الطريق ، فوجدت نفسي أدخل من باب حديقتها الواسع ، وحين نزلت  من السيارة ، وإذا بميري كعادتها تعمل بحديقتها الجميلة الواسعة . 

       ابتسمت لها وقبل هاي / وهلو .. قدمت لها الكيس بما فيه . وقبل أن تفتح لترى ما به ، شمتّه بلهفة  .. ثم : 

                    -  واااو .. "مونا " .. هذا لي ؟!

واحتضننتي " الهك الأمريكي " شاكرة وممتنة على هذه الجبنة الغالية / الراقية كهدية .

      اعتذرت .. لن ابقَ لشرب الشاي ، عندي شغل مهم ، مع ان حديقتها الممتدة الخضراء ، والملونة بألوان قوس قزح من الورود والزهور المتنوعة ، ورافد النهر الذي يجري فيها ، بصراحة .. يشجعني على الجلوس والتأمل لساعات ، مع الشاي الاخضر مطعّماً بزهور وأعشاب عطرية خاصة ، من حديقتها الغناء .

خرجت ولم أخبرها بحكاية "الجبنة الملكة وأنا ".


  

لي مع " نساء صغيرات " أحلى حكاية !

************************

كتبت منى الشافعي 

***********

        «نساء صغيرات» كبرن معي منذ الطفولة.

      الكتاب الذي قرأته بشغف في طفولتي والذي ألهمني الكتابة ، هو رواية «نساء صغيرات» الكلاسيكية ، للكاتبة الأميركية " لويزا ماي الكوت "، وهي عبارة عن أربعة أجزاء ، والرواية تحتفي بالطفولة ، طفولة البطلة وشقيقاتها الثلاث ، وتشي بدفء الأسرة المترابطة المتحابة ، التي شعرت به البطلة في بيتهن . 

      تدور أحداث الرواية في زمن الحرب الأهلية الأميركية ، التي اندلعت بين الشمال والجنوب ، بحيث أشعرتني الكاتبة بأنها غرفت بشبع من تجارب طفولتها لتزين بها صفحات هذه الرواية الجميلة ، التي عشقتها طفولتي ، فصرت أعيد قراءتها ، بين فترة وأخرى ، وما تزال بأجزائها الأربعة ، متربعة بخيلاء على أحد أرفف مكتبتي.

        لا أعتقد أنها حفزتني على الكتابة ؛ لأن الحافز كان ينمو معي من الطفولة ، أحياناً يخبو، وأخرى يتقافز أمامي .. لكنني بصراحة تأثرت بها في بعض كتاباتي ؛ لأنني عاشقة للطفولة كما الكاتبة ولا أزال ، فقد زينت كتابي «نبضات أنثى» بأكثر من نص يحكي تجارب ويصف مواقف من طفولتي .

       كما ازداد تأثري بهذه الرواية ، حين دفعتني لتركيز كتاباتي الإبداعية الأكثرعن المرأة - الأنثى بكل أحوالها ، وتقلباتها وحالاتها، وصفاتها ، ورغباتها وقناعاتها ، وعلاقاتها الأسرية وغيرها في الحياة الخاصة والعامة ، ولن أغفل هنا الاعتزاز بالمرأة بكل صورها وحالاتها ؛ كون الرواية أيضاً تعزز شجاعة تلك الفتيات الأربع في زمن الحرب ، وتتحدث عن طيبتهن وكرمهن . فتجد أغلب مجموعاتي القصصية ، ورواياتي تتمحور حول المرأة ، بكل قناعة ومحبة لهذا المخلوق القوي الرائع " المرأة " .

      أما لاحقاً ، فقد تأثرت برواية «العين الأشد زرقة» ، للكاتبة الأميركية السمراء" توني موريسون "الحاصلة على جائزة نوبل . فقد عشت مع الرواية ، بمشاعر وأحاسيس مختلفة ، وأنا أقرأ بشهية ، لكنها شهية حزينة موجعة .. تلك هي قصة طفلة سوداء بريئة ، عاشت في زمن أوجاع التفرقة العنصرية  والطبقية ، واحتقارالأنثى السوداء، فتعرضت للأذى والذل والإهانة ، للونها الأسود، وملامحها غير الجميلة. وكانت العيون الزرقاء ، في ذلك الزمن - الستينات من القرن العشرين - تعتبر علامة للجمال ، الذي تتخيله تلك الطفلة السوداء؛ لذا كانت تتمنى من الرب ، أن يمنحها هذه العيون المشتهاة !

