برنسيس إيكاروس

Friday, April 11, 2025


أنا وهو .. و " والعزيزو "!

  **************

كتبت منى الشافعي 

**********

       بينما كنت اتمشى في حديقة بيتنا في أمريكا ، اتفقد بعض النباتات والزهورالمرتاحة هنا وهناك ، شدني منظر هذا الغصن !

دنوت منه.. وبابتسامتي المعهودة رددت :

        - حديقتنا نورت بوجودك عزيزي ، أخبرني كيف استطعت أن تنفذ من هذا السورالألومنيوم الذي يفصل حديقتنا عن حديقتكم ؟

 اهتز ليخبرني : 

        - الحاجة يا سيدتي ، تصارعت بكل قوتي ، حتى نفذت من هذا الثقب الصغير، مع أنني صغير بالنسبة لإخوتي الخمسة .

سألته : 

         - شكلك ، كأنك اختلفت مع اخوتك / الأغصان الخمسة ، فتركتهم وتركت أمك الشجرة ! 

أجاب بجرس حزين : 

            - هربت منهم ، من عراكهم وشجارهم ، هربت كي استنشق بعض الهواء النقي من حديقتكم الهادئة .

لقد تلوث كل ما حولي ، من  صراخهم ، وعراكهم ، وبدأ الكره والحقد يدنو من بعضهم لبعض .

قلت : 

         - ما هي حكايتك ، بالضبط أيها الغصن الصغير ؟

ردّد بصوت دامع : 

        - كنا ستة أخوة ، متحابين ، متجانسين ، الكبير يعطف على الصغير، والصغير يساعد الأكبر منه ، وهكذا عشنا منذ طفولتنا ، نحترم الكبير ونستشيره ، ونلهو مع الصغير، تضمنا أمنا الشجرة الحنونة الوارفة الغنية بثمارها ، حتى أصبحنا انموذجاً فريداً يحتذى به بين بقية الأشجار من جيران ، وعيال عم وخال ، وحتى البعيد كان يحسدنا على هذا الاستقرار العائلي الجميل ، وتلك السعادة المرسومة على اخضرار أوراقنا . 

قلت بنبرة تعجب :

           - إذن .. ماذا حدث لعائلتكم السعيدة ؟

أجاب بحسرة : 

          - يقولون الأشجار التي حولنا بلهجتنا ( قطّوعلينا عزيزو ) يقصدون (صابونه بعين ما صلت على النبي ) .

أجبت  : 

            - فهمت .. تقصد ، أصابكم الحسد من عين حقودة .

تنهد ليقول : 

             - بالضبط ، بعدها بدأ إخوتي يتشاجرون مرة ، ويتعاركون مرات ، ويختلقون المشاكل بينهم من لا شيء ، صغيرهم وكبيرهم ! 

 سألت :

           - وأنت ، ما دورك ؟

يجيب بألم : 

               - كنت بينهم حمامة سلام ، تطير من غصن إلى آخر ، أصالح هذا مع هذا ، وأهدئ من صياح الكبير، وأطبطب على ظهر الأصغر، كي أعيد لم الشمل من جديد ، نذرت نفسي لحل مشاكلهم ، وتفهم قضاياهم ، ومحاولة مقاربة الآراء على اختلافها . 

لكنني يا سيدتي تعبت ، وازدادت الأزمات تعقيداً وتكاثرت ، فتلوث الهواء والماء حولنا ، وها أنا وبعد محاولات أوجعتني ، وفقدت بعض أوراقي الخضراء ، كما تيبّس بعضها ، استطعت أن أصل اليوم ، سالماً إلى حديقتكم .

طرحت سؤالي : 

              - وهل ستظل عندنا إلى الأبد ، أيها الغصن الصغير ؟

ردد بثقة : 

             - لا ابداً يا سيدتي ، اسمحيلي فقط أقضي كم يوم عندكم ، أملأ رئتيّ من هوائكم النظيف ثم أعود ، إنهم إخوتي ، عزوتي ، أسرتي يا سيدتي ، لن أتخلى عنهم أبداً ، حين أعود سأكرر محاولاتي ، كي أصلح بينهم ، أنا على يقين هذه المرة سأنجح ، كي نعود كما كنا الستة المتحابين السعداء ، دائماً هناك طريقة يا سيدتي .

بابتسامة عريضة قلت : 

                 المكان مكانك ، والحديقة حديقتك ، خذ راحتك ، وحين تعود وتنجح في مهمتك الإنسانية وتعيد لم شمل أسرتك الجميلة ، وتجدون ( العزيزو ) وتتخلصون منه ، حين ترمونه بعمق البحر ، أخبرني حتى أزوركم وأتعرف على إخوتك الخمسة .

قال بفرح : 

               - شكراً لاستضافتك يا سيدتي ، دعواتك ، قولي يارب نجد ( العزيزو )!

 

حكايتي مع مراهق أميريكي !

****************

كتبت منى الشافعي

**********

         من المفارقات، والمواقف التي تثيرالحسرة لدينا أحيانا، وبالصدفة وكنت خارج الديرة - في أميركا - سألت أحد المراهقين الأميركان ، من الذين حولي، وكنا في رحلة بحرية في المحيط الهادي ، مدينة سان فرنسيسكو / كاليفورنيا :«لماذا تحافظ على المياه العذبة بهذه الصورة - كان مقتصدا جدا باستخدامه للمياه العذبة خلال فترة الرحلة - وبلادكم ما شاء الله تحيطها أكبرالمحيطات وتزينها أعرض البحار، وتكثر بها الأنهار والبحيرات؟!».

أجابني بعبارة جميلة أبهرتني، وأحرجتني في الوقت نفسه:«حتى أوفر هذه القطرة لأحفادي».!

      يا جماعة، هذا رد المراهق الصغير، يفكر بأحفاده . 

     اتدرون، أنه الوعي الذي تربى عليه ، الإحساس بالمسؤولية ، الإرشاد العام والخاص ، البيت ، المدرسة  ، والمجتمع ، أنه التفكير السليم الجميل ، بمستقبل الأجيال القادمة عندهم . 

فهل سنهتم نحن بقيمة هذه القطرة ؟!