     وهكذا تمنيت أن أكتب رواية تحاكي تلك الرائعة التي شغفتني ، وظل في داخلي شيء ما يذكرني بتلك الأمنية ، وذاك التأثر، حتى جاءت قصة «زمن الوجع» التي كتبتها بلسان طفلة في الثامنة من عمرها. 

وما أزال أطمح برواية تحاكي «العيون الأشد زرقة» .

    لن أغفل هنا ، أنني تأثرت بروايات ، وقصص الفانتازيا ، والأساطير القديمة ، وبخاصة أسطورة جلجاميش ، ورواية " ماركيز" «مائة عام من العزلة» ، فصرت أميل ، على السرد الواقعي التخيلي ، أو إلى غير المألوف ، حتى أستطيع التعبير عن الواقع ، وعن أفكاري بحرية أكبر، كما في روايتي «ليلة الجنون»  وقصة «أشياء غريبة تحدث» !

   


  أمي( 1)!

******

كتبت منى الشافعي 

***********

‏‎        إن عيد الأم مناسبة رائعة تمس أرق أحاسيسي ، وتدغدغ أطيب مشاعري ، تذكرني بأعز مخلوق على قلبي ، وتحيي في داخلي شعور الوفاء والإخلاص ، نحو هذا المخلوق الجميل المسكون بالحب والرحمة .

***

       فمن يفقد أمه - لا سمح الله - فكأنما فقد كل شيء، كما يقول محمود درويش: «لن أسميك امرأة ، سأسميك كل شيء» .. أما المتنبي فيقول: «أحن إلى الكأس التي شربت بها ، وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا" .

      أما أنا فقد فقدت أمي الغالية ، منذ زمن تعداني وتمدد ، ولكن عوضني الله بزوجي الحبيب جواد النجار ، وابني البار حسام ، وزوجته الابنة الطيبة مليسا ، وأحفادي الحلوين نبع الحنان فيصل و يوسف .

        وما تزال رائحة أمي العطرة تظللني في كل يوم ، وليس فقط في يوم عيد الأم ، بوجود أشقائي الرائعين علي وضياء ، عزوتي في كل الأوقات ، وعيالهم وأحفادهم الرائعين الذين ينادونني " عميمة الحلوة " أحمد الله سبحانه وتعالى على هذا التعويض الجميل .

***

         ذاكرتي تختزن الكثير عن أمي الحبيبة ، ‎مازلت أحتفظ بداخلي ببقايا صورها الحلوة الجميلة . وأعتقد أن تدليل أمي ما يزال يلفني بحنانها و دفئها . أما لذة حليبها فلا يزال يرطب جفاف لساني، فحبي لأمي تجاوز الحدود - يرحمها الله ويغمد روحها الجنة -.

        فوجدتني وبغفلة مني تندس دائماً أمي الغالية بكل تفاصيلها بين سطور كتاباتي ، تتقمص شخصياتي الأنثوية ، يلبسّن ألوانها المفضلة " الأحمر " يتحدثّن بلسانها الطيب ، يتصفّن ببساطتها وعفويتها ، يتحلين بإنسانيتها وكرمها ، يضحكّن ضحكتها العذبة ، يتجملّن بلون شعرها الأشقر وعينيها الخضراوتين . 

       هذه الطريقة الشخصية في كتابتي ، فرضت نفسها عليّ ، يبدو لتسعدني وترسم الابتسامة على تقاطيع وجهي ، تحسسني أن يدها الحنونة ما تزال تطبطب على كتفي ، تهدهدني ، تدللني ، تدلعني ، تعوضني فقدها البعيد البعيد البعيد!


   

أمي (2)

*****

كتبت منى الشافعي

**********

      بلحظة تأمل !

     انتبهت إلى أنني قد فقدت أمي منذ زمن بعيد ، وماتزال الدموع تلهب عينيّ  شوقاً  ، وتوجع قلبي حسرة ، وأشعر دائماً أن هناك شيئا ما ينقصني ، حنانها ، دفءها ، لمسة يدها ، بسمتها ، ضحكتها ، هدوءها ، صخبها ، دعواتها الطيبة ، رعايتها التي لا تعرف الحدود  .

    أما لذة حليبها ، فما يزال يرطّب جفاف لساني ، فحبي لأمي تجاوز كل الحدود «يرحمها الله» !

     فالأم لا مثيل لها بين الخلق ، حقاً أن لغة الكلام تتعطل ،والأبجديات تنمحي من الذاكرة حين نتحدث / نكتب عن الأم .

  

فوق السحاب .. تحت السحاب! 

******************

كتبت منى الشافعي 

***********

        في الطائرة  .. فوق السحاب ، تحت السحاب ، لا فرق ..  الرحلة طويلة ، لست من محبي الأكل في الطائرة القليل يكفيني ، ولكن الرحلة لا تزال طويلة ، طلبت طبق شوكولاته أحبه ، ليعطيني طاقة تساعدني على تحمل طول الرحلة ، وبعد أن فرغ صحني من الشوكلاته اللذيذة ، أردت أن أقتل بعض الوقت بعمل أي شيء ، فلم أجد أمامي غير بقايا الشوكولاتة ، فتحرك أحد أصابعي المشاغب دائماً ، وأخذ يخربش بحركات خفيفة !

     تذكرت لحظتها طفولتي ، فابتسمت وتشجعت للاستمرار باللعبة ، والتغلب على الوقت وقهره ، فلا تزال الرحلة بأولها ، وبعد أن رسم اصبعي هذه الرسمة البسيطة ، ابتسمت فرحة ، كما لو أنني نجحت بامتحان مدرسي  .

      وحين حضر المضيّف ليأخذ الصحن ، أخذ يبتسم مندهشاً من الطفلة التي بداخلي ، ولم أجده إلا وقد حمل الصحن ، وأخذ ينادي زملاءه كي يشاهدوا طفولتي ، التي أبت إلا أن تستيقظ في الطائرة !

فاعذروا طفولتي إن لم تعجبكم خربشاتها.

  

للبساطة جمالها !

**********

كتبت منى الشافعي 

***********

        في سوق الجمعة ، في مدينتنا الصغيرة سذرلن / أمريكا وحكايتي البسيطة اللطيفة مع الشاب أندرو، الذي يبيع بعض الخضروات البسيطة الطازجة ، التي يجمعها من حديقة بيتهم الصغير. 

     تعودت أن اشتري الخيار الطري/ الطازج اللذيذ منه ،على مدى  أشهر. و مع المدة الطويلة ، يبدو أنني أصبحت عميلته/ زبونته الدائمة ، لذا أخذ يعاملني معاملة خاصة ، ويعطيني سعراً أقل من المعتاد ، بدون أن أطلب منه ذلك !

    أعجبتني معاملته اللمّاحة ، كما أعجبني أكثر اجتهاده في عمله الاسبوعي هذا ، وذلك لتحسين دخله الشهري ، لتوفير مصاريف دراسته الجامعية .

       أتمنى لشبابنا الجميل أن يتحلى بهذه الروح البسيطة ، وتلك المثابرة ، على العمل المثمر وان كان بسيطاً .

   بسكوتو / بسكوت !

************

كتبت منى الشافعي 

***********

       من يومين بدأ برد الشتاء ، يختبىء خلف السحاب ، وراء الغيوم ، بين زخات المطر .( في الغربة / في أمريكا ).

     وهنا .. تذكرت البقصم مع (چاي حليب ) الذي كنا ونحن صغار نتهافت عليه ، خاصة وقت المغرب ، كونه يشعرنا بالدفء والشبع .( في ديرتي الحلوة كويت الخير ).

      ذهبت للتسوق ، وأنا متأكدة بأنني من المستحيل سأجد ( بقصم شرق ). وفجأة كان هذا الكيس يستريح على أحد رفوف محل ( مارشلز / Marshalls ).

فأسرعت لأشتريه .

     الشكل  يشبه البقصم ، المحتويات تختلف قليلاً ،المنتج إيطالي ، وصفة السيدة نونا الإيطالية ( صناعة يدوية /Hand Made) من أوائل القرن العشرين .

أعجبني الاسم ( بسكوتو / Biscottio) بسكوت .

الأهم .. اللفظ قريب من بسكوت ، لذيذ جداً .. ( إللي يبي الوصفة موجودة عندي ).

     بصراحة .. الحنين صعب ، والغربة أصعب ، دائماً يجذبنا أي شبيه وإن كان بسيطاً ، لأي شيء في الوجود ، حتى هذه البسكوتة ، حتى يطفئ بعضاً من لهيب الحنين للوطن ، للأهل ، للأصحاب والجيران ، في دواخلنا .. حتى لو من غير بسكوت / Biscottio.  