*******

      وهنا تحدثت لنفسي فقد تذكرت أنني قرأت بعض المعلومات ، عن المياه العذبة في المستقبل ، تقول المعلومة :

              ( منذ أكثر من عقدين ونحن نسمع ونقرأ أن الحروب المقبلة هي حروب المياه ، وهذه حقيقة ، لأن المياه العذبة أصبحت شحيحة في بعض المناطق من العالم ، كما أصبحت بامتياز أزمة عالمية ، تبحث عن حلول وإجراءات سريعة فاعلة ، وإلا ..؟)

*****

             يااااه .. يحدث هذا أمامنا والعالم محاط بمحيطاته وبحاره ، وأنهاره وبحيراته وأمطاره . فكيف هنا في ديرتنا الصغيرة المساحة ، والتي لا تملك غير خليجنا الصغيرالذي يسقينا ، فيمدنا بالحياة ، ألا يجب أن نحافظ عليه نظيفاً وبعيداً عن التلوث ؟ 

         متى نعي أنه أمن مياهنا العذبة الوحيد ، غير متناسين أن كمية الطاقة  - نفط - اللازمة لتحويل المياه المالحة إلى مياه للشرب ، مكلفة جداً ، ومتى نعي أهمية قطرة المياه العذبة ، أنها ثروة حيوية ونعمة ، فنتوقف عن هدر المياه ؟!

  

هدايا الأميركان !

  ********

كتبت منى الشافعي 

**********

         صديقتي الامريكية الغالية برنيس ، عاشقة للزراعة ، تعتني بحديقتها الصغيرة في بيتها ، وتزرع بعض الخضروات والفواكه ، عدى عن الأشجار المثمرة ، والنباتات المختلفة ، وانواع الزهور والورود العطرية الجميلة .

       تلك  الإنسانة الرائعة تزورني مراراً ، وفي كل مرة تحمل يديها الكريمتين ( نقصة ) هدية ، وهذه بعض هداياها ، عدى الزهور والفواكه الطازجة ، في مواسمها الصحيحة .

      ما أجمل هذه البساطة والشفافية ، في الصداقة والمحبة .

       فلو نضجت عندها ، خمس حبات طماطم تهديني ثلاثة ، ولو نضج عندها حبتين زچيني - نوع من انواع الكوسا - تهديني واحدة ، كما هي حبات الثوم . كل هذه الهدايا البسيطة الصحية من حديقتها ، من تعبها وعنايتها بها ، انها احلى واجمل هدايا تفرحني ، كطفلة تفرح بلعبة .

 أما العسل الوحيد الذي اشترته كهدية لنا كي نجربه ،كونه عسل محلي من ولاية أوريغون .

    ذكرتني هداياها البسيطة ، المغلفة بمشاعرها الدافئة الرقيقة ، بهدايا الزمن الجميل في الديرة ، حيث كنا نتهادى بأبسط الأشياء غير المكلفة ، ومن طبخاتنا اليومية ، وكنا نفرح كثيراً ونشكر ونمتن للآخر ، على عطاياه الصغيرة مهما كانت ، كلها تسعدنا .

     كما كنا أيضاً نفرح ونبتهج ، حين يُدقْ الباب ، حزة الغدا / وقت الغداء ، لتفاجئنا طفلة من بنات الجيران تحمل ماعوناً يناسب عمرها ، تقدمه وتردد :" خالتي .. أمي تسلم عليچ ، وتقولچ هذي نقصة من قدانا "/ هذا الماعون من طبخة اليوم .

     ياااه .. ما أحلى تلك اللحظة ، حين تفتح أمي غطاء الماعون الصغير ، لنجد به ( مرقوق أو هريس ، أو يريش ، أو معدّس ، أو محروق صبعه ، أو حتين امرقت هوا ) .

كأطفال نتهافت على الصحن ، لنأكل منه بشهية ، تاركين طبق الوالدة جانباً ، والفرحة تزاملنا لحظتنا السعيدة  .

     هدايا اليوم / نقصات اليوم ، ما يحتاج اكتبها ، كلنا نعرفها ونمارسها ، كونها أصبحت عنصراً هاماً من عناصر ثقافتنا الكويتية الجديدة  المتطورة والحديثة ، يبدو لن نستطع أن نتخلص منها ، فقد أورثناها لعيالنا وأحفادنا . 

 وينك يا زمن أمي ؟!


جائزتي التي دفعت ثمنها !

*************

كتبت منى الشافعي

​**********                     

       منذ مدة بعيدة عن اليوم سافرت الى بيجين / الصين .. وكنت في شوق لمشاهدة المعلم الشهير بسور الصين العظيم من عجائب الدنيا التي أبدعها الإنسان الصيني .. وحالفني الحظ أن أقطع المسافة المطلوبة من السور طبعاً مشياً على الأقدام .. وكانت على ثلاث مراحل .. والحمد لله قطعت مراحلها الثلاث بنجاح .

والطريف بهذه المسابقة بدلاً من حصولي على جائزة مادية ، أو غيرها من الجوائز ، طلب مني مبلغاً جداً زهيداً ، لحصولي على هذه الشهادة ، والميدالية البرونزية الصغيرة .

       بصراحة كنت فرحة كطفلة مدللة ، لدرجة الرقص والغناء ، كوني سرت على منخفضات ومرتفعات هذا السور العظيم ، المتفرد بشكله وتاريخه القديم في العالم . 

     ولو طلب مني أضعاف وأضعاف هذا المبلغ ، لدفعته وأنا شاكرة وممتنة لهذه التجربة الفريدة ، التي إن حصلت ، فلن تحصل في الحياة مرتين !

***

     وهذه الشهادة .. بوجهيها ، الوجه الأول يحمل صورتي .. في المكان المحدد للوصول ، والوجه الثاني ، لقطة لجزء من السور العظيم !


هكذا أدمنت الماء

**********

كتبت منى الشافعي 

**********

        الماء عصب / شريان الحياة ، وقوامها ، لولاه لما عاش إنسان ولا حيوان ، ولا اخضرّ زرع على وجه الأرض . 

     قال تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي) .