  

العاشقان ، سويتي .. روكي  !                                                                           

*****************

كتبت منى الشافعي

***********                   

       صديقتي العزيزة الدكتورة اقبال العلي ، مغرمة جدا بروكي وسويتي رعاية صحية واهتمام كبيرين ، أكل خاص ، معاملة إنسانية ، تربية مسؤولة ، حنان ودلال مكثف .

      تستاهل سويتي الجميلة الحلوة  ذات الوجه المبتسم ، والشعر الأبيض المنسدل على كل جسدها ، كثيرة الحركة بدلع وغنج  ، تحسدها عليه أجمل الجميلات ، روكي لا يقل وسامة عن سويتي ولا حيوية . 

     من كم يوم ، كنت مع صديقتي د. اقبال في ملتقى أدبي ، لاحظت تشتت انتباهها ، ومسحة حزن تعلو وجهها .

      بعد انتهاء الأمسية سألت عما يكدرها هذا المساء ، فمن عادتها الضحك والابتسام والمشاركة الفاعلة في كل الأمسيات الثقافية .

اخبرتني وهي متألمة ، أن روكي ما يزال تعبان ويتألم منذ يومين  .  

ابتسمت واطمئن قلبي ، كل هذا الكدر والحزن ، على الحلو روكي اللي ماخذ قلبها .

لكنها أخبرتني أن تعب روكي هالمرة يختلف ، فمن يومين لاحظت عليه الهدوء الذي لا يشبهه ، وكثرة أنينه ووجعه ، الذي يعذبها / يعور قلبها ، وانها قبل خروجها أعطته القليل من المسكّن كي يتحمل آلامه ، إلى حين عودتها لتأخذه إلى طبيب مختص بحالته ، لأن اليوم الجمعة ولا يوجد اختصاصي بالعيادة التي يرتاح لها روكي . 

تمنيت لروكي الشفاء العاجل ، وافترقنا على أمل أن تخبرني عن حالة روكي الذي أحبه واستلطفه ويهمني أمره ، كما صديقتي .

 ***

     وبقيت طول الليل مشغولة أنتظر مكالمة الاطمئنان على روكي ، وقبل أن ينتصف الليل جاءني صوت صديقتي ، فأخبرتني عن معاناتها في تلك الليلة !

فبعد ساعتين واتصالات متكررة ، للبحث عن عيادة تستقبل العزيز روكي ، اخذته بسيارتها إلى منطقة الوفرة ، حيث العيادة الجديدة ، وروكي المسكين جالس على مقعد السيارة دايخ ويئن من الالم .

 وبعد أقل من ساعة كانت أمام باب العيادة المشرّع للمرضى والزائرين . وبأقل من خمسة دقائق كانت يد الطبيب الأربعيني ، تتفحص كتفه الذي اتضح أنه نوعاً ما مخلوع أو مرضوض رضة  قوية ، وكتب له العلاج لمدة اسبوعين ، على أن يراه بعد انتهاء مدة الدواء.

       مسكين روكي ، أتمنى أن يتشافى ويتعافى قريباً ، أنزعج حين أراه هادئاً أو متألماً ، فحركته مع سويتي في بيت صديقتي ، تعطي للمكان طاقة إيجابية مرحة تسعدنا جميعاً .

      آسفة  .. نسيت أن اخبركم بأن روكي وسويتي ، كلبان جميلان رقيقان لطيفان ، وأن الدكتورة إقبال صديقتي هي طبيبة ، اختصاص طب عائلي . ولنكمل حكاية العزيز روكي .

        بصراحة .. ما حدث داخل عيادة الطبيب البيطري ، هو الذي دفعني لكتابة هذه الحكاية الخفيفة البسيطة ، التي كنت طرفاً بها   .

     سأل الطبيب الوسيم ، صاحب الخبرة الطويلة في مجاله صديقتي ، عما حدث ، وكيف أصيب روكي بكتفه ؟ أخبرته ، أن زوجته سويتي ، هي التي دفعته بقوة عندما كانا يلعبان ويلهوان في الحديقة ، ولا تدري هل تشاجرا وتعاركا ، كما يحدث بين الأزواج عادة ، أم مجرد حادث عرضي غير مقصود . وربما ارتطم كتفه بشيء صلب من  أدوات الحديقة الكبيرة والمتناثرة ،  فسبب له هذه الإصابة ؟

     زرع الطبيب ابتسامة شاحبة على وجهه ، وردد :

        - أهاااااا .. إذن إصابة المسكين روكي ، سببها الرئيسي زوجته القوية . 