لقد طبّق الأميركان هذه الآية الكريمة ، ففي أميركا صرعة / ظاهرة شرب الماء بكثرة ، وبانتظام ، فقنينة الماء لا تفارق أياديهم صغاراً وكباراً ، فمن يركب دراجته تجدها معلقة بأحد أركانها ، ومن يقود سيارته ، تجدها قربه ، وحين يترجل ، تراها ملتصقة بإحدى يديه ، ومن يحاذيك ماشياً تجدها بيده ، وحين تدخل أي مؤسسة عامة أو خاصة ، تجد أشكالاً وألواناً من قناني الماء ، مرتاحة على مكاتب العاملين ، كما أن المحال التجارية الصغيرة والكبيرة ، والأسواق والمؤسسات بأنواعها ، وأماكن الترفيه وغيرعا ، لا تخلو من برّادات الماء لخدمة الزبائن . 

    هذه الثقافة على بساطتها ، جعلت الدولار الأميركي ، يدور من يد إلى أخرى ، لينمو اقتصاديا ،  بحبث انتعشت وراجت تجارة صناعة قناني الماء المختلفة الأحجام والأشكال والمواد والألوان .

وأصبحت هذه السلعة الصغيرة البسيطة ، مطلوبة من جميع الفئات العمرية ، وهكذا أصبحت عادة في حياة الفرد الأميركي .

لقد اكتسبت شخصياً هذه العادة الصحية ممن حولي ، بحيث واصلت تذكير نفسي بشرب الماء يومياً في مدة ليست قصيرة ، حتى اعتدت عليها ، وهكذا اصبحت قنينة الماء تزاملني أينما ذهبت.

الملفت أن إحدى صديقاتي الأميركيات ، حين تحضر  لزيارتي ، وتعرف جيداً أن الماء الصحي متوافر في بيتنا ، إلا أنها حين تدخل ، تسبقها قنينتها ، لأنها عادة ، وكونها عادة صحية فأهلاً بها .

    ينبغي علينا جميعاً أن نعتاد على شرب الماء ، ونشجع عيالنا الصغار على هذه العادة الصحية البسيطة !


  همسات على الدرب .. وفضولي !

******************

كتبت منى الشافعي 

*****​*​****

        في لحظة تأمل، كنت أراقب الغيوم الخريفية المتناثرة بتشكيلة فنية ، هنا وهناك في السماء الصافية الزرقاء ، أبتسم للاشجار، أنصت  لعصف الريح  في حديقة بيتنا ، في أمريكا .

  جدبتني تلك الشجرة العالية بأوراقها الخضراء ، كانت تتمايل أغصانها بخفة ، مبتهجة ، مشرقة .

وبقربها شجرة صغيرة تجاورها ، أوراقها  خربفية ملونة ، حمراء ، صفراء ، برتقالية ، تتمايل مع الريح ، فتتساقط تلك الأوراق الملونة واحدة  تلو الأخرى ، حتى بدت لي  بعد فترة ، نصف عارية ، بأغصان شبه يابسة ، اقتربت منهما ، وكأنني أسمع من بين حفيف الأوراق  ، وعصف الريح  بعضاً من همساتهما ، أجبرني فضولي على الإنصات ، اقتربت أكثر .

همست الشجرة نصف العارية لجارتها :

            - لماذا أنا التي تتلون أوراقي ، ثم تتيبس ، لتتتساقط من هزة ريح خفيفة ، وأفقد جمالي واخضراري في هذه الفترة من السنة ، وها أنت جارتي تظلين خضراء مشرقة ؟

والغريب يا جارتي ، أننا  نرتوي من قطرات المطر نفسها ، وجذورنا في التربة نفسها ، ولقربنا من بعضنا ، تمتد لتتشابك بمحبة ، وما تزالين تحملين أوراقك واخضرارها ، التماعها ، وطراوتها . أليس هذا غريب يدعو للتساؤل ؟

همست الشجرة الباسقة بجرس لطيف : 

         - هذه هي الحياة يا جارتي وصديقتي وأختي ، لكل كائن في الحياة وظيفته التي خلق من أجلها ، وقدره ، وهذا ما يحصل لنا ، فأنا خلقت دائمة الاخضرار ( ever gr een ) وهذا قدري ، ولربما وظيفتي في الحياة تتطلب ذلك ، كي أزيد باخضراري نسبة الأوكسجين في الجو لراحة الانسان وباقي الكائنات الحية ، ولأظل شامخة أصد الرياح وأنشر الظل في المكان ، لسعادة الآخرين أيضاً .

 أما أنت يا عزيزتي فخلقت لتزيدي المكان جمالاً  جاذباً ماتعاً في فصل الخريف ، فحين تتلون أوراقك تبدو جميلة للناظرين ، وهذه متعة البشر الذين نعيش معهم  ولأجلهم .

وظيفتنا  في الحياة ، أن نسعدهم ونبهجهم في كل حالاتنا ، وفي كل فترات حيواتنا ، وحتى لو تساقطت أوراقك،  فعريك يبدو جميلاً في أعينهم ، هل نسيت بأن البشر كائن ملول ، يسعى للتغيير والتبديل والتجديد ، في كل شيء في حياته . واكثرهم يعشق فصل الخريف وألوانه ، فخلاله تتلون أوراق الأشجار بألوان مشرقة زاهية بالأصفر والبرتقالي والأحمر ، وهذا يثير البهجة عندهم ويمدهم بطاقة الفرح والحب والجمال ، ألم تلاحظي ألوان ملابسهم  واشكالها ، وألوان سياراتهم وموديلاتها الجميلة والغريبة ، وغيرها من أمور حياتهم  الكثير، ألم تلاحظي كم شخص وقف يتأملك أنت ليلتقط صورا ً لجمال ألوان أوراقك وتناثرها تحتك ، وحتى حين سكنك العري ، هناك من أخذ لك أكثر من لقطة ، ألا يشعرك كل هذا بالسعادة ؟!

      فجأة ، هدأ عصف الريح ، وتوقف تساقط أوراق هذه الشجرة الدامعة ، لكنها ردت بابتسامة  :

     - شكراً لك صديقتي العزيزة على هذه الكلمات ، فعلاً سأرضى بقدري ، هذه هي الحياة ، كي تستمر هكذا كما قلت وسأحب وجعي ، وأتناسى حزني ، وأتعايش مع كآبتي بروح المحبة والرضا. 