ثم تنهد ليكمل :

         - تدرين يا دكتورة  .. هذا هو سبب عدم زواجي للآن ، فالأنثى ، هي الأنثى !

  شجاعتي 5 تحت الصفر !

***************

كتبت منى الشافعي 

***********

         درجة الحرارة صفر برد / سحتني ، ورياح شديدة . ذهبت إلى بيت صديقتي ميري ، لأعطيها صحن حمص حضّره زوجي العزيز جواد بو حسام ، وليس أنا .

      نزلت من السيارة أنتظرها في الحديقة .حديقتها واسعة جداً ، تزينها الأشجار الضخمة من كل جهاتها ، وعدد كثير من التماثيل التي يصنعها زوجها الفنان  دي ، ويحيط بالبيت من ثلاث جهات رافداً من أحد الأنهار المتدفقة من الجبال القريبة من بيتهم  . اعتقدت أنني شجاعة وسأتحمل هذا الجو الشتوي القارس ، خاصة وأنا أقف بالخارج في تلك الحديقة الكبيرة . لحظة ولسعني البرد ، أسرعت إلى إحدى الأشجار الضخمةَ كي أحتمي تحت أغصانها الطويلة المتدلية بثقة ، ولكن جاءتني لسعة أخرى من البرد جعلتني أسرع وأفتح باب السيارة وأجلس على مقعدي وكأن شيئاً لم يكن ، وحين أحسست بالدفء والأمان من قرصة برد ثالثة ، ضحكت على شجاعتي ، وكانت هذه اللقطة داخل السيارة  . 

     الجميل في الحكاية ، أن أحداً لم  ينتبه لا صديقتي ولا زوجها - الذي كان يتحدث مع زوجي في الجهة الأكثر برودة من الحديقة قرب رافد النهر ، بعيدة عن مكاني -  أقصد بعيدة عن ( اللاشجاعة ) التي كانت تسكنني لحظتها ، الغريب لا زوجي ولا  أصحاب البيت ، شعروا ببرودة الطقس مثلي !

***

حكايتي هذي مع البرد السحتني حدثت في  مدينة أوكلاند التاريخية / ولاية أوريغون الأمريكية.

( لحد يفتّن منكم ويقول لهم الحقيقة المخجلة )!

 

ليش .. عسى ماشر ؟!

حكايتي المتكررة 

 **********

كتبت منى الشافعي

***********        

       أصبح السفر في الصيف من أهم ضرورات الحياة الاجتماعية الكويتية ، كما هو ضرورة عملية تجديد الأكسجين في الجسم ، ومن أهم الثوابت الملتصقة بالثقافة الكويتية.

       فمن النادر أن يمر موسم الصيف ، ويصمد المواطن الكويتي داخل الديرة . فمع بداية تباشير ارتفاع درجة حرارة الجو ، حتى تبدأ هذه الجملة تخترق أذني «وين إن شا الله السنة مسافرين؟»

     بصراحة .. لقد سمعت هذه الجملة ، هذه الأيام في اليوم الواحد أكثر من مرة ، ومن أكثر من قريب وصديق!

وحين أجيب بأنني من الصامدين هذا الصيف ، تتلون العيون بدهشة كويتية خالصة ، أما الألسن فتردد بعفوية: «ليش.. عسى ما شر؟!».. والأنكى يزيد أحدهم: «أكيد في شي .. الصيف الماضي ما سافرتوا» .

       ألا يحق لي أن أرتاح من السفر عاماً أو عامين متتاليين ، لا سيما وأغلب سفراتي الصيفية طويلة  وبعيدة ، أقضي فيها ما بين الثلاثة أشهر أو أكمل الستة ، والطيران مرهق في المسافات الطويلة ، ومتعب ، خاصة إذا كانت وجهتي ، ولايات الغرب الأمريكي ؟

      ولن أغفل هنا سفرات العمل القصيرة ، المتكررة طوال السنة ، وغيرها من السفرات التي تحدث في حينها .

    مع هذا لا ولن تسكت الألسن من السؤال التقليدي 

" وين إن شاء الله السنة مسافرين "؟!


Friday, April 04, 2025

  


حكايتي مع " اللا صديقي " الانترنت !