بجرس مبتسم همست الصديقة  :

     - سعيدة لأنك اقتنعت بقدرك ، وعرفت وظيفتك في الحياة ، ليت البشر يقتنعون بأقدارهم وأرزاقهم .

والأجمل يا عزيزتي ، حين يرحل الخريف عناّ ، ويأتي الشتاء ، فما أجملك حين يدثر عريك الثلج ، وتتحولين إلى ملاك أبيض ناصع اللون ، يغري بجماله وبياضه الثلجي الناظرين ، فحتماً سيتهافتون عليك ، ليلتقطوا لك أروع اللقطات .

        ‏ أما أنا فلن أكون بمثل بياضك وجمالك ، لأن اللون الأخضر سيتخلل الثلوج التي تغطيني ، وهذا قدري وسأرضى به .

      وقبل أن أغادر المكان ، سمعتهما يتهامسان مرة أخرى .       

     همست الشجرة الخضراء :

                          - عزيزتي نسيت أن أخبرك ، بأن الحياة ستستمر ، فحين  يرحل الخريف ، وينتهي الشتاء ببرده وذوبان ثلوجه .. سيأتي الربيع الجميل ، تسبقه تباشيره ، وتغريد بلابله ، وطيوره ، ستعودين كما كنت ، وربما أحلى  لأنك ستكبرين عاماً وستبدين  أطول وأنضر وستكتسين بالاخضرار ، وتمتلىء أغصانك بأوراق رقيقة مشرقة ،ولا تغفلي روعة أزهارك الجميلة ورائحتها العطرة ، التي ستعبق في المكان، والتي يعشقها البشر .  

       هل نسيت أنني أفتقد الأزهار على أغصاني ، ومع هذا راضية ودائماً فرحة ومستبشرة ، لأنني أعرف جيداً أن الاختلاف  في كل حالاته ، جميل ورائع ومطلوب ، حتى تتلون الحياة ؟

ليت البشر يتفكرون ؟!


 

الرحلة قصيرة !

********

كتبت منى الشافعي 

**********

   صباح اليوم ، تجولنا في مشتل ،

( plant Warehouse ) الجميل ، في مدينة

(  Roseburg

( روز برغ ) في أميركا ، لاختيار بعض الشجيرات الصغيرة لحديقة بيتنا  .

   أعجبته هذه الشجيرة ،  فطلب من الموظفة اثنتين .

قلت له واحدة تكفي لأن المكان المتبقي من الحديقة لا يتسع لأكثر من واحدة ، وهذه الشجيرة طويلة وممتلئة .

لكنه أصر كعادة الرجال . فالتفتت علينا الموظفة التي رافقتنا في المشتل الجميل مبتسمة ، همست في اذنها بعفوية : ( الرجال .. دائماً يصرون على اختياراتهم ، حتى وإن كانوا على خطأ ) نظرت إليّ ،

بقلب دامع قالت : ( زوجي متوفي من كم سنة ، كنت أحبه كثيراً ، فإذا كنت تحبين زوجك ، دعيه يختار ويقرر ما يريد ) . ثم تنهدت لتكمل : ( أحبي زوجك يا أختي العزيزة ، فالفقد مؤلم ).

      بصراحة كلماتها لامست داخلي بقوة ، تحركت مشاعري  ، وأحاسيسي الغافية . 

      نظرت إليه بكل الحب ، وهو يقلّب الشجيرات بين يديه ليختار ما راقت له ، ابتسمت له ، تركته مشاعري ، وأحاسيسي الواعية ليختار ما يحلو له ، يشتري كل ما يريده وأكثر .. حتى وإن كانت الحديقة لا تتسع لأصغر شجيرة ، فالرحلة / فالحياة فعلاً قصيرة !

( صديقاتي ، أحببن أزواجكن كثيرا .. فالفقد بصراحة موجع )!


  كتبت منى الشافعي

**********

رائحة خبز الخمير .. لها حكاية !

*****************

      الأخ العزيز( سعود ) الله يهداه ، أرسلي تحية ( صباح الخير) ، كعادتنا اليومية ، لتبادل التواصل .. وهو يعرف جيداً أنني بعيدة جداً عن الديرة الحبيبة  ( في الغرب الأمريكي ) ، وإنني أحب خبز الخمير  كأي كويتي / ة  ، خاصة  المّحمّش ، وفي مدينتنا الأمريكية، يغيب هذا الخبز اللذيذ، فتحيته هذه جعلتني أزداد شهية وحنيناً  لقرص " توه طالع من التنور حار ومحمّش ".. لكنني تماسكت ، وأخرجت من الثلاجة " توست ومفن " .. وتناولت فطوري ، من غير شهية  !!

مع هذا شكراً للأخ سعود ؛ لأنني ..

فجأة ! تذكرت طفولتي وهذا الموقف مع خبز الخمير / التنور .

* * * *

‏‎   أمام باب المخبز ،

‏‎ تأتيني رائحة الخبز الخمير - خبز التنور الدّبل - المزين بحبات السمسم .. بعد أن يعدالخباز للخمسة يناولني أقراص الخبز الساخنة.. أتحرك عائدة إلى البيت الذي لا يبعد حتى عشر خطوات عن المخبز .. أرفع الأقراص بيديّ الصغيرتين المطبقتين بقوة على حافة الأقراص.. أقربها من أنفي، أتلذذ بشم رائحتها الطيبة التي تنفذ إلى معدتي قبل أنفاسي .. يا لها من رائحة تستعبدني ، لأبدأ بالتهام الفقاعات المحمشّة التي تعلو وجه القرص الأول - هذا ما سمحت به المسافة - والتي دائماً تغريني فأقضمها بأسناني بقوة وأتلذذ بأكلها وكأنني ألتهم صحناً من الآيس كريم في وقتنا الحاضر .. ها هي أمي الحبيبة ،  تنتظرني أمام باب البيت كعادتها ؛ تراقب حركاتي .. تتناول الخبز من يديَّ الصغيرتين وقبلة الشكر تسبقها إلى خدي .. تبحث عن القرص الذي نتفت كل فقاعاته اللذيذة ثم حشرته بذكاء طفولي بين إخوانه الأربعة ، حتى لا أحد يكتشف فعلتي وبالتالي يعاقبني .. ولكن أمي تجد ذلك القرص المندس بين أقرانه .. تلتقطه بخفة .. وقبل أن يدخلني الخوف وترتجف أوصالي .. تفاجئني ابتسامتها الحانية .. ثم ضحكتها العالية التي تريحني وتخفف توتري .. تتركني وتذهب إلى المطبخ أتنفس الصعداء.