‫***‬********************

كتبت منى الشافعي 

***********

    منذ فترة مررت بتجربة جميلة بقدر ما أزعجتني، أعجبتني، أحببت أن أشارككم بها.. فجأة! انقطعت خدمة الانترنت عن صالة  مكتبتي التي أجلس فيها أغلب أوقاتي للكتابة والقراءة والرسم، واستمر الانقطاع من عصر ذلك اليوم، وحتى عصر اليوم التالي، لأسباب أجهلها، وتعرفها الشركة المسؤولة عن خدمة الانترنت، ودائما ما يقال لنا أن الخلل/ الانقطاع عالمي. وأحياناً يقال لنا وجيراننا الملاصقين لبيتنا ، ان بيوتكم تقع على زاوية الشارع ، وأن جدران / حوائط بيوتكم مرتفعة وسميكة ، بالتالي تصد عنكم ذبذبات الانترنت .

مع أنه عذراً غير مقبول يا شركاتنا المتطورات ، حسب ثقافتي " الانترنتية غير البسيطة ".

‎‫      خلال هذا الوقت الطويل، تجمّدت الحياة في أوصال «اللاب توب»، «الآيفون»، «الآيباد»، "التلفزيون" والأهم حتى الهاتف النقال توقفت رناته لأن الإشارة اختفت أيضا، لماذا؟ لا أدري، مع أن لا علاقة بين الاثنين. يبدو أن هذه الأمور مقدر لها أن تأتي مجتمعة، إما لراحتي وإما لإزعاجي.وهكذا حلّ السكون/ الهدوء في المكان/  صالة مكتبتي !

‎      لن أخفي عليكم، ففي أولى لحظات الانقطاع، شعرت بارتباك وانزعجت، فقد توقفت كل أعمالي، كنت سأبعث إيميل بمقالتي الجديدة  إلى جريدة القبس، وكنت سأنشر بعض الصور المهمة في الفيسبوك، وكنت سأرد على الواتس آب المهم الذي وصلني من صديقتي العزيزة  أم فهد ، وهي خارج الديرة، وكنت سأكتب همسة خفيفة، بسيطة في تويتر كعادتي، وكنت سأرد على لايكات الأصدقاء في الانستغرام التي تكومت في صفحتي  وخاصة حفيدّيْ فيصل ويوسف اللذيّن يدرسان في سان دييغو /  كاليفورنيا/ أميركا ، وكنت سأكمل طباعة القصة الجديدة الموسومة «.. إني أنطفئ » التي بدأت بكتابتها في الصباح ، وكنت سأكمل رسم  اللوحة الجديدة ، وو و…، واتضح لي أن كل هذه الأمور الشخصية مهمة.

إذاً لماذا اجتمعت كل «المهمات» في هذا الوقت الحرج  .. لا أدري ؟!‬

‎‫    وقبل أن أتضايق أكثر ويزداد انزعاجي، تذكرت أيامنا قبل وجود التكنولوجيا الحديثة ، المتسارعة وأجهزتها المتطورة والذكية، التي أرهقتنا، وغيّرت اسلوب حياتنا، كيف كنا نعيش من دونها، وكيف كنا ننجز أعمالنا وأشغالنا ، من غير وجودها، والأهم كيف كنا نقضي أوقات فراغنا، ألم تكن هناك أمور أخرى تجذبنا وتسعدنا ؟‬

‎‫    وبالتالي تماسكت ، وزرعت على وجهي ابتسامتي المعهودة، وتناولت أحد الكتب الذي كان مرتاحاً قربي ينتظر أن أتصفحه ، بعد أن جذبتني هذه العبارة على غلافه «تمنحك الحياة ألف فرصة.. وما عليك سوى اغتنام واحدة»، وعنوانه شدني أكثر «تحت شمس توسكانا» للروائية فرانسيس مايز، فاغتنمت هذه الفرصة وأخذت أقرأ وأنا مستمتعة بهذا الهدوء الجميل، فأحسست براحة نفسية، ونسيت كل «المهمات».‬

‎‫     ولقد أسعدتني القراءة كثيرا، في ذلك الوقت المسروق من التكنولوجيا وأجهزتها.         

وفي عصر اليوم التالي، فجأة! رن النقال، واختلطت رنات باقي أجهزة التكنولوجيا المحيطة بي، كي تجبرني على العودة إلى الروتين اليومي، فكان جهدي مضاعفاً حتى أنهي «مهمات» الأمس و«مهمات» اليوم، وما أفرحني أكثر، أنني أنهيت قراءة تلك الرواية، واستمتعت بجمالها، فشكراً لهذا العطل/ الخلل التكنولوجي ، المقصود .