   وحدتي  .. لها حكاية !

   ************

    كتبت منى الشافعي 

     *​*********           

     حزينة كلون الليل .. تنبت على جسدك اوجاع غريبة .. تجلسين تحت الليل ، متلفعة بالعتمة تعاتبين السماء .

      كل هذا الليل بغموضه ، وكل هذا الكون بتفرد جماله ، وانت يائسة تحتضنين لحظة حلمك ، تستمعين نقر دموعك ، على أبواب عجزك وضياعك .

تتطلعين إلى السماء وكأنك تنظرين إلى لا شيء .

    هواء البحر مبلل بهذيان سحره ، يداعب خصلات شعرك ، يدغدغ اجفانك ، تشعرين بالنعاس .. فجأة! تسمعين اصوات الامواج تتعارك مع رمال الشاطىء بقوة تغزوها تبلل يباسها .. ثم يهدأ الصخب . هاهي الامواج تتمايل بخفة فراشة ، تتزاوج مع حبيبات الرمل المنتشية حد الفرح . 

    ترنو اليك احدى الموجات بعينيها الفرحة ، تدنو منك ، تبلل قدميك الحافيتين ، ترش الملح على جروحك . تغوصين في الصمت والوحشة والسكون .

    تبتسم تلك الموجة الغارقة في غنجها ودلالها ، تسألك : 

             - من أنت ِ؟

تنظرين اليها بقلب يدمع ، وعين تلمع ، تتنهدين قبل ان تجيبي : 

              - أنثى .. تنتظر طلوع القمر ،  الفجر ، اشراقة الصبح .

تهتز متسائلة : 

              - ما أكثر ما لامسّتُ قدميك الحافيتين ؟

بلوعة ترددين : 

            - صدقت .. انطفأ عمري هنا ، تحت الليل وانا انتظر .

تتساءل : 

         - لماذا كل النساء تنتظر طلوع القمر ، الفجر ، اشراقة الصبح  ؟

يا صديقتي الموجة : 

          - لأن النساء يحملن الوجع نفسه .. ولا يعرفن غير لعبة الانتظار .. امي علمتني لعبة الخجل / الانتظار في العتمة ، حتى اصبحت انسى كل الصباحات . 

   صخبت الامواج مرة اخرى .. تقلبت الرمال الرطبة .. ابتعدت صديقتك الموجة مودعة .. تراقصت منتشية .. ابتلعها البحر . 

    عدت ِ لصمتك ، ويد الليل تربت بحنان على كتفك ، تهدهدك ، تؤانسك .. يتكحل الليل بأكثر من السواد ، لا يزال قمرك الموعود مختفيا خلف القدر . 

      يا ترى لماذا يهرب منك ، ألستِ أنثى تحملين العشق على أكتافك سيداً ، وفي قلبك الحنون ينام الحب الجميل ، وفي أعماقك شوق السنين الفائتات ، ودفء الأيام الآتيات ؟!


    كتبت منى الشافعي

   ***********

حكايتي مع النمر الهندي 

*************

    أثناء رحلتي الى ولاية كيرالا / وفي اليوم الخامس من البرنامج، كان المقرر أن نشاهد الفيل وهو يستمتع بحمامه اليومي في أحد الأنهار. وبالتاي كان علينا قضاء الليلة في فندق معلق وسط الغابة، كل منا منا في غرفته المرتفعة فوق الأشجار، بينما تتلوى  الأرض من تحتنا بأصوات الحيوانات ، في تلك الغابة المترامية .

        عندما أخبرنا مسؤول الرحلة أن النمر يظهر أحيانًا تحت الفندق وهو يتجول في الغابة بكل ثقة وخيلاء وكأنه ملك الغابة ، وأضاف بابتسامة غامضة: "من كان محظوظًا منكم سيراه تحت غرفته مباشرة "!

واكمل بقوله " اتمنى ان تكونوا جميعاً في صالة الفندق قبل الفجر بساعتين ، اي تقريباً الساعة الثالثة فجراً ، حتى نصل في الوقت المناسب الى السيد الفيل ".

     هنا ، كدت أفقد توازني من شدة الخوف . مع هذا وصلت إلى غرفتي والليل ما زال في أوله، وجسمي يرتجف، ولم أستطع سوى أن أدفع كل قطعة أثاث أجدها خلف الباب، خوفًا من أن يقتحم النمر غرفتي المعلقة .

      قضيت تلك الليلة وأنا أتقلب في فراشي ، ولم يغمض لي جفن لحظة واحدة . وقبل الفجر بساعتين، كنت أول شخص بصل الى صالة الفندق ، هروبًا من شبح النمر الذي لم يفارق مخيلتي ، ليلة البارحة .

     وفي القارب ، دار الحديث عن الحياة البرية ، وعدد ونوع الحيوانات، التي قد تكون تجولت تحت غرفنا ، وحينها قال المسؤول بابتسامة هادئة: " أما النمر، فلم يظهر هناأبداً .. كنت أمزح  معكم فقط ".


    كدت أنفجر غضبًا في وجهه ، لولا أنني  كنت مرهقة وتعبة ، من السهر والخوف ، فتماسكت ، واكتفيت بتنهيدة طويلة ، وأنا أسترجع الليلة التي قضيتها حبيسة الأوهام .

Thursday, April 10, 2025


كتبت منى الشافعي
************* 

موقف كاد يحرجني! 

***********

      أثناء حديثي مع صديقتي عن رحلتي إلى الهند بعد يومين ، وبالتحديد إلى ولاية كيرالا، أصرت عليّ بشدة أن أحمل معي كرتونًا من قناني مياه الشرب الصحية ، بحجة أن المياه النظيفة قد تكون صعبة المنال هناك. 

      أخذت بنصيحتها وقررت أن آخذ كرتوناً من المياه الصحية ، خاصة وأن زيارتي جاءت تلبية لدعوة من إحدى المؤسسات التعليمية.

        ما إن وصلت إلى مطار  مدينة جونو في ولاية كيرالا، حتى فوجئت باستقبالي بقلادة من الزهور الملونة ، وترحيب لائق أخجلني من أحد كبار المسؤولين في المؤسسة التعليمية ، اصطحبني إلى استراحة كبار الضيوف في المطار  ، التي كانت عامرة بكل أنواع المأكولات الخفيفة ، والمشروبات الحارة والباردة .وإذ بي أنتبه لوجود ستة أنواع من قناني مياه الشرب  الصحية والمعدنية المختلفة !

وحين كنت محلقة في الجو  لاحظت حين اقتربنا من المدينة نزولاً ما يفوق  عن عشرة أنهار طويلة  وروافد تحيط بالمدينة ، بحيث تغمرها المياه من كل صوب .

        وحين سألني المسؤول عن كروت حقائبي وأغراضي الشخصية ، قررت التصرف بذكاء بعد أن شكرته مبتسمة ، وقدمت له فقط كرتين لشنطتين فقط ، بينما بقي كرت كرتون مياه الشرب مرتاحاً  في حقيبة  يدي .

وهكذا، تخلصت من موقف محرج كان بالإمكان أن يثير الكثير من الاستغراب.

  

كتبت منى الشافعي

*************

حكايتي .. مع سنوات عمري 

لسنة مضت.. لسنة جديدة أقبلت!

*****************

كبشر، كلنا لدينا مساحة واسعة تسكنها طموحاتنا الممتدة، وتملأها امنياتنا المتجددة التي لا تنتهي، لأن الحياة من حولنا تتجدد، وتتغير بأسرع من الليزر، وتجبرنا على اللحاق بها.

حين تغادرني سنة ، اقول لها شكرا لما قدمته لي من افراح على المستويين الشخصي والعام، وحتى من احزان، لان هذه سُنّة الحياة، وهكذا ستظل مجرد ذكرى في عالمنا، فوداعاً !

ولكن هناك من يحمل لها الكثير من العتب واللوم، حين يكتشف ان طموحاته واحلامه، وامنياته ما زالت بعيدة المنال رغم مرور هذه السنة بكل ايامها ولياليها، ورغم محاولاته المستمرة لتحقيق رغباته، وهذا ما يجعله يشعر بالإحباط والفشل، ويستمر بلوم السنة.

***

لهذا الشخص أقول : ان السنة مجرد رقم عدد يضاف الى السنين الفائتات، وبالتالي هي غير مسؤولة عن نجاحك او فشلك او إخفاقك في عدم تحقيق اولوياتك الطموحة، فلا لوم عليها ولا عتب.

يقول الفيلسوف الروماني ابكتيتوس: «حدد اهدافك اولاً، ثم افعل كل ما تستطيع فعله لتحقيقها». فعلاً.. ان تحقيق الطموحات لأي منا، لن يكون ببساطة هكذا، بل يحتاج الى وقفة تصالح مع الذات، ثم وضع خطة مبسطة مرسومة بدقة مع جدول زمني واضح، تحتوي على الأولويات من الاهداف، والاهم التركيز اولاً على هدف واحد يكون له التأثير الكبير/الايجابي في حياتك، وفي الوقت نفسه يكون معقولا، ويمكن تحقيقه في الفترة الزمنية المحددة، وذلك حسب قدراتك الطبيعية، وامكاناتك ومهاراتك ومواهبك، غير متناسٍ تجاربك السابقة في هذا الامر، لان كل شيء في الحياة، وكل تجربة سابقة، مهما كانت بسيطة، ناجحة او فاشلة، لها قيمة ومن الممكن الاستفادة منها بتحقيق اهدافك المؤجلة، وايضا لا تغفل هنا الرغبة والحماس، والثقة بالنفس، والجدية في العمل، والجرأة، والتفاؤل، ووضوح الرؤية لهذا الهدف، والاهم ان تطور ذاتك، وعليك ايضاً ان تتقبل كل المعوقات التي تقف في دربك بروح معنوية عالية، وتسعى الى التغلب عليها، ولا تتوقف ابداً، وتصر على النجاح والوصول الى هدفك. ولتكن بمستوى تحديات الحياة هذه الايام ومستجداتها، كل هذه الامور والعوامل مجتمعة، بالضرورة ستقودك الى النجاح وتحقيق اهدافك. وهذا ما يقوله الكاتب الاميركي إلبرت هوبارد: «الفشل الفعلي هو ان تكف عن المحاولة».

***

اذاً.. دائماً أرسم ابتسامتي على تقاطيع وجهي، واستقبل السنة الجديدة بمحبة وفرح وتفاؤل، فأجدها فاتحة لي ذراعيها، تحتويني بكل طموحاتي  المؤجلة، ورغباتي الجديدة، واحلامي الممتدة، وتجاربي السابقة، وحتماً ستساعدني على تحقيقها.

اهلاً ومرحباً بالسنة الجديدة ، وشكرا للسنة الفائتة ، على كل ما قدمته لي من حلوها ومرها، ولا لوم عليها ولا عتب!


 كتبت منى الشافعي 

*********  

البطاطس تتحداني !
**************
      في مدينة روما/ إيطاليا ، مررتُ بموقف طريف عندما ذهبت إلى كشك صغير يبيع الساندويتشات. أردت شيئاً بسيطاً وخفيفاً للعشاء، فاخترت ستة أنواع مختلفة بأشكال متنوّعة ؛ منها المستدير والطويل وغيرها، وكلها بحجم صغير. 
    عدت إلى غرفتي في الفندق، متحمّسة لتناول عشاء خفيف ولذيذ . فتحت الكيس وأخذت أول قطعة، فاكتشفت أنها بطاطس ، جربت القطعة الطويلة فإذا بها بطاطس أيضاً، وهكذا مع كل قطعة.
 يبدو كل ما اشتريته بطاطس، ولكن بطرق طهي مختلفة. 
    ضحكت على نفسي طويلاً، متلبّسة بسوء الفهم هذا مرة أخرى ، تحدث هذه المواقف في رحلتي الأولى إلى ايطاليا قبل حوالي أربعة عقود !

   

كتبت منى الشافعي
***********

حكايتي مع الصديق الاميركي! 