والحلو أني أنهيت كتابة هذه الحكاية الجديدة ، مع الغالي" اللاصديق " الانترنت !


  نكهات الزمن الكاملة !

 **************

كتبت منى الشافعي 

***********                            

          في العشرينات من عمري .. يسألني بهدود وثقة: «سنسافر غداً مساءً.. عندك مانع؟».. أبتهج .. أرقص فرحاً أردد: «طبعاً لا.. ليس لديَّ أي مانع.. سأقوم حالاً وأرتب حقائب السفر».. بعد أقل من ساعتين تكون حقائب السفر جاهزة بكل الاحتياجات .. ألتفت إليه ، يعاجلني  بقوله: «لو سمحت ، ضعيهم في حقيبة يدك ، فأنت أحرص مني على هذه الأمور» ..  ابتسم ، وأمسك جوازات السفر والتذاكر من بين يديه وأضعها في حقيبة يدي الكبيرة.

في مساء الغد، نصعدإلى الطائرة.. وابتسامتي لا تفارقني ، كل شيء يسير ببساطة وسهولة!

****

         في الثلاثينات من عمري المديد ، حين يخبرني أن السفر كالعادة غداً، أردد: «أتمنى أن تؤجله يومين فقط حتى يتسنى لي شراء بعض احتياجاتي الخاصة من لوازم الماكياج التي تعيد إلى بشرتي نضارة العشرين ، وتحميها من أشعة الشمس». 

****

         في الأربعينات ، قبل أن يفاجئني بتذاكر السفركعادته ، أنبهه : « لو سمحت أخبرني قبل السفر بأسبوع » طبعاً حتى أتمكن من شراء حذاء مريح يتحمل ثقل جسدي الممتلئ قليلاً ، عدا لوازم الماكياج التي تخفي التجاعيد الدقيقة التي باتت تزين تقاطيع وجهي ، ثم أستدرك لأضيف: «لا تنس الموبايل ، لأنني أحتاج إلى أن أكلم الأولاد يومياً!

****

         في بداية الخمسينات.. يسألني : «هل جهزت كل ما تحتاجينه فالسفر بعد أسبوعين»؟ أتنهد، أتناول دفتري الصغير وأبدأ في القراءة «الاحتياجات ، حذاء رياضي للمشي ، كريمات ولوازم ماكياج خاصة – لإخفاء التجاعيد التي رسمت تعرجات ظاهرة على وجهي - ملابس مريحة ، للجسم الممتلئ ، أدوية الضغط» وضعت الدفتر  جانباً أكملت : «وسأذهب إلى الصالون لصبغ شعري الذي غزاه الشيب من كل جانب ، أتمنى ألا تنسى الموبايل والشاحن وأدويتك الخاصة»!

****

          على أبواب الستينات ، حين يأتي بتذاكر السفر، وحين أنتبه إلى تاريخ السفر، أشهق : «يا إلهي السفر الشهر القادم؟!  أتمنى أن يسعفني الوقت لتحضير الاحتياجات» وفي عجالة أمسك بدفتري الصغير وأقرأ موال السفر  «حذاء طبي للمشي، مشد صحي للظهر، ضبابة للركبة ، ملابس فضفاضة - لإخفاء عيوب الجسم ، الذي بات يئن من كيلوات الشحم واللحم الزائدة - أدوية الضغط والسكر والكوليسترول والمعدة وآلام المفاصل ، كريمات كولاجين وبوتكس- لإخفاء اخاديد التجاعيد- ثم أتذكر فأسأله: «اهم شيء لا تنس كرت الضمان / التأمين الصحي، لانه ضروري جداً، والآيفون والشاحن ، والآيباد ، واللاب توب ، لانني احتاج ان اكلم احفادي ، وابعثلهم صور الرحلة اول بأول يومياً ، اما انت فلا تنس ادويتك واحتياجاتك الخاصة الاخرى.!

****

           يا إلهي، ماذا سأفعل في سن السبعينات ، الثمانينات والتسعينات من عمري المديد ؟!

ونحن - ككويتيين- السفر عندنا من ضروريات الحياة ، وأحد الثوابت المرتبطة بثقافتنا العامة  ؟!