*****************

         أحد الأصدقاء الأميركان أخبرني إنه انفصل عن زوجته، وحصل على حضانة ولده الصغير. قال متحسراً: «بعد أن أصبحت المعيل الوحيد لأسرتي، وخاصة متطلبات صغيري، فتربيته مكلفة، تزداد يوماً بعد آخر. فقد عودت نفسي على تناول وجبة واحدة في يوم، وفي اليوم الثاني وجبتين. وهكذا طوال الشهر، حتى أقتصد، كي تساعدني هذه الطريقة على تأمين حياة كريمة مريحة لولدي، مع إنني أعمل طول النهار، وأعتني بصغيري باقي اليوم. فالحياة عندنا صعبة».

* * *

         حين سألني عن أحوالنا في الكويت، خجلت من ردي: «الحمد لله الكويت أمنا العودة / الجدة الحنونة ، والحاضنة الشرعية لكل أبنائها من المواطنين.

الكويت بلد خير ونعمة، أمن وأمان، تكافل اجتماعي وتراحم، ترابط وتكاتف، تعاون على الحلوة والمرة.

المواطن الكويتي تتكفل به الدولة منذ لحظة ولادته وحتى مماته، تعليمه، توظيفه وحتى مساعدته في زواجه. وهناك رعاية صحية وسكنية، وتتكفل الدولة بحماية الأمومة والطفولة، وترعى الأيتام والأرامل والمطلقات والمسنين، وربات البيوت ،وأمور اخرى».

كنت أتحدث ودهشته تعلو وجهه، أما الصمت فقد شلّ لسانه. 

        وحين قلت إن المواطن عندنا لا يدفع ضرائب، كضرائب الأميركان الثقيلة ، ازدادت دهشته. 

وأكملت: «ناهيك يا مايكل عن إن الكويت دولة مؤسسات، ودولة دستور وقانون، والأجمل حرية الرأي مكفولة، على ألا تتجاوز الخطوط الحمراء». 

وحين أخبرته إن البعض منا هذه الأيام يتذمر و«يتحلطم» ويطالب بالمزيد، أخيرا نطق صمته ليقول: «يبدو ان حياتكم حياة ترف ورفاهية تُحسدون عليها، وهناك من يتذمر ، اعذريني يا سيدتي ، الكويتي بطران» ثم اضاف: «ليتنا نتمتع بربع ما عندكم من هذه النعم ، على الأقل كنت سأتناول وجبتين كاملتين مع الحلويات كل يوم ، بدل الحرمان الذي أعانيه ، حتى لا أقصر في تربية صغيري ، وربما استطيع أن أشتري بعض الكماليات التكنولوجية ، لصغيري كي يلهو بها كما الصغار الآخرين».

* * *

  بعد هذه المحادثة ، قلت في داخلي :

"لنشعر بالآخرين المحتاجين ، الذين يعيشون على الكفاف، ونحمد الله على هذه النعم العظيمة ، 

الله لا يغير علينا "!

 

كتبت منى الشافعي 

*********

   سمكة الأنشوجة !

*************

      
في إيطاليا ، وذلك قبل أربعة عقود تقريباً ، حين لم تكن البيتزا معروفة لدينا في الكويت، وجدت نفسي جائعة أثناء تجولي في السوق الكبير بمدينة فلورنس الجميلة . لفتت انتباهي المطاعم الصغيرة المنتشرة في أرجاء السوق، حيث كانت جميعها تقريباً تعرض طبقاً شهياً يُدعى “بيتزا ” بطريقة جميلة جاذبة ، لكنني حين نظرت إليه ابتعدت فجأة ، خاصة حين صافحني وجه سمكة الأنشوجة التي كانت مرتاحة في منتصف الطبق الدائري ، وهكذا تركت جهة المطاعم ، لأنني لم أستسغه حينها . 
     أما اليوم، إذا سألتني عن أشهى الأطباق، فسأجيبك بلا تردد: البيتزا الإيطالية ، ولكن بدون أنشوجة. أضحك الآن كلما تذكرت موقفي القديم مع هذا الطبق في إيطاليا ، التي أحبها ، وأعشق طبق البيتزا وخاصة في مدينة فلورنس الحلوة!

  كتبت منى الشافعي 

**********

 دجاج جنوة يعاتبني!

*************

      “من الطريف أنه بعد أكثر من أسبوعين أمضيتهما في  إيطاليا متجولة بين مدنها الجميلة ، وتجربتي الطريفة مع الأطعمة المختلفة، شاءت الصدفة أخيراً أن أعثر على طبق جديد أغراني شكله الجذاب عبارة عن ( دجاج صغير الحجم / فراخ مشوية)، ذلك في مدينة جنوة الساحلية .
       وهكذا، أمضيت باقي الأيام أتناول هذا الدجاج الصغير، حتى تخيلت أن الدجاج الكبير في إيطاليا صار يكره وجودي ، يعاتبني ، ويلومني على أنني التهمت كل أفراخه، متمنياً رحيلي عن البلاد بأقرب لحظة ! 
       هكذا شعرت بوجع الدجاج الكبير وألمه ، الذي فقد نصف أبنائه كضحية لوجباتي المتكررة .يحدث هذا الموقف قبل أربعة عقود تقريباً .
    ثم تكررت زياراتي لإيطاليا ولمدنها الأخرى الجاذبة مثل البندقية وميلان وغيرها ، ولكنني لم أتناول في تلك الزيارات المتكررة ، أي طبق من أطباق الدجاج ،(تدرون ليش ) بصراحة حتى أخفف من ذنبي !

 كتبت منى الشافعي 

**********  

حكايتي مع المكرونه!
************
  
      خلال زيارتي الأولى لإيطاليا قبل أربعة عقود تقريباً ، وجدت نفسي في أحد أجمل مطاعم المدينة .ولم أكن أفهم أو حتى أنطق كلمة من اللغة الإيطالية، والغريب في ذلك الوقت لم يكن هناك من يتحدث الإنجليزية بين السكان كما اليوم . كنت جائعة بشدة، فوضعت يدي على رقم 3 في قائمة الطعام، في محاولة يائسة لاختيار أي طبق يسد جوعي. 
      بعد لحظات، جاء النادل بطبق من المكرونة مع الصلصة، فبدأت آكل بنهم، معتقدة أن هذا هو عشائي المنتظر. وبعد أن شبعت تماماً، طلبت الفاتورة.
      ضحك النادل قليلاً، ثم أحضر عربة مليئة بأنواع اللحوم المختلفة ، وتبعتها أخرى بالحلويات والفواكه.  كنت متخمة تماماً، فابتسمت له ، ودفعت المبلغ الكبير ، الذي أرهق ميزانية يومي ، وأنا أضحك على نفسي، مذهولة مما حصل !

Sunday, April 06, 2025

   حكايتي مع (آن ) في جزيرة برنس أدوارد آيلند !

******************************

كتبت منى الشافعي 

***********

       في رحلتي الأخيرة إلى كندا ، وعند زيارتي مدينة هاليفاكس ، أغراني وجود جزيرة صغيرة قريبة من هاليفاكس ، تدعى ( برنس إدوارد آيلند )  وعادة الجزر تجذب السياح . فقرر فضولي قضاء مدة قصيرة في هذه الجزيرة ، وكما قيل لنا أنها وجهة عشاق الطبيعة البكر ، والاستمتاع بمناظرها الخلاّبة ، وشواطئها الرملية الناعمة الممتدة ، ومتعددة الأنشطة الترفيهية ، والأهم والذي جذبني أكثر الاستمتاع بالفعاليات الثقافية التي تقام على مدار العام .

    أخذنا العبّارة / سفينة صغيرة من مدينة هاليفاكس إلى الجزيرة التي تبعد 200 كيلومتر، مع مجموعة من السيّاح الآخرين ، تصحبنا مرافقة سياحية . 

     وما أن دخلت إلى السفينة ، وبدأت أتلفت لآخذ مقعداً أمامياً حتى أستمتع بالمناظر الطبيعية التي ستصادفني كعادتي ، وإذا بشابّة جميلة ترحب بي بحرارة ، وتدعوني للجلوس ، كما رحبت بغيري من السياح . الغريب أن هذه الشابة كانت ترتدي لباساً جميلاً طويلاً  محتشماً بألوان زاهية ، وقبعة مزركشة ، وتقدم نفسها باسم ( آن ) . من الوهلة الأولى اعتقدت أنه نوع من الترحيب المتّبع من الشركة السياحية .

     حين وصلنا إلى الجزيرة كانت الشابة ( آن ) ترافقنا ، حينها أخبرتنا المرافقة بأن هذه الفتاة هي إحدى أشهر شخصيات رواية الكاتبة المشهورة ( لوسي مونتغمري )  والتي تحمل عنوان ( آن في المرتفعات الخضراء ) وهذه الرواية نالت شهرة كبيرة في كل أنحاء كندا ، وتعدتها إلى كل أرجاء العالم وترجمت إلى عدة لغات ، طبعت في عام 1908 ، الطبعة الأولى  .

      وهنا بدأت أستوعب ، وأكملت المرافقة بأن زيارتنا هذا المساء ستكون إلى مسرح المدينة الكبير لحضور ومشاهدة رواية ( آن في المرتفعات الخضراء ) ممسرحة  ، وتابعت وغداً في الفترة الصباحية سنزور بيت الكاتبة ( مونتغمري ) الذي  أصبح متحفاً وطنيا ً، ثم سنزور الشجرة المعمّرة الكبيرة التي كانت(مونتغمري ) تكتب إبداعاتها تحت فيئها في المنطقة التي كانت تعيش فيها ، أما اليوم الثالث فستكون زيارتنا إلى المكتبة الكبيرة التي تحمل اسم الكاتبة ، والتي تباع فيها رواياتها وكتبها الأدبية الأخرى من شعر وغيرها ، كما تباع هدايا تذكارية تحمل صورة الكاتبة أو أغلفة رواياتها ، مثل الأكواب و الروزنامات والدفاتر الصغيرة والأقلام ، وعلاّقات المفاتيح والتيشيرتات وغيرها الكثير من الهدايا الرمزية البسيطة ، والأجمل تضم المكتبة ضمن خزانة زجاجية قصاصات من مسوداتها .

        وعلى مدى خمسة أيام متواصلة ، قضيناها في التعرف على هذه الكاتبة الشهيرة الرائدة ، سواء حياتها الشخصية أو الإبداعية ، وقد قيل لنا بأنها أصبحت معلماً وطنياً مميزاً من معالم الجزيرة ، يحتفى بها وبذكراها طوال هذه السنوات ، سيستمر ويتطور هذا الإحتفاء .

        بدأ الاحتفاء بها منذ شهرتها الأولى في الجزيرة . والأجمل أن كتبها ما تزال تطبع وتترجم وتباع ، كما أصبحت شهرتها مصدراً اقتصادياُ رئيسياً للجزيرة . 

    كنت أتابع وأحضر هذه الزيارات بشيء من الانبهار، وقد سكنتني انفعالات مختلطة ، فجّرت في داخلي كل طاقاتي من الأحاسيس والمشاعر المتناقضة ! 

     كنت حقاً مستمتعة وسعيدة لهذا الاحتفاء المختلف بكاتبة مبدعة ، وفي الوقت نفسه كنت أتألم وأتحسر على المبدع عندنا ، الذي إن حالفه الحظ من إحدى الجهات المعنية والمسؤولة عن الفن والأدب والثقافة ، التي أغلبها تعاني من البطء والهدوء ، بحيث تظهر وكأنها تقف على عتبة الاستجابة المنخفضة غير المتحركة ، والتي بالضرورة تؤمن بتكريم المبدع والاحتفاء به بعد موته ، مهما كانت حياته الإبداعية زاخرة بالتفرد والتميز ، أو بعبارة أخرى ، المحظوظ من المبدعين هو من تلتفت تلك الجهة إلى وجوده بعد موته ، فتحتفي بتكريمه البسيط ، وتأبينه بالوقت نفسه !

 وغداً يصبح نسياً منسياً !

     الأهم .. أنني استمتعت بهذه الزيارة حد الرقص ، وتابعت زياراتي الأخرى في الجزيرة الجاذبة الماتعة . 

بصراحة .. نسيت  أو تناسيت ، ثقافة تكريم المبدع الكويتي في ديرته